إن أجلّ المقاصد وأنفع العلوم العلم بمعاني أسماء الله عز وجلّ الحسنى وصفاته العلا. فإن التعرّف على الله تعالى من خلال أسمائه وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم عبادة الله تعالى ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله.
من أسماء الله الحسنى: الوارث
ورد ذكر (الوارث) في القرآن ثلاث مرات كلها بصيغة الجمع وهي:
في قوله تعالى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) [الحجر: 23].
وقوله تعالى: (لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء: 89].
وقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 58].
وورد مرة واحدة بصيغة الفعل في قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم: 40]، وهو الذي يدل عليه قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27].
معنى (الوارث) من الناحية اللغوية
قال الزجاج: « (الوارث): كل باق بعد ذاهب فهو وارث»1(1) تفسير الأسماء ص 65..
وقال الزجاجي: «(الوارث): اسم الفاعل من ورث يرث فهو وارث»2(2) اشتقاق الأسماء ص 173..
معنى (الوارث) في حـق الله عز وجل
فيقول الطبري – رحمه الله تعالى – عند قوله تعالى: (نَحْنُ الْوَارِثِينَ) يقول: «ونحن نرث الأرض ومن عليها. بأن نميت جميعهم فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الأجل»3(3) تفسير الطبري 14/16..
وقال الزجاجي: «الله – عز وجل – وارث الخلق أجمعين، لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون؛ كما قال – عز وجل -: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم: 40]»4(4) اشتقاق الأسماء ص 173..
ويقول الخطابي: «(الوارث) هو: الباقي بعد فناء الخلق والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب»5(5) شأن الدعاء ص 96 – 97..
من آثار الإيمان باسمه سبحانه (الوارث)
1- السعي في هذه الدنيا للتقرب إلى الله عز وجل وجنته بالعلم النافع والعمل الصالح؛ وذلك للفوز بالجنة التي لا يورثها الله عز وجل إلا للمتقين: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) [مريم:63]. واللهج بالدعاء الذي دعا به إبراهيم عليه السلام: (وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) [الشعراء:85].
2- عدم الاغترار بقوة الباطل وانتفاشه فإن الله – عز وجل – له بالمرصاد وسيأتي الوقت الذي يزهقه الله فيه، ويورث عباده المؤمنين ديار الكافرين ويمكنهم فيها.
قال الله – عز وجل -: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف: 137].
وقال تبارك وتعالى: (قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].
وقوله سبحانه: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105].
3- عدم الاغترار بالدنيا والحذر من الركون إليها، لأن مآلها إلى الفناء ولا يبقى إلا ما قدمه العبد لنفسه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت)6(6) مسلم في الزهد (2958)..
4- التعلق بالله وحده، والتوكل عليه في حفظ من يبقى للعبد بعد موته من مال، وولد وهو خير الوارثين.
5- التبرؤ من الحول والقوة في كسب المال، والنظر إلى أن المالك الحقيقي هو الله – عز وجل – وإنما وضعه الله في أيدي الناس للاختبار، وهذا يحفز العبد إلى الإنفاق في سبيل الله – عز وجل – والجود به في سبيل مسديه.
قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد: 7].
وقال سبحانه: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الحديد: 10].
وقال – عز وجل -: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180].
الهوامش
(1) تفسير الأسماء ص 65.
(2) اشتقاق الأسماء ص 173.
(3) تفسير الطبري 14/16.
(4) اشتقاق الأسماء ص 173.
(5) شأن الدعاء ص 96 – 97.
(6) مسلم في الزهد (2958).
اقرأ أيضا
أسماء الله الحسنى: [الواحد، الأحد]
أسماء الله الحسنى: [الأول، الآخر]