مات عدو الله “قاسم سليماني” بعد جرائم كبرى وآلاف القتلى من المسلمين وملايين المهجرين، وعمليات سرية نُسبت زورا لأهل السنة ففضحته بها أمريكا. ثمة نقاط حاكمة لفهم الحال وما يتوقع.

مقدمة

بعد مقتل عدو الله الهالك “قاسم سليماني” ومن معه، فجر الجمعة الثامن من جمادى الأولى (1441هـ) الثالث من يناير (2020م)؛ ينتظر الناس توجه الأحداث. وقد وجدنا البعض يتجاوز حقائق في رؤية الأمور؛ فبعضهم جعله “شهيدا”..! لمجرد أن أمريكا هي من قتلته. والآخر يشتط في رؤية العداء بين الطرفين.

والغيب لله تعالى؛ ولكن ثمة أمور تمثل ثوابت، ولهذا نوضح نقاطا مهمة في فهم الموقف من مقتل قاسم سليماني ومن معه.. وردود الأفعال.

نقاط محددة للفهم

1) قرار إشعال المنطقة بالفوضى والحروب وعدم الاستقرار هو قرار استراتيجي أصدرته دراسات أمريكية منذ التسعينيات في نشرات وإصدارات صدرت حينها.. ثم تم التنفيذ بعدها بعشر سنوات.

2) قرار أمريكا بالتحالف مع الشيعة في المنطقة ضد أهل المنطقة المسلمين السنة هو قرار استراتيجي، وليس تكتيكيا أو مؤقتا. وقد اتُخذ في أول الألفية الجديدة. وقد حمل الجنود الأمريكيون عند دخول البصرة لافتات موجهة الى الشيعة مكتوب عليها “لن نخذلكم هذه المرة”. (1إذاعة “BBC” إبان غزو أمريكا للعراق عام 2003م)

3) بعد عملية مقتل السفاح “قاسم سليماني” بساعات صرّح “ترامب” أنه لا يريد تغيير النظام الإيراني، بل تغييرسلوكه..! ليوصل رسالة أن العملية تهدف الى بعض الاستدراكات لا أكثر.

4) العراق مظهر للتحالف العسكري بينهما. وقد دأب الرافضة على ولاء الكافرين، تماما كما يفعل إخوانهم من الطواغيت المتحكمين في أهل السنة.

5) في معاداة أهل السنة هما متحالفان ـ الإيرانيون بامتداداتهم في العراق، مع الأمريكيين والأوربيين بصليبيتهم المتّقدة ـ فالجو لأمريكا والبر للحشد الشيعي، مع كامل التنسيق بينهما.

6) التمدد الرافضي في العراق وسوريا ولبنان واليمن هو تحت عين وسمع الغرب، بل برعايته وموافقته وضوئه الأخضر. ولا أدلَّ على ذلك من تسليم الأمين العام للأمم المتحدة “صنعاء” رسميا للحوثيين في إطار جولة انتصارات الثورات المضادة بعد سقوط مصر في قبضة العسكر العلماني مرة ثانية.

7) لا تزال بلاد العرب المسلمين هي ساحة النزال بينهما، فهي من ناحية تتحمل خسائر الصراع. ومن ناحية أخرى هي الكعكة النهائية لاقتسام الأدوار والنفوذ. فلا حرب تدور في داخل إيران ولا في داخل أمريكا؛ بل داخل بلادنا بخيانة الرافضة العرب وخيانة العلمانيين “السنة..!!” العرب قبَّحهم الله ولعنهم لعنا كبيرا.

في الحاليْن العرب المسلمون في سوء؛ فإن اختلف الرافضة والغرب دفعوا الثمن، وإن اتفقوا فهُم الكعكة والثمن..!

8) الأحداث يقوم بها هؤلاء المجرمون من كلا الطرفين. والمسلمون يراقبون فقط، ولا يفعلون ولا يمنعون؛ بل يتوقعون من هذا ومن ذاك. وهذا ثمن التراجع الحضاري..

فلا التنظيمات الإسلامية نجحت في الوجود السياسي المستقر واكتساب الأمة لصالحهم والتحالف معها والاندماج بينهما. إما بأخطائها أو بسياق تآمري، أو بهما معا.

ولا الشعوب الإسلامية نجحت في امتلاك أمرها؛ حيث إما خُدعت (كما في مصر) أو شُردت كل مشرد (كما في سوريا واليمن) أو كُبتت في مهدها.. وفي النهاية بقيت على حالها وخسرت آمال الانعتاق والتحرر والانطلاق لتضبط المعادلة في المنطقة وفي التاريخ.

9) العداء والتحالف واردان في سياسة نفس الدول ضد بعضها.

وعلاقة أمريكا بإيران مثال واضح؛ التنافس حقيقي، والخلاف بينهما من أجل تحديد الأدوار وامتلاك النفوذ وفرْض الوجود.

10) توجيه وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” الشكر لابن سلمان وابن زايد يبدو أنه توريط، وإشراك لهما في تحمل مسؤوليات الرد الإيراني المتوقع أو المؤكد حدوثه، كأنه بمثابة وضع سهم للإيرانيين؛ يقول: اضربوا هنا أو هنا..!

11) لا يُصلح العرب أوضاعهم، ولا يحاولون استدراك أمورهم، ولا تغيير أدوات المعادلة بامتلاك نوع من القوة. بل إنجازاتهم تتلخص في تعرية نساء المسلمين وإخراج جيل من الفساق، ونشرالإلحاد، وسرقة أموال الأمة، والمغامرة بمقدراتها، وتعريضها لمخاطر تاريخية ومآزق استراتيجية.. (جفاف النيل في مصر الأزمات الطاحنة للناس، الانهيار المالي السعودي. وتراجع دورهما، وارتهانهما للعدو. تدمير البلاد وهدّها على رأسها كما فعل طاغية سوريا “بشار الأسد” وسار مفتخرا بين أطلال البلاد.. وكذا بقية اقطار المسلمين).

يصرخ المسلمون متألمين أن قتل مجموعة صغيرة من الفرس جعلت العالم كله في ترقب والكل يخمن كيف ومتى ينتقمون؛ بينما يموت الملايين من أهل السنة دون أن يتذكرهم أحد. ولهذا أسباب؛ منها اجتماع الروافض في كل مكان قادة وأحزابًا وشعوبًا من كل الأعراق والجنسيات والتوجهات في موقف واحد تحت قيادة واحدة.. هكذا تُهاب الأمم؛ بينما نحن بلاد متمزقة، ومجتمات مفككة، وقيادات منتدَبة من العدو؛ فبالله المستغاث.

12) لا تقوم هذه الأمة إلا بالإسلام منهجا وشريعة وهوية، ولا يعتدل التاريخ إلا بوجود هذه الأمة وممارستها لدورها وفاعليتها. ولكن في المقابل يشترك الأمريكيون والغرب كله، مع الصهاينة، مع الإيرانيين وعموم الروافض، مع الأنظمة العلمانية الملَكية والجمهورية والبَين بين، في رؤية أن “الإسلام” هو الخطر المشترك. والاتفاق على وأده ومنعه وقهر أهله ما استطاعوا؛ لا سيما أهل السنة منهم.

أي تحليل للموقف ينبغي ألا يهمل هذه النقاط ولا يفترض من الأطراف تجاوزها أو إنكارها.

خاتمة

الى هنا لا ينتهي المطاف عند المسلم؛ فهذه فقط معطيات الواقع الآن ومن التاريخ القريب الذي أفرز نتائج اليوم؛ ولكن تبقى الأمور بيد الله، ويبقى الغيب لله تعالى لا لغيره.

وقد يضرب الله بعض الظالمين ببعض، لتتحقق سنة المدافعة التي قال الله عز وجل عنها ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة: 251) كما أنه قد يقع ما لم يكن في الحسبان؛ فلا تزال أبصار المستضعفين تنظر الى السماء وقلوبهم تتعلق بربها تعالى أن يغير الأوضاع ويرفع عنها يد القهر والاستضعاف التي كبتت حرية المسلمين وسجنت إرادتهم وتعتدي على كرامتهم.

ثمة داعٍ هناك في سجنه أو مسجده، ورافع يديه في قلب المهجر والشتات، وعيون دامعة في معسكرات اللاجئين، وعقول تزدحم عليها الأفكار ماذا في غدٍ وهل ثمة مخرج..!! وثمة من يصالح العدو ويتفق معه سرا عندما انكسرت قوّته فتراجع ورأى المستقبل بيد العدو وأُغلق قلبه عن أن يرى أن الأمر كله لله.

وعند الله تدبير وتدبير؛ يجبر به كسرا، ويشرق أملا ويفجر فجرا، ويبطل كيدا، فيفرح مؤمن ويستبشر صامد ويندم منافق وتصلُح قلوب.

فاللهم فرّج عن أمة محمد؛ واجعل لنا فرجا ومخرجا.

…………………………….

هوامش:

  1. إذاعة “BBC” إبان غزو أمريكا للعراق عام 2003م.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة