يتمحض بعض الناس للشر، يفرحون به وبرؤية آثارهم المفسدة في الحياة وفي قلوب الناس..! وجب نصحهم وردعهم، وتحذير الأمة منهم؛ لا يهلك بسببهم الناس.
مقدمة
تعاني الأمة من فئةٍ تمحضت للفساد، ما بين مُلحد فسَد اعتقاده في دينه، وما بين فاسق منهمك في فسقه. تمحَّض هذا وذاك للشر يدعون اليه ويُسَرون بوجوده ويحزنون ويُساؤون لمظاهر الخير والصلاح والعفة والاستقامة..! أمنية أحدهم ـ كما كتب بنفسه ـ أن تدخل البنت المسلمة الى بيتها وفي يدها صديقها لتقول لأبيها: “هذا صديقي”..!
قد جعلهم إبليس وكلاء له، وكفوه مؤونة الوسوسة والإفساد ليقوموا بدور الشياطين في جثمان إنس..!
الفئة المفسدة الداعية إلى الشر والصادة عن الخير
وهؤلاء هم سفلة المجتمع، وهم أراذل الناس؛ لأنهم خانوا ربهم، وخانوا أمتهم، وظلموها، وعرّضوا الناس للشقاء والنكد في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: 123] يقول الشيخ السعدي، رحمه الله تعالى، عند هذه الآية: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾
“أي: الرؤساء الذين قد كبر جُرْمهم، واشتد طغيانهم ﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ بالخديعة والدعوة إلى سبيل الشيطان، ومحاربة الرسل وأتْباعهم، بالقول والفعل، وإنما مكرهم وكيدهم يعود على أنفسهم؛ لأنهم يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم يناضلون هؤلاء المجرمين، ويردون عليهم أقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك، ويعينهم الله، ويسدد رأيهم، ويثبّت أقدامهم، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم، حتى يدول الأمر في عاقبته، بنصرهم وظهورهم، والعاقبة للمتقين”. (1تفسير السعدي، عند الآية (123) من سورة الأنعام)
كلمات نصحٍ لفئة المفسدين
وبهذه المناسبة أوجه الكلمات التالية لأهل هذه الفئة لعل الله عز وجل أن ينفعهم بها:
أذكّركم بموعظة الله تعالى إذ يقول: ﴿قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ: 46]، فماذا عليكم لو قام كل فرد منكم مع نفسه أو مع صاحبه، ثم فكرتم فيما أنتم عليه من فساد وصد عن سبيل الله عز وجل .
هل أنتم مقتنعون بما تفعلون، وبما تتسببون به لأمتكم من الشرور..؟ وهل هذا يرضي الله تعالى ويجلب النعيم لكم في الآخرة..؟
إنكم إن قمتم لله عز وجل متجردين مَثْنى أو فرادى، وفكرتم في ذلك؛ فإن الجواب البدهي هو أن الفساد والإفساد لا يحبه الله عز وجل؛ بل يمقته ويمقت أهله، وسيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهلُ الفساد أنفسَهم، ويتحسرون على ما فرطوا وضيعوا وأفسدوا وذلك في يوم الحسرة، حيث لا ينفع التحسر ولا التندم.
إن الذي يكره الخيرَ وأهله، وينشر الفساد، ويصد عن سبيل الله تعالى إنما هو بين أمرين لا ثالث لهما:
إما أنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وما الحياة عنده إلا هذه الدنيا، فهو يسعى ليجمع فيها ويظلم ويبطش؛ لأنه لا يرجو اليوم الآخر ولا يخافه، فهذا كافر مرتد. وإن كان يُخفي هذا الكفر فهو منافق زنديق.
أو أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن الدنيا وزخرفها ومناصبها أسكرت عقله ولبه؛ فأصبح في غفلة شديدة عن الآخرة ونعيمها وعذابها حتى استمرأ الفساد، وصارت الدنيا أكبر همه يلهث وراءها، ويجمع حطامها ولو كان عن طريق الفساد والإفساد. ومثل هذا الذي يؤمن بالآخرة ولكنه في غفلة شديدة عنها، مثل هذا لا عقل له، كما أن الأول لا إيمان له. وقد يخسر إيمانه في النهاية.
والحاصل أن تتداركوا ما بقي من عمركم في التوبة إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل، حيث لا ينفع الندم، واعتبِروا بمن ذهب ممن هو على شاكلتكم بدون توبة، وماذا بقي له من الذِكر في هذه الحياة الدنيا.
وفاة أئمة الصلاح وأئمة الفساد
قارِنوا من مات من أهل الخير والصلاح كشيخ الإسلام ابن تيمية، وقبله الإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وبعدهم الإمام محمد بن عبد الوهاب (رحم الله الجميع). لقد بقي ذكرهم عند الناس كأنهم لم يموتوا، مع ما نرجوه لهم من الأجر العظيم في الآخرة، قارِنوا هؤلاء بمن مات من أهل الشر والإفساد الذين لم يبق لهم ذكر البتة؛ لا.. بل بقي الذكر السيئ ولعنات الأمة تلاحقهم عند ذكرهم، مع ما يُخشى عليهم من عذاب الله سبحانه يوم يقوم الناس لرب العالمين.. فأي الفريقين أشرف مكانةً وأهدى سبيلاً..؟
نذكّركم بيوم الحسرة والندامة، يوم يتبرأ منكم الأتباع، وتتبرؤون من الأتباع، ولكن حين لا ينفع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ، بل كما قال تعالى: ﴿إذْ تَبَرَّأَ الَذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ [البقرة: 166].
نذكّركم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم إن لم تتوبوا، قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: 25].
لما كان الظلم قرين الفساد والإفساد، فإنه جدير بالظالمين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أن يتذكروا يوم الفصل والحساب ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: 52] ليتذكر الظالمون هذا اليوم المشهود الذي يقتص فيه الحَكم العدل من الظالمين للمظلومين، ليتذكروا هذا اليوم العظيم إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ما داموا في دار الدنيا دار
التوبة والاستعتاب، فوالله إن للظالم ليوماً ينكشف فيه الغطاء ويعضُّ فيه على يديه من الخزي والحسرة، وإن في كتاب الله عز وجل لغُنية عن أي كلام وكفاية عن أي موعظة قال جل وعلا: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ [ابراهيم: 42-43] وإن الظالمين جميعهم تابعيهم ومتبوعيهم لهم يوم مشهود وعصيب، يوم يلعن بعضهم بعضاً، ويحيل التبعة بعضهم على بعض، ولكن حين لا يجلب لهم ذلك إلا الخزي والبوار.
إن لم يجد واعظ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم شيئاً؛ فلا أقَلَّ من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد أخلاق الأمة والوقوف في وجه المصلحين الداعين إلى معالي الأمور والأخلاق. فالمتأمل لحال المفسدين في الأرض اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم.. فما لهم وللمرأة الحيِيّة التي تقر في منزلها، توفر السكن لزوجها وترعى أولادها، ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها، ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد
المسلمين يتربّون على الخير والدين والخصال الكريمة..؟ ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم..؟
هل يريدون جيلاً منحلاّ يكون وبالاً على مجتمعه، ذليلاً لأعدائه، عبداً لشهواته..؟!
إن تلك هي النتيجة، وإن من يسعى إلى تلك النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها أكثر الأسر المسلمة اليوم، لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه.
فيا مَن وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوط والانتكاس.. توبوا إلى ربكم، وفكِروا في غايتكم ومصيركم، واعلموا أن وراءكم أنباء عظيمة، وأهوالاً جسيمة تشيب لها الولدان، وتشخص فيها الأبصار، فإن كنتم تؤمنون بهذه فاستيقظوا من غفلتكم وراجعوا أنفسكم، والله جل وعلا يغفر الذنوب جميعاً، وإن كنتم لا تؤمنون بذلك فراجعوا دينكم، وادخلوا في السلم كافة قبل أن يُحال بينكم وبين ما تشتهون.
وأخيرا
نذكّر المنافقين من هذه الفئة بأن الله سبحانه يعلم سرهم ونجواهم، ويعرّف المؤمنين بسيما المنافقين مهما أظهروا الإسلام في الدنيا، وفي الآخرة يخزيهم ويفضحهم بين الأشهاد ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة: 18] فتوبوا إلى الله علام الغيوب ما دمتم في زمن التوبة، وصحِحوا بواطنكم قبل أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور.
………………………………
الهوامش:
- تفسير السعدي، عند الآية (123) من سورة الأنعام.