تبنى الأستاذ سيد قطب رحمه الله قضايا أوضحها وعاش من أجلها، وكانت علامات دالة على فكره وفهمه، بل ومات من أجلها….في هذا المقال نعرض لبعض هذه القضايا..

مقدمة

تبنى الأستاذ سيد قطب رحمه الله قضايا أوضحها وعاش من أجلها، وكانت علامات دالة على فكره وفهمه، بل ومات من أجلها. ولكن ابتعد الناس عن مضمون ما قدّم تحت حجة وغبار التكفير وعدمه، والوقوف على ألفاظ بعينها، بسبب انحراف فكر هؤلاء الناظرين، أو استخدام أمني مقصود، أو لبدع غالبة، أو انحراف نفسي، أو جهل عقيم، أو قصور عقلي غير مسبوق. وتحت هذا الغبار بين الاتهام ونفيه ضاعت القضايا الأصلية، وكانت علامة الخبث الواضحة هي أن من هاجمه لم يلتفت إلى القضايا التي حملها وتبناها، وهي محل إجماع الأمة ومنطوق النصوص المتكاثرة، وغيابُها هو سبب تخلف الأمة وتبعيتها. هؤلاء الذين وقفوا على كلمة انتزعوها من سياقها، لم يتبنوا تلك القضايا ولم يحملوها مع تجنبهم لما يرونه خطأ بزعمهم، بل اكتفوا بالتشغيب والتغبير، ثم تواطؤوا على كتمان الحق، بل تمادوا أكثر من هذا فقالوا أن من يبين الحق فهو متهم بنفس الاتهامات الموجهة للأستاذ الشهيد رحمه الله، تهديداً ومنعاً لأي بيان للحق.

وما زال السؤال موجهًا لهؤلاء لماذا تركتم القضايا الكبيرة التي حملها الرموز وماتوا من أجلها مع تجنب ما ترون أنه خطأ على زعمكم؟! بل لماذا تسيرون تقررون شرعية فصل الدين عن الحياة وإقصاء شريعة الله والتولي بغير ولاية الإسلام وموالاة أعداء الله وتفتيت بلاد المسلمين؟ ولماذا تعطون شرعية للتخلف والتبعية والضعف والفقر والجهل والفساد؟ ولماذا ينحدر المسلمون في ظل دعوتكم وحمايتكم للعلمانية! ولماذا تقرر فيهم الإباحية ويصحو الناس كل يوم على تطور سلبي في أبنائهم وأجيالهم بينما أنتم تعطون شرعية لهذه الأنظمة والمؤسسات التي تقوم بهذا التغيير العميق؟!

لا إجابة، ولن تسمع إجابة، لأن هذه هي الصفقة؛ التغبير على القضايا حتى تضيع بين المتدارئين في الحق، وهي صفقة خسيسة مع جهات العداء الداخلي، ومنهم من يعقدها مع صليبيي وصهاينة الغرب أنفسهم تحت مسمى (مراكز الدراسات أو البحث) مع تطويع آلات إعلامية جبارة تحت أيديهم. وبغض النظر عن المهاترات المقصودة بخبث! فلننظر في القضايا التي شغلت معظم كتابات الأستاذ الشهيد رحمه الله وشغلت مساحة كبيرة من تفكيره وبيانه، ثم دفع فيها حياته، ثم تركها الناس وانشغلوا عنها باتهامات يثبتها هذا وينفيها ذاك.. أما معظم قضاياه فهي:

أولاً: إفراد الله بالتشريع والدينونة والإستسلام

فقرر وأوضح مرارًا حقيقة الإسلام والمفاهيم الشرعية التي تواترت النصوص في بيانها وأجمعت عليها الأمة، وهي حقيقة الدين التي جاء بها جميع الأنبياء، وإن انحرفت عنها الأجيال المتأخرة وجهلتها، وهي أن قبول الشرائع وتقرير حاكمية رب العالمين التشريعية على الحياة كلها دون خروج أي جزء من الحياة عن هذه الحاكمية، وهذه الحاكمية بمعنى هيمنة شرائع رب العالمين القانونية والتربوية والتصورات والقيم على الحياة، وهذا التشريع تشريع عام للجانب الفردي والجماعي، والخاص والعام. أن هذه الحاكمية هي المعنى المباشر لمعنى الدينونة لله تعالى والإسلام والإستسلام له، والذي لا يتحقق الا بقبول الأحكام، وأنها إفراد لله تعالى بحقه الخالص في التشريع فهي أحد أركان (لا اله الا الله).

وتقرير هذه الحاكمية يترتب عليها قيام جملة الحياة على وفق المنهج الرباني لتحقيق غاياته التي أنوله الله تعالى من أجلها (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).

ثانيًا: الهوية والولاء ومعنى الأمة

أوضح، رحمه الله، معنى إفراد الله تعالى بالولاء والمحبة، وتقرير معنى أن جنسية المسلم عقيدته، وأن الإسلام كما يمثل شريعة حاكمة فهو هوية جامعة، فقرر وأوضح معنى الأمة الواحدة وأن صلة العقيدة هي أول الصِلات التي تنبني عليها بقية الصِلات، وإذا انبتّت وانفصلت تلك (الوشيجة) صار كلٌ من أمة، وأن الأمة هي أمة عقيدة لا سياج أرضي ولا حدود مراعي وقطعان ولا نعرات جنس، وأن أشرف ما في الإنسان عقيدته، لأنها اختياره، وأن اللون والوطن والقوم واللغة والجنس ليست اختياره، فمن كرامة الإنسان أن يكون ولاؤه وهويته هي عقيدته التي يستطيع تحديدها، ومن ثم يستطيع تحديد الأمة التي ينتمي إليها، وأن الدعوة للّقاء والتجمع في الله تعالى ليست تعصبًا بل هي الدعوة الجامعة. وبين عمق تاريخ هذه الأمة، وأن تاريخها يتمثل في موكب الإيمان وتاريخه مع جميع الأنبياء، فالمسلمون أمة واحدة عبر التاريخ، وهو تاريخ ضارب في أعماق الزمان، يبدأ منذ ظهور البشرية وبدايتها المؤمنة مع آدم عليه السلام. واستعرض معنى الأمة الواحدة التي يتقدمها الرهط الكريم من الأنبياء الكرام يتقدمون هذا الموكب الكريم، وأن انتماء المسلم واعتزازه ليس لأرض أو جنس أو قومية بل لعقيدته ودينه، ويجب أن يتجرد لهذا الانتماء، وعلى وفق هذا الانتماء توضع بقية الانتماءات في مواضعها وترتيبها حيث أنزلها الله تعالى.

ثالثاً: البداية بالعقيدة، في الدعوة والتربية

تكلم عن البداية في الدعوة، وفي التربية كذلك، بالعقيدة، ليس تكفيرًا للناس بل كنقطة بداية للدعوة والتربية وأساس راسخ ومتين ليُبنى عليه البناء الإسلامي الشخصي للفرد في التربية، وللدولة والأمة في شكل مؤسساتها ونظامها ومنهج حياتها الذي تتبناه. فعندما تتقرر العقيدة كأساس متين ومقرر ومفهوم واضح، وتأخذ حقها في البيان والتربية، لا يرفض الناس أمرًا دون أمر أو يجادلون في حكم دون حكم أو يتأبى الفرد عن الامتثال، أو تجادل فئات في حكم شرعي وترفض قبوله. فالتربية تبدأ من العقيدة، كما أن الدعوة تبدأ من تقرير العقيدة، وعليها يبنى هذا وذاك.

رابعًا: تعرية الخنادق المعادية للإسلام أصحاب الرايات المعلنة

كما تكلم عن التوضيح الشرعي لحقائق الإسلام كما أسلفنا، تكلم عن الخنادق التي تعادي الإسلام وتقف له بالمرصاد، وأوضح حقيقتها وعرّاها، وبيّن أنها تختبيء خلف الإنتساب للإسلام لحربه وعدائه، وأن الأمر فيها بيّن من خلال مفاهيم هذا الدين التي قررتها عشرات إن لم تكن مئات النصوص عن أن حقيقة الإسلام هي قبول شرع الله ورفض ما سواه، فمن عادى شريعته ومنهجه وقيمه وأخلاقه وأحكامه وموازينه، ثم يدعي احترامه للإسلام فهو احترام كاذب وتستُر لحربه، وأن تلفظ هؤلاء بالإسلام لا يعطيهم شرعية، وأن القول بأن الإسلام بخير، وأن المسلمين بخير، مع هذا الحال، هو قول للتخدير. أكد مرارًا أن معرفة أنك على الحق لا تكفي بل يجب أن تعرف أن عدوك على الباطل، وذلك لقوة المدافعة والثقة فيما معك، ولمعرفة مقدار النقلة البعيدة التي جاء الإسلام لنقل الناس إليها.

وأوضح أن هذا مقصود قرآني.. أن يعري الباطل ويسقط لافتاته ويوضح حقيقته ويكشف عن قبحه وتهافت معتقده وسوء عاقبته ومرارة مغبته.

خامسًا: غياب الوجود الشرعي، بما يعني إسقاط الشرعية، والتفريق بينه وبين الحكم على أفراد الأمة

من أهم النقاط التي تدارأ الكثير لكي لا يوضحوها ولكي يعموا الناس عنها، وبل واستغلوها لتشويه الرجل والتغبيرعلى قضاياه، وهي أنه بيّن غياب الوجود الشرعي المؤسسي للإسلام، بمعنى غياب تحكيمه وقيام المؤسسات على وفقه ولخدمته وتطبيقه واستهدافه كرسالة، تحت ادّعاء الدولة الحديثة والتي أرادتها الخنادق والنخبة المتغربة دولة علمانية تجافي الدين وترى أنه لا حق للإسلام في حكمه للحياة وللنشاط الإنساني، القانوني والفكري والفني، وأوضاعه الإجتماعية والإقتصادية، فتكلم عن انقطاع هذا الوجود وغياب الإسلام بهذا المفهوم.

وأما أفراد الناس فهم أمته المسلمة التي يسعى لإحيائها، وذكر الإحياء كثيراً في كلماته، وهُم الذين يحمل قضاياهم ويبكي لآلامهم في الهند والصين وفلسطين ومن قبل في الأندلس والحلقات الإستعمارية الحديثة، ولو كفّرهم لما تألم من أجلهم ولما رآه عداءً للإسلام ولا حلقة من صراعه مع أعدائه.

فمن لم يفرق بين الأمرين إما قال أنه يكفر الناس! أو برر بما يجعل الأوضاع العلمانية كلها كأنها قريب من قريب! وأن الخلاف معها جزئي وهامشي فيعطى شرعية للنظم العلمانية!!

بينما الأستاذ الشهيد، رحمه الله، يفرّق تمامًا بين الأمرين، بين عموم المسلمين، وبين الوجود المؤسسي الشرعي للإسلام، فهذا هو الغائب، وبيّن المفاهيم الشرعية الصحيحة التي يجب أن يعرفها المسلمون لتصحيح تصوراتهم وعقائدهم إن لحق بها خلل أو غبش، ولتصحيح أوضاعهم على وفقها.

وقرر أن حقيقة الإسلام لا ترجع إلى عرف الناس بل إلى المقررات الشرعية، فإن وجدنا مع البيان بُعد الناس عن هذه الحقيقة أو الجهل بها فيجب ألا يمنع عن بيانها استبشاع الناس للفارق الكبير بين حياتهم وبين الحقائق الشرعية المطلوب فهمها وتطبيقها وقيام الحياة على وفقها، فالأوضاع المنحرفة هي انعكاس لخلل يجب إصلاحه ولجهل يجب بيانه، وأنه لا يُستغرب إن ساهمت مؤسسات دينية ورموز علمية في هذا التلبيس والجهل عندما تتخذ الدين حرفة وتكسبًا.

سادسًا: التصورات الإسلامية الأساسية والنظريات الإسلامية المقابلة للغرب

ومن باب استقراء النصوص والجمع بينها لاستخراج النظريات الإسلامية، وهي أعم من القواعد، تكلم عن التصورات الإسلامية عن الله، والكون ، والإنسان، والحياة والموت، والدنيا والآخرة، والنفس البشرية ودوافعها وكوابحها، وعلاقة الخالق بالمخلوق، وبالكون والحياة والأحياء، كتصورات تمثل النظريات الإسلامية المقابلة للنظريات الغربية التي قامت عليها الحضارة الغربية، فأوضح النظريات الإسلامية التي قامت عليها الحضارة الإسلامية منذ فجر التاريخ، ثم مع الحلقة الأخيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي ستقوم عليها إن شاء الله تعالى دورة التمكين القادمة للإسلام؛ فواجه تصورات ماركس وفرويد ودوركايم ونيتشه وغيرهم.

كما واجه نزعات الإلحاد الغربية، واستند إلى العلوم الحديثة في الفلك والأحياء والجيولوجيا والكيمياء وغيرها لتقرير حقائق هذا الدين؛ بوجود خالق يدبر أمر الحياة والأحياء والوجود كله وعلاقاته المتشابكة، وأنه تعالى من العظمة والوضوح بحيث يجده كل عالم وباحث في نهاية كل طريق يسلكه، وتكلم عن آلاف التوافقات في الحياة والأحياء وأنها توافقات مقصودة لقيام هذه الحياة وهذا الإنسان وهذا العالم على وجه الخصوص، وأن من ورائها حكمة بالغة عليا.

وفي هذا السياق أشار كثيرًا إلى كتاب الله المقروء وكتاب الله المنظور..

أما الكتاب المقروء فالقرآن ودلالاته وخطابه المعجز والفطري والعميق.

وأما الكتاب المنظور فصفحة الكون الممتلئة دلالات وآيات تشير إلى رب العالمين وعظمته وتفرده، بل ودلالته على اليوم الآخر وحتمية لقاء الله تعالى.

سابعًا: عرضه الشفيف والسامي لمقومات التصور الإسلامي

ومن أجمل وأرق، وأعلى وأسمى ما عرضه كان في مقومات التصور الإسلامي، وكان أشف ما عرضه كان في استعراض حقيقة الألوهية والربوبية، واستعراض البيّنة والإيمان في قلوب الأنبياء وهم يتكلمون عن شعورهم ورؤيتهم وإيمانهم، وشعورهم وذوقهم لأسماء الله وصفاته وعلاقتهم به وعلاقته بهم، وشعورهم بالآخرة.

لم يزد رحمه الله أن عرض القرآن وآياته، لكن عرضه عرض من فهمه وذاقه وزاول هذا الشعور، كان يعرض صفات رب العالمين وآثار أسمائه وصفاته وجليل صنعه، ويعرض الإيمان في قلب النبي، ثم يقول: هل قلت شيئاً؟ هل زدت شيئاً؟ لا لأن الحقيقة أظهر من أن يضيف إليها شيئاً.. قال الكثير رغم أنه لم يشرح كثيرًا!! فكان قمة امتزاج العلم والفهم مع الشعور والإيمان.. رحمه الله.

ثامنًا: النظام الإجتماعي في الإسلام، وتحقيق العدالة الإجتماعية وفق منهجه

تكلم عن النظام الاجتماعي وقيمة الأسرة ونظامها الإسلامي، وعلاقات الجنسين وقيمة العفة مع التواصل المجتمعي، والقيمة الكبرى التي أولاها هذا الدين للأسرة وأحكامها المختلفة وعلاقاتها المتشابكة.

كما تكلم عن العدالة الإجتماعية في الإسلام، والأدوات التي شرعها الإسلام لتحقيقها، ومن قبْلها تكلم عن التصور الإسلامي للمال ودوره في الحياة والمجتمع، وعن حق الفرد في التملك، كما قرر حق المجتمع في التدخل لتحقيق العدالة الإجتماعية ولعدم إساءة التصرف بالسفه أو الانحراف، وحق المجتمع وسلطة الحاكم المسلم في هذا التدخل وحدوده بما يحفظ الملكية الفردية الرشيدة.. كما أوضح الغايات التي يجب أن يستهدفها المجتمع ويستهدفها الحاكم المسلم في هذا المجال.

وأن الإسلام لا يعرف الإشتراكية العفنة التي تلغي دور الفرد وتسحقه -في ظل الشيوعية والالحاد- والتي ما قامت إلا في أحط البيئات الإنسانية ومع ذلك خالفت الفطرة فسقطت تحت مطارقها، ومعها ملايين الأرواح والنفوس وأنهار الدماء، ذلك أنها عاكست الفطرة وصادرت غريزة التملك في الإنسان وحريته الفردية.

والإسلام كذلك لا يعرف الرأسمالية المتوحشة التي تلغي اعتبار المجتمع وتقدس الفرد واللذة والمنفعة الفردية فتسحق ملايين الفقراء والعمال.

بل الإسلام يعتبر كل طرف بما لا يخل باعتبار الآخر، وله في هذا طريقه الخاص وأدواته وأحكامه وتوازنه.

كما واجه بشدة سيطرة وفساد الرأسمالية التي تعني قلة تتحكم في مصير البشرية ومن ورائها اليهود بأفكارهم الخبيثة ومآربهم العفنة والشريرة؛ فيمتلكون المال ومعه الإعلام وتوجيه الرؤوس، حتى تصير الحرية حرية مزيفة وخادعة، ومن ثم تحقق السيطرة السياسية، المحلية والدولية.

تاسعًا: ملامح النظام السياسي الإسلامي الراشد

تطرق كثيرًا إلى ملامح النظام السياسي الإسلامي، وتقرير النظام الشورِي المؤسسي ودور الأمة، وأن الشكل الراشد في الحكم ممكن التكرار، وأن التطبيق الراشد في دقته الشخصية وسموه الشخصي هو التطبيق الفائق لهذا الدين، وأما التطبيق العام والمؤسسي الذي يقيم هذا الدين كما أراده الله تعالى فهو ممكن في المقدور العادي بمستويات إيمانية يمكن لمن بعد الصحابة القيام بها لإقامة هذا الدين، فهو ليس مشروطًا بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بصحابته الكرام، وإلا لما كان تكليفاً للأمة كلها ويحاسب الناس على التفريط فيه، وأن هذا التطبيق -المقدور لغير الصحابة- هو مستوى سامق للبشرية كلها، يمكن -بل يجب- أن تستهدفه. المهم هو الملامح الأساسية للنظام الإسلامي، من حيث إفراد الله تعالى بالتشريع، مع وجود الشورى والحرية، وحرية اختيار الأمة لحكامها ونوابها ومن يقومون على إقامة أمر الدين والبلاد، مع سيادة القيم الإسلامية وأحكام الشريعة وأهداف وغايات المجتمع المسلم ودوره الرِسالي في العالم بالقيام بمهمة إبلاغ الرسالة للعالم كله والدفاع عنها.

مع الاستفادة بالتجارب البشرية فيما لا يمس أحكام أو تصورات أو قيم هذا الدين، بل فيما يخدم إقامة أحكام وتصورات وقيم هذا الدين من آليات يسمح بها الإسلام.

عاشرًا: المنظومة الأخلاقية في الإسلام

كما أوضح التصور الأخلاقي في الإسلام، وأن العنصر الأخلاقي عنصر بارز في هذا الدين ومميز له وشامل لنشاط الانسان كذلك، وهو في نفس الوقت ليس قيدا على النشاط الإنساني، بل هو قوة إجابية وطاقة دافعة، فإن حجّم ورشّد بعضَ الاتجاهات المحرمة للنشاط الإنساني فهي دافع من جوانب أخر وتحرير لطاقات إنسانية معطلة.

وأوضح أن الأخلاق في الإسلام ليست متطورة أو متغيرة بل هي مستندة إلى قاعدة تضمن لها الثبات ومصدر عقدي رباني، وأنها أصيلة في النفس البشرية وفي الإسلام كذلك، وأنها في نفسها قيمة وليست تابعة لقيم مادية أو لذة منشودة أو أوضاع اقتصادية متغيرة أو أدوات إنتاج.

حادي عشر: التفسير الإسلامي للتاريخ

تكلم عن التفسير الإسلامي للتاريخ ورؤية الإسلام لنشوء الأمم وهلاكها، وتفاعلها مع الهدى والضلال، وأوضح أن العامل الأول والأساس لقوة الأمم أو سقوطها هو كيفية تعاملها مع هذا الدين، التعامل مع الحق والهداية، وأن عامل الدمار والهلاك هو الزيغ والضلال، وليس العوامل الاقتصادية بالمقام الأول.

فكان التفسير الإسلامي للتاريخ في مقابل التفسير المادي له من خلال أدوات الإنتاج وتغير المجتمعات من وضع رعوي إلى زراعي إلى تجاري إلى صناعي وصراع طبقي وغيره؛ فأوضح رحمه الله عمق هذه الكلمة الربانية {فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ}، كما استعرض التاريخ من خلال التصور الرباني والعرض القرآني له، من خلال ما قصه كتاب الله تعالى في شأن الأمم السابقة.

وفي خلال هذا عرّى الحضارة الغربية، مع اعترافه بعبقرية التنظيم والروح العلمية والمثابرة في البحث، مع وجود الأخلاق العلمية اللازمة للحضارة المادية، لكنْ خواؤها من الروح وحربها لله تعالى واستعلاؤها الظالم يجعل منها تجربة مكرورة من الأمم الهاكلة {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}؟! [فصلت، من الآية:15]، وأنها ذاهبة إلى الزوال لا محالة {حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام، من الآية:44].

كما تكلم في هذا عن نشأة العلمانية في أوروبا وخصامها مع الدين وأن هذه ظروف محلية تخص أوروبا لا علاقة لها بالمسلمين، فالدعوات الأوربية للخصام مع الدين متفهَمة، وإن كانت غير مقبولة لوجود الدين الحق أمامها فرفضته تعصبًا وحقدًا.

أما في العالم الإسلامي فهي دعوات لا مبرر لها، فهي دعوات مغرضة، لأن الإسلام هو أساس نشأة هذه الأمة ومبرر وجودها وسبب حضارتها وعزها، وهو الدافع للتقدم العلمي والحضاري، ولم يكن يومًا في خصام مع العلم كما حدث مع الكنيسة الغربية.

ثاني عشر: صراع الإسلام التاريخي مع أعدائه

تكلم عن صراع الإسلام مع أعدائه منذ فجر التاريخ في حلقات متتابعة، بينها تشابه كبير في طبيعة الصراع، ليتأسى اللاحق بالسابق {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت، من الآية:43].

وأن مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه هي حلقة في هذه الحلقات، وأن الصراع مع الجاهلية (الانحراف عن هذا الدين وعن حقيقته) هو أمر متوقع، وأن (الجاهلية) كائن عضوي يتحرك تحركًا متوقَعًا للدفاع عن وجوده أمام زحف الحق وهجمته عليه، لأن الباطل حينئذ مهدد في أساسه الذي قام عليه.

(الحلقة الأخيرة من التاريخ الإسلامي ورفض الإسلام لأي انحراف):

كما أشار إلى تاريخ الإسلام في حلقته الأخيرة، وأن الانحراف الذي حدث في تاريخ الأمة هو انحراف عن الإسلام وأنه تاريخ المسلمين البشري، وأن الإسلام لم يقر هذا الانحراف بل الإسلام واضح يحدد المسار الصواب ويحدد درجة الانحراف ويدعو الناس إلى العودة، ولا يقر بالخطأ و لايبرره، فضلاً عن أن يمجده.

ثالث عشر: العداء الصليبي والصهيوني، والوثني، المتحالف ضد الإسلام

اهتم كثيرًا ببيان العداء العالمي للإسلام، من الصهيونية العالمية منذ خيبر الظافرة، ومن الصليبية العالمية منذ اليرموك الظافرة، ثم تحالفهما ضد الإسلام وتآمرهما عليه، وكذا الحقد الوثني، واستعرض معاناة المسلمين التاريخية مع الوثنيين التتار والحديثة مع الهند الوثنية والصين الشيوعية ومعاناة المسلمين مع روسيا إبّان الاتحاد السوفيتي.

كما استعرض الحقد الصليبي التاريخي مع الحملات الصليبية القديمة، وقال أن الاستعمار الحديث هو حلقة صليبية معاصرة هي في حقيقتها امتداد للحملات الأولى، وأن من الخداع للمسلمين القول أن هذه الحروب انتهت، بل الحقيقة أن الغرب رغم علمانيته ما زال يحتفظ بالحقد الصليبي ضد المسلمين بسببٍ تاريخي وما قام به الإسلام من اقتطاع مقاطعات في قلب أوروبا فيدخل أهلها في الإسلام طواعية ثم يصيرون جندا لهذا الدين، وأنه ما زالت ذاكرته تحتفظ بهذا إلى اليوم، وأن كثيرًا من تحركات الغرب ضد العالم الإسلامي لا تفسر إلا بهذا الدافع الصليبي.

المصدر

موقع طريق الإسلام.

اقرأ أيضا

لماذا أُحِبُّ سيد قطب؟

أهمية العقيدة في ظلال القرآن

من سيد قطب الى سفر الحوالي .. “المسلمون والحضارة الغربية” (2) قراءة في المقدمة

العقيدة الإسلامية عقيدة ينبثق عنها نظام

الإيمان بالله وقضية الشريعة

التعليقات غير متاحة