من جديد تستهدف مليشيا الحوثي المدعومة من إيران التجمعات السكنية في مديرية الجوبة جنوب محافظة مارب، وهذه المرة بصاروخين بالستيين أصابا مسجدا ودار الحديث في منطقة العمود المكتظة بالسكان والأسر النازحة من خارج المديرية، وأسفر عن مقتل وإصابة 29 مدنيا بينهم نساء وأطفال.

مجزرة جنوبي مأرب..

في وقت متأخر من الليل، وبعد أن هدأ طلاب العلم والأهالي آمنين في بيوتهم بمركز الحديث النبوي الشريف التابع للشيخ يحيى الحجوري – الذي خلف الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالي – بمنطقة العمود بالجوبة کبری مراکز قبيلة مراد بمأرب؛ فجع الناس بتفجيرات هائلة ناتجة عن صاروخين بالستيين استهدفا المركز، وأسفر عن ذلك سقوط عدد من القتلى والجرحى من حفظة القرآن ودارسي السنة والعلوم الشرعية.

جرائم القتل الممنهج لأهل السنة

يذكرنا هذا الاستهداف الإجرامي بمشهد القصف على الحفاظ في قندوز بأفغانستان قبل نحو عامين.

ولا ننسى مشهد الحصار الحوثي الرافضي لمركز السنة بدماج بصعدة قبل نحو سبعة أعوام، وقنص العشرات من طلبة العلم والنساء والأطفال بواسطة قناصة الحوثي المدربين والمزودين بأسلحة إيرانية متطورة.. وقد صمد طلاب العلم طويلا ولم يهنوا أمام إجرام الحوثي، ولم يخرجوا من المركز إلا بعد أمر الرئيس عبد ربه منصور لهم بالخروج..

وكان خروجهم إيذانا باجتياح اليمن كله بعد أن أيقنوا بضعف القرار الرئاسي الذي مكنهم من دماج رغم اعتداءات الحوثي، وباتت قوات الأمن والجيش لا قيمة لها، والتي كانت وقتها ممكنة عددا وعدة ..

وليس هذا آخر استهداف للمسلمين وطلبة القرآن والسنة؛ ورغم الإجرام الذي يرتكبه الحوثي وأسياده الروافض الذين كانوا على مدار التاريخ قلة لا قيمة لها، ولا يجرؤون على معاداة أهل السنة بمثل هذا الإجرام والحقد الذي نراه في اليمن وسوريا والعراق .. إلا بتحالفهم مع أعداء الإسلام من يهود ونصاری ومشركين، وكل متابع يعلم أن الذي يمد هؤلاء بالتأييد العسكري – المادي والمعنوي – هو: أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهم من العرب، ولليهود دور كبير لا ينكر في ذلك وفي كل جرائم المنطقة..

فمن الذي يعطي الحوثي الإحداثيات والخطط الحربية والعتاد العسكري والصواريخ التي لا يتصور وصولها إليهم وسط الحصار المزعوم – إلا هؤلاء المجرمون..

إنها حرب عالمية على الإسلام في اليمن وفي كافة البلاد الإسلامية..

وقد سبق قصف مركز العمود بيومين، قصف إجرامي آخر بصاروخ أطلقه الحوثيون على منزل الشيخ عبد اللطيف القبلي في الجوبة بمأرب، مما أسفر عن تفحم أجساد ۱۳ مدنيا داخل المنزل بينهم نساء وأطفال..

ما عرف تاريخ اليمن جرما كهذا؛ يقتلون نساء وأطفالا وطلاب علم عزل لا يحملون إلا كتبهم وأقلامهم.

إن الشرع الإسلامي المطهر بل وكافة القوانين والمواثيق والأعراف اليمنية والدولية تعطي للبيوت وللعزل وللنساء والأطفال حرمة، لكن الحوثيين وأسيادهم بلا شرع ولا عرف ولا قانون ولا مواثيق ولا أخلاق..

دعوة وبيان..خطوة نحو تحرير اليمن

وقد استنكرت عامة الأحزاب والقوى السياسية اليمنية في بيان سياسي لها بمأرب في الأول من نوفمبر ۲۰۲۱م استمرار العدوان الحوثي على محافظة مأرب وساكنيها ونازحيها ومنشأتها واستهداف المدنيين العزل بالصواريخ البالستية والطيران المسير والإيغال الوحشي في القتل والتدمير في واحدة من أبشع جرائم العصر المرتكبة بحق السكان مما سبب تهجير سكان المناطق بكاملها، والذين أضحوا في العراء بدون مأوى أو مأكل، وكل ذلك يجري في ظل تواطؤ دولي وإقليمي، وفي ظل تواطؤ مخزي للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمبعوثين الأممي والأمريكي وكذا المفوضية السامية لحقوق الانسان، وكل ذلك يجري في ظل فشل قيادة الشرعية والتحالف العربي …

ثم دعا البيان أبناء مأرب خاصة وأبناء اليمن الأحرار عامة إلى استنهاض كافة الطاقات والإمكانيات المحلية والوطنية وتوحيدها وتوجيهها نحو مهمة الدفاع عن مأرب…

وهذه دعوة طيبة نؤيدها ونباركها، وندعو كل المخلصين والغيورين للدفاع عن مأرب والانطلاق منها لتحرير اليمن، وإفشال خطط الدول التي تريد أن تفرض واقعا بائسا على الشعب اليمني المسلم ليغرق في مشاكل وأزمات لا نهاية لها وفقر مدقع وأمراض وجهل متفش…

وهذا المخطط يتجاوز اليمن إلى عامة الدول الإسلامية، ويسلكون لذلك مسالك تلائم حالة كل شعب: الأغنياء باللذات والشهوات التي تصرفهم عن دينهم، والفقراء بالحروب وزيادة الفقر والأزمات..

الرجوع إلى الدين طريق التمكين

وليعلم المسلمون أنه لا نصر ولا تمكين إلا بالرجوع لدين الله عز وجل والتخلي عما سواه من العلمانية وعامة مذاهب الكفر.. قال الله عز وجل:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾  [سورة النور: 55].

يقول الإمام الطبري -رحمه الله-:

(يقول تعالى ذكره: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿مِنكُمْ﴾ أيها الناس، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يقول: وأطاعوا الله ورسوله فيما أمراه ونهياه ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ يقول: ليورثنهم الله أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يقول: كما فعل من قبلهم ذلك ببني إسرائيل، إذ أهلك الجبابرة بالشام، وجعلهم ملوكها وسكانها ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ﴾ يقول: وليوطئن لهم دينهم، يعني: ملتهم التي ارتضاها لهم، فأمرهم بها…)1(1) [جامع البيان (19/ 208)]..

وقال الزحيلي -رحمه الله -:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ليجعلنهم خلفاء متصرفين في الأرض تصرف الملوك في ممالكهم ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ مبني للمعلوم، وقرئ مبنيا للمجهول الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من بني إسرائيل في مصر وفلسطين بدلا عن الجبابرة: فرعون وأمثاله ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ﴾ وهو الإسلام بالتقوية والتثبيت وإظهاره على جميع الأديان، فالتمكين: هو جعل هذا الدين ممكنا في الأرض بتثبيت قواعده وإعزاز جانبه ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ أي وليجعلنهم بعد الخوف من الكفار في حالة أمن وسلام…)2(2) [التفسير المنير (18/ 281)]..

وتأمل قوله:… فالتمكين: هو جعل هذا الدين ممكنا في الأرض…

التمكين إقامة للدين وإقرار لمنهج رب العالمين

فهذا هو التمكين، وليس نصرة الجمهورية على الإمامية والسلالية كما يدندن به قادة اليمن العسكريون منهم والسياسيون؛ فماذا نفعل بجمهورية تنحي شرع الله عز وجل وتمكن الفسدة المجرمين الذين يمصون دماء الفقراء والمساكين كما هو حاصل في اليمن وكافة الجمهوريات والبلاد التي لا تحكم شرع الله عز وجل..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدرکوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»3(3) [رواه ابن ماجه (4019) والحاكم (540/4) وصححه ووافقه الذهبي، والألباني في الصحيحة (106)]..

والواجب في أمر الجهاد مشاورة من جمع بين الدين والعلم بأحوال أهل الدنيا؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

(والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا … )4(4) [المستدرك على مجموع الفتاوی (3/ 220)]..

وتوسيد الأمر لغير أهله من إضاعة الأمانة ومن علامات الساعة؛ عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلی الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة. قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»5(5) [رواه البخاري (59)]..

قال الحافظ ابن حجر:

(… والمراد من “الأمر” جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والإمارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك.)6(6) [فتح الباري (11/ 334)]..

والأخطر من ذلك أن يوسد الأمر إلى العملاء المنافقين الذين يشترون بالمال فيمدون الأعداء بمواطن الضعف والثغرات والإحداثيات لضرب المسلمين وإحداث النكاية فيهم..

أعز الله دينه وعباده المؤمنين ..

الهوامش

(1) [جامع البيان (19/ 208)].

(2) [التفسير المنير (18/ 281)].

(3) [رواه ابن ماجه (4019) والحاكم (540/4) وصححه ووافقه الذهبي، والألباني في الصحيحة (106)].

(4) [المستدرك على مجموع الفتاوی (3/ 220)].

(5) [رواه البخاري (59)].

(6) [فتح الباري (11/ 334)].

اقرأ أيضا

تفاقم مآسي اليمن

اليمن نموذجا .. الأمة بين مشروعين ملوَّثيْن

قتْل علماء اليمن حتى تميد بأهلها

 

التعليقات غير متاحة