كم من القضايا المعاصرة إذا تسرع الناظر اليها حكم بما يخالف الصواب ويؤول الى الفساد؛ بينما لو تدبر مآلات الأمور لأحجم عما يريد الإقدام عليه واختلف حكمه فيها.

مقدمة

بعد بيان العلم بأسماء الله تعالى وصفاته والتعرّف اليه تعالى الجزء الأول، والعلم بالسنن الإلهية الجزء الثاني، والعلم بفقه الموازنات والأولويات وفقه المآلات الجزء الثالث، ثم أوضحنا أمثلة على الخلل في العلم بفقه الموازنات الجزء الرابع.. ثم العلم بفقه المآلات الجزء الخامس ثم بيان أمثلة على خطورة عدم اعتبار المآلات الجزء السادس..

نستكمل هنا بيان أمثلة مهمة لتطبيق قاعدة النظر في المآلات، وخطورة إغفالها وما ترتب على ذلك من أمثلة معاصرة تسببت في مفاسد تحملها العمل الإسلامي والدعوة والأمة..

التسرع في تكفير بعض الأفراد والهيئات

التسرع في تكفير بعض الأفراد والهيئات وإعلان ذلك دون الدراسة المتأنية لتوفر شروط التكفير أو موانعه في المعيَّن، ودون النظر في مآلات هذه الأحكام وما يترتب عليها من سفك للدماء وتفريق للصفوف وفتنة على المكفِر والمكفَر.

إن مآلات إعلان الحكم على المعين حتى ولو تبين كفره أو بدعته أو  فسقه إن كان سيترتب على ذلك مفاسد وفتنة على المبيِن أو على الناس الذين يبين لهم فإنه يجوز ـ والحالة هذه ـ كتم هذا العلم وهذا الحكم درءا لمفسدة أكبر من مفسدة السكوت قد تقع على صاحبها أو على من يسمعها ولا سيما إذا لم يكن في الإعلان مصلحة وحاجة تربو على هذه المفسدة.

وكم سمعنا ورأينا من مفاسد وفتن وبلايا حلت بالمتسرعين في إظهار قناعاتهم في حكمهم على الأعيان، لا تكافئ تلك المصالح التي يتوهمون بتحقيقها من جراء إعلانهم ذلك، والمقصود إعمال فقه الموازنات في مآلات الأقوال والأفعال، والعاقل هو الذي يعرف خير الخيرين فيأتيه وشر الشرين فيدعه.

ومن الأدلة التي يستأنس بها هنا الأثر الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين، فأما أحدهما فبثثتُه، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم». (1البخاري : 120)

قال ابن حجر في فتح الباري:

حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضهم ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان..

وإنما أراد أبو هريرة بقوله (قطع..) أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم..

وقال غيرهم يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به. (2فتح الباري:1/ 216-217)

الفتاوى في قضايا المرأة ومآلات التغريب

الفتاوى في قضايا المرأة المعاصرة دون النظر إلى مآلات هذه الفتاوى وما يراد منها من الإفساد والتغريب..

الحجاب الشرعي

وذلك بأن يتعرض المفتي لمسائل كثيرة عن المرأة، كأن يُسأل عن الحجاب الشرعي، وحكم اختلاطها بالرجل؟.. وفتح النوادي الرياضية لها؟ وسفرها بلا محرم للحاجة؟ ..إلخ

فإن أفتى المفتي في مثل هذه المسائل دون النظر إلى مآلات الحكم، أو دون النظر لمكر المستفتِي، أو دون النظر لمن سيوظف الفتوى في مخططه المرسوم لإفساد المرأة.

إذا لم يراع المفتي هذه الأمور، فإنه سيفتي فتوى مجردة كأن يقول بالرأي المرجوح في جواز كشف المرأة لوجهها، أو جواز اختلاطها بالرجل بالضوابط الشرعية!

أما إذا نظر المفتي في هذه المسائل وتأملها، ووعى واقعه الذي يعيشه والذي ستنتشر فيه فتواه، وماذا ستئول إليه فتواه، ومن هم المفسدون الذين سيتخذون الفتوى ذريعة لمفاسد يبيتونها وتطفح على ألسنتهم وكتاباتهم.. إنه إذا نظر إلى ذلك كله، فإن الفتوى حينئذ ستأخذ في الاعتبار مفاسد كشف الوجه في هذا الزمان، وما يترتب عليه من الفتن، وأنه باب إلى السفور والتبرج.

الاختلاط بالرجال

وكذلك مفاسد اختلاط المرأة بالرجل، وأن المتربصين بالمرأة يريدون زجَّها مع الرجل في كل ميادين العمل، ما يناسب المرأة منها وما لا يناسبها، وستكون سكرتيرة وعاملة في المصنع مع الرجل، تخلو به ويخلو بها، وغير ذلك من المفاسد.

فعندما ينظر إلى المفاسد العظيمة التي تؤول إليها، فإن الفتوي تتغير.

ولا يقال أن هذا الكلام تخرص وتوهم، وإنما هو عين الحقيقة لمن تبصّر واقعه، وما جد فيه من الفتن والشرور.

ويكفي أن نلقي نظرة فاحصة على من وقع في هذه الفتن من بلدان المسلمين لتكون شاهدا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وليس المقام مقام تفصيل هذه المفاسد، فهي أوضح من أن تفصل وتذكر.

ولسنا بحاجة إلى ذكر ذلك كله، وإنما حاجتنا إلى أن يتق الله بنو قومنا من الذين يتكلمون بلا علم أو وعي لواقعهم، فيفتون بلا مراعاة لمآلات فتواهم فيَضلون ويُضلون. ليتقوا الله في دين الأمة وأعراض المسلمين، وليحذروا من مكر الماكرين ومغالطات المفسدين الذين يفرحون بمثل هذه الفتاوى لينفذوا بها مخططاتهم التغريبية باسم الشرع والدين.

وجوب التريث وطلب التفصيل

وبالجملة فإن المفتي الموفق في هذا الزمان هو الذي يأخذ حذره في فتواه وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة لأنها مستهدَفة، ويراد لها أن تحاكي المرأة الغربية في زيها وممارساتها في نهاية الأمر..

فإذا أدرك المفتي هذا المخطط الإفسادي، وأدرك حقيقة المعركة اليوم بين السفور والحجاب فإنه حينئذ سيكون فطنا ولا يُصدر فتواه إلا بعد رويّة ومعرفة بمآلات فتواه، وهذا يقتضي وعيه بالواقع، وسؤال أهل الخبرة والاختصاص والاستفصال من السائل عن كل ما يتعلق بسؤاله. ويفصل في جوابه بحيث يسد على المفسد أي باب يمكن أن يدخل منه في توظيف الفتوى في غير مقصودها الشرعي.

ظهور الدعاة على القنوات العلمانية

خروج بعض الدعاة في بعض القنوات العلمانية المفسدة دون النظر في مآلات هذا الخروج..

يتحجج هؤلاء الذين يخرجون على شاشات القنوات العلمانية الخبيثة بأنهم بذلك يخاطبون الملايين من المسلمين في ساعة واحدة ويبلغونهم رسالة الله كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغشى المشركين في نواديهم يبلغهم رسالة الله عز وجل.

وهذه الحجة من هؤلاء الدعاة حق وخير؛ ولكنهم نسوا أو غفلوا عن المآلات والمفاسد الخطيرة التي تنجم عن فعلهم هذا والتي تربو علي المصالح التي يرومونها من الظهور في هذه القنوات لا من حيث الأهمية ولا من حيث تحقق هذه المصالح والمفاسد في الواقع. فالمفاسد متحققة والمصالح موهومة.

مآلات ومفاسد الظهور على القنوات العلمانية

ومن أخطر هذه المآلات والمفاسد:

أولا: تزكية القنوات العلمانية وفقدان استقلال الخطاب الاسلامي

مما لا شك فيه أن استقلالية وتميز الخطاب الدعوي الإسلامي مطلب أساس في ذاته قلباً وقالباً، قلبا على مستوى مضمون هذا الخطاب ذاته، وقالبا على مستوى وسائل الدعوة وأوعيتها.

لذا فإن خروج بعض الدعاة الرموز في منابر إعلامية تعلن في برامجها محاربتها الصريحة أو المبطنة للعقيدة، والأخلاق الإسلامية، والفضيلة فيه تزكية لهذه القنوات في أعين بعض الناس، كما أن خروج الداعية المتميز في القنوات يجعله بعض الناس ذريعة لاقتنائها.

ثانيا: إحراج يدفع الى كتمان الحق

قد يتعرض الداعية الرمز إلى أسئلة محرجة من قبل هذه المنابر قد تدفعه إلى أن لا يقول الحق فيها كاملا، فيضطر إلى أن يأتي بأجوبة سياسية غامضة، من شأنها تضليلل العامة والتدليس عليهم.

ثالثا: توطيف كلماته في اتجاه خبيث

قد يُطلب من الداعية الرمز الحديث في مسائل يعرف الملبسون موقف الداعية منها كالحديث عن الغلو والتكفير والحركات الجهادية، ولكنهم يريدون من ذلك توظيفها في محاربة الدعوة وأهلها، وقد يرى الداعية أنه يقول الحق فيها مجردا، وينسى أن التوقيت قد لا يكون مناسبا لتناول مثل هذه القضايا.

وقد يقدم الداعية الرمز بعض التنازلات أو المسوغات فيما يخص هذه القضايا قد يرى أنها ضرورية في هذا الظرف أو ذاك، فيؤدي هذا التغير في المواقف إلى إضعاف مكانته عند شباب الصحوة ومن ثم إسقاط مرجعيته العلمية والدعوية عند باقي الأمة وتصبح بذلك الساحة الإسلامية مفرَّغة من العلماء المرجعيات، وهذا ما يصبوا إليه مَن وراء هذا النوع من الإعلام المشبوه.

رابعا: عرض المسلمات للنقاش بقصد زعزعتها من نفوس الناس

هز بعض المسلَّمات المختارة بقصد، والتشكيك فيها بزعم عرضها على ساحة النقاش والتمحيص، وهذا بالنسبة لهؤلاء العلمانيين مكسب في حد ذاته حتى ولو انتهى الحديث إلى صورة الرأي الذي قال به الداعية أو الشيخ أو الرمز..

ففي النهاية تصبح هذه المسلمة (محتملة) حتى وإن ذكر أن (الراجح) فيها هو القول المسلَّم به قبل المناقشة، وهذه الخطوة مهمة يرضى بها العلمانيون الآن.

خامسا: اكتساب المنبر الاعلامي مشروعية

اكتسب هذا المنبر العلماني مشروعية هو في حاجة إليها، وثقة فيه يفتقر إليها بمشاركة هؤلاء الدعاة والمشايخ والرموز.

سادسا: تهميش لقضايا الكبرى وتضخيم ما دونها

تهميش القضايا المهمة وإلهاء الجماهير وصرفهم إلى قضايا أخرى يكثر فيها الكلام وتتضخم لتأخذ حجما أكبر من حجمها الحقيقي، وإقحام الدعاة وإشغالهم في معارك تدور حولها.

سابعا: التفريق بين فصائل الحركة الاسلامية

ضرب بعض فصائل الحركة ببعضها وذلك بإتاحة الحديث لرمز فصيل ما عن رموز فصيل آخر أو  آرائه واجتهاداته التي يتبناها، والسعي بذلك في الفرقة بين فصائل الحركة الإسلامة.

ثامنا: التحول الى حلبة صراع بارد

تحول بعض مشاركات هؤلاء الرموز إلى حلبة صراع كلامي يستعرض فيها المشاركون (عضلاتهم الكلامية والفكرية)، وهم وإن (انتصروا) في النهاية إلا أن الأثر المنطبع في ذهن المتلقي يظل أثرا باردا لا يؤدي غالبا إلا إلى إثارة ذهنية كلامية جدلية، وهذا ما ينعكس سلبا على المعاني والقيم التي يلقيها هؤلاء الرموز من هذا المنبر.

بعكس حديث هذه الرموز نفسها من منابرها؛ حيث توجد علاقة تفاعل إيجابي بين الملقي والمتلقي، تجعل هذا الأخير يتلقى رغبة في الالتزام بما يسمع وفي المشاركة في حركة إيجابية في المجتمع.

تاسعا: ترسيخ معنى العلمانية بدون قصد

مشاركة هؤلاء الدعاة والمشايخ والرموز ـ من حيث لا يقصدون أو ينتبهون ـ في ترسيخ معنى العلمانية في شعور المتلقين..

وذلك عندما يرى هؤلاء المتلقون انفصالا حاداً وواسعاً بين طبيعة الخطاب (الديني) الذي يظهر من خلاله هؤلاء وطبيعة المواد الأخرى التي يتابعونها والتي لا تمت للدين بصلة، بل قد تخاصمه أو تهاجمه صراحة أو خفية. (3انظر للاستزادة مقال : المكر الإعلامي للأستاذ : خالد ابوالفتوح  في مجلة البيان العدد رقم 174)

حضور مجالس أهل الشبهات والشهوات

حضور مجالس أهل الشبهات والشهوات وقراءة كتبهم والدخول إلى مواقعهم، والغفلة عن المآلات الخطيرة التي تترتب على ذلك.

لقد شدد السلف رحمهم الله تعالى في وصاياهم وكتبهم في النهي عن حضور مجالس أهل الأهواء والشبهات لما لها من الأثر والمآل السيئ على عقيدة المسلم وسلوكه وأخلاقه، ويلحق بذلك القراءة في كتب أهل الشبهات والشهوات والدخول إلى مواقعهم..

كل ذلك مما يجب على المسلم الحذر والفرار منه لأن القلب ضعيف وقد يتعلق به شبهة أو شهوة يصعب التخلص منها، ومع ذلك فإنا نرى اليوم ـ ولا سيما بعد هذه الثورة الإعلامية في الكتب والمجلات والقنوات ومواقع الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي ـ نرى من استهان بالدخول فيها والاطلاع على مافيها.

قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (النساء:140)

فلهذا ينبغي لمن أراد لنفسه النجاة أن يحذر هذه المجالس والمواقع وأن يفر بدينه من فتنتها ولنتدبر قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾ (الأنعام:112-113)

يعلق الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى على هذه الآيات فيقول:

وفي هذه الآية ترتيب غريب عجيب بالغ في الحسن لأن السبب الأول: هو الغرور والخديعة، فتسبب عن الغرور والخديعة أن صغت إليه قلوبهم ومالت.

ثم تسبب عن صوغ القلوب وميلها  أنهم أحبوه ورضوه،  ثم تسبب عن كونهم أحبوه ورضوه أن اقترفوه..

ولذا رتبها على هذا الترتيب قال أولا: ﴿غُرُورًا﴾ أي لأجل أن يغروهم ثم نتج من الغرور صوغ أفئدتهم إليه. قال: ﴿وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ ثم تسبب عن كونها صغت إليه أنها رضيته وأحبته ولذا قال: ﴿وَلِيَرْضَوْهُ﴾ ثم تسبب عن رضاهم ومحبتهم له أنهم فعلوه واقترفوه ولذا جاء بعدها بقوله: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا﴾. (4العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير2/ 153-154 جمع د : خالد السبت)

التسرع في المواقف والحكم على الأمور قبل التثبت

التسرع في المواقف والحكم على الأمور قبل التثبت من وقوعها وقبل التثبت من الظروف والملابسات المحيطة بها..

إن مثل هذا التسرع قد يؤول بأحكام ومواقف جائزة سواء على الأفراد أو الطوائف ويندم عليها المتسرع إذا بان له بعد التثبيت خلاف ما كان يظن ولا ينفع عندها الندم لاسيما إذا كانت هذه المواقف المتسرعة من رمز متبوع وطارت كل مطير وتأثر بها فئام كثيرة من الناس وترتب عليها فرقة واختلاف بل واقتتال.

خاتمة .. وقفة أخير ة مع المآلات

وقد يقال أن الحديث في فقه المآلات قد تركز على البحث في المآلات السيئة في أي قضية بينما قد يكون هناك مآلات صالحة ونافعة يغفلها المتشددون الذين يغلبون المفاسد على المصالح.

وهنالك نقول: نعم قد  يوجد بعض المصالح ولكن العبرة بالغالب الأكثر وبالذي يتحقق في الواقع وليس متوهما.

والمقصود من التنبيه على فقه المآلات هو التأكيد على العناية بهذا الفقه وأن يكون حاضرا في أحكامنا ومواقفنا، وأن نكون على دراية في فهم الواقع وأهله وملابساته.

فإذا قام عالم راسخ في فهم الواقع وأهله واجتهد في كون الحكم في هذا الأمر أو ذاك يؤدي إلى المآلات أو لا يؤدي إليها أو كانت المآلات الصالحة أكثر أو أن المآلات السيئة أكثر فهذا موطن اجتهاد له وزنه وتقديره لأنه نجم عن استفراغ الجهد في معرفة الأحكام وما تؤول إليه في واقع الناس.

وليس الكلام عن فقه المآلات مع هؤلاء العلماء الواعين المخلصين إنما الكلام عن هذا العلم الشريف هو مع المتسرعين في أحكامهم ومواقفهم الذين لم ينطلقوا من دراسة شرعية واعية متأنية؛ وإنما انطلقوا من ردود أفعال متسرعة وحماس غير منضبط بالشرع والعقل ولم يبالوا بما يترتب على مواقفهم المتسرعة من مآلات وشرور.

ختاما هذا مايسر الله عز وجل كتابته في هذا الموضوع المهم الملح لا سيما في واقعنا المعاصر .. أسأل الله عز وجل أن يكون خالصا صوابا، وأن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه والحمد لله رب العالمين.

…………………………………….

هوامش:

  1. البخاري : 120.
  2. فتح الباري:1/ 216-217.
  3. انظر للاستزادة مقال : المكر الإعلامي للأستاذ : خالد ابوالفتوح  في مجلة البيان العدد رقم 174.
  4. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير2/ 153-154 جمع د: خالد السبت.

لتحميل الدراسة كاملة على الرابط التالي:

اقرأ بقية أجزاء الدراسة:

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (1-7) علوم ضرورية، العلم بالأسماء والصفات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (2-7) علوم ضرورية، العلم بالسنن الالهية

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (3-7) علوم ضرورية، فقه الموازنات والأولويات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (4-7) أثر الخلل في العلم بفقه الموازنات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (5-7) فقه المآلات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (6-7) خطورة عدم اعتبار المآلات

 

التعليقات غير متاحة