تتداعى أخبار مؤلمة للمسلمين وتمكُّن مؤقّت للطغاة. يقبع خلف هذا: الأعداء التاريخيون من الصليبيين والصهاينة وأذنابهم، ولا بد من السير خلف خطى الرِّبيين.

تزاحُم الفتن

تتزاحم الفتن على المسلمين؛ فهذا قتل بسبب التعذيب، وذاك قتل بحكم ظالم، وآخر يموت بالمرض في محبسه، ولا جريمة سوى الدعوة الى الله.

أحكام بالإعدام ظالمة في مصر وتصفية للناس، تعذيب وحبس للعلماء والدعاة في المملكة، تمكُّن للنظام العلوي في سوريا، وتقافز الحوثيين على اليمن ونهشه من شتى القوى، عودة للاستبداد والإجرام في ليبيا، يرتع العلمانيون في تونس، ويجْنون ثمرة ثورة شعبها.

حقيقة أطراف المواجهة

ما بقيت إسرائيل؛ سيبقى تكاتف العالَم على هذه الأمة، وعلى بلادنا؛ يمنع عنها الحرية ويفرض عليها التخلف ويقتل خيرة أبنائها.

وما بقي الحقد الغربي سيبقى فرْض العلمانية ومنع الإسلام وحرب أهله.

الاستبداد والفساد مرتبط بإسرائيل والغرب؛ يقول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق:

“إننا نواجه حركات أصولية تسعى لإزالة “إسرائيل” وإخراج الغرب من العالم الإسلامي وإقامة دولة خلافة موحدة تحكم بالشريعة وهذا أمر غير مسموح به ولا يمكن احتماله مطلقا”.

ستبقى كل المحاولات كي لا تعود، وستبقى كل المحاولات كي لا يعود الإسلام هوية وشريعة وحضارة.

هناك “إسلام” يبارك ما يقرره الغرب المسيحي والصهاينة الفجرة والعلمانيون والمستبدون. ويلوون ألسنتهم بالكتاب في المساحة المسموحة صهيونيا وغربيا حتى تحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله؛ فلا يخدعُنكم؛ فإنما هذا للتخدير.

لكن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عله وسلم ومارَس دوره التاريخي؛ فهو محل حربهم جميعا، كفارا ومنافقين.

ولا بد للأمة أن تتلمس الطريق؛ فالمعادلة ليست هينة فإنها تكاتف مختلف القوى وإرث تاريخي ولحظة فارقة يرون فيها مطمعا في الإسلام ـ وهيهات ـ  فلا تهنوا؛ فلا ينبغي للمؤمن أن يهِن.

وصية ربانية وعبرة

وفي القرآن بيان لمثل حالنا، ومثال وعبرة؛ فهذا موطن يقول الله تعالى فيه:

﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ﴾ وكأين: للتكثير. يقول الطبري (1): “وفي قراءة ﴿قُتِل﴾”

﴿رِبِّيُّونَ كَثِير﴾ يقول الطبري: “الجموع الكثيرة؛ ألوف”، وهم “علماء فقهاء”.

ويقول البيضاوي(2): “علماء أتقياء، أو عابدون لربهم. وقيل جماعات والرِّبي منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة”

﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يقول الطبري: “فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله”، ويقول البيضاوي: “ما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم”

﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ يقول الطبري: “وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم”، ويقول البيضاوي: “عن العدو أو في الدين”

﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ يقول الطبري: “يعني وما ذلوا فيتخشَّعوا لعدوّهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه خيفة منهم، ولكن مضوا قُدُمًا على بصائرهم ومنهاج نبيِّهم، صبرًا على أمر الله وأمر نبيهم، وطاعة لله واتباعًا لتنـزيله ووحيه”.

ويقول البيضاوي: “وما خضعوا للعدو”.

﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ يقول الطبري: “يقول: والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته وطاعة رسوله في جهاد عدوه، لا مَنْ فشل ففرَّ عن عدوه، ولا من انقلب على عقبيه فذلّ لعدوه لأنْ قُتِل نبيه أو مات، ولا مَن دخله وهن عن عدوه، وضعفٌ لفقد نبيه”.

ويقول البيضاوي: “فينصرهم ويعظم قدرهم”.

ويقول ابن كثير (3) ـ عن قتادة والربيع: “فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم ، أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله” .

خاتمة

يجب أن يعلم المسلمون أن الوهن غير لائق بهم، ولا الضعف عن طلب العدو، ولا الاستكانة له والاستخذاء؛ فالمؤمن لا يضعف ولا يتراجع ﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم﴾. والمؤمن لا يستبدّ به اليأس ولا يقعد به الإحباط؛ بل يتربص ويرابط، ويصبر ويصابر، ويقف على ثغرة؛ يترقب فرَجا من ربه قريبا لا محالة.

كما يجب أن يعلم المؤمن أن له أسوة في موكب عريق ينتمي اليه، وإخوة سابقين حكى ربنا عنهم مع أنبياء كرام.

كما لا بد من الثقة أن هذه الصفحة ستُطوى، وستأتي أخرى يعاد الترتيب وتعتدل الأوضاع ويقرر المسلمون أمرهم، ويقيموا دينهم؛ وتؤتي دماء الشهداء الزكية أُكلها وتُعوَض الأمة عن آلامها..

وأمامن لقي ربه فهو خير له وأبقى، وعِوض ربنا أعظم .. فنحن بين حسنيين. وعْد ربِنا سبحانه.

وأخيرا؛ لنتدبر ماجاء في الآية السابقة في دعاء الرِّبيين حيث قال الله عز وجل عنهم ﴿وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾ (آل عمران 147).. لنخرج من ذلك بدرسين عظيمين :

أولهما أن سؤال الرِّبيين ربهم المغفرة لعلمهم أن الذنوب سببٌ في المصائب. والاستغفار يعني محاسبة النفس والاقلاع عن الذنوب التي هي سبب الهزائم، وسؤال الله المغفرة منها؛ فلنراجع ـ معاشر الدعاة والمجا هدين ـ اليوم أنفسنا فقد تكون ذنوبنا هي سبب هواننا.

وثانيهما: التوكل على الله عز وجل، والركون اليه وحده، والتضرع بين يديه في طلب النصر منه وحده، والثبات على الحق، والتبرؤ من الحول والقوة.

والله المستعان وعليه التكلان بعونه تعالى.

……………………………

هوامش:

  1. تفسير الطبري، (آل عمران 146).
  2. تفسير البيضاوي، الآية السابقة.
  3. تفسير ابن كثير، الآية السابقة.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة