عندما تتحدث فرنسا عن الجزائر، فإن حديثها يكون مشحونا بالثأر القومي والعداء الأبدي، هذا العداء الذي لم يبدأ من احتلالها للجزائر عام 1830م، بل كان هنالك صفحات سابقة ذاقت فيها فرنسا مرارة الذل وأثقال الهزيمة.
“النصف ميت” البطل حسين ميزو مورتو..
أجّل (أخّر) احتلال الجزائر147سنة، هزم أعظم ملوك فرنسا وضرب سفيره بالمدفع حاصر فرنسا وحاول أن يحتلها..
ففي مثل هذا اليوم كانت وفاة حاكم الجزائر حسين ميزو مورتو أحد أقوى حكام الجزائر والذي أنقذها من الاحتلال وحاول أن يحتل فرنسا، ومعنى لقب (ميزو مورتو) هو (النصف ميت).
وقد توفي في 14 صفر 1113 هجري والموافق في تاريخ 1701/07/21م
عندما تتحدث فرنسا عن الجزائر، فإن حديثها يكون مشحونا بالثأر القومي والعداء الأبدي، هذا العداء الذي لم يبدأ من احتلالها للجزائر عام 1830م، بل كان هنالك صفحات سابقة ذاقت فيها فرنسا مرارة الذل وأثقال الهزيمة.
ومن هذه الصفحات الحملة الفرنسية التي شنتها لاحتلال الجزائر عام 1683م وإذلال ميزو مورتو لهم، ومحاولته احتلال بلادهم، وحصاره لهم، واستنجادهم للخلاص منه.
التاريخ الذي لم يدرسوه لنا … !!
ورد في كتاب (البحرية العثمانية) للكاتب دانيال بانزاك بأن حسين ميزو مورتو ولد في جزيرة ميورقة الإسبانية لأسرة مسيحية قيل أنها ذات أصول أندلسية، فقرر حسين في شبابه العودة لجذوره فانشق واعتنق الإسلام وأتى إلى الجزائر باختياره.
وأما سبب لقب (ميزو مورتو) ومعناها (النصف ميت) وهو لأنه في معاركه أصيب مرتين بإصابات قاتلة وفي كل مرة مرة يتم عده مع الأموات ولكنه بعدها يستيقظ، وأما الإصابة الأولى فكانت بالسيف على رأسه، وأما الثانية فبقذيفة على ظهره.
الحملة الفرنسية عام 1683 م
في ذلك العام كان يحكم فرنسا أعظم ملوكها الذي كان يلقب ملك الشمس لويس الرابع عشر، والذي نتيجة سطوته وقوته في أوروبا ظن أن احتلال الجزائر سيكون سهلا، وسينهي دولة تملك السيادة على البحر المتوسط، فقرر عام 1683 م إرسال حملة لاحتلال الجزائر بقيادة دوكين، بهدف أن يحرر الأسرى الفرنسيين، ويملك السيطرة على البحر المتوسط، ويحقق مجدا شخصيا إضافيا.
سيطرة حسين ميزو مورتو على الحكم
أمام هذه الحملة الفرنسية القادمة وافق “داي الجزائر بابا حسن” على التفاوض معهم، وأبدى استعداده لدفع جزية كبيرة وإطلاق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر، ولكن هذا الرضوخ من الداي لم يعجب طائفة رياس البحر ومنهم حسين ميزو مورتو، فقاموا بقتل الداي بابا حسن وتعيين حسين ميزومورتو دايا مكانه، حيث اتهم ميزو مورتو الداي بابا حسن بالخيانة، لأنه أرسل له أوامر بعدم قصف القوات الفرنسية، وكذلك أمر بنقله إلى منطقة بعيدة عن البحر، وتآمر عليه حينما سلمه سابقا كرهينة عند الفرنسيين حينما أوهمه بأنه أرسله ليتفاوض معهم.
وضع السفير الفرنسي داخل المدفع وضربه
بعد تولي ميزو مورتو الحكم أرسل مباشرة خطابا شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية إبراهام دوكاين ينذره فيها بكارثة وخيمة للأسرى الفرنسيين الموجودين في الجزائر إلا أن دوكين كان مغترا بقوته فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد الذي ما كان منه إلا أن أحضر القنصل الفرنسي “جون لوفاشي” المتهم بالتجسس على الجزائر وأدخله في فوهة أحد المدافع وقذفه على الفرنسيين فتطايرت أشلاءه في عرض البحر ولم يكتفي بذلك بل أتبعه بعشرين أسيرا فرنسيا آخر من أعوانه وأمام هذا التحدي الكبير لم يجد دوكين بدا من الانسحاب بعدما فشل في تحقيق شروطه.
اعتراف فرنسا بالهزيمة
بعد فشل حملتها وعلى الرغم من مقتل سفيرها وأسراها، قامت فرنسا بإرسال وفدا للتفاوض مع الجزائر توج بعقد اتفاقية سلام بين الطرفين لمدة مائة عام، في اعتراف واضح بزعامة الجزائر البحرية.
وتمت كتابة الاتفاقية باللغة العربية تماما كما سيحدث في اتفاقية الجزائر مع أمريكا عام 1797م ، ومعاهدة دي بورمن عام 1830م، فقد كانت اللغة العربية في أيالة الجزائر هي اللغة الرسمية والحكومية والدينية والدبلوماسية، وكانت اللغة العثمانية هي لغة النخبة والدبلوماسية مع اسطنبول.
توحيد الجزائر وتونس
في عام 1686 م وقعت اضطرابات في الجزائر، فاتهم الداي حسين بأن حاكم تونس الباي علي يقف خلفها، فأرسل جيشا بقيادة ابراهيم خوجة واستطاع هذا الجيش السيطرة على تونس وقتل الباي علي وتنصيب أخيه الباي أحمد الذي كان لاجئا في الجزائر، وبعد هذا الحدث أصبحت تونس تحت الحكم الفعلي الجزائري.
اعتراض فرنسا على الوحدة
قامت فرنسا بدق ناقوس الخطر بعد هذه الوحدة، وهي الدولة التي تعتمد على خلافات البلاد العربية، وخاصة أن تونس قد اتخذت قرارا بقطع علاقاتها مع فرنسا، فأرسلت فرنسا وفدا لحسين ميزو مورتو يعرضون عليه عقد اتفاقية جديدة ولكن الداي حسين رفض.
فقامت فرنسا بإرسال وفدها للسلطان العثماني محمد الرابع لكي يتم عقد الاتفاقية، فأرسل السلطان أمره بالموافقة على الاتفاقية إلى رياس البحر والإنكشارية وديوان الجزائر، فوافق الديوان والإنكشارية على الاتفاقية ورفضها رياس البحر، فقام ميزو مورتو بتقديم استقالته، وبهذه الاستقالة لم يتم توقيع الاتفاقية واستمرت سياسة العداء مع فرنسا، وأصبح ذراعه اليمين ابراهيم خوجة هو داي الجزائر.
ميزو مورتو باشا الجزائر
سعى السلطان العثماني لإعادة نفوذ منصب باشا الجزائر، بعد فترة طويلة من تحوله لمنصب شكلي أقرب للسفير، فقام السلطان العثماني بتعيين حسين ميزو مورتو باشا للجزائر في عام 1687 م، واستمر ميزو مورتو في حكم الجزائر ويعاونه إبراهيم خوجة .
الحرب ضد إسبانيا
في عام 1687 م بدأت حملة لتحرير وهران من الاحتلال الإسباني، واستطاع ابراهيم خوجة قتل حاكم وهران الأسباني وتحرير أراضي واسعة، وفرض حصارا على وهران بالتحالف مع قبائل جزائرية .
الحرب ضد فرنسا
أمر ميزو مورتو بضرب كل السفن الفرنسية في البحر، فردت فرنسا بإرسال حملة بحرية ضخمة بقيادة ديستري في عام 1688 م، فقام ميزو مورتو بقتل كل الأسرى الفرنسيين، وردت فرنسا بقتل كل الأسرى الجزائريين، ثم استطاع ميزو مورتو صد الحملة، وعاد ديستري مهزوما.
وبعد هذا الفشل أصبح التواجد البحري الفرنسي صفر، فانقطعت التجارة عنها من البحر المتوسط، ليكون عام 1688 م هو الأسوأ في تاريخ الملك لويس الرابع عشر.
محاولة احتلال فرنسا
أمر حسين ميزو مورتو بمهاجمة الساحل الفرنسي، وركز هجومه على مدينة مرسيليا بهدف احتلالها، فانعقد المجلس الملكي الفرنسي وقال: ((إذا لم يحتلنا الجزائريون من الجنوب سيحتلنا الإنجليز من الشمال))، وأرسلوا وفدا للتفاوض مع ميزو مورتو، ولكنه رفض استقبالهم.
فقام الفرنسيون بإرسال وفدهم إلى السلطان العثماني سليمان الثاني، فأصدر السلطان فرمان عزل ميزو مورتو وتعيين اسماعيل باشا مكانه، ولكن ميزو مورتو رفض حتى أن ينزل اسماعيل إلى الشاطئ، وأرسل له رسالة يقول فيها: (إننا لسنا في حاجة إلى باشا ولا نريده أبدا، عد من حيث أتيت وإلا رأيت ما سيحل به، كل أمير هو سيد على بلاده، ويبقى كذلك بفضل سيفه وقوته).
فقامت الإنكشارية لاحقا بالتمرد، وقامت بجمع الضرائب واستفزاز الناس، والتجمع حول العاصمة والتهديد باجتياحها ونهب محلاتها، حيث استغلوا غياب ميزو مورتو وابراهيم خوجة في حملتيهما، فقام ديوان الجزائر بعزل الداي ابراهيم وتعيين بابا شعبان، وأعلن بابا شعبان تمرده على ميزو مورتو، فوصل خبر التمرد إلى ميزو مورتو وهو في البحر، فقرر وقف حملته ضد فرنسا، وقرر العودة ولكنه عاد إلى تونس التي كانت خاضعة لحكم الجزائر أنذاك، وبدأ يرتب لعمل عسكري لاستعادة السيطرة على حكم الجزائر.
الخديعة
أرسل السلطان العثماني فرمان بتعيين ميزو مورتو قائدا للبحرية العثمانية ودعاه للقدوم إلى اسطنبول، وعدم العودة للجزائر حقنا للدماء، فوافق ميزو مورتو، وفي طريقه وأثناء وجوده في مصر أتاه خبر إلغاء تعيينه قائدا للبحرية، فعلم أنه قد وقع في خديعة، وأما الداي الجديد بابا شعبان فوقع مع فرنسا اتفاقية جديدة في عام 1689 م ومنحها امتيازات واسعة.
من رئيس دولة لقائد أسطول
بعد عامان من الاستقرار في مصر والابتعاد عن السياسة، عاد ميزو مورتو تقريبا إلى الصفر، وبعد أن كان رئيس دولة أصبح قائد أسطول الدانوب في عام 1691 م، وهو منصب أقل بكثير من مناصبه السابقة، ولكنه استطاع تحقيق انتصارات متلاحقة في البحر الأسود، واستطاع إيقاف هجوم كبير من أساطيل البندقية، فتم تعيينه حاكم جزيرة رودس في عام 1692 م، واستطاع لاحقا أن يهزم البندقية في معركتين وأن يحرر جزيرة خيوس الإستراتيجية، والتي كانت تهدد الأناضول.
قائد البحرية العثمانية
في عام 1695 م تولى الحكم السلطان العثماني مصطفى الثاني والذي كان يختلف عن سابقيه، حيث كان يتسم بالشجاعة ويقود الجيوش بنفسه، ويسعى لإعادة القوة للدولة العثمانية، فقام بتعيين ميزو مورتو قائدا للبحرية العثمانية، فبدأ ميزو مورتو بحملة إصلاحية واسعة وإعادة هيكلتها، وبين عامي 1696 و 1698م انتصر على البندقية في معارك كثيرة ومنها لسبوس واندروس وتندوس، وفي نفس الوقت أنهى التواجد الروسي في البحر الأسود، واسترجع ميناء آزوف وهو الميناء الوحيد الذي كانت تملكه روسيا على البحر الأسود، لينهي حلم الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر في السيطرة على المياه الدافئة.
الموت
مات فجأة في جزيرة باروس في عام 1701 م، وتم دفنه في جزيرة خيوس، ولم يبقى أمر مادي من سيرة هذا البطل العظيم إلا كتاب التنظيمات الذي نشره قبل وفاته بعام.
ولا ننسى أيضا مدفع بابا مرزوق الذي به قام بضرب السفير الفرنسي، والتي قامت فرنسا بأخذه كغنيمة حرب بعد احتلالها للجزائر.
المراجع:
1) البحرية العثمانية، دانيال بانزاك
2) تاريخ الجزائر في القديم و الحديث، مبارك الميلي
3) Encyclopedia of Islam, Orhonlu
4) Osmanlı Devlet Erkânı,İsmail Danişmend
المصدر
صفحة المؤرخ تامر الزغاري على منصة ميتا.