سقط “عمر البشير” الرئيس السوداني، عقب سقوط “بو تفليقة” رئيس الجزائر، وبينهما أيام معدودة (1سقط بو تفليقة بتاريخ (2) إبريل 2019، وسقط “عمر البشير” (11) ابريل 2019) ويبقى على الشعوب بقية من حراك واستمرار موجة التغيير. وثمة نصائح كاشفة.

الخبر

سقط البشير عقب زيارته لأخيه السفاح، طاغية سوريا، طالبا بالقرب منه إرضاء أسياده؛ فلم يعُد من زيارته إلا والشارع السوداني منتفض ضده، معاملةً من رب العالمين له بنقيض مقصوده ثم لم يلبث أشهرا قليلة وإلا سلط الله عليه قوى أخرى من نفس ما استقوى به على الناس لتسقطه، ولتعرفه أن ثمن دماء المسلمين في سوريا والسودان وغيرها ثمن غالٍ.

إعلان سقوط “عمر البشير”

جاء على موقع الجزيرة، تحت عنوان “السودان.. بن عوف رئيسا للمجلس العسكري والمتظاهرون يتحدّون حظر التجول”:

“أدى وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف القسم رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير، في حين تحدّى المحتجون قرارات الجيش وواصلوا التظاهر رغم بدء تطبيق حظر التجول، إلى حين تحقيق مطالب الشعب وتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية.

وبث التلفزيون السوداني مساء الخميس مشاهد أداء وزير الدفاع للقسم رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي في حضور رئيس القضاة عبد المجيد إدريس. كما أدى رئيس أركان الجيش كمال عبد المعروف الماحي القسم أمام بن عوف نائبا له.

وأثناء عرض تلك المشاهد، كان المتظاهرون السودانيون يتحدّون حظر التجول في الخرطوم الذي دخل حيز التنفيذ في الساعة العاشرة مساء بالتوقيت المحلي، ويعلنون رفضهم لقرارات الجيش ويطالبون بتسليم السلطة للمدنيين.

وواصل المتظاهرون اعتصامهم الذي بدأ يوم (6) أبريل/نيسان الجاري أمام القيادة العامة للجيش، حين طالبوا بتنحي الرئيس عمر البشير”. (2موقع الجزيرة، بتاريخ 11/4/2019، على الرابط:
السودان.. بن عوف رئيسا للمجلس العسكري والمتظاهرون يتحدون حظر التجول
)

لحظات قاسية للطغاة ومبادلة القهر بقهر بمثله

جاء على موقع (CNN بالعربية) تحت عنوان “مصادر تكشف لـ CNN  تفاصيل اجتماع الفجر الذي أطاح بالبشير وآخر كلماته كرئيس”

“كشفت مصادر عسكرية سودانية رفيعة المستوى، لـ CNN، الخميس، تفاصيل الاجتماع الذي أطاح بالرئيس السوداني عمر البشير، بعد 30 عاما في السلطة.

وقالت المصادر، في تصريحات لـ CNN، إن كبار قادة الأجهزة الأمنية الأربعة في السودان وصلوا إلى مقر إقامة البشير في الساعة الثالثة ونصف فجر الخميس، وأخبروه أنه لا يوجد بديل آخر سوى التنحي في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد نظامه.

وأضافت المصادر المطلعة على تفاصيل الاجتماع أن البشير رضخ ووافق على التنحي عن السلطة، إذ رد على طلب قادة الأجهزة الأمنية، قائلا: “على بركة الله”.

وكان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف أعلن “اقتلاع النظام ورأسه” والتحفظ على الرئيس عمر البشير في “مكان آمن”، وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ لمدة 3 شور، وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان تجري في نهايتها انتخابات”. (3موقع (CNN بالعربية) بتاريخ 11 إبريل/نيسان، 2019، على الرابط:
مصادر تكشف لـ CNN  تفاصيل اجتماع الفجر الذي أطاح بالبشير وآخر كلماته كرئيس
)

نضوج الشعوب لكن عجز القدرة

بعد تجارب العسكر ومذابحهم في مصر وسوريا وليبيا واليمن؛ رسخ من الوعي عند الشعوب ما يدركون به مخاطر هؤلاء في الحكم. لكن تبقى مشكلة “عجز القدرة”.

1) جاء على موقع العربي الجديد تحت عنوان: “فرحة لم تكتمل في الشارع السوداني”:

“جاء البيان العسكري الذي ألقاه وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، مؤكداً فيه تنفيذ الجيش انقلاباً عسكرياً يُحكم فيه قبضته على البلاد، ليبدل المشهد في الشارع السوداني الذي كان ينتظر منذ ساعات الصباح صدور بيان تنحي الرئيس عمر البشير، وشهد احتفالاتٍ غير مسبوقة، حيث دوَّت أبواق السيارات في الشوارع، ورفرف العلم السوداني، بينما صدحت الهتافات التي تمجد الضحايا الذين قضوا على أيدي الأجهزة الأمنية.

وتقاطعت تحذيرات “تجمع المهنيين السودانيين”، وهو الكيان المنظم للاحتجاجات، من أن يكون ما جرى انقلاب عسكري جديد، أو تغيير لإعادة الأوضاع القديمة، مع آراء العديد من السودانيين”. (4موقع العربي الجديد، بتاريخ 11/ 4/2019، على الرابط: فرحة لم تكتمل في الشارع السوداني).

2) وجاء على موقع (عربي CNN):

“أعلن تجمع المهنيين السودانيين رفضه لما وصفه بـ”الانقلاب” العسكري، داعيا إلى تواصل الاحتجاجات حتى تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية. وقال تجمع المهنيين السودانيين إن “سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها”.

وأضاف:

“يسعى من دمروا البلاد وقتلوا شعبها أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته”. (5موقع (CNN بالعربية) بتاريخ 11 إبريل/نيسان، 2019، على الرابط:
مصادر تكشف لـ CNN تفاصيل اجتماع الفجر الذي أطاح بالبشير وآخر كلماته كرئيس
)

تطور إيجابي يحتاج الى نفَسٍ طويل

حدثت تطورات لاحقة تحت ضغط الجماهير التي زاد وعيها، وتحاول فرض إرادتها؛ منها:

1) استقالة “ابن عوف” بعد 24 ساعة من توليه للرئاسة بسبب رفض الشعب لعنترياته وقراراته الاستبدادية.

2) تولى ـ خلفا عنه ـ “عبد الفتاح البرهان”. وقد استفاد من تجربة سلفه فأظهر تجاوبه مع الشعب في تلبية بعض مطالبه؛ ولكنه يبقى عسكريا من أركان الحكومة السابقة بفسادها وظلمها.

ومن مخاطره انحيازه وميله الى محور الشر الخليجي، وهو من الذين رتبوا مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن مع التحالف؛ فكيف يؤتمن مَن هذا تاريخه وكيف يُنخدع به.

3) حتى كتابة هذه السطور فآخر تطورات الأمور “كشف تحالف “إعلان قوى الحرية والتغيير” أنه قد قام “تجمع المهنيين السودانيين اليوم أسماء أعضاء المجلس السيادي المدني الانتقالي”.

“وقال بيان صادر عن “تجمع المهنيين السودانيين” إنه سيعلن عن “الأسماء المختارة لتولي “المجلس السيادي المدني” الذي سيضطلع بالمهام السيادية في الدولة”.

“وكان التحالف قد قدم مطالبه إلى المجلس العسكري، والتي حددت بمجلس رئاسي مدني بتمثيل عسكري، وحكومة مدنية بسلطات تنفيذية، ومجلس تشريعي مدني انتقالي”. (6الجزيرة نت، بتاريخ 21/4/2019، على الرابط:
مجلس مدني ومفاوضات ومسودة فترة انتقالية.. حراك السودان بمفترق الطرق
)

ثم أعلن تجمع المهنيين الحر والقوى المدنية تقديم أسماء لمجلس رئاسي مدني وحكومة مدنية، لتنتقل الصلاحيات من العسكر الى المدنيين، وهي خطوة حسنة؛ ولكن صرح أخيرا التجمع نفسه أن “المجلس العسكري يتباطأ في تسليم السلطة للمدنيين”.

التعليق

مخاطر حكم العسكر

نعيد النداء للأمة لبيان مخاطرحكم العسكر وخصائصه؛ فنقول:

“إن الحيلولة في كل مرة دون إرادة الأمة في إقامة دينها وتحرير إرداتها تأتي من “العسكر”. والعسكر له خصائص:

1) الدموية والقسوة.

2) شبق الشهوة للسلطة لدرجة التدني في الخصومة والإجراءات.

3) التلون والخداع والنفاق المقزز.

4) الاعتماد على الدعاية والحماسة الكاذبة للوطن والتغني بالأناشيد والأعلام، ليلِج منها الى امتصاص الثروات والمنافسة في المشاريع المدنية..!

5) الانتماء العلماني العميق ورؤية أن مصلحة “الوطن” يكمن فيها..! وأن “الإسلام” خطر على البلاد.

6) التهاون مع العدو الخارجي والشدة على أهل البلاد، وقبول مؤامرات الخارج والتماهي معها وخداع الشعب لا العدو.

ومن هنا فالثقة فيهم غباء وضياع. والتخلص من تحكمهم في البلاد أمر محوري لأنه يمثل كسرا لحلقة الاستبداد.

والتخلص من الاستبداد نقطة أولى لامتلاك الحرية والقرار؛ لتستطيع الأمة أن تقول كلمتها وتقرر طريقة حياتها، وتتفرغ قواها للتحدي الخارجي؛ فتنمي قدراتها وتعوض ما فاتها”. (7انظر مقال يا أهل الجزائر .. بدأت مسؤولياتكم)

التحكم في القاطرة

ونضيف هنا حقيقة بسيطة لكنها محورية، ورغم بداهتها يغفل عنها الكثير، وهي التي تدفع الغرب الى دعم الإستبداد، وهي أن الاستبداد يعني إلغاء إرادة الأمة، ومن ثم استقلال “مجموعة صغيرة” أو “فرد” بالتعبير عن “إرادة” الأمة بأسرها، وبالتالي تصبح الأمة مؤخَرة الاعتبار، وملغية الإرادة؛ بل تتلقى ما “يجب أن تريده” وما يجب ألا “تريده” من توجيه الفرد أو الطغمة الحاكمة..!

ومن ثم تصبح الأمة كلها مرهونة بهذا الفرد وهذه الطغمة صلاحا وفسادا، إخلاصا وخيانة، استقامة وانحرافا. والعدو يريد هذا لئلا يصطدم بإرادة “أمة” لها عقيدتها وهويتها وقرارها، بل يريد أن يتفاوض، ويشتري فردا أو مجموعة أفراد، فيملي عليهم إرادته، وبالتالي يحدد له وجهته ويضع له سقف تحركاته وخطوطه الحمراء التي يجب ألا يتجاوزها.

ثم يقوم هذا الفرد وزمرتُه بتغيير “الأمة” بأسرها؛ قيما وعقائد وأخلاقا وسلوكا، من خلال مركزية السلطة والسيطرة على الإعلام والتعليم، ومن خلال القهر والمذابح لمن رفض الانسياق بين القطيع.

لهذا فحكم الاستبداد والطواغيت مفضل لدى الغرب. وأما المناداة بالديمقراطية ـ على مذهب الغرب نفسه ـ هو نداء “ديكوري” ليس أكثر، والكلام عن الحريات هو كلام صالونات إعلامية واستديوهات تليفزيونية عقب المذابح التي ينفذها طواغيتهم بتوجيههم وإشرافهم، لكن الغرب لم يباشرها بنفسه، وتلك شروطه؛ فينجح في توريط ـ وأمر ـ الطواغيت بما يريد؛ ثم مع تأففه “التافه” يساندهم ويدعمهم ويثني عليهم ليكملوا المسيرة؛ حتى إن بدا للغرب التخلص من أحدهم فملفاته السوداء مفتوحة لديه ليرميهم في أقرب مزبلة ثم يستبدلهم بمن يريد.

[للمزيد: “من هو المحتل“]

العجز واستقدام الطواغيت..!

رغم نضج الشعوب في “الجزائر” و”السودان” والاعتبار بمصر وما جرى فيها، ورفضهم الحكم العسكري إلا أنه لما أراد أهل السودان خلع  طاغيتهم ذهبوا الى مفرخ الطواغيت..! فذهبوا أمام قيادة الجيش؛ حيث يعلمون أنهم هم من لديهم القدرة لخلع هذا؛ فكيف يرفضون أن أتاهم طاغية جديد..؟! وكأنها مفاجأة..!!

ومع محبتنا لإخواننا ورحمتنا بهم لكن الجواب يكمن في شعور الشعوب بالعجز ـ رغم نضج وعيهم ـ كما أنهم ليس لديهم الاستعداد لدفع الضريبة الحقيقية أو تحمّل “ذات الشوكة”. كما أنهم لم يأخذوا الأمر من بابه؛ حيث قرار استئناف الحياة بهذا الدين، بشروطه وصورته الراشدة.

خاتمة .. أملٌ يلوح مع عمل واجب

يتعجب المرء من غياب صوت الاسلاميين من دعاة وعلماء في هذا الحراك الذي كان ينبغي أن يقودوه في الوقت الذي برز فيه من تسموا بـ “المهنيين” وهو خليط من علمانيين ووطنيين بل وشيوعيين؛ فكيف تُترك الامة يقودها هؤلاء، ويخطفون حراكها والاسلاميون مبعثرون لم ينظموا انفسهم و لم يجمعوا كلمتهم.

مع فرحنا بسقوط الطواغيت الا أننا لا نرى في مجرد سقوطهم انتصارا للاسلام؛ لاحتمال أن يأتي طاغوت بوجه آخر. وعلى فرض مجئ حاكم متدين فإنه لا يزال بين الأمة وبين أن يُمَكَّن لها دينها مسافة ليست بالقصيرة؛ لان شروط التمكين والنصر لا زالت غير مكتملة، ولا تزال صفوف الامة محتاجة الى التمحيص والتمييز الذي يسبق التمكين.

ثمة خبرات تتراكم، وثمة وعي ينضج، وثمة وضوح للواجب، ويبدو أن الأمة قريبة الحال من الولوج في القيام بواجبها وإسقاط الحكم الجبري، واستهلال فترة انتقالية تؤدي الى الحكم الراشد بإذن الله تعالى؛ وبالتالي تقرير إرادتها وتفعيلها وفرضها. (8راجع مقال “هل آن لزمان الحكم الجبري أن يزول..؟” الشيخ عبد العزيز كامل، على صفحته الشخصية).

مع أنه يبدو أن زمن الطواغيت آذَن بالأفول ـ إن شاء الله ـ لكن ثمة حلقات مفقودة بين موقفها الحالي وبين موقفها الواجب.

والواجب السعي في توفير مقومات التمكين، ومع ذلك نرى أن في انتفاضة الأمة على الظلم بداية ليقظتها، وإرهاصا ومقدمات لنصرٍ قادم إن شاء الله تعالى.

…………………………….

هوامش:

  1. سقط بو تفليقة بتاريخ (2) إبريل 2019، وسقط “عمر البشير” (11) ابريل 2019.
  2. موقع الجزيرة، بتاريخ 11/4/2019، على الرابط:
    السودان.. بن عوف رئيسا للمجلس العسكري والمتظاهرون يتحدون حظر التجول“.
  3. موقع (CNN بالعربية) بتاريخ 11 إبريل/نيسان، 2019، على الرابط:
    مصادر تكشف لـ CNN تفاصيل اجتماع الفجر الذي أطاح بالبشير وآخر كلماته كرئيس.
  4. موقع العربي الجديد، بتاريخ 11/ 4/2019، على الرابط:
    فرحة لم تكتمل في الشارع السوداني.
  5. موقع (CNN بالعربية) بتاريخ 11 إبريل/نيسان، 2019، على الرابط:
    مصادر تكشف لـ CNN تفاصيل اجتماع الفجر الذي أطاح بالبشير وآخر كلماته كرئيس.
  6. موقع الجزيرة نت، بتاريخ 21/4/2019، على الرابط:
    مجلس مدني ومفاوضات ومسودة فترة انتقالية.. حراك السودان بمفترق الطرق
  7. انظر مقال: “يا أهل الجزائر .. بدأت مسؤولياتكم“.
  8. راجع مقال “هل آن لزمان الحكم الجبري أن يزول..؟” الشيخ عبد العزيز كامل، على صفحته الشخصية.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة