إن الانقلابات ليست غريبة على غرب إفريقيا، وسائر القارة السمراء. وعامة المنقلبين لا يلبثون طويلًا حتى يعلنوا ولاءهم لدولة أو لأخرى من دول الكفر الكبرى.

النيجر شعب مسلم وأرض ثرية

النيجر دولة إسلامية بنسبة تقارب 99,5 %، وتقع هذه الدولة بغرب إفريقيا ووسطها، وهي دولة كبيرة في المساحة؛ حيث تبلغ مساحتها نحو مليون وربع كيلو متر مربع، أي أكبر من دولة اليمن بمرتين ونصف تقريبًا، وضعف مساحة فرنسا، ورغم ذلك فعدد سكانها قليل بالنسبة لتلك المساحة الكبيرة إذ يقدر بعشرين مليون ونيف.

وتتمتع هذه البلاد بكثير من الثروات الطبيعية كاليورانيوم والذهب والبترول والفحم وغيرها مما يجعلها دولة غنية، إلا أن الواقع أنها تعد أحد أفقر دول العالم نظرًا لنهب ثرواتها من قبل الدولة الاستعمارية الغاشمة فرنسا وأختها الكبيرة أمريكا وعملائهما في المنطقة.

انقلاب النيجر والتهديد بالتدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية

وقبل أيام قليلة قام جنود الحرس الرئاسي بالانقلاب على رئيس الدولة محمد بازوم الموالي لفرنسا والغرب مما أزعج فرنسا وأمريكا ومن دار في فلكهما -كمجموعة إيكواس الاقتصادية المكونة من دول غرب إفريقيا-.

وقد أعلنت مجموعة الإيكواس إغلاق المجال الجوي لدولها أمام النيجر وتعليق التبادلات التجارية معها، كما قررت تجميد أصول ‎النيجر في البنك المركزي لدول غرب إفريقيا -الذي يعد البنك الرسمي للنيجر وكل دول غرب إفريقيا- مما يمثل خنقًا كاملًا لشعب النيجر كله وليس للمنقلبين وحدهم.

وبعد أيام قليلة فاجأ جيش النيجر العالم بإعلان ولائه للقوات التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم، وذلك تفاديًا للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة.

كما أعلنت النيجر إغلاق مجالها الجوي بعد انتهاء مهلة إيكواس، تحسبًا لما تتوقعه نيامي “تهديدًا من دولة أجنبية عظمى”.

ورفض مجلس الشيوخ في نيجيريا -أكبر بلدان إيكواس وأقواها عسكريًّا- الحل العسكري لمشكلة النيجر؛ لما سيجره ذلك من تبعات على شمال نيجيريا الذي تمتد قبائله داخل النيجر، وبالتالي أعلنت نيجيريا رفضها للحل العسكري الذي كان يؤيده رئيس نيجيريا من قبل.

مالي وبوركينا فاسو تدعمان الانقلاب في النيجر

كما أعلنت الدول الإفريقية في منطقة “الساحل” التي شهدت انقلابات دعمتها موسكو خلال الأعوام الماضية، رفضها للعدوان على النيجر، واعتبرت مالي وبوركينافاسو أن أي اعتداء على النيجر يعد عدوانًا على بلادهما، وأنهما ستتدخلان حينئذ إلى جوار النيجر.

كما قام تنظيم داعش بمهاجمة قافلة جنود ماليين كانت في طريقها إلى النيجر، الخميس، فيما لم تتضح حصيلة الخسائر، لكن على ما رشح من الأنباء يبدو أنها كانت كبيرة، وقد اعتبرت تلك العملية جهدًا يصب في صالح فرنسا التي فقدت دولة أخرى في إفريقيا كانت تحتلها عبر عملائها.

واشنطن وموسكو وفرنسا والصراع على القارة السمراء

إن الانقلابات ليست غريبة على غرب إفريقيا، وسائر القارة السمراء. وعامة المنقلبين لا يلبثون طويلًا حتى يعلنوا ولاءهم لدولة أو لأخرى من دول الكفر الكبرى.

وها نحن نرى مشاركة عدد كبير من المواطنين في النيجر في مظاهرات ضخمة انطلقت بالعاصمة نيامي دعمًا للحكم الانتقالي الجديد بعد عزل الرئيس السابق محمد بازوم، حيث رفع المتظاهرون شعارات تأييد للمرحلة الجديدة ولوَّح بعضهم بأعلام روسيا دون نكير من المشاركين والسلطات.

وقد كانت روسيا قد أعلنت في بداية الانقلاب عن رفضها له، والمتوقع لو اجتاحت هذه الدول النيجر أن تساند روسيا النيجر؛ إضعافًا وانتقامًا من أمريكا ودول أوروبا التي تدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، علمًا بتواجد قاعدة فرنسية في النيجر قوامها ألف وخمسمائة مقاتل، وقاعدة أمريكية قوامها ألف ومائة مقاتل، إلا أنها هامة جدًّا في مجال الطائرات المسيرة والدرون. ولا يبعد أن تتفاهم أمريكا مع القوات المنقلبة، فالمساعي الدبلوماسية قائمة بينهما هذين اليومين، والأيام القادمة كفيلة باتضاح الصورة.

ولا ننسى تواجد قوات فاغنر الروسية في مالي وبوركينافاسو والنيجر نفسها مما يساعد على إمكانية اندلاع صراع عسكري مع روسيا.

ومن جهة أخرى فإن الدول الإفريقية العميلة لأوروبا ستقع بين مطرقة الضغط الأوروبي الفرنسي وسندان مليشيات داعش -وغيرها- المنتشرين في صحاري تلك المنطقة.

واجب المسلمين نحو إخوانهم في النيجر

إن إخواننا المسلمين في النيجر يتعرضون لفاقة شديدة وتهديد سافر من دول تمتلك أحدث الأسلحة، وإن من الواجب على المسلمين -دائمًا- أن ينصروا إخوانهم ظالمين أو مظلومين؛ فعن أنس رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا». فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره»1(1) [رواه البخاري (6952)]..

قال النووي: وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية؛ فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما، وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام2(2) [شرح مسلم (16/137)]..

ولا شك أن إخواننا في النيجر يمرون بأنواع من الظلم سواء من طواغيت فرنسا وأمريكا وعملائهما أو من العسكر النيجري العلماني الموالي لدول الكفر.

وإن مَن يؤيد الدول التي تستعد لغزو النيجر إنما يعرض نفسه لنفس عقوبة الظالمين؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم». قالت: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم»3(3) [رواه البخاري (2118)، ومسلم (2884)]..

قال الحافظ ابن حجر: إن للنية تأثيرًا في العمل؛ لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور: المكره، والمختار. فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره4(4) [فتح الباري (4/115)]..

كيف يكون الحال مع الأمراء المبدلين للشريعة الموالين لليهود والنصارى موالاة مطلقة؟! 

ونحذر إخواننا في النيجر -وغيرها- من متابعة من لا يحكم بشرع الله تعالى، ومن لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؛ عن أم سلمة رضي الله عنهـا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»5(5) [رواه مسلم (1854)]..

قال النووي: وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ولكن من رضي وتابع». معناه: ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بأن لا يكرهه بقلبه، أو بالمتابعة عليه..6(6) [شرح مسلم (12/243)]..

وثبت الأمر الصريح بتجنب السلك العسكري تحت ظل الأمراء الذين يرتكبون جرم تقريب شرار الناس… عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهمـا قالا: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفًا، ولا شرطيًا، ولا جابيًا، ولا خازنًا»7(7) [رواه ابن حبان (4586)، وحسنه الألباني في الصحيحة (360)]..

وفي واقعنا المعاصر نجد عامة الحكام يقربون شرار الناس من المنحرفين فكريًّا أو سلوكيًّا…

وفي الحديث تجنب المهن التي تعين الظلمة على ظلمهم في السلك العسكري وغيره كالضرائب والجمارك والرسوم الباطلة والبنوك الربوية ونحو ذلك.. فإن من يعمل تحت ظلهم لا بد أن يقع في ظلم المساكين والضعفاء ومن لا ذنب له.

حفظ الله تعالى المسلمين في النيجر وفي كل مكان.

الهوامش

(1) [رواه البخاري (6952)].

(2) [شرح مسلم (16/137)].

(3) [رواه البخاري (2118)، ومسلم (2884)].

(4) [فتح الباري (4/115)].

(5) [رواه مسلم (1854)].

(6) [شرح مسلم (12/243)].

(7) [رواه ابن حبان (4586)، وحسنه الألباني في الصحيحة (360)].

اقرأ أيضا

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض

خسارة الأمة نتيجة غياب الهوية

مسؤولية الفرد عن انتكاسة الأمة.. (1-2) التكاليف الفردية والجماعية

التعليقات غير متاحة