وصل الإسلام إلى طاجيكستان منذ زمن بعيد، وتبلغ نسبتهم اليوم 98 في المائة، إلا أن المسلمين يتعرضون بها لكثير من عمليات التضييق، منذ الحقبة السوفيتية وإلى الآن، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يراد بالمسلمين في تلك الدولة المسلمة؟

خلفيات الحرب على الإسلام في طاجيكستان

من غير المألوف أن ترى الشيء وضده في بوتقة واحدة، ولكن هذا هو الحال الذي يعيشه مسلمو طاجيكستان منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا، فعندما نستيقظ في صباح أحد الأيام على وقع خبر يحظر ارتداء الحجاب أو التضييق على الاحتفال بأعياد المسلمين (الفطر والأضحى) خاصة للأطفال في دولة مسلمة وغالبية سكانها من المسلمين، فحين ذاك تبدأ علامات الدهشة والتعجب في الحضور سريعًا، لكنها ما تلبث أن تزول رويدًا رويدًا حين تتكشف الحقيقة التي كانت تتخفى حول خلفيات اتخاذ مثل هكذا قرارات، حيث يبدو تعاليم الإسلام وكأنها غريبة بين المسلمين.

حظر الحجاب رسميًا

حظرت دولة طاجيكستان منذ أيام قليلة، ارتداء الحجاب وغيره من “الأزياء الأجنبية” حسب وصف الدولة، حيث أقر البرلمان قانونًا جديدًا ينظم “الملابس الإسلامية” والاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى.

يمثل القانون الجديد تصعيدًا للقيود غير الرسمية في طاجيكستان على الملابس الإسلامية، فمنذ عام 2007 تم حظر الحجاب لطالبات المدارس والجامعات، وتمدد الحظر لاحقًا ليشمل جميع المؤسسات العامة

وتمت الموافقة على القانون من قبل المجلس الأعلى للبرلمان، الذي يسيطر عليه حزب الرئيس الطاجيكي “إمام علي رحمون” الذي يحكم البلاد منذ عام 1992.

ويأتي القانون المثير للجدل بعد سنوات من القيود غير الرسمية على ارتداء الحجاب في البلاد ذات الأغلبية المسلمة.

وبموجب القانون الجديد، سيواجه الأفراد الذين يرتدون “الحجاب أو الملابس الدينية المحظورة الأخرى” غرامات كبيرة تصل إلى 7920 سوموني (عملة طاجيكستان)، أي ما يعادل (حوالي 740 دولار).

أما الشركات التي تسمح لموظفيها بارتداء “الملابس المحظورة” حسب القانون، ستواجه غرامات تصل إلى 39500 سوموني (3680 دولار).

وسيغرّم الموظفون الحكوميون والقادة الدينيون المخالفون بغرامات أشد تصل إلى 54000-57600 سوموني (5030-5370 دولار).

كما أصدر البرلمان في طاجيكستان قانونًا يحظر لبس “البرقع والنقاب” على النساء، مبررًا القرار بأنه محاولة لتشجيع الثقافة والتقاليد الوطنية في مواجهة الثقافة المستوردة ومكافحة التطرف الديني.

وينص القانون على تغريم كل امرأة تلبس البرقع مبلغًا قدره 3500 ساماني (322 دولار).

كما يقيد القانون الجديد ويمنع مشاركة الأطفال في الاحتفالات وتقاليد تبادل الهدايا المرتبطة بالأعياد الإسلامية، حيث سيتم حظر عادة “الإدغارداك” وهي عادة مرتبطة بعيدي الفطر والأضحى وتتمثل في قيام الأطفال في هذه المناسبات بجولة في الشوارع والتنقل بين البيوت لتقديم التهاني وتلقي الحلوى.

مبررات السلطة الواهية

جاء في بيان المكتب الصحفي لرئيس الدولة أن رئيس البلاد “رحمون” وقع على 35 قانونًا، بما في ذلك نسخة جديدة من القوانين المتعلقة بتنظيم الاحتفالات والطقوس ومسؤولية الوالدين عن تعليم وتربية الأطفال، وحظر احتفالات الأطفال في الأعياد الإسلامية، وارتداء ملابس دخيلة على الثقافة الوطنية.

ووفقًا للبيان فإن قانوني “تنظيم الاحتفالات والطقوس في جمهورية طاجيكستان” و”المسؤولية عن تعليم وتنشئة الطفل”، المعتمدين في نسختهما الجديدة، يهدفان إلى حماية القيم الحقيقية للثقافة الوطنية، ومنع الخرافات والأحكام المسبقة والتجاوزات والإسراف في إقامة الاحتفالات والطقوس، وذلك لرفع المستوى الروحي والاجتماعي والاقتصادي لشعب طاجيكستان، وحماية حقوق الطفل وحرياته، وتعليم وتربية الأطفال في روح الإنسانية والفخر الوطني واحترام القيم الوطنية.

نقلت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في مايو عام 2015 عن مسؤول في وزارة العدل الطاجيكية قوله، إن “رحمون” أمر برلمانه بالنظر في مشروع قانون يمنع تسجيل الأسماء ذات الطابع العربي، وعلى رأسها اسم “محمد

وفي مارس 2024 أشار “رحمون” في اجتماع مع شخصيات عامة ودينية، إلى أن الملابس الوطنية تعكس القيم المادية والروحية لماضي شعبها وتجعل من الممكن التعرف على الأمة من خلال شكل وأسلوب الملابس، مصرحًا بأن تقليد ثقافة دخيلة في اللباس كارتداء ملابس أجنبية مثل “الحجاب”، تشكل مشكلة للمجتمع الطاجيكي.

وأوضح رحمون أن الخروج عن آداب وطقوس اللباس هو بمثابة “غربة ثقافية تقوض استقلال الفكر والهوية الوطنية والثقافية للأمة”، مبررًا ادعاءاته بأن الملابس الوطنية الطاجيكية حظيت باعتراف عالمي بما في ذلك “منظمة اليونسكو” العالمية للتراث.

حرب قديمة جديدة

يمثل القانون الجديد تصعيدًا للقيود غير الرسمية في طاجيكستان على الملابس الإسلامية، فمنذ عام 2007 تم حظر الحجاب لطالبات المدارس والجامعات، وتمدد الحظر لاحقًا ليشمل جميع المؤسسات العامة، كما أن السلطات شجعت ومازالت تشجع بشكل غير رسمي على حلق اللحى للرجال، حيث وردت تقارير عن قيام الشرطة بحلق آلاف اللحى للشباب قسريًا خلال العقد الماضي.

وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان حظر الحجاب في طاجيكستان باعتباره انتهاكًا للحرية الدينية، داخل دولة مسلمة يشكل المسلمون فيها أكثر من 98% من السكان.

ونقلت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في مايو عام 2015 عن مسؤول في وزارة العدل الطاجيكية قوله، إن “رحمون” أمر برلمانه بالنظر في مشروع قانون يمنع تسجيل الأسماء ذات الطابع العربي، وعلى رأسها اسم “محمد”.

وحسب القانون المتبع بالبلاد منذ ذلك الحين، فإنه إذا أخفق والدا الطفل في تسمية مولودهما حسب القواعد التي فرضتها السلطة على المواطنين، فإن وزارة العدل تعد قائمة بأسماء مقترحة خالية من الأسماء ذات الطابع العربي أو الإسلامي.

وذكرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية أن الشرطة في جمهورية طاجيكستان قامت في مطلع عام 2016 بحلاقة لحى 13 ألف رجل على أراضيها، كخطوة لمواجهة “التطرف”، كما أجبرت أكثر من ألف امرأة على خلع الحجاب.

وفي ديسمبر 2016، منح البرلمان “رحمون” وعائلته حصانة مدى الحياة من الملاحقة القضائية، وأعطاه رسميًا لقب “زعيم الأمة”، و”مؤسس السلام والوحدة الوطنية في طاجيكستان”.

التاريخ يحكي

بعد إعلان طاجيكستان استقلالها في سبتمبر1991، جرت انتخابات رئاسية في نفس العام وفاز بها “الرحمن نبي ييف” بطريقه مثيرة، فخرجت ضده مظاهرات عارمة تتزعمها الجماعات الإسلامية وترفض حكمه للبلاد، ثم تحولت الاحتجاجات لمظاهرات عنف؛ ليضطر الرئيس الطاجيكي خلال الأشهر الأولى من الاحتجاجات إلى الاستقالة، ويحل محله “أكبر شاه اسكندوف” كرئيس مؤقت والذي بدوره لم يلبث سوى بضعة أشهر.

ليتصدر بعد ذلك الاسم البارز الذي لعب دورًا كبيرًا في قمع المظاهرات بدعم من روسيا “إمام علي رحمون” والذي قام بقمع التظاهرات وتحول الأمر حينها لما يشبه الحرب الأهلية راح ضحيتها 100 مواطن طاجيكي.

نجح “رحمون” في إخماد المظاهرات وأجرى تعديلات دستورية ليتمكن من مواصلة الترشح للرئاسة والبقاء في الحكم، ثم بدأ حربه على المظاهر الدينية في البلاد شيئًا فشيئًا بحجة محاربة التطرف، حيث بدأ بإصدار قوانين دينية تمنع ممارسة العبادة وارتياد المساجد لمن هم دون 18 عامًا دون موافقة ذويهم، ثم حظر حزب “النهضة” الحزب المعارض الوحيد في البلاد؛ بحجة مشاركته في الانقلاب على نظام الحكم ثم قام بتصنيفه كجماعة محظورة بالبلاد.

وواصل رحمون في تأكيد قبضته على الحكم فقام بتعيين نجله كرئيس للبرلمان ولاحقًا أوعز رحمون لمجلس الإفتاء التابع للحكومة بإصدار فتوى تحرم على النساء الصلاة في المساجد ثم بدأ بشكل غير رسمي بإصدار تعليمات للأجهزة الحكومية بإقامة برامج تلفزيونية تنفر من ارتداء الحجاب وتحاربه.

وخرج رحمون يخاطب الشعب قائلًا: “كل المظاهر الخارجية لا علاقة لها بالدين، وأن محبة الله تكمن في القلب فقط”.

ثم شرع في فرض قيود شديدة على من يريد الذهاب للحج أو العمرة من المواطنين الطاجيك، في محاولة جديدة منه لقطع كل علاقة بين المسلمين وشعائرهم الدينية، وللحيلولة دون ممارستها بحرية ويسر.

وأخيرا

إن التضييق على ممارسة الشعوب لشعائرهم الدينية، خاصة إذا كانوا مسلمين، لا يحقق أي انتصار أو أي استقرار لنظام يريد أن يستمر في حكم الشعوب بالقهر، وإلا لكان المغول والتتار والصليبيين هم قادة العالم اليوم لو كانت الأمور تسير حسب هذا المنوال، وكما أنه لكل ظلام دامس فجر مشرق، فإن لكل تضييق على الإسلام وأهله في بقعة من بقاع أرض الله انفراجة قريبة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر

مجلة البيان، أحمد درويش.

اقرأ أيضا

كشف دعاة المرأة إلى الرَّذيلة

في أوروبا .. عندما يخاف الفجور من العفاف!

حريات الغرب تسقط عند الإسلام

 

التعليقات غير متاحة