الإيمان والكفر دينان متضادان.
فالإيمان هو: دين الله الذي شرعه لعباده وخلق الخلق من أجله وأعد لأهله الهداية في الدنيا والأمن في الآخرة.
والكفر هو: دين الشيطان، وهو ضلال في الدنيا وشقاء في الآخرة.
أصول النجاة الأربعة
لما ذكر الله عز وجل أن جنس الإنسان في خسر وتباب ؛ استثنی منه من اتصف بصفات أربع تعد أصول النجاة والفوز من العذاب والخسران وهذه الصفات هي التي وردت بعد أداة الاستثناء في قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:3] فهي إذا :
1- الإيمان .
2- العمل الصالح .
3- التواصي بالحق .
4- التواصي بالصبر .
الأصل الأول: الإيمان
وهذا هو أصل الأصول، والأساس الذي تقوم عليه بقية الأصول وأعمدة الدين ، وبدونه لا ينتفع العبد من عمل ولا قول . مهما كان هذا العمل موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . فإنه حينئذ مردود على صاحبه غیر مقبول . ولقد جاء قيد الإيمان في كثير من الآيات المذكور فيها العمل الصالح ، وذلك حتى ينتفع به صاحبه قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: 44] وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: 65-66].
أركان الإيمان
ولكن ما المراد بالإيمان المذكور في الآيات السابقة وفي هذه السورة ؟ إن الجواب على ذلك يوجد فيما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام حينما سأله في الحديث الطويل فقال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره … »1(1) رواه مسلم في أول كتاب الإيمان رقم (8) ..
هذه هي أركان الإيمان التي لا يصح إيمان عبد إلا بها ، وإذا جاء الأمر بالإيمان مطلقا فإنه يتوجه إلى هذه الأركان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام .
وقد ورد في كتاب الله عز وجل ذكر جل هذه الأركان ؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾) [البقرة:177] . وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:136] وهذه هي الأركان المذكورة في حديث جبريل عليه السلام ماعدا ركن القدر فهو داخل في الإيمان بالله عز وجل وهو من لوازم ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته .
إذا فإن معنى قوله تعالى في سورة العصر: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يراد منه الذين آمنوا بأركان الإيمان الستة:
1- الإيمان بالله .
2- وملائكته .
2- وكتبه .
4- ورسله .
5- واليوم الآخر.
6- والقدر خيره وشره .
وعلى هذا فإن الحديث عن هذا الأصل العظيم من أصول النجاة يتطلب التفصيل في كل ركن من أركانه ، وما معنى الإيمان بكل ركن حسبما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمه صحابته الكرام رضي الله عنهم؟
تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة
ورد عن السلف من الصحابة والتابعين عدة تعريفات للإيمان في بعضها إجمال وفي البعض الآخر تفصیل ، لكنها كلها ترجع إلى معنی واحد. ومن أشهر هذه التعريفات:
قولهم : إن الإيمان قول وعمل .
وقولهم : إنه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح .
وتارة يقولون هو : قول وعمل ونية .
وتارة يقولون : هو قول وعمل ونية واتباع سنة .
وكل هذه التعريفات صحيحة وليس بينها اختلاف في المعنى كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (إذا قالوا: قول وعمل فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعا ، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ، ونحو ذلك إذا أطلق .
والمقصود هنا أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر ، أو خاف ذلك ، فزاد الاعتقاد بالقلب ، ومن قال: قول وعمل ونية : القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان ، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك ، ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا باتباع السنة ، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل ، إنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال ، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط ، فقالوا : بل هو قول وعمل ، والذين جعلوه أربعة أقسام: فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال : « قول وعمل ونية وسنة، لأنه إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة)2(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 7/171-170 بتصرف واختصار يسيرين .أه.
والتعريف المختار الذي يفيد الشمولية لأجزاء الإيمان هو القول المعروف عن متقدمي السلف وهو أنه (قول وعمل) ويتمحص من هذا التعريف أن الإيمان يقوم على أربعة أجزاء إذا انتفى واحد منها انتفى الإيمان ؛ ألا وهي :
١- قول القلب (اعتقاده وتصديقه) .
۲- عمل القلب (إذعانه وقبوله ومحبته) .
٣- قول اللسان .
4- عمل الجوارح .
أركان مسمى الإيمان أربعة
أولا: قول القلب : وهو الاعتقاد والإقرار3(3) الإقرار الشرعي يتضمن التصديق المنافي للتكذيب ، والالتزام المنافي للرد معا والبعض يستعمله في هذا المقام على معنى التصديق فقط ؛ والأول أحسن . والتصديق فلا بد من تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به بالجملة وعلى الغيب فإذا زال تصديق القلب زالت معه بقية الأجزاء .
ثانيا: عمل القلب : وهو إذعانه واستسلامه وقبوله المستلزم لآثار ذلك مثل: الإخلاص والحب والخوف والرجاء والتعظيم وغيرها.
(وإذا زال عمل القلب بالكلية مع اعتقاد الصدق ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب)4(4) کتاب الصلاة لابن القيم ص (54) الصارم المسلول 519.أه.
الإيمان تصديق وانقياد
وينبه شيخ الإسلام رحمه الله على هذا الجزء العظيم من الإيمان فيقول: (إن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق ، وإنما هو الإقرار والطمأنينة ، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط ، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر ، وكلام الله خبر وأمر ، فالخبر يستوجب تصديق المخبر ، والأمر يستوجب الانقياد والاستسلام وهو عمل القلب ، وجماعه الخضوع والانقياد للآمر ، وإن لم يفعل المأمور به ، فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب ، وهو الطمأنينة والإقرار ، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة ، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد)5(5) الصارم المسلول 519. .
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (كل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه ، وذلك عمل بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيرا من الكفار كانوا جازمین بصدق النبي صلى الله عليه وسلم غير شاكين فيه ، غیر أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء به والرضا وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهم جدا به تعرف حقيقة الإيمان)6(6) مختصر الصواعق المرسلة 420/2. أه.
غلط المرجئة
ومما سبق يتبين أهمية عمل القلب وأنه لب الإيمان وحقيقته ، كما يتبين لنا ضلال المرجئة من الجهمية عندما ظنوا أن الإيمان يكون تاما بدون عمل القلب .
كما يتبين لنا غلط جميع المرجئة عندما ظنوا أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون العمل الظاهر؛ والذي هو دلالة على انقیاد الباطن من عدمه .
كما يتبين لنا ضلال مرجئة الكرامية عندما ظنوا أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ؛ وإن انتفى عنده التصديق والإذعان الباطن .
وهذا المذهب يضاده کفر المنافقين الذين وقع منهم الإقرار في الظاهر ولكن انتفى عنهم الإذعان لعدم وجود التصديق ولوازمه في القلب .
إقرار باللسان
ثالثا: قول اللسان : وهو النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما لأنهما الأصل في ثبوت وصف الإيمان في الظاهر ، فمن امتنع من النطق بالشهادتين دون عذر شرعي كتقية أو بكم ونحوهما فلا يصح إيمانه ، ولو كان يعتقد الإيمان بقلبه ، ويقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (من لم يصدق بلسانه مع القدرة لا يسمى في لغة القوم مؤمنا كما اتفق على ذلك سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان)7(7) مجموع الفتاوی 7/137. أه.
ويقول في موطن آخر: (وكذلك لو قيل إن رجلا يشهد أن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا ، وقد طلب منه ذلك وليس هناك رهبة ولا رغبة يمتنع لأجلها فامتنع منها حتى قتل ، فهذا يمتنع أن يكون في الباطن يشهد أن محمدا رسول الله ، ولهذا كان القول الظاهر من الإيمان الذي لا نجاة للعبد إلا به عند عامة السلف والخلف من الأولين والآخرين إلا الجهمية)8(8) مجموع الفتاوی 7/219.أه.
رابعا: أعمال الجوارح : والمقصود هنا بأعمال الجوارح بيان المعنى الشرعي للإيمان ، وما يتركب منه ، وهو في مقابلة ما درج عليه المرجئة من فصلهم العمل عن الإيمان خلافا لأهل السنة القائلين بأن نفس الأعمال هي في الحقيقة أجزاء للإيمان ، كما دلت على هذا نصوص الكتاب والسنة ، بل خالفوا في ذلك حتى مرجئة الفقهاء القائلين بأن الأعمال هي ثمار الإيمان لا هو ، ومن هذا الوجه فأعمال الجوارح هي الركن الرابع من أركان مسمى الإيمان فكما يجب على العباد أن يصدقوا الرسل عليهم السلام ، فعليهم أن يلتزموا طاعتهم فيما أمروا فیلتزموا بأن العمل عليهم إذا جاء وقته .
تارك جنس العمل كافر
ومن هذا الوجه احتج الأئمة أحمد والشافعي وأبو ثور وغيرهم على المرجئة بمثل قول الله عز وجل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5] وقال الحميدي في من قال: «من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت ، أو يصلي مستدبر القبلة فهو مؤمن ما لم يكن جاحد»
قال : هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين قال الله عز وجل : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾)9(9) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 5/957 ..أه
كذا قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية حنبل عنه قال: (سمعت أبا عبد الله يقول من قال هذا فقد كفر ورد على الله أمره وعلی الرسول ما جاء به)10(10) المصدر السابق ..أه
وهذه المسألة بخلاف مسألة ترك آحاد الأعمال مع بقاء الإذعان والقبول فلا ينقض هذا الإيمان من التروك إلا ما دلت الأدلة على أن هذا الترك مكفر بخصوصه ، مثل ترك الصلاة على الصحيح من قولي العلماء ، ومثل ترك الحكم بما أنزل الله عز وجل إذا كان على وجه التبديل .
لكن مما سبق من كلام الحميدي وأحمد وغيرهما ؛ يظهر أنه يمتنع أن يكون مع الرجل إيمان وتصدیق ؛ بينما هو ممتنع من جنس العمل بالكلية وذلك لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها ويقرر شیخ الإسلام هذا المعنى فيقول : ( فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبي لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر ، والعمل بالإيمان المطلق ، كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل ؛ قول باطن وظاهر ، وعمل باطن وظاهر ، والظاهر تابع للباطن لازم له ، متی صلح الباطن صلح الظاهر ، وإذا فسد فسد)11(11) مجموع الفتاوی7/187..
ويقول رحمه الله في موطن آخر : (من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا . إيمانا ثابتا في قلبه . بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ، ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدي زكاة ، ولا يحج إلى بيته ؛ فهذا ممتنع ، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح ، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار ؛ كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم:42 – 43]12(12) مجموع الفتاوی 7/611. أه.
تحرير موضع الخلاف بين أهل السنة وغيرهم من الفرق
وعلاقة الإيمان بالعمل مسألة كبيرة هي فرق بين أهل السنة وعامة المرجئة من وجه ، وبين أهل السنة والخوارج من وجه آخر .
فإذا تقرر أن أعمال الجوارح من أجزاء الإيمان ، وأن من انتفى عنه جنس العمل بالكلية فقد انتفى عنه الإيمان ؛ يتبين لنا غلط الجهمية وضلالهم حيث زعموا أن الإيمان مجرد معرفة قلبية بالله تعالى ، وإن لم يكن هناك قول باللسان ولا عمل بالجوارح ، كما يتبين غلط عموم المرجئة الذين فصلوا العمل عن الإيمان فلم يجعلوه شطرا منه .
ويتبين لنا كذلك ضلال الخوارج الذين لم يفرقوا بين الأعمال فجعلوها كلها شرطا في صحة الإيمان وأن من ترك ولو واجبا واحدا أو فعل محرما فهو كافر مخلد في النار لو مات بدون توبة .
أما أهل السنة فقد فرقوا بين آحاد الأعمال وميزوا بينها ؛ فمنها ما هو مكفر كما تقدم ، ومنها ما يعد تارکه مفرطا في كمال الإيمان الواجب؛ فيكون معه إيمان ناقص بحسب ما ترك من الواجب أو فعل من المحرم ، ومنها ما يعد تار که مفرطا في كمال الإيمان المستحب .
وبهذا التلخيص السريع لمعنى الإيمان يتبين لنا حقيقة الإيمان وأركانه وما معنى كونه قولا وعملا ، وأن المنهج الحق هو ما هدی الله عز وجل أهل السنة والجماعة إليه ، والذي هو مذهب الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان .
حقيقة الكفر المضاد للإيمان
وتبقى مسألة مهمة لها علاقة بموضوع الإيمان وتعريفه ألا وهي :
تعريف الكفر المضاد للإيمان : ما دام أن حقيقة الإيمان وأجزاءه الأربعة قد تجلت والحمد لله ؛ فإن الوصول إلى معرفة حقيقة الكفر أصبحت سهلة وميسرة ؛ فهي باختصار : تخلف جزء من أجزاء الإيمان المذكورة آنفا أو الإتيان بما يضادها .
وأصل الكفر : تغطية الشيء ، وسمي الزارع کافر لتغطيته الحب .
وأما تعريفه اصطلاحا فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (الكفر عدم الإيمان بالله ورسله ، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بل شك وريب ، أو إعراض عن هذا كله حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة)13(13) مجموع الفتاوی 12/335 . أه..
ويقول في موطن آخر : (إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به ، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه ؛ مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم)14(14) درء تعارض العقل والنقل 10/424.أه.
ومما سبق من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى نستخلص: (أن الكفر. وهو نقيض الإيمان . قد يكون تكذيبا في القلب ؛ فهو مناقض لقول القلب – وهو التصديق . وقد يكون الكفر عملا قلبيا كبغض الله تعالى أو آياته أو رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ والذي يناقض الحب الإيماني، وهو أكد أعمال القلوب وأهمها .
كما أن الكفر يكون قولا ظاهرا يناقض قول اللسان ونطقه بالشهادتين .
وتارة يكون عملا ظاهرا ؛ كالإعراض عن دين الله تعالى ، والتولي عن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالكلية ، وهو بهذا يناقض عمل الجوارح القائم على الانقياد والخضوع والقبول لدين الله تعالى)15(15) نواقض الإيمان القولية والعملية د. عبد العزيز عبد اللطيف ص38 بتصرف يسير . أه.
الهوامش
(1) رواه مسلم في أول كتاب الإيمان رقم (8) .
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية 7/171-170 بتصرف واختصار يسيرين .
(3) الإقرار الشرعي يتضمن التصديق المنافي للتكذيب ، والالتزام المنافي للرد معا والبعض يستعمله في هذا المقام على معنى التصديق فقط ؛ والأول أحسن .
(4) کتاب الصلاة لابن القيم ص (54) الصارم المسلول 519.
(5) الصارم المسلول 519.
(6) مختصر الصواعق المرسلة 420/2.
(7) مجموع الفتاوی 7/137.
(8) مجموع الفتاوی 7/219.
(9) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 5/957 .
(10) المصدر السابق .
(11) مجموع الفتاوی7/187.
(12) مجموع الفتاوی 7/611.
(13) مجموع الفتاوی 12/335 .
(14) درء تعارض العقل والنقل 10/424.
(15) نواقض الإيمان القولية والعملية د. عبد العزيز عبد اللطيف ص38 بتصرف يسير .
اقرأ أيضا
مفهوم الإيمان والكفر .. الشيخ الفوزان