لم تزل الحرب قائمة بين حلف الفضيلة ودعاة الرذيلة، ولدعاة الرذيلة خطتهم لإفساد لمجتمع لهم محاورهم وخطواتهم، وعلى دعاة الحق والفضيلة مواجهة الباطل ورايته. وللفطرة دور محوري في الدعوة.
مقدمة
في [ حُماة الفضيلة .. وحِلف الرذيلة (1-3) طبيعة الصراع ] تم إيضاح طبيعة الصراع بين الطرفين، حماة الفضيلة من جانب وحلف الرذيلة من جانب، وأوضح الكاتب انقسام الناس أمام هذا الصراع لفئات ثلاث..
وفي [ حماة الفضيلة وحلف الرذيلة (2-3) علاقة الفضائل بالعقيدة ] أوضح علاقة الفضائل الخُلقية بالموقف العقدي، كما تم إيضاح بعض الثمار البشعة للانحراف الخلقي وضعف الغيرة..
وهنا ـ في المقال الثالث ـ يتم إيضاح حقيقة الانتكاس، ومظاهر خطة المجرمين أعداء البشرية، ورسائل خاتمة.
استمراء القلوب وانتكاس الفطرة
والسؤال المحير والذي لا ينتهي العجب منه هو أن هذه الرذائل والفواحش سواء كانت رذيلة الكفر أو النفاق أو الخيانة أو رذائل الفحشاء والمنكر، مِن زنى وخمور ودياثة وهتك أعراض..
هل يشعر أصحابها من المقترفين لها والداعين لها بالإثم والقذارة وتأنيب القلب وأنهم يقودون أمتهم إلى الهاوية أو لا يشعرون؟
ولماذا التهالك منهم على إيقاع أكثر الناس فيها؟
والجواب والله أعلم أن يقال:
بما أن المعصية والفاحشة مكروهة طبعاً وفطرة وعقلاً؛ فضلاً عن حرمتها في الشرع فإن الفاعل لها أول مرة يشعر بالذنب والمقت لها وأنها فاحشة، ثم يخف هذا الشعور مع التكرار حتى لا يلبث أن يألفها ولا يشعر بعد ذلك بكونها فاحشة مستقذرة بل تتحول عنده مع ركام المعاصي والرذائل إلى شيء محبوب ويسخر من المستقذرين لها.
مثل هؤلاء لا ينفع في الغالب وعظهم لأن قلوبهم قد انتكست واستولى عليها ران المعاصي..
أسوتهم في المشركين قبلهم..!
وهكذا كان موقف أهل الشرك والفساد من أنبيائهم عندما وعظوهم بترك الشرك والإفساد في الأرض فهؤلاء قوم عاد قالوا لنبيهم هود عليه الصلاة والسلام : ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ (الشعراء:136-138)
وهؤلاء قوم لوط عليه الصلاة والسلام عندما أمرهم بالتوحيد وترك الشرك وترك فاحشة اللواط قالوا له: ﴿قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل:56).
وهؤلاء قوم شعيب عندما دعا قومه إلى التوحيد وترك البَخس في الموازين وعدم تطفيفها وعدم الإفساد في الأرض وقطع الطريق قالوا له: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ (هود:91).
وأمثال هؤلاء هم المعنيون في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفتن..
حيث يقول «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه». (1بين خطابة مفوهة وقوة مفرغة..؟!)
وأصحاب الرذائل التي ألفوا القاذورات وكرهوا الفضائل والطيبات يودون دائماً أن لو كان الناس كلهم مثلهم أصحاب رذائل وفواحش ويحسدون أهل الفضائل على فضائلهم ويرمونهم بتهم الرجعية والتطرف وأهل الصحوة.
قال الله تعالى عن أشباههم ممن استمرأ الكفر والرذيلة ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ (البقرة:109).
[للمزيد: عادٌ الأخيرة]
إفساد المرأة والإسفاف الخلُقي
ومن أعظم جنايات حلف الرذيلة سعيهم لهدم كيان الأسرة بإفسادهم للمرأة وتحويلها من أم مكرمة وزوجة مصونة وبنتٍ خَفْرة حييّة إلى أن تكون سلعةً رخيصة وعرضاً مستباحاً لأهل الرذيلة والشهوات.
وأصبح التعرف على أهل الإرجاف من حلف الرذيلة من السهولة بمكان من خلال سماتهم السابقة ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة وهجومهم على عفافها وحجابها وقرارها في بيتها؛ فإذا ذكر العفاف والحجاب رأيتهم يواجهون ذلك بالتحرر والتقدم.
فإذا منّ الله عز وجل على نساء من المسلمات بالتوبة والانعتاق من أسْر العفن الفني واعتزال دروب الفتنة حزنوا وامتلأت قلوبهم غيظاً وحقداً.
فإن كانت التائبة قد تخطت سن الشباب فهي بزعمهم تركت الساحة الفنية لأنها لم تعد مناسبة لها جمالاً وأناقة، وان كانت ما زالت في أوج شبابها وتألقها الفني فهي ـ بإرجافهم ـ تركت الفن بتمويل وإغراءات من جهات متطرفة رجعية!! فهم كالجعلان الذي لا يعيش إلا على النتن ويموت إن شم رائحة طيبة.
يقول الغزالي رحمه الله تعالى:
نحن نعلم أن بعض الناس يعيش أغلب أوقاته في شبكة “المجاري”. ويبدو أن بعض الأدباء أَلِف الحياة في مجاري المجتمع ومساربه السفلى.
والمدهش أنه يريد جرّ الآخرين إلى مستواه الخُلقي، أو أنه يريد نقل روائحه المنتنة إلى ظاهر الحياة محاولاً طمس ما نبت فوقها من حدائق، وما فاح في جوها من عطور..
كذلك يصنع كتّاب الجنس في بلادنا، وفي أكثر أقطار الدنيا. (2حصاد الغرور (104))
العدوان على المرأة وأسرتها
كما أنقل هنا كلاماً نفيساً للشيخ بكر أبوزيد رحمه الله تعالى يكشف فيه دعوات حلف الرذيلة في إفساد المرأة المسلمة وأسرتها حيث يقول:
ومِن أشأم هذه المخاطر، وأشدّها نفوذاً في تمييع الأمة، وإغراقها في شهواتها، وانحلال أخلاقها، سعى دعاة الفتنة الذين تولوا عن حماية الفضائل الإسلامية في نسائهم ونساء المؤمنين، إلى مدارج الفتنة، وإشاعة الفاحشة ونشرها.
وعدلوا عن حفظ نقاء الأعراض وحراستها إلى زلزلتها عن مكانتها، وفتح أبواب الأطماع في اقتحامها..
كل هذا من خلال الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة باسم حقوق المرأة، وحريتها، ومساواتها بالرجل.. وهكذا، من دعوات في قوائم يطول شرحها، تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة.
يترجلون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام، وفي المجتمعات المستقيمة لإسقاط الحجاب وخلعه، ونشر التبرج والسفور والعري والخلاعة والاختلاط، حتى يقول لسان حال المرأة المتبرجة: «هَيْتَ لكم أيها الإباحيون». (3حراسة الفضيلة صـ 11)
مظاهر خطة المجرمين لإفساد الحياة الاجتماعية
وقال في موطن آخر:
وقد سلك أولئك الجناة لهذا خطة غضبية ضالة في مجالات الحياة كافة، بلسان الحال، أو بلسان المقال
ففي مجال الحياة العامة
1 – الدعوة إلى خلع الحجاب عن الوجه ـ «الخمار» ـ والتخلص من الجلباب ـ «الملاءة»، ويقال: «العباءة».
وهذا بلسان الحال:
دعوة إلى خلع الحجاب عن جميع الجسد.
ودعوة إلى اللباس الفاتن بأنواعه: الفاتن في شكله، والتعري بلبس القصير، والضيق الواصف للأعضاء، والشفاف الذي يشف عن جسد المرأة.
ودعوة إلى التشبه بالرجال في اللباس.
ودعوة إلى التشبه بالنساء الكوافر في اللباس.
2 – الدعوة إلى منابذة حجْب النساء في البيوت عن الأجانب بالاختلاط في مجالات الحياة كافة.
وفيه:
3 – الدعوة إلى دمج المرأة في جميع مجالات تنمية الحياة.
وهذا دعوة إلى ظهور المرأة في الطرقات والأماكن العامة متبرجة سافرةً.
4 – الدعوة إلى مشاركتها في الاجتماعات، واللجان، والمؤتمرات، والندوات، والاحتفالات، والنوادي.
وفي هذا دعوتها إلى الخضوع بالقول، والملاينة في الكلام، ودعوتها إلى مصافحة الرجل الأجنبي عنها.
ودعوة لها إلى خروجها من بيتها أمام الأجانب في حال تُثير الفتنة في اللباس، والمشية، وإعمال المساحيق، والتمضخ بالطيب، ولبس ما يجعلهن كَواعب، ولبس الكعب العالي، وهكذا من وسائل الإغراء والإثارة والفتنة.
5 – الدعوة إلى فتح النوادي لهن، والأمسيات الشعرية، والدعوة للجميع.
6 – الدعوة إلى فتح مقاهي الإنترنت النسائية والمختلطة.
7 – الدعوة إلى قيادتها السيارة، والآلات الأخرى.
8 – الدعوة إلى التساهل في المحارم، ومنها: الدعوة إلى سفر المرأة بلا محرم، ومنه سفرها غرباً وشرقاً لتعلم بلا محرم، وسفرها لمؤتمرات: رجالات الأعمال .
9 – الدعوة إلى الخلوة بالأجنبية، ومنها: خلوة الخاطب بمخطوبته ولما يُعقد بينهما.
10 – الدعوة إلى قيامها بالفنِّ، ومنه: الدعوة إلى قيامها بدورها في الفن، والغناء، والتمثيل.
وهذا ينتهي بالدعوة إلى مشاركتها في اختيار ملكة الجمال.
11 – الدعوة إلى مشاركتها في صناعة الأزياء الغربية.
12 – الدعوة إلى فتح أبواب الرياضة للمرأة، ومنه:
- المطالبة بإنشاء فريق كرة قدم نسائي.
- المطالبة بركوب النساء الخيل للسباق.
- المطالبة برياضة النساء على الدراجات العادية والنارية.
13 – فتح المسابح لهن في المراكز والنوادي وغيرها.
14 – وفي شَعْر المرأة ضروب من الدعايات الآثمة، كالتنمص في الحاجبين، وقص شعر الرأس تشبهاً بالرجال، أو بالنساء الكافرات، وفتح بيوت «الكوافير» لهن.
وفي مجال الإعلام
15 – تصوير المرأة في الصحف والمجلات.
16 – خروجها في التلفاز مغنية، وممثلة، وعارضة أزياء، ومذيعة .. وهكذا.
17 – عرض برامج مباشرة تعتمد على المكالمات الخاضعة بالقول بين النساء والرجال في الإذاعة والتلفاز.
18 – ترويج المجلات الهابطة المشهورة بنشر الصور النسائية الفاتنة.
19 – استخدام المرأة في الدعاية والإعلان.
20 – الدعوة إلى الصداقة بين الجنسين عبر برامج في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وتبادل الهدايا بالأغاني وغيرها.
21- إشاعة صور القُبُلات والاحتضان بين الرجال وزوجاتهم على مستوى الزعماء والوزراء في وسائل الإعلام المتنوعة.
وفي مجال التعليم
22- الدعوة إلى التعليم المختلط في بعضها إلى الصفوف الدنيا منه.
23 – الدعوة إلى تدريس النساء للرجال وعكسه.
24 – الدعوة إلى إدخال الرياضة في مدارس البنات.
25 – وهذا داعية إلى المطالبة بفتح: مدرسة الفنون الجميلة للنساء.
وفي مجال العمل والتوظيف
26 – الدعوة إلى توظيف المرأة في مجالات الحياة كافة بلا استثناء كالرجال سواء.
27 – ومنه الدعوة إلى عملها في: المتاجر، والفنادق، والطائرات، والوزارات، والغُرف التجارية، وغيرها كالشركات، والمؤسسات.
28 – الدعوة إلى إنشاء مكاتب نسائية للسفر والسياحة، وفي الهندسة والتخطيط.
وهذا داعية إلى الدعوة إلى عمل المرأة في المهن الحرفية كالسباكة، والكهرباء وغيرها.
29 – الدعوة إلى جعل المرأة مندوبة مبيعات.
والدعوة إلى إدخالها في نظام الجندية والشُّرط.
والدعوة إلى إدخالها في السياسة في المجالس النيابية، والانتخابات، والبرلمانات.
والدعوة إلى إيجاد مصانع للنساء.
30- الدعوة إلى توظيفهن في التوثيق الشرعي، وفتح أقسام نسائية في المحاكم.
وهكذا في سلسلة طويلة من المطالبات، التي تنتهي أيضاً بما لم يطالب به، نسأل الله سبحانه أن يبطل كيدهم، وأن يكف عن المسلمين شرَّهم، لا إله إلا هو». (4حراسة الفضيلة ص 91-99)
قصة من قلب أوروبا .. ودلالتها
وهذه شهادة أمرأة طبيبة المانية مَنَّ الله عليها بالإسلام تحكي سبب اسلامها وأنه ثمرة ما رأته من الفضيلة والعفاف في المرأة المسلمة وإلزامها بأحكام الشريعة المطهرة في الإسلام.
وأدركت عندها عظمة دين الإسلام وما فيه من الفضائل الجمّة التي يدعوا إليها حُماته وحملته كما أدركت عظم الجناية التي يقترفها حزب الرذيلة على أنفسهم وعلى البشرية جمعاء.
وأسوق قصة إسلام هذه الطبيبة الألمانية كما أوردها الشيخ أحمد الصويان رئيس تحرير مجلة البيان حفظه الله تعالى حيث قال:
«كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في ألمانيا فرأيت فتاة متحجبة حجاباً شرعياً ساتراً قلَّ أن يوجد مثله في ديار الغرب؛ فحمدتُ الله على ذلك..
فأشار عليَّ أحد الإخوة أن أسمع قصة إسلامها مباشرة من زوجها، فلما جلستُ مع زوجها قال:
زوجتي ألمانية أباً لجد، وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكان لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء، فأجْرَت عدداً من الأبحاث على كثير من المريضات اللاتي كنَّ يأتين إلى عيادتها.
ثم أشار عليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبياً فذهَبَتْ إلى النرويج، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئاً يختلف عمَّا رأته في ألمانيا، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية..
تقول الطبيبة «فلما عزمتُ على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة وتاريخها وحضارتها، فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة، وعجبتُ منها كيف ترضى بذُلِ الحجاب وقيوده، وكيف تصبر وهي تُمتهَن كل هذا الامتهان..؟
ولمَّا وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفي، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إساراً من حديد يقيدني ويشلُّ من حريتي وكرامتي (!!)، ولكني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.
لبثت أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عدداً كبيراً من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق؛ فبدأت أشعر بالملل والقلق..
ثم مضت الأيام حتى أتممت الشهر السابع، وأنا على هذه الحالة، حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضَبة ومتوترة، فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمه، فسألتها: ماذا تقولين؟! فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة، وثمرة الالتزام بقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾. (الأحزاب:35)
هزتني هذه الآية وعرّفتني بحقيقة غائبة عندي، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام..
فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، وأيقنت أنَّ كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها.. وأدركت أن أكثر ما كُتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء..!»
الفضيلة قيمة
إن الفضيلة لا يعدلها شيء، ولا طريق لها إلا الالتزام الجاد بهَدي الكتاب والسنة، وما ضاعت الفضيلة إلا عندما استُخدمت المرأة ألعوبة بأيدي المستغربين وأباطرة الإعلام.
وإن أخشى ما نخشاه أن تؤول ديار المسلمين إلى ما آلت إليه بلاد الغرب، إذا ما اتبعنا أبواق العلمانيين والإباحيين، وتخلينا عن الفضيلة والعفة والأخلاق التي يضعها ديننا في صورة منهج كامل للحياة.
نُذُر الرذيلة
ومن النُّذُر الجديرة بالانتباه تقرير نشرته مؤخراً منظمة الصحة العالمية عن انتشار مرض نقص المناعة المكتسب «الإيدز» في المنطقة العربية، وكانت الإحصاءات المنشورة مذهلة جداً تنبئ عن واقع محزن مع الأسف الشديد..!
إنَّ هذا المرض ثمرة خبيثة من ثمار التفلت الأخلاقي والانحراف الجنسي..
ثمرة من ثمار الحرب الضروس التي تشنها بعض وسائل الإعلام على الأخلاق والآداب الإسلامية.
ثمرة من ثمار ذلك الطوفان الجارف من الأفلام الهابطة والمسلسلات الماجنة التي طغت على كثير من القنوات الإعلامية من المشرق إلى المغرب.
ثمرة من ثمار الدعوات المحمومة لدعاة الرذيلة والفساد التي تشد فتيان الأمة وفتياتها إلى مستنقعات الغرب الآسنة باسم التحرر والتحضر، وتزيّن لهم الوقوع في الفواحش بكل ألوان الزينة المخادعة..!!
وإن السلامة من ذلك المرض وأشباهه لا تكون إلا بالعودة الصادقة إلى حياض الفضيلة، وتربية الأمة على العفة والحياء، ومراقبة الله تعالى سراً وجهراً.
ألا فلتسكت تلك الأقلام الملوثة التي ما فتئت تشيع الفاحشة، وتنادي أبناءنا وبناتنا للوقوع في حمأة الرذيلة باسم الرقي والتقدم..!
ألا فلتسكت تلك الأصوات الكالحة العبوس التي تتشدق بالدعوة إلى نزع الحجاب والاختلاط باسم الحرية والتمدن..!
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾. (النور:19)
وأحسب أخيراً أن من أكبر التحديات التي تواجه الدعاة والمصلحين هي إيجاد البدائل التربوية والمحاضن الاجتماعية التي يتفيأ في ظلالها فتيان الأمة وفتياتها، بعيداً عن شرر دعاة العلمنة وعبثهم». (5مجلة البيان العدد (161))
[للمزيد: المستقبل وأمريكا]
خلاصة .. ورسائل
وأخيراً .. وبعد ما تقدم ذكره من الثمار اليانعة للفضيلة وشرف حُماتها وأثرهم الطيب في الأمة، وذكْر الثمار العلمية للرذيلة وخبث أهلها ودناءتهم وخيانتهم وجناياتهم الكارثية على الأمة.. أودّ في هذه الخاتمة توجيه الرسائل التالية:
الرسالة الأولى:
إلى حلف الرذيلة
نحمد الله عز وجل أن عافانا مما ابتلاهم به..
فلولا الله ما اهتدينا فنحمد الله عز وجل على عافية الهداية والفضيلة.
ونسأله سبحانه أن يزيدنا هدى وثباتاً وفضيلة، وأن يثبتنا على دينه وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا فقلوب العباد بين أصابع الرحمن.
وبقدر ما ننظر إلى أهل الرذيلة وحلفها بعين الشرع فنمقتهم بها ونتبرأ من رذائلهم وإفسادهم فإنا ننظر إليهم بعينٍ أخرى ألا وهي عين القدَر التي تجعلنا نشفق عليهم ونسأل الله عز وجل أن لا يجعلنا مثلهم وما هم عليه من أحوال رذيلة مآلها العذاب والشقاء في الدنيا والآخرة ونودّ أن لو اهتدوا قبل مباغتة الأجل.
وهنا ننصحهم بموعظة الله عز وجل للمفسدين قبلهم وذلك بقوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾. (سبأ:46)
نعم قوموا لله متجردين من الهوى ولْيفكر كل واحد مع نفسه أو مع صاحبه ﴿مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ﴾..
واسألوا أنفسكم ما هدفكم من نشر هذه الرذائل؟ هلّا نظرتم في مآلاتها الخطيرة على أنفسكم وعلى أمتكم..؟
هل تؤمنون بالله واليوم الآخر؟
إذا كنتم كذلك فهلا فكرتم في وقوفكم بين يدي الله عز وجل وأعددتم للحساب العسير جوابكم يوم تكون الأمة بأسرها هي خصمكم فرداً فرداً وأسرة أسرة؟
نسأل الله عز وجل لكم الهداية والتوبة قبل يوم الحسرة وعندها لا تنفع الحسرات.
ولا يغرنكم الشيطان ويوهمكم بأنكم في حربكم لأهل الفضيلة ستقضون عليهم وعلى الصحوة المباركة فهيهات هيهات أن تطفئوا نور الله بأفواهكم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
الرسالة الثانية:
إلى إخواننا حماة الفضيلة ودعاة الخير والإصلاح
هنيئاً لكم ما أنتم عليه من شرف وكرامة ونصحٍ للأمة، وأبشروا بنصر الله لكم وتأييده؛ فنحسبكم والله حسيبكم من أوليائه الناصرين لدينه وقد تكفل الله عز وجل بنصر من ينصر دينه ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
ولا يهولنكم الباطل وأهله وقوته؛ فهو كما وصفه الله عز وجل ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾
وقد كتب الله عز وجل أن ما يقوم به أهل الباطل والرذيلة من فساد، وما يبذلونه في سبيل ذلك من أموال فيعود عليهم بالحسرة ثم يُغلبون؛ قال سبحانه ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ وقال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ والله مولاكم، ولا مولى لهم.
واعلموا أن العاقبة للمتقين فأجْمِعوا أمركم في التصدي لفساد أهل الرذيلة بصف واحد متآلف متعاون كما يفعله أهل الرذيلة في تحالفهم وتآزرهم.
واحذروا الفرقة والخلاف فهما سبب الفشل والهزائم، وضاعِفوا جهودكم في التصدي لحلف الرذيلة، وأظهِروا عوارهم وافضحوهم وبيّنوا خطرهم وجناياتهم على دين الأمة وعقولها وأعراضها وأخلاقها وأموالها وبينوا خطر الفواحش والرذائل وحكم الإسلام فيها وأهلها.
[للمزيد: من قيم الإيمان]
الرسالة الثالثة:
إلى سواد الأمة وعامتها
إن حلف الرذيلة لا يستطيع أن ينفذ مخططه الإفسادي القذر لو وجد منكم رفضاً وامتناعاً وإدراكاً لما يجلبه من الفساد والإفساد للدين والعقول والأعراض والأموال وما يترتب على ذلك من الشقاء في الدنيا والآخرة؛ فكونوا سداً منيعاً أمام مخططاته وأغلقوا قلوبكم وبيوتكم أمامه.
وكونوا أعواناً وأنصاراً لحماة الفضيلة ودعاة الخير والإصلاح الذين يريدون بكم الخير في أديانكم وأعراضكم وأموالكم ويريدون لكم النجاة من عذاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ ﴿أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
ويكفي أن تنظروا في أحوال حُماة الفضيلة وأخلاقهم وأثرهم الطيب على الأمة. وفي المقابل انظروا إلى أخلاق وأحوال حلف الرذيلة لتدركوا الفرق بين الطيب والخبيث والناصح لأمته من الخائن والغاش لها.
الاطلاع على أهل الخير
فهاهم حماة الفضيلة ودعاة الخير، أصحاب الأيدي المتوضئة والجباه الساجدة الراكعة لربها سبحانه، لا يتعاطون الخمور ولا المخدرات، يأبون الفواحش والزنا والربا، ويقفون في وجهها وأهلها.
هم الباذلون أموالهم وخدمتهم لمجتمعاتهم؛ للأرامل والأيتام والمساكين أفراداً ومؤسسات خيرية الذين يهبُّون لإغاثة الناس عند الكوارث والملمات.
هم المستسلمون لربهم في جميع شؤن الحياة ولم يقْصُروا الاسلام على جانب معين من حياتهم؛ حيث لا يرونه صلاة وتسابيحاً فحسب بل يعتقدون أن الدين شامل لجميع مناحي الحياة، وأن الحكم كله لله يوالون على ذلك ويعادون عليه.
الاطلاع على أهل الشر
وفي المقابل ها هم حلف الرذيلة؛ الخائنون لأمتهم، حزبُ الدعارة وعصابات المخدرات والمسكرات والعفن الفني، الناشرون للقاذورات الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين والآكلين والمؤكلين للربا.
إنهم المنافقون الذين يرفضون شرع الله، ويغيظهم الذين ينادون بالحكم بما أنزل الله، ولا يُعرف لهم سعي في نفع مجتمعاتهم وإغاثة محتاجهم بل إنهم في الأزمات والنوازل ينحازون إلى خندق الأعداء يوالونهم ويظاهرونهم على المسلمين؛ انهم وصمة عار على أنفسهم وعلى أمتهم.
فأي الفريقين أحق بالهدى والمحبة والولاء والنصرة وأيهما أحق بالبراءة والعداوة والمنابذة؟؟
حُكْم الله بين الفريقين
إن الله عز وجل قد حكم بين الفريقين في سورة التوبة وذلك في قوله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. (التوبة:67)
إلى قوله تعالى في نفس السورة: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. (التوبة:71)
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أنصار دينه الذين ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة:54).
اللهم لا تحرمنا فضلك. والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
- مسلم (144).
- حصاد الغرور (104).
- حراسة الفضيلة صـ 11.
- حراسة الفضيلة ص 91-99.
- مجلة البيان العدد (161).
اقرأ أيضا:
ضعف تحمّل الفطرة للشهوات .. دلالة على وظيفتها
حُماة الفضيلة .. وحِلف الرذيلة (1-3) طبيعة الصراع