ما بين ترسيخ التبعية للغرب والتنازل للصهاينة وتجفيف منابع الدين وسجن وقهر علماء الأمة ورجالاتها، وتبديد ثروات الأمة، وتغريب المجتمع؛ نقدم هذه الإطلالة.
مقدمة
يطل علينا الإعلام بحديث يطارد الناس عن رؤية (2030) يرافقها تغيير اجتماعي يبتعد عن الإسلام، وتغريب، ونقل الثروات للغرب، ودفع ثمن هائل للصهاينة بقبول وحماية “إسرائيل” من خلال صفقة القرن بتسليم “القدس” للصهاينة وتصفية القضية الفلطسطينية.
وفي الوقت نفسه إباحة للمنكرات وإشاعة للفسق، بل وتقعيد له وإعطاء شرعية لممارسته؛ بل وإيجاد سند “شرعي” لممارسته..!
يتزامن مع هذا تضييق على رجال الأمة وعلمائها ومفكريها، وكل من يقول كلمة حق مخالفة للخط الذي يسير فيه الناس اليوم.
ومن هنا كانت هذه الدراسة النقدية لهذه الرؤية (رؤية 2030) مساهَمة في قراءتها وتحديد دوافعها وأهدافها، والتعريف بمن صنعها ومصادر صياغتها، وما يُخشى على الأمة منها.
كما تضمنت الدراسة قراءة في إمكانية نجاحها أو فشلها من خلال توافقها أو مناقضتها للسنن الربانية، واتجاه جريان الأحداث.
وهذا المقال هو “مقال تعريفي” بهذه الرؤية .. وأما رابط الدراسة كاملة فمرفق مع المقال .. والله تعالى الموفق للخير.
تعريف
إنّ ما سمي بـ (رؤية المملكة 2030) لم تُظهر إلا شيئاً يسيراً مما يراد عمله بهذه الأمة، وبهذه البلاد، ولم يظهر من جبلها الجليدي الكبير سوى قمته الصغيرة، والأيام القادمة حبالى بالكثير من نتائجها.
أنا على قناعة كاملة مما ظهر لي بعد البحث أنّ أجندة ما سمي بـ (رؤية 2030) ـ غير المعلنة ـ هائلة جداً، والقادم كبير .. وكثير .. وخطير للغاية! وسفينة النجاة تحتاج لكل مجداف من كل “نملة” مُصلحة في هذه الأمة.
أسس للقراءة
أسس هامة، لعلها تساعد في قراءة ما سمي بالـ (رؤية) قراءة صحيحة، وتعين على فهم رموزها، وفك شيفراتها، وكشف طلاسمها!
وهذه الأسس هي :
- علامات الحق والباطل.
- العلمانية .. تعريف وتذكير.
- صناعة الأصنام.
- حكم الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض.
- دلائل السنن، وشواهد التاريخ.
علامات الحق والباطل
تحدث “الباحث” عن علامات الحق والباطل فقال:
معرفة “الحق” و”الباطل” المقصودة هنا.. تتعلق بمعرفة الحق من الباطل في جوانب الدين والشرع، وفي المشاريع والخطط والرؤى المقدَّمة..
سواء على مستوى الأمة والأفراد والمؤسسات، والدول والحكومات، أو في الاقتصاد والتجارة، والسياسة.
أو في الأفكار والثقافة، وفي الأمور الاجتماعية والشخصية، وفي عموم شئون الحياة على وجه العموم لا الخصوص، حيث لكل عمل أو مشروع أو دعوى علاماته الخاصة.
وذكر العديد من العلامات الدالة على الباطل منها:
مخالفته لأوامر الشريعة، مجافاته للسياق التاريخي أو التغير الاجتماعي، الغموض وعدم الشفافية في الأهداف الحقيقية، عدم إتاحة الفرصة للمناقشة المستفيضة، كبت المخالف والمعارض، تجمع أهل الباطل على باطلهم واتحادهم عليه.
العلمانية
وعن العلمانية كأساس لهذه الرؤية أوضح “الباحث” أن لها جانبين: الجانب السياسي والجانب الديني.
الجانب السياسي للعلمانية
العلمانية مرتبطة ـ في هذا الجانب ـ ارتباطا وثيقا بما يسمى بـ “الوطنية”.
الوطنية عند أصحاب هذا المصطلح هو مفهوم تذوب فيه ثوابت الدين، وتلغى فيه لوازم العقيدة.
هي مصطلحٌ يحتم الانتماء والولاء لـ “الوطن” وحده لا شريك معه.. أو ربما بمشاركة “الدين” ـ ولكن كمظلة أو هوية أو ثقافة، أو انتماء .. أو تاريخ ـ فقط، لا كعبودية لله؛ ومنهج حياة أنزله الله.
والدولة “الوطنية” تقوم على مبدأ السيادة على الحدود الجغرافية، وتبني المصالح الأرضية المنبثقة عنها.
ولهذا؛ فلا يمكن أن تكون الدولة “الوطنية”.. إلا دولة علمانية، ولا يمكن أن تكون الدولة “الوطنية” دولة إسلامية بحال؛ أبداً.
ولعل من فوائد “رؤية 2030” كشف هذه الحقيقة “للموحدين”.. حقيقة علمانية الدولة في بلادنا بلاد التوحيد.. والعقيدة (السمحة!) بكل وضوح..! لكثير من المشايخ والمنتسبين للتوحيد.
الجانب (الديني!) للعلمانية
أولاً: احترام الأديان
قد يتساءل البعض: هل للعلمانية وجه ديني؟ والجواب : نعم!
يمكن للعلمانية أن تتبنى الدين كمظلة؛ أو إرث؛ أو تاريخ؛ أو جغرافيا، أو قيم، أو هوية.. أو حرية شخصية لكنها لا تتبنى الدين كشريعة أبدا..! لا تتبنى الدين إذا ما كان قوانين سيادية في المال والاقتصاد، أو السياسة، أو التعليم، أو الجيش أو الوظائف.. بل وتقصِي وتحارِب كل من ينادي بتطبيق الشريعة (متكاملة) في المجتمع.. أو إلزام الأمة بها.
وهذه هي حقيقة حالنا.
ثانياً : الإرجاء
يرتبط الفكر العلماني (في الإسلام!) بموروث إسلامي تاريخي فاسد يتعلق بــ “الإرجاء”..!
الإرجاء ـ بِعلم أصحابه أو بدون ـ هو الفراش الموطأ.. والوسادة الحريرية.. أو هو الستارة المخملية.. لأصحاب الشبهات، ومحبي الشهوات؛ يخفون به باطلهم، وينتمون للدين باسمه، لينازعوا أهل الإسلام حقيقة دينهم، وليمرروا على الأمة علمانيتهم وليبراليتهم وباطلهم وأهواءهم وشهواتهم به.
إنّ تبني العلمانية للإسلام كقيمة روحية، دون الاعتراف به كشريعة عملية، والأخذ برؤية المرجئة لفصل العمل عن الإيمان..! كل ذلك يتناسب تماماً مع مطالب واحتياجات الدولة الوطنية وينسجم معها …!
صناعة الأصنام
وعن أساس صناعة الأصنام ذكر “الباحث”:
صناعة الأصنام الحجرية صناعة قديمة.. قديمة؛ من عهد نوح عليه الصلاة والسلام. والأصنام التي نقصدها هنا أصنام من نوع (آخر)..! أخبث، وأخطر؛ إنها صناعة الأصنام البشرية.
ومن أمثلة الأصنام التي ظهرت في ظروف الكوارث؛ فسحرت الناس واستعبدتهم:
كمال أتاتورك: بعد هزيمة تركيا في الحرب الأوروبية الأولى، وجمال عبد الناصر: بعد تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي.
العامل المشترك بين الأصنام (في الغالب)
يظهرون في أوقات الأزمات، كمخلّصين صادقين ناصحين، مجهولين .. مغمورين؛ ثم يكبرون حتى يصبحوا آلهة تعبد، عداؤهم الشديد للمخالفين، أصحاب بطش وأذية وتنكيل بالخصوم، شرهم مستطير.
يرافقهم دعايات هائلة وحملات إعلامية ضخمة، ظهورهم تالٍ للأهداف والخطط ـ في الغالب ـ وليس سابق لها، جميع الأصنام دجاجلة، لذا: فالأصنام البشرية ـ في الغالب ـ أدوات تنفيذية؛ وإن ظهرت بمظهر الآلهة.
مآلات الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض
ثم تحدث “الباحث” عن أساس مآلات الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض؛ فقال:
كما توعد الله سبحانه وتعالى “المنافقين” بالدرك الأسفل من النار؛ و “آل فرعون” بأشد العذاب؛ فقد توعد سبحانه وتعالى من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؛ بمثل تلك العقوبة بل وأشد، لتصل إلى الخزي العاجل “في الدنيا”، دونما نصرة؛ إضافة للعذاب الشديد “في الآخرة”، دونما تخفيف.
واليوم كثير من حكومات الدول العربية والإسلامية تُظاهر الكفار على بعض إخوانهم المسلمين، أو تهمل نصرتهم، أو تتركهم عرضة للقتل أو الأسر أو التهجير والتشريد أو الإبادة ..!
ثم وبعد أن يتم ذلك كله؛ يسارعون بتقديم المساعدات الغذائية والطبية لهم..!
يساهمون في قتلهم من جهة.. ويساهمون في علاجهم، من جهة أخرى..!
وهذا من جنس الإيمان بعض الكتاب؛ والكفر ببعض، فتقديم المساعدات الطبية والغذائية لهم.. إيمان ببعض الكتاب. وخذلانهم، أو وتركهم فريسة للكفار؛ يقتلونهم ويشردونهم ويخربون ديارهم.. كذلك مهادنة الكفار، ومظاهرتهم على إخوانهم المسلمين.. كل ذلك: كفر ببعض الكتاب.
دلائل السُنن وشواهد التاريخ
ثم تحدث عن أساس “دلائل السُّنن” و “شواهد التاريخ”؛ فقال:
دلائل السُّنن
المقصود بالسُّنن “القوانين!” الإلهية التي تعمل عملها في الأشخاص.. والمجتمعات.. والأمم.. وكل الأنشطة المتعلقة بالسلوك البشري عموماً؛ مثلها مثل القوانين التي جعلها الله تعمل في المادة؛ لكنها أصحّ وأوثق وأدقّ.
وكل أعمال البشر تخضع لهذه السنن.
لذا؛ كل عمل من أعمال البشر عبارة عن مقدمات.. ولها نتائج.
فإذا عمل إنسان عملاً ما؛ فليعلم أنه قد أتى بمقدمة قد انعقدت أسباب نتائجها؛ إن خيراً فخير، وإن شرّا فشرّ.
بعضٌ من سنن الله
ومن سنن الله المعروفة والمشهودة في هذه الحياة الدنيا:
أن التمام والكمال؛ يعقبه النقص والعيب.. وأن الصحة والقوة؛ يعقبها المرض والضعف.. وأن البغي والفساد والظلم؛ يعقبهم العقوبة والألم.. وأن الزنا؛ يعقبه المرض والفقر.
كذلك الأمر في الدول التي ترفع شعار الإسلام، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحكم بالعدل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يزيد الله في تمكينها وسلطانها ، والتي ترفع شعار الإسلام ، وتعمل بضد ذلك تزول.. نعم تزول سريعاً! إي والله.
شـواهد التاريخ
المقصود بذلك أحداث التاريخ التي تقع على مر العصور والأزمان، ويتعلق بها أمران:
- الأول: التكرار، والإعادة المستمرة.
- الثاني: تعلقها بـ “السنن” الإلهية.
فأحداث التاريخ المتنوعة ووقائعه المتكررة تسير وفق “السنن”، وتشهد أيضاً على صحتها؛ “عملاً؛ وسبباً؛ ونتيجة”.
“شواهد التاريخ”، و “مآلات السنن” أوضح ما تكون في الأفراد ثم في المجتمعات؛ ثم في الأمم والحضارات! فإذا ما عرف المرء سنن الله المتعلقة بالأمم؛ والشعوب؛ والمجتمعات؛ والأفراد.. ثم استحضر شواهد التاريخ؛ انكشف له المستقبل، واستشرف النتائج، وعرف مآلات الأعمال.
دلائل الفشل
أخيراً هنا .. لعل في استحضار هذه النقاط الخمس ـ قبل قراءة (رؤية 2030) ـ وهناك غيرها مما لم يكتب؛ يمكن استشراف نتائج “الظلم والمكر والخديعة والغش؛ والكيد لدين الله وأوليائه؛ والتحايل على شرعه”، حيث يظهر بوضوح:
- كيف يتجلى “الباطل” من خلالها في أكمل صوَره.
- كيف ينفِّذ “العلمانيون” أجنداتهم في بلادنا باسم الإسلام.. ويزاودون على العلماء بحب الإسلام والغيرة عليه!
- كيف تصنع “الأصنام”، والظروف التي تظهر فيها..؟
- مآلات “الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض”.
- كيف يمكن استشراف المستقبل، وتوقع الخاتمة.. من خلال “سنن الله” و”شواهد التاريخ”.
سياق الرؤية
وذكر فيها “الباحث” أنها جاءت على يد شابٍّ لا خبرة له، وبحزمة من قرارات في اتجاهات تغريبية توضح أنها جاءت معدة سلفا من مراكز غربية.
وجاءت في أحوال داخلية تمثل تحديد الاسلام كمصدر للخطر أو “الإرهاب” بحسب المصطلح الغربي، مع أوضاع داخلية متدهورة في المرافق والخدمات، والتضخم وخسائر لشركات كبرى وأحداث وحوادث سلبية..
ملامح عامة للرؤية
ذكر “الباحث” فيها أنها جاءت منفصلة عن سياق الواقع، مما يؤكد مجيئها في سياق خارج عن احتياجات الأمة، فجاءت كرؤية “تخيلية”.
وحقيقتها أنها “انقلاب مشين”، وأكذوبة كبرى، وتبديد للثروات، وحديث واهم عن الاستثمار أو التحول نحوه، بل هي باب لدخول رأس المال الغربي والصهيوني لامتلاك البلاد وإيجاد مدخل لإحداث الثورات وتفتيت البلاد وإيجاد حجة للاحتلال المباشر.
فهي تقليد أعمى “مطوَّر” عن تجربة “دبي” التغريبية، ولم تقدم أنموذجا أصيلا يحقق الجمع بين التحديث والاستثمار الصناعي الحقيقي الذي ينقل التكنولوجيا ويوطنها ويطورها ويسمح بامتلاك النصنيع والاستغناء عن حالة “العالة” على الغرب و”الارتهان” بقراره السياسي للتسليح الداخلي..!
- دلالاتها وآثارها المتعددة
- للعلماء ظهر الأمر جليا في تخوفاتهم وتحذيراتهم..
- وللسياسيين أظهرت حقيقة تغلب المنافقين من اللليبراليين وغيرهم وتحكمهم وإنجاح مشاريعهم الخطرة والقذرة والقاتلة للأمة. وظور ذلك للأمة بعد أن كان خفيا.
- وأما الأمة فالناس تابعون للملوك؛ يرجون منهم الوهم من “جزرة” تُرفع لهم بلا حقيقة وراءها..
- وللتجار والمستثمرين فخّ كبير لهم، يستغل طمعهم كما يستغل جبنهم وخوفهم.
- وللأسرة المالكة فما يهمهم هو الامتيازات الملكية، لكن من يدري لعل الأمور تؤول الى اتجاهات رافضة لها؛ فثمة دلالات تشير الى هذا كما يتوقع التنازع بينهم.
- أما الغربيون فلا يأبهون بجديتها أو فرص نجاحها أو موضوعيتها بل هم “يرطنون” حول التصفيق لمشروعها التغريبي.
وبالنسبة لهم فإن نجحت فقد تم التغريب وإن فشلت فقد يتم التفتيت فيجدون موطيء قدم لهم للاحتلال المباشر.
خاتمة
يخلص “الباحث” في نهاية البحث الى أنه، بالتأمل؛ نجد أنها رؤية لا مستقبل لها لأنها تحتوي على الظلم الصارخ ومناقضة لسنن الله تعالى ولدور الرسالات، وقد خلت سنن تدل على دمار مثل هذه المشاريع.
كما أن الظلم الصارخ والتعجل في معاداة الاسلام وأمته، ومحاولة محو دين الله تعالى، وخيانة الأمة في مقدراتها.. كل هذا عاقبته العاجلة هي الفشل والهلاك.
والله تعالى غالب على أمره.
…………………………………..