الدعوة إلى الله هي ميراث الأنبياء. فما المقصود بها؟ وما هي متطلباتها؟
من المقصود بالدعوة إلى الله عز وجل؟
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد
فقد يكون في عنوان هذه المقالة شيء من الغرابة عند البعض ذلك لأن الجواب معروف ولا يجهل أحد أن المقصودين بالدعوة إلى الله عز وجل هم طوائف الناس على اختلاف مشاربهم وذلك بتعبيدهم لربهم سبحانه حتى يسعدوا في الدنيا بالحياة الطيبة وفي الآخرة برضوان الله عز وجل وجنته.
فإذا كان الجواب معروفا فما المقصود بعنوان المقالة إذن ؟
إن المقصود بهذا السؤال تنبيه نفسي وإخواني الدعاة إلى أن الدعوة إلى الله عز وجل تعني أول من تعني دعوة النفس إلى الله عز وجل وتعبيدها له سبحانه ويدخل في ذلك الأهل والقرابة، لأن المشاهد في حياة الكثير منا الاهتمام بدعوة الآخرين ونسيان النفس أو الغفلة عنها في زحمة دعوة الآخرين وهذا إنما نشأ من أن مفهوم الدعوة قد ينحصر عند الكثير منا في دعوة الناس ولم نتنبه إلى أن الدعوة إلى الله عز وجل على قسمين: دعوة النفس، ودعوة الغير.
بذل الجهد لوقايةالنفس من الأمراض
والذي دفعني إلى إثارة هذا الموضوع، ما رأيته من نفسي ومن بعض إخواني الدعاة من غفلة عما ينقص النفس من واجبات وأخلاقيات أو ما يتلبس بها من مثالب وأمراض باطنة وظاهرة يجب أن يبذل الجهد في إزالتها وأن تُدعى النفس إلى الدخول في السلم كافة. ويلحق بذلك الأولاد والزوجة والوالدين ثم الأقرب فالأقرب.
قال الله تعالى : (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِیكُمۡ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ » [التحريم: 6].
ولا يعني هذا ترك دعوة الآخرين حتى تصلح النفس ويصلح الأهلون والأقارب. كلا.
فالكمال عزيز والنقص من طبيعة الإنسان .
ولكن المراد الاعتناء بالنفس والأهل ودعوتهم إلى الله عز وجل في الوقت الذي يدعى فيه الآخرون ويجب أن تسير دعوة النفس ودعوة الغير في خطين متوازيين غير متقاطعين.
وكم يكون لدعوة الآخرين من ثمرة وفائدة كبيرة إذا كان الداعية مهتماً بنفسه محاسباً لها داعياً لها إلى الله عز وجل وذلك لما يضع الله تعالى على يديه من البركة والقبول في أقواله وأفعاله، ولما يجد الناس فيه من القدوة والمثال الذي يُحتذى، فالناس ينظرون إلى الأفعال أكثر من نظرهم إلى الأقوال المجردة .
وادع إلى ربك
نتعرف على مسألة مهمة تتعلق بالإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل وهي مسألة قلما نتنبّه إليها أو ننبه عليها وجُلُّ ما نفهمه من معنى الدعوة إلى الله عز وجل هو أن الداعية إنما يدعو إلى ربه وإلى سبيله وتوحيده وطاعته وإلى إقامة دينه كما قال تعالى : (ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ ) [ النحل: ۱۲5]. وقوله تعالى : (قُلۡ هَـٰذِهِۦ سَبِیلِیۤ أَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِیرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِیۖ) [يوسف: ۱۰۸].
التنبيه بالأخلاص أثناء الدعوة إلى الله
ولا شك أن هذا معنى صحيح وهدف أساسي للدعوة إلى الله عز وجل لكن هناك معنی لطيف ومسألة عظيمة يتضمنها مفهوم الدعوة إلى الله تعالى، يتعلق بإخلاص الدعوة لله سبحانه قلما ننتبه إليه وهو ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ( مسائل باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ) وهو من أبواب کتاب التوحيد حيث يقول:
( المسألة الثانية : التنبيه على الإخلاص، لأن كثيراً لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه ).
يا لها من مسألة عظيمة يغفل عنها الكثير منَّا وإنها لمن الدقة واللطف بحيث توجد عند البعض منا دون الشعور بوجودها. وإن لم يفتش الداعية عنها في نفسه ويبادر إلى التخلص منها فإنها قد تكون سببا في حبوط العمل وضياع الجهد عياذاً بالله تعالى.
علامات ومظاهر تدل على تلوث القلب بآفات خطيرة
ولإتمام الفائدة أسوق فيما يلي بعض العلامات والمظاهر التي يدل وجودها على تلوث القلب بهذه الآفة الخطيرة.
(1) الحزبيَّة المقيتة التي تدفع بصاحبها إلى عقد المحبة والعداوة على الأسماء والأشخاص والطوائف. .
(۲) حب الشهرة والصدارة والتفاف الناس وكراهية الدعاة الآخرين والانقباض والضيق من تجمع الناس حولهم، لا لشيء إلا لأن في ذلك منافسة وحسدا في القلب.
(3) التزهيد في أعمال بعض الدعاة وتحقيرها وتشويهها حتى ولو كان هذا العمل قد ظهر خيره وصلاحه. فلا ترى صاحب القلب المريض الذي يدعو إلى نفسه وليس إلى الله تعالى إلا مستاء من ذلك
ولو كان الأمر إليه لأوقف كل عمل خير يقوم به غيره، وهذا من علامات الخذلان عياذاً بالله تعالى. لأن العبد المخلص في دعوته إلى الله تعالى يحب كل داعية إلى الخير ولو لم يعرفه أو لم يره ويدعو له بظهر الغيب ويفرح بأي باب من الخير يفتحه الله تعالى على يد من كان من عباد الله، ويفرح بأي باب من الشر يغلق على يد من كان ذلك، لأن في ذلك صلاحاً للعباد وإسهاماً في هدايتهم وتعبيدهم لرب العالمين، وكفى بذلك هدفاً وثمرة تثلج صدر الداعية المخلص، سواء تحقق ذلك على يده أو على يد غيره من الداعين إلى الله تعالی.
(4) الوقوع في غيبة الدعاة أو السعي بالنميمة والوشاية لإلحاق الأذى بهم أو إشاعة ماهم منه برءاء في الناس حتى ينفضوا من حولهم ويلتفوا حوله.
وأكتفي بهذه العلامات كأمثلة سريعة لهذا المرض، وإلا فالأمثلة كثيرة وكل إنسان أدرى بنفسه وهو على نفسه بصيرة . والمقصود التنبيه على هذه الآفات الخطيرة التي تمحق بركة الأعمال في الدنيا وتذهب بأجرها في الآخرة.