إدراك الأمة للحرب الغربية والأمريكية خصوصا المشبوبة والخصومة القائمة مع هذه الأمة واستهداف دينها ووجودها يدفع الأمة الى شحذ قوتها وإرادتها؛ فالإدراك هو أول الخطوات للمواجهة.
الوعي للاستنفار
قدم الكاتب في المقالات الماضية مجالات حرب أمريكا ضد أهل السنة، من الأفكار الى السلاح الى الأخلاق.. وقراءة هذه الحقيقة لا تعني الاستسلام ولا العجز؛ بل تعني الوعي، وتستوجب استنفار الأمة وشحذ همتها وتجميع طاقاتها للمواجهة، وهذا ما تبينه هذه الحلقة من المقالات..
واجبنا في مواجهة هذه الحرب
أولاً: استنفار أمة
يقول الله عز وجل: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 1].
إنه لا خيار للمسلم بعد قراءة هذه الآية وفهمها في ظل الواقع الذي نشهده اليوم، وفي هذه الحرب المشبوبة على أهل السنة بمحاوره الخمسة التي ينطلق منها العدو الكافر في حربه وغزوه لبلدان المسلمين من أهل السنة، وفتنهم في دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم.
نعم لا خيار لمسلم يعي هذا الواقع ويعي حقيقة أعداء الأمة وأهدافها أن يقعد متفرجاً بارد القلب.
إن جهاد أعداء الله الكفرة أصبح متعيناً على كل مسلم ـ حسب قدرته، وجهده، وعلمه ـ وأعني بالجهاد هنا كل أنواع الجهاد المذكور في كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
“الجهاد بالسنان، والجهاد باللسان والبيان، والجهاد بالمال”
قال الله عز وجل عن جهاد البيان بالقرآن: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52]، وسورة الفرقان مكية لم يفرض فيها جهاد السنان والسيف بعد.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم». (1أبو داود: 2506، وصححه الألباني في أبي داود: 2262)
مواجهة مكافئة
فكما أن حرب الكفار لنا تنطلق على الصعيد العسكري بالسلاح، وعلى الصعيد الفكري العقدي، وعلى الصعيد الاقتصادي، والصعيد السياسي، والأخلاقي، كما فصّلته سابقا، فهذا يوجب على المسلمين أن يواجهوا كل حرب بما يناسبها ويبطلها.
حروبهم العسكرية
فحربهم العسكرية؛ تواجَه بالجهاد بالسلاح في ميادين القتال. وهو ما يقوم به ـ نيابة عن الأمة ـ فصائل الجهاد المختلفة التي أثخنت في العدو، وأحبطت عليه مكره.
فجزاهم الله عن أمتهم خيراً، ونسأل الله، عز وجل، أن يثبّتهم، ويجمع كلمتهم، ويوحد صفوفهم، وأن يعيذهم من الفرقة والاختلاف.
حروبهم الفكرية
وأما مواجهة حرب الكفار الفكرية فتكون بجهاد البيان من أهل العلم، والبيان برد شبهاتهم، وبيان باطلهم، ورفع اللبس عن الأمة، وبيان دين الله الحق للناس، الذي هو سبيل المؤمنين، وبيان سبيل المجرمين.
حروبهم السياسية
وأما حربهم السياسية فتكون مواجهتها بفضحها، وبيان كذبها ومكرها، والحذر منها، وتحذير الناس من ألاعيبها، وإبراز السياسة الشرعية العادلة الرحيمة، وبيانها للناس.
حروبهم الأخلاقية
وأما حربهم الإباحية الموجهة للأخلاق والأعراض؛ فتكون بمزيد من التحصين والاحتساب والتربية لأبناء الأمة، وتوظيف جميع الوسائل الدعوية والإعلامية، والمحاضرات التربوية في التحذير من هذه الحملات..
وتربية الأفراد والأسر على الأخلاق الإسلامية وتكريههم لأخلاق الكفار المنافية للشرع والعقل والفطرة، والتركيز في التربية على إقامة واعظ الله وتعظيمه وخشيته في القلوب،
حروبهم الاقتصادية
ومواجهة حربهم الاقتصادية؛ بتحذير الناس من نار الربا المحرقة، وبتوظيف أموال أهل السنة من المحسنين في دعم الدعوة إلى منهج السلف، وحرب المناهج الباطلة، ودعم الجهاد والمجاهدين في سبيل الله تعالى، وإعانة المسلمين، وأن لا يكترثوا بتخويف شياطين الجن والإنس وإرهابهم.
فهذه بعض حالات الجهاد التي تُدفَع بها حروب الكفار الموجَّهة لأهل السنة من المسلمين، فليختر المسلم أي نوع من أنواع الجهاد يناسبه، ويمكن أن يدافع من خلاله عن الحق وأهله، ولا عذر لقاعد بعد ذلك.
وجوب التعاون والتكامل
وهنا مسألة مهمة يجب التنبيه عليها ألا وهي: وجوب التعاون بين القائمين بواجب الجهاد، بمختلف مجالاته، العسكري، والفكري، والتربوي، والاحتسابي، والمالي..
وأن يكمل بعضهم بعضاً، وأن لا تُهوِّن ولا تُحقِّر طائفة ـ نفرت في نوع من أنواع الجهاد ـ جهد الطائفة الأخرى، التي نفرت في مجالات أخري؛ بل يجب أن يتم التعاون والمحبة والإخاء والفرح بما يتحقق من الخير، أو يندفع من الباطل، سواء تحقق هذا على يد هذه الطائفة أو تلك.
وأن يكونوا أشبه بجامعة تضم كليات مختلفة التخصص، يكمل بعضها بعضاً، لأنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
وإذا تحول هذا الاختلاف المحمود إلى اختلاف تضاد وفرقة، وخصومة وتحزب، فإن هذا ما يريده العدو الكافر، ويفرح به، لكونه سببا للفشل والهزيمة وذهاب الريح، قال الله، عز وجل: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
ثانيا: شروط النصر والتمكين
على النافرين في مواجهة حرب الكفار الشاملة على أهل السنة أن يحققوا شروط النصر والتوفيق في قيامهم لنصرة الدين، ألا وهي:
الشرط الأول: الإخلاص
الإخلاص لله عز وجل في قومتهم، وعدم إرادتهم شيئاً من أعراض الدنيا.
ومن الإخلاص؛ الحرص على الجماعة والائتلاف، والاستعلاء على حظوظ النفس.
الشرط الثاني: المتابعة
المتابعة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: وكونهم قائمين في أمر مشروع، وحق يحبه الله، عز وجل.
الشرط الثالث: الاستعانة بالله تعالى
استعانتهم بالله، عز وجل، وتجريد التوكل عليه سبحانه، والتبرؤ من الحول والقوة إلى حول الله وقوته، واليقين بأنه لولا الله تعالى لما حصلت الهداية، ولا التوفيق، ولا التسديد، وهذا ينفي العُجب والغرور بالنفس، ويقتضي سؤال الله، تعالى، التسديد والإعانة والتوفيق.
الشرط الرابع: اتخاذ الأسباب
اتخاذ كافة الأسباب المتاحة والممكنة والمشروعة، في مواجهة أعداء الأمة، وبذل كل ما في الوسع والطاقة لنصرة هذا الدين وأهله.
الشرط الخامس: الصبر
التحلي بالصبر، وعدم الاستعجال في جني الثمار، أو اعتساف الطريق.
وعن أهمية الشروط الثلاثة الأولى في حصول التوفيق والنصر والتأييد، يقول الإمام ابن القيم، رحمه الله تعالى:
فإذا قام العبد بالحق على غيره، وعلى نفسه أولاً، وكان قيامه بالله، ولله، لم يقم له شيء.
ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجاً ومخرجاً.
وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة، أو في اثنين منها، أو في واحد.
فمن كان قيامه في باطل لم ينصر، وإن نُصر نصراً عارضاً فلا عاقبة له، وهو مذموم مخذول.
وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله، وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق، أو التوصل إلى غرض دنيوي، وكان هو المقصود أولا، والقيام في الحق وسيلة إليه، فهذا لم تُضمن له النصرة؛ فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه، فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين، وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق؛ فإن الله لا ينصر إلا الحق.
وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر، والصبر منصور أبدا؛ فإن كان صاحبه محقا، كان منصورًا، وله العاقبة، وإن كان مبطلا لم يكن له عاقبة.
وإذا قام العبد بالحق لله، ولكن قام بنفسه وقوته، ولم يقم بالله مستعينا به، متوكلا عليه، مفوضا إليه، بريئًا من الحول والقوة إلا به، فله من الخذلان، وضعف النصرة، بحسب ما قام به من ذلك.
ونكتة المسألة أن تجريد التوحيد في أمر الله لا يقوم له شيء البتة، وصاحبه مؤيَّد منصور ولو توالت عليه زمر الأعداء” (2إعلام الموقعين (2/ 178))
التحذير من فخاخ العدو
ثالثاً: التحذير لمن شرفه الله، عز وجل، بنصرة دينه، والقيام بواجب مدافعة هذه الحرب العالمية الإجرامية، من أن يقع في فخ الأعداء وخندقهم، فيقدم لهم خدمة وهو لا يشعر، كأن يدْعونه للقتال تحت رايتهم، وغطائهم الجوي، لقتال فصيل آخر بحجة إرهابه وجرائمه، فيصطف في صف الكفار، والواجب عليه عداوته لهم، وقتالهم..
أو أن يقع في فخ آخر؛ بأن يكون له موقف معين من أخطاء بعض الفصائل المجاهدة، أو بعض الجماعات الإسلامية السنية، فيسعى جاهداً في بعض المنابر الإعلامية إلى نقدها، وتخطئة أصحابها، وإلصاق بعض التهم بهم، كتُهَم الغلو أو العمالة وغيرها.
اعتبار الذرائع والمآلات
ولا شك أن هذا مما يُفرح الأعداء المحاربين، ويجعلهم يسعون لتوظيفها في حرب المجاهدين، والدعاة من أهل السنة، الذين يتصدون لحرب مشروعهم الخبيث، ويستخدمون ذلك في تشويه منهجهم الذي يحملونه.
ولا يعني هذا؛ السكوت عن الأخطاء، وعدم مناصحة أهلها، بل يجب أن تتم المناصحة والتحذير من هذه الأخطاء ولكن بصورة خاصة، وليست على منابر عامة، يوظفها الأعداء في تحقيق أهدافهم، وتبرير عدوانهم.
وهذا مما تقرره الشريعة، ويتفق مع أصولها ومقاصدها الثابتة، ومسألتنا هذه المذكورة آنفاً تندرج تحت قاعدة سد الذرائع، حيث إن الفعل في حد ذاته قد يكون جائزا أو مستحباً، ولكن إذا كان سيؤدي إلى أمر محرم أو إلى مفسدة متحققة، فإن المتعين في هذه الحالة تركه.
وقد قرر الفقهاء: أن المنكر إذا كان سيترتب على إنكاره منكر أكبر منه؛ فلا يجوز ـ والحالة هذه ـ إنكاره، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108]؛ فنهى الله، عز وجل، المسلمين عن سب آلهة المشركين، لما سيترتب على ذلك من سب الله، تعالى، ولدينه، مع أن سب آلهة المشركين جائز بل متعين وواجب أحياناً.
الاستبشار بنصرة هذا الدين
رابعاً: التفاؤل بنصرة الحق وأهله وبسقوط الباطل ودولته..
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]، ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 120].
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171 – 173]..
ففي الآية الأولى خبر يقين صادق من فاطر السموات والأرض ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 87] أن مآل الكفار، وما ينفقونه في الصد عن سبيل الله، عز وجل، إلى أن يُغلَبوا، وإلى أن يرتد ذلك عليهم بالحسرة والخسران، وفي الآخرة عذاب جهنم وبئس المصير.
وفي الآية الثانية سنة من سنن الله، عز وجل، وهي أن كل كيد ومكر يكيده الكفار على المسلمين فإن الله سيبطله، ويحمي عباده المؤمنين من شره وضرره.
النصر مبذول لكنه مشروط
ولكن ذلك مشروط بقوله تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120].
والصبر والتقوى يقتضيان إخلاص العمل لله تعالى، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستعانة بالله وحده، وصدق التوكل عليه، والتبرؤ من الحول والقوة، إلا به، وسلامة القلوب واجتماعها وتآلفها.
هوامش:
- أبو داود: 2506، وصححه الألباني في أبي داود: 2262.
- إعلام الموقعين (2/ 178).
لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:
لقراءة بقية أجزاء المقال:
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. سُنة المدافعة
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. نفوذ وعد الله
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. المحور العسكري
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. من الاقتصاد الى الأخلاق
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. حرب السلفية بالصوفية