إننا في هذه الأزمنة التي تعج اليوم بالفتن؛ وكثرة النوازل؛ وإعجاب كل ذي رأي برأيه، لفي أمس الحاجة إلى ضبط مسار الدعوة ومناهجها ووسائلها بضوابط الشرع وقواعده الفقهية؛ التي تؤصل للدعوة مسارها، ونضبط للدعاة موازينهم ومناهجهم؛ حتى لا يكون حمى الدعوة مستباحا لكل من هب ودب يتخبط بلا دليل ولا ضابط.
القواعد الفقهية الخمس الكبرى
وهي القواعد التي اتفق عليها أهل العلم وهي أصل القواعد الفرعية الكثيرة وهي كما يلي:
- الأمور بمقاصدها أو (الأعمال بالنيات).
- اليقين لا يزول بالشك.
- الضرر يزال أو (لا ضرر ولا ضرار).
- المشقة تجلب التيسير.
- العادة محكمة.
وفي المقال السابق [القواعد الفقهية الكبرى وتطبيقاتها الدعوية والجهادية (1)] تحدثنا عن قاعدتين، ونكمل في هذا المقال باقي القواعد الفقهية الخمس الكبرى.
القاعدة الثالثة: الضرر يزال أو (لا ضرر ولا ضرار)
وهذه من القواعد العظيمة، وعليها مدار كثير من الأحكام الشرعية والأقضية. ومفاد هذه القاعدة: أن الضرر ممنوع ومطلوب دفعه قبل أن يقع، أو إزالته بعد أن يقع فإن أمكن إزالته بالكلية وإلا تخفيفه؛ وتعين ارتكاب أحد الضررين أو الأضرار لدفع أعظمهما عند التزاحم.
أدلة هذه القاعدة:
قوله تعالى: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) [البقرة:233].
وقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) [البقرة:282].
وقوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) [البقرة:231].
ولا يدخل في ذلك الضرر الذي يصيب الجاني عقوبة له على جنايته، أو إلحاق الضرر بالضامن وضمان ما أتلف.
ومن أدلة هذه القاعدة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه ابن ماجه والدار قطني وأحمد وصححه الألباني في إرواء الغليل [3/408].
ومعنى (لا ضرر) أي لا يضر الرجل أخاه، وهو ضد النفع. وقوله (ولا ضرار) أي لا يضار كل واحد منهما صاحبه بالضرار منهما معا، والضرر فعل واحد. وقيل أن الضرر يحصل بدون قصد، وأنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه، وأما الضرار فيكون بقصد؛ ويرضى به المضار، وقيل الضرر الذي لك فيه منفعة؛ وعلى صاحبك مضرة. والإضرار الذي ليس لك فيه منفعة؛ وعلى صاحبك مضرة. وقيل هما بمعنى واحد، وتكرارها للتأكيد، وعلى كل فهو نهي عن الإضرار بالغير أو النفس
وقد ذكر أهل العلم ضوابط في تطبيق قاعدة (الضرر يزال) منها:
- أن يكون الضرر متحققا أو متأكدا منه، ويخرج من ذلك الموهوم.
- أن يكون الضرر فاحشا غير يسير.
- أن يكون بغير حق. أما ما كان بحق كإقامة الحدود فلا يدخل تحت القاعدة.
وتحت هذه القاعدة قواعد فرعية مثل:
- الضرر يرفع بقدر الإمكان.
- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
- درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
- فقه الموازنات والأولويات.
- قاعدة سد الذرائع.
- الضرورات تبيح المحظورات، وإن كان هناك من يضعها تحت قاعدة (المشقة تجلب التيسير).
ومن تطبيقاتها الفقهية:
- خيار العيب؛ وسائر أنواع الخيار؛ لأن فيه رفع الضرر والحرج عن أحد المتبايعين.
- مشروعية الشفعة للشريك لرفع الضرر عنه.
- مشروعية القصاص والدية والحدود.
- الإكراه على قتل معصوم؛ فلا يجوز قتله ليدفع القتل عن نفسه.
- نطق كلمة الكفر عند الإكراه الملجئ؛ لدفع القتل عن النفس.
- دفع الصائل ولو بالقتل.
- الحاجة الماسة تنزل منزلة الضرورة. كحل مكة للرسول صلى الله عليه وسلم، واستثناء الإذخر من تحريم عضد الشجر بمكة، وبيع العرايا بخرصها، ولبس الحرير للحساسية، ولتنزيل الحاجة منزلة الضرورة شروط من أهمها:
- أن تكون الشدة الباعثة على المخالفة بالغة درجة الحرج غير المعتاد.
- النظر في الحاجة إلى أواسط الناس ومجموعهم بالنسبة للحاجة العامة.
- تقدر الحاجة بقدرها،
- أن لا تفوت مصلحة أكبر.
- تكون مندرجة تحت مقاصد الشريعة.
ذكر بعض التطبيقات الدعوية والجهادية لقاعدة (الضرر يزال):
أولا: أي ضرر يقع على المسلم ومنهم الدعاة المجاهدين حرام، فيجب أن يدفع قبل وقوعه، وأن يرفع بعد وقوعه، ومن أنواع الإضرار الواقع اليوم على الدعاة الكذب عليهم، واغتيابهم، والتجسس عليهم، والوشاية بهم إلى ظالم، وبخسهم حقهم، وعدم الانصاف والعدل معهم، أو أكل أموالهم.
ثانيا: تقوية الصلة بالله عز وجل؛ لأنه هو وحده كاشف الضر، ومسدي النعم، فالتوكل على الله تعالى وتفويض الأمور إليه، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء وهو ناصر الدعوة وأولياءه، وهو المعين في دفع الضرر قبل قبوعه ورفعه بعد وقوعه فعلى الدعاة تقوية الصلة بالله والقرب منه وخشيته ورجاءه والاستعانة به وحسن الظن به سبحانه حتى يصغر الباطل في عينيه ويزايل أهل الظلم والفسوق.
ثالثا: على الداعية أن يلين جانبه لإخوانه الدعاة، ويبذل الحب لهم، ويسره ما يسرهم، ويحزنه ما يحزنهم، ويسعى بما يقدر عليه في إزالة الضرر عن إخوانه الدعاة إذا حل بهم، وكذلك الحال مع المدعوين، عليه أن يرفق بهم ولا يغلظ عليهم، وأن يكون قريبًا منهم، وأن يداريهم ويتلمس حاجاتهم، ويفرج كروبهم، ويرفع الضرر عنهم، وأن ييسر عليهم، ويحببهم إلى الخير، ويحذرهم من الشر، وأن ييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر.
رابعا: الستر على المدعوين طائعهم وعاصيهم، وأن يفتح باب التوبة للعصاة ولا يفضحهم؛ لأن هذا يضرهم، وفي فضحهم إشاعة للفاحشة بين المؤمنين، وفي هذا ضرر على المسلمين عامة، وحفظًا لأعراض المسلمين من الضرر.
خامسا: على الداعية أن يزيل في دعوته كل ما من شأنه أن ينفر الناس؛ ويصيبهم بضرر السأمة والفتور والانتكاسة؛ وفي هذا ضرر يجب أن يرفع.
سادسا: على الداعية ألا يكلف نفسه أكثر من طاقته؛ سواء في العبادات، أو في الدعوة، فتمل وتترك العمل، وفي هذا إضرار بالنفس.
سابعا: مراعاة عقول المدعوين وما يناسبهم من الأسلوب والمضمون، وأن يتجنب كلما لا تطيقه عقولهم مما ينشئ عنه الشك أو الريب، وهذا ضرر يجب أن يدفع قبل وقوعه، وقد يترك الداعية بعض الأعمال خشية ما يترتب عليها من الضرر على الناس، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام خشية الإضرار بالمسلمين الجدد لئلا يرتدوا.
ثامنا: إن من أشهر القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة الكبرى قاعدة (ارتكاب أهون المفسدتين لتلافي أكبرهما) ومن أجل ذلك تحمل الداعية والمجاهد بعض المظالم والمفاسد لاتقاء ما هو أشد إضرارا منها ومن أجل ذلك والله أعلم أمر المسلمون في مكة بكف اليد لعدم القدرة على مواجهة الكفار وظلمهم حتى إذا وجدت القدرة قام سواق الجهاد، ومن ذلك ترك انكار المنكر إذا كان يترتب عليه منكر أكبر منه.
تاسعا: الحذر من ترك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كان في ذلك من المشاق لأن الأضرار والمشاق التي تترتب على ترك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم على الأمة وأخطر، من الأذى الذي يترتب على الأمر والنهي، ومن أضرار ترك الدعوة والأمر والنهي التعرض لعذاب الله في الدنيا والآخرة والذي ليس فوقه أضر منه، وفي ترك الدعوة إضرار بالمدعوين حيث يتمادون في العصيان الذي بصيبهم بالضرر في الدنيا والآخرة.
عاشرا: التحذير من الركون إلى الظالمين لأن فيه ضرر كبير على الدين والعقيدة، ويجب دفعه قبل وقوعه والتوبة والإقلاع منه قبل وقوعه ويلحق بذلك النهي عن الإقامة في بلاد المشركين لما يلحق الدين من ضرر بالغ بذلك.
حادي عشر: إزالة أسباب الخلاف بين الدعاة والمجاهدين وأن يوازنوا بين مفاسد الافتراق العظيمة وبين مفسدة تحمل بعض الأخطاء من بعض الدعاة والمجاهدين، والمناصحة مع بقاء المودة والاجتماع، فيحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
ثاني عشر: الإقامة في بلاد الكفر تحرم إذا كان في ذلك ضرر على دين المقيم ويخشى عليه من الفتنة، أما إذا كان لا يخشى عليه هذا الضرر كأن يكون طالب علم لا تضره الشبهات وعنده دين يدفع به الشهوات ويستطيع إظهار دينه وكان في إقامته مصلحة ورفع للضرر عن المسلمين بتعليمهم ووعظهم ودعوة غير المسلمين للإسلام لإخراجهم من ظلمات الكفر فهنا تجوز له الإقامة بل قد تتعين.
ثالث عشر: تطبيقات قاعدة سد الذرائع تنطلق من هذه القاعدة (الضرر يزال) فقد يكون الأمر في ذاته جائز ولا ضرر فيه لكنه يؤول إلى ضرر يلحق بالمكلف في وقوعه في المحظور فيمنع هذا الأمر لدفع الضرر الذي يترتب عليه كما نهى الله عز وجل المؤمن من سب آلهة المشركين لأن في ذلك ذريعة لأن يسبوا الله عز وجل وكثير من المحرمات لم تحرم لذاتها إنما حرمت لغيرها ولما قد تؤول إليه كتحريم النظر إلى المرأة الأجنبية أو الخلوة بها أو سفرها بلا محرم… الخ
رابع عشر: قواعد فقه الموازنات والترجيح بين المصالح والمفاسد تحكمه هذه القاعدة “الضرر يزال”.
خامس عشر: التيسير على الناس وعدم التشديد عليهم بما يوافق القواعد الشرعية لأن التشديد قد يضرهم وينفرهم والضرر يزال على ألا يكون هناك تنازلا عن حدود الله قال صلى الله عليه وسلم (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) رواه مسلم.
سادس عشر: السعي لإزالة كل ما يؤدي إلى الضغائن والأحقاد بين المسلمين سواء بفعل ما يحقق ذلك من إظهار المحبة والألفة والتكافل والإيثار أو بترك كلما يؤدي إلى ذلك كالحسد والظنون السيئة والغيبة والنميمة والشحناء والسب والشتم وكل ما فيه ضرر وعداوة بين المسلمين فيسعى إلى دفعه أو رفعه.
سابع عشر: مراعاة فقه الأولويات فلا يقدم المهم على الأهم فنكون كمن انشغل بدفع ضرر صغير عن ضرر كبير وذلك كما يحصل اليوم بمخاصمة الداعية إخوانه من بعض الدعاة المنتمين إلى الجماعات التي قد يكون عندها مخالفات شرعية فيعلن بغضه وعداوته وخصومته عليهم مع أنهم من أهل السنة أو من أهل القبلة ويترك مخاصمة الكافرين كفرًا بواحًا وأذنابهم المنافقين الذين ضررهم على الناس أشد وأنكى من ضرر هذه الجماعات فضلّا على أن العدو الكافر يفرح بالانصراف عنه ويذكي النزاعات بين المسلمين ويوظفها لصالحه وإعمال قاعدة الضرر يزال تنفع في هذا كثيرًا.
ثامن عشر: استخدام سياسة التغافل لدفع الضرر الذي يحصل بين الأقارب من زوجة وأولاد وأرحام أو بين الدعاة لأن في التدقيق والوقوف على كل خطأ قد يصل إلى قطيعة الأرحام والهجر بين الإخوان والدعاة وفي هذا ضرر ينبغي دفعه بانتهاج أسلوب التغافل عن الأخطاء ما لم يكن الخطأ في الدين فيعالج برفق وحكمة.
تاسع عشر: الحذر والتحذير من الوسائل المحرمة في الدعوة ومن الدخول على المواقع الإلكترونية التي تبث الشبهات أو الشهوات لما في ذلك من الضرر على الدين الذي ينبغي دفعه قبل وقوعه أو رفعه بعد وقوعه ومن ذلك الحذر من ضياع الوقت في الشبكة العنكبوتية ولو لم يكن فيها ضرر.
عشرون: اجتناب أي وسيلة تضر بإحدى الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والمال والعرض).
حادي وعشرون: من أدخل قاعدة (الضروريات تبيح المحظورات ) تحت هذه القاعدة جعل لهذه القاعدة ضوابط منها:
- أن تكون الضرورة حالة ومتحققة وليست موهومة أو آجلة.
- ألا تكون هناك وسيلة شرعية لدفع الضرر أي أن تكون ملجئة.
- أن تقدر الضرورة بقدرها قال الله عز وجل في حل الأكل من الميتة: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:173].
- أن يكون المكره على قول كلمة الكفر أو الدعوة إلى الضلال قلبه مطمئن بالإيمان وأن يكون المكره له جبارًا قادرًا على إنفاذ ما يهدد به وأن يكون حالًا لا مؤجلًا.
- ألا يكون المكره بقول الباطل رأسًا ومتبوعًا من الناس وذلك لئلا يظل الناس بقوله ولا سيما إذا لم يعلموا بأنه كان مكرهًا.
ثاني وعشرون: إن أحوال الاستضعاف للمسلمين يسعها في تطبيق هذه القاعدة ما لا يسع أحوال التمكين والقوة فالصبر في حلات الاستضعاف على ظلم الظالمين وإفسادهم وعدم مواجهتهم هو المتعين في هذه الأحوال وذلك لعدم القدرة على ذلك ولما في المواجهة غير المتكافئة من ضرر عظيم على الدين وأهله ولا يمكن دفع هذا الضرر إلا بالصبر مع الإعداد لرفع العجز.
ومثال آخر: لو أراد العدو الكافر اجتياح بلد من بلدان المسلمين بقوة عظيمة لا قبل لأهل السنة بها فإن قاعدة (الضرر يزال) تحتم عليهم أن يتعاونوا مع كل المسلمين من أهل القبلة ولو كانوا مبتدعة في رد الصائل الذي يريد اجتثاث الدين وطمس الهوية.
ثالث وعشرون: ومن تطبيقات القاعدة في أحوال الجهاد: جواز رمي المسلمين أو غير الحربيين من الكفار الذين يتترس بهم العدو الكافر بقصد قتل الكفار وصدهم عن بلدان المسلمين مع بذل المستطاع في اتقاء المسلم فإن لم يتحقق قتل الكفار إلا بقتل من تترسوا به من المسلمين جاز ذلك لأن ضرر ترك قتال الكفار أكبر من ضرر قتل المسلم المتترس به.
رابع وعشرون: الأصل قتل الجاسوس الكافر، فإن كان في قتله ضرر وخطر على المسلمين كف عن ذلك.
خامس وعشرون: مصالحة المشركين في أحوال الضعف لدفع ضرر ومفسدة أكبر على ألا تكون المصالحة دائمة وأن يكون فيها إقرار للكفار على بلدان المسلمين.
سادس وعشرون: كل علاقة أو معاهدة مع الكفار تضر بالمسلمين في دينهم أو أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم كالأحلاف العسكرية الدائمة مع الكفار أو تأجير قواعد أو مطارات عسكرية في بلدان المسلمين فإن ذلك لا يجوز.
سابع وعشرون: جواز إتلاف أملاك الكفار ومزارعهم ونخيلهم لإغاظتهم والظفر بهم وإضعاف اقتصادهم وكذا الدواب التي يقاتلون عليها.
ثامن وعشرون: العمليات الاستشهادية لا يقدم عليها إلا إذا غلب على الظن النكاية بالعدو وإلحاق الضرر العام به والذي من شأنه أن يمنع الكفار من دخول بلاد المسلمين وإلحاق الضرر بالمسلمين في احتلال ديارهم أما إذا لم يكن في هذه العمليات نكاية كبيرة وإضرار شديد بالكفار فإن قاعدة الضرر يزال تمنع من اضرار المسلم بنفسه دون نكاية.
تاسع وعشرون: جواز العمل تحت ولاية الكافر بشرط أن يكون العمل مباحا وألا يكون فيه اضرار بالمسلمين أو لا يكون فيه تنازل عن محكمات دين الإسلام.
ثلاثون: الأصل عدم جواز الأكل من الغنائم قبل قسمتها لكن يجوز ذلك في حالات الضرورة بأن يدفع المجاهد عن نفسه الموت من الجوع ولا يأكل إلا بالقدر الذي يدفع عنه الهلكة.
حادي وثلاثون: سلاح الدمار الشامل الذي لا يفرق بين المحارب وغيره لا يستعمل الا في أضيق الظروف وعند الضرورة التي تدفع عن المسلمين ضرر الكفار أو يلحق الضرر بهم لمنعهم احتلال ديار المسلمين.
ثاني وثلاثون: استخدام التقنية الحديثة وأساليب الدعوة في الإعلام الجديد بشرط عدم الإضرار بالعقيدة والأخلاق لذا يحذر في استخدام الشبكة العنكبوتية من المواقع السيئة والمشبوهة والتحفظ مما يضر الأخلاق بالسماع أو النظر المحرم.
ثالث وثلاثون: أخذ الأسباب بتوقي ما يضر بصحة الجسم والعقل من غير مبالغة ولا تعلق بها.
رابع وثلاثون: أخذ الحذر والحيطة من أساليب العدو في تتبع المصلحين وتفويت الفرصة عليه في إلحاق الضرر بهم وتفويض الأمر إلى الله عز وجل.
خامس وثلاثون: الذب عن عرض المسلم وبذل المستطاع في رفع الظلم عنه ولاسيما أهل العلم والدعوة والمصلحين والرد على من يريد ثلبهم وإساءة الظن بهم ورفع الظلم عنهم ونصرتهم.
سادس وثلاثون: العدل مع الأولاد والإخوان والزوجات ومن يتربى في المحاضن التربوية لأن عدم العدل يلحق الضرر النفسي بمن حرم العدل منهم والضرر يزال.
القاعدة الرابعة: العادة محكمة
ومن الأدلة على هذه القاعدة قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].
عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري.
ومعنى القاعدة: أن العادة والعرف تعتبر مرجعا في الأمور الشرعية المطلقة التي لم يحددها الشارع مثل ضابط نفقة الزوجة والأولاد ونحو ذلك… أي أنه يرجع في تحديد المراد من بعض الألفاظ الشرعية وألفاظ الناس إلى عادة الناس وما تعارفوا عليه إذا لم يرد في الشرع تحديده بقيد أن لا يخالف هذا التحديد نصا شرعيا.
وهذه القاعدة مهمة حيث أنها هي المرجع في تحديد مالم يحدده الشرع مما جرى في عادات الناس. ولا يعني أن هذه القاعدة دليل شرعي مستقل مؤسس للأحكام بل أنها تدور في فلك النصوص الشرعية المطلقة التي لم تقيد ولم تحدد وكذلك فيما تكلم به الناس أو عملوه فإنه يحال على عرفهم كلفظ اللحم والدابة.
ويضاف إلى الدليلين السابقين على هذه القاعدة قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233]. وقوله تعالى في كفارة اليمين: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ) [المائدة:89]. إذن فاستعمال الناس حجة يجب العمل بها، ولا تعتبر العادة إلا إذا اطردت وغلبت إذ العبرة للغالب الشائع لا النادر. وإذا اختلفت أعراف الناس فيؤخذ بالأغلب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك فَلَا تُجْرِهِ عَلَى عُرْفِ بَلَدِك، وَسَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ فَأَجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ، دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمَذْكُورِ فِي كُتُبِك) [إعلام الموقعين:3/78].
ومن الأمثلة التي يذكرها الفقهاء على هذه القاعدة:
- نفقة الزوجة الواجبة حيث يرد تحديد مقدارها إلى عرف الناس في ذلك الزمان أو المكان.
- وكذلك نفقة الأولاد والمماليك والبهائم.
- إطلاق لفظ (الدابة) هل يعمل بالدلالة اللغوية أو يعمل بالدلالة العرفية في مفهوم الدابة عندهم، والصحيح العمل بالدلالة العرفية إذا كانوا يفهمون معنى الدابة مثلا الحيوان الذي يحمل عليه ولا يعمل بالمعنى اللغوي للدابة؛ وهو كل ما دب على الأرض فلو قيل لشخص اشتر لي دابة فيعمل بالمعنى العرفي.
- إذا جرى عرف البلد في ضابط قبض المبيع أو شرط عرفي عمل به.
- تحديد خوارم المروءة الذي يذكره الفقهاء والمحدثون في شروط قبول الحديث وفي الشهادة يرجع فيه إلى عرف الناس في بلدهم. فمثلا كان عرف الناس في بلاد المشرق يرى أن حسر الرجل رأسه يمشي أمام الناس من خوارم المروءة بينما لا يعد ذلك خارما في بلاد المغرب.
- تحديد الحرز في المال المسروق يرجع فيه إلى العرف.
- الأصل في لباس الناس ما تعارفوا عليه ما لم تأتِ الشريعة بتحريمه واللباس يحكمه أعراف الناس كل في بلده أو زمانه، فما يراه الناس في مكان أو زمان أنه من لباس الرجل أو من لباس المرأة فيؤخذ بهذه الأعراف وكذلك ما يراه الناس في مكان أنه لباس شهرة قد يختلف من مكان لآخر.
- اختلاف أعراف الناس في إعلانهم للنكاح واحتفالهم به.
- اختلاف أعراف الناس في مطاعمهم وطرق أكلهم.
- اختلاف أعراف الناس في مقصودهم باللحم حسب الزمان والمكان، هذا وإن كان مفهوم اللحم كل مأكول من حيوان فقد يكون عرف الناس في بلد هو لحم بهيمة الأنعام ولا يدخل في ذلك الطير والسمك واختلاف أعرافهم في مفهوم ( الغد ) فقد يرى في مكان أنه فجر اليوم التالي ويرى في مكان آخر أنه يشمل اليوم التالي كله
- اختلاف أعراف الناس في طرق ألفاظ النكاح والطلاق والأيمان والقذف.
- اختلاف أعراف الناس في أخذ الزينة للصلاة.
- اختلاف أعراف الناس في مفهوم السفر الذي يحصل به رخص السفر.
- اختلاف أعراف الناس في مفهوم لفظ (الدابة).
- ما كان مبنيا على العرف فإنه يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال كعرف الزينة في اللباس وكإقامة الحد على السارق فإن الواجب المبادرة بإقامة الحد إذا توفرت شروطه لكن إن اقتضت المصلحة بتأجيله وتأخيره فإنه يؤخر كتأخير إقامة الحد على ماعز والغامدية، وكتأخير إقامة الحدود في الجهاد في دار الحرب إلى الرجوع إلى دار الإسلام.
ذكر بعض التطبيقات الدعوية والتربوية لقاعدة (العادة محكمة):
أولا: إذا تعارف الناس على وسائل وأساليب دعوية في بيئة معينة فإنها مقبولة ما لم يأتِ في الشرع ما يخالفها ولا يصلح أن تفرض بعض الوسائل الدعوية في بيئة أخرى عرف الناس لا يقبلها.
ثانيا: على الداعية مراعاة أعراف البلد الذي يدعو فيه ما لم يخالف فيه الشرع فيأتي من الأساليب ما يوافق أعرافهم ويتجنب ما ينكرونه في عرفهم.
ثالثا: يحسن بالداعية أن يتزيا بزي البلد الذي يدعو فيه وأن لا يلبس ما تنكره أعرافهم وأن لا ينكر أي لبس متعارف عليه في بلد ما لم يخالف فيه الشرع ويدخل هذا في اجتناب ثوب الشهرة.
رابعا: ما يوجد لدى الدعاة من المناشط الدعوية وما يحتاجون فيه إلى ترتيب وتنظيم وضبط للأمور التي تخدم الدعوة وتطورها فلا ينكر ما تعارف عليه الدعاة في مكان ما طالما أنه لا يخالف الشرع وطالما أنه مشتمل على مصالح تعود على الدعوة بخير وقد نص الفقهاء أن (المعروف بين التجار كالمشروط بينهم) فكذلك الدعاة إن ما تعارفوا عليه مما لا يخالف الشرع يعد معتبرا ومحكما.
خامسا: ما تعارف عليه المسلمون مما يرونه من القوة في جهاد الأعداء فإنه يؤخذ به ويدخل في امتثال قول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال:61]. حسب اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقدراتهم.
سادسا: اعتبار أعراف الناس فيما يتلفظون به من الكلمات أو الجمل فقد تكون بعض الكلمات في مكان ما أو زمان ما تحمل معنى قبيحا لا يقبل بينما هي في مكان آخر تحمل معنى حسنا، فلفظ القبح والحسن يحدده العرف…والانتباه لهذا يفيد في المناظرات والحوارات والخلافات وعدم اعتباره يتسبب في شقة الخلاف وإساءة الظنون ونشوء الأحقاد بل قد يؤدي إلى تكفير من لم يستحق التكفير واستحلال دمه وماله كقصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة عندما قالوا صبأنا.
القاعدة الخامسة: (المشقة تجلب التيسير)
وأصل هذه القاعدة تلك الأحكام الكثيرة في الكتاب والسنة القائمة على التيسير على العباد حال المشقة والعنت كرخص السفر للمسافر ورخص الصيام للمريض والكبير والحامل والمرضع لأنها مظنة المشقة وكصلاة الخوف والمسح على الخفين والتيمم وغيرها من الرخص الشرعية والأصل في ذلك قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].
ومن فروع هذه القاعدة:
- الضرورات تبيح المحظورات وقد سبق ذكرها في قاعدة (الضرر يزال) فهي تصلح هنا وهناك.
- لا واجب مع العجز ولا محرم عند الضرورة ودليل ذلك عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رواه البخاري. وقوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:115].
- المحرم لذاته تبيحه الضرورة والمحرم لغيره تبيحه الحاجة (أكل الميتة للضرورة، والنظر للأجنبية المخطوبة للحاجة).
- إذا ضاق الأمر اتسع قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28].
- الضرورة تقدر بقدرها قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:173].
- ما جاز لعذر بطل بزواله قال الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:239].
- الحاجة تنزل منزلة الضرورة.
- الحرج مرفوع شرعا قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
تنبيه: إن مفهوم التيسير يعرف بميزان الشرع لا بميزان أهواء الناس فالتيسير ما يراه الشارع تيسيرا وإن رآه بعض الناس شاقا.
التطبيقات الدعوية والجهادية لقاعدة (المشقة تجلب التيسير)
أولا: الرفق بالناس وعدم المشقة عليهم في دعوتهم ومراعاة قدراتهم العقلية والجسدية والرفق بهم حتى لا ينفروا ودليل ذلك أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا» [رواه البخاري ومسلم].
ثانيا: التدرج مع المسلم الجديد دخوله في الإسلام وعدم إعطائه جميع الأحكام دفعة واحدة وإعذاره في عجزه عن العلم أو العمل حتى يتعلم ويحسن إسلامه.
ثالثا: ينبغي للداعية الذي من الله عليه بالعلم وأداء نوافل العبادات والزهد أن يرفق بغيره ولا يحملهم على ما يعمل به أو يعلمه وأن يتدرج معهم ويرفق بهم.
رابعا: التيسير على الأولاد والزوجات وترفيههم ومراعاة أحوالهم وقدراتهم حال تربيتهم ودعوتهم.
خامسا: مَنْ مَنَّ الله عليه من المجاهدين بإقامة شرع الله في مكان ما أن يرفق بالناس وأن يتدرج معهم في إلزامهم بأحكام الشرع وفي حال الحدود يمكن التدرج في إقامتها.
سادسا: ترك إقامة الحدود في أرض الحرب.
سابعا: في حال المحاضن التربوية ينبغي التفريق بين شخص وآخر في قدراتهما فلا يكلف شخص ضعيف بما يكلف به شخص قوي.
ثامنا: أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل والشخص الذي يحمل على نفسه من العبادات والأعمال ما فيه مشقة فإنه في الغالب ينقطع ولا يواصل لذا ينبغي للمسلم ألا يكلف نفسه بما يشق عليها من النوافل فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ، حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ»، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ [أخرجه أبوداود وصححه الألباني، وأخرج البخاري1970، ومسلم782، بنحوه].
تاسعا: تجنيب المبتدئين في العلم والعامة مسائل الخلاف والأمور التي لا تدركه عقولهم ويصعب عليهم فهمه لأن ذلك يشق عليهم وقد يربكهم ويشككهم.
عاشرا: على الداعية ألا يشق على الناس في إمامتهم في الصلاة وفي وعظهم في المساجد والمحاضرات فلا يطيل عليهم إطالة تشق عليهم وتنفرهم.
حادي عشر: الحذر والتحذير من الغلو في الدين الذي يجلب على صاحبه وعلى الناس العنت والمشقة.
ثاني عشر: متى وجد الداعية إلى التيسير والرفق سبيلا فلا يعدل عنه على ألا يخالف ذلك دليلا شرعيا.
ثالث عشر: الموازنة بين الميسرات عند التعارض فالأخذ بما فيه تيسير كبير مقدم على ما فيه تيسير قليل أو أقل. وتقديم ما كانت المشقة فيه يسيرة تلافيا للمشقة الكبيرة وقد سبق بيان ذلك في قاعدة (الضرر يزال). ومن ذلك توهم أن التنازل والتمييع مع الكفار في الدين يجلب على الناس تيسيرا مع أن في ذلك مشقة وعنت على الناس في دينهم وأنفسهم وضروراتهم تفوق المشقة التي تنتج عن الثبات في الدين وعدم التنازل.
رابع عشر: عدم تكليف النساء والصبيان وأهل الأعذار بالجهاد للمشقة الشديدة عليهم بينما يكلف الذين يطيقونه ولا يلتفت للمشقة عليهم في ذلك لأن مآل الجهاد يسر وخير ومصلحة لهم وللناس، والجهاد شرع لرفع الحرج والعنت عن الناس بدخولهم في الإسلام وتركهم للكفر الذي هو غاية المشقة والعنت.
خامس عشر: جواز اللجوء إلى الكفار والإقامة عندهم لرفع المشقة والحرج الذي يجده الداعية في بلده ولكن ذلك بشروط:
- أن يكون مكرها على ذلك.
- أن يغلب على الظن وقوع الأذى من قتل أو سجن في بلده.
- ألا يجد في بلاد المسلمين من يؤيه.
- أن يجد الأمن في بلد الكفر وأن يظهر شعائر دينه فيه.
- ألا يحب الكفار، ولا يواليهم، ولا يظاهرهم على المسلمين.
وبعد: فهذا ما يسره الله عز وجل من كتابة عن هذا الموضوع المهم الذي يحتاجه الدعاة والمربون والمجاهدون أسأل الله عز وجل أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره والحمد لله رب العالمين
الهوامش
القواعد الفقهية الكبرى وتطبيقاتها الدعوية والجهادية (1)