إن من أسباب الانحراف اليوم في المواقف والنوازل والأحكام هو الغفلة عن قواعد الشريعة الكبرى ومقاصدها العظيمة التي يتفق عليها علماء الشريعة، ويدرجون تحتها من الفروع والأمثلة الشيء الكثير.

الشريعة الإسلامية كاملة شاملة متوازنة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:

فمن رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن أرسل إليها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليها كتابه الكريم؛ المتضمن لهذه الشريعة العظيمة الرحيمة الحكيمة؛ التي من تأملها في أصولها وفروعها، في عقائدها وأحكامها، وجدها ناطقة بالحكمة والمصلحة، والعدل والرحمة بالعباد؛ في المعاش والمعاد، ولا غرابة في ذلك؛ فمنزلها هو الله الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، الكامل في صفاته وأفعاله وأحكامه، المنزه عن كل نقص وظلم وجهل، فهي إذن ربانية المصدر، فلا جرم جاءت كاملة شاملة متوازنة، تأمر بكل خير وتنهى عن كل شر.

والشريعة مبناها على أصل عظيم، وقاعدة كبرى؛ هي أم القواعد المقاصدية، وأعمها وأوسعها، ومنها تنبثق قواعد الشريعة وأصولها. وتقول هذه القاعدة أن الشريعة مبناها على تحصيل مصالح العباد وتكميلها، وتعطيل المفاسد عنهم وتقليلها.

يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: (إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل)1(1) [الموافقات:2/9]..

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَهِيَ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ الْعَدْلِ إلَى الْجَوْرِ، وَعَنْ الرَّحْمَةِ إلَى ضِدِّهَا، وَعَنْ الْمَصْلَحَةِ إلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ إلَى الْعبثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ أُدْخِلَتْ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ)2(2) [أعلام الموقعين: 3/3].. فمن ادعى وجود مصلحة لم يرد بها الشرع؛ فأحد الأمرين لازم له؛ إما أن الشرع دل على هذه المصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي، وإما أن ما اعتقده مصلحة ليس بمصلحة. فلن تجد مصلحة إلا وقد راعتها الشريعة، ومن ادعى غير ذلك فقد لزمه اتهام الشريعة بالنقص؛ وأن عقله قد تنبه لمصلحة لم يذكرها الوحي؛ وهو محال مردود.

ودليل ثبوت المصلحة في الشريعة إما أن يأتي دليل عليها بعينها أو أن تندرج تحت قاعدة كبرى من قواعد الشريعة مستنبطة من مجموع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تشكلت منها هذه القاعدة.

تعريف القاعدة الفقهية

القاعدة هي الأساس؛ فللعقيدة قواعد، وللحديث قواعد، وللتفسير قواعد، وهكذا. والقاعدة الفقهية: هي حكم كلي؛ مستند إلى دليل شرعي؛ مصوغ صياغة محكمة؛ منطبق على جزيئات كثيرة؛ على سبيل الاطراد أو الأغلبية.

وإننا في هذه الأزمنة التي تعج اليوم بالفتن؛ وكثرة النوازل؛ وإعجاب كل ذي رأي برأيه، لفي أمس الحاجة إلى ضبط مسار الدعوة ومناهجها ووسائلها بضوابط الشرع وقواعده الفقهية؛ التي تؤصل للدعوة مسارها، ونضبط للدعاة موازينهم ومناهجهم؛ حتى لا يكون حمى الدعوة مستباحا لكل من هب ودب يتخبط بلا دليل ولا ضابط.

وإن من أسباب الانحراف اليوم في المواقف والنوازل والأحكام هو الغفلة عن قواعد الشريعة الكبرى ومقاصدها العظيمة التي يتفق عليها علماء الشريعة، ويدرجون تحتها من الفروع والأمثلة الشيء الكثير.

ولقد كتبت في ذلك الكثير من الكتب والمقالات والمحاضرات في القنوات تتحدث عن أهمية هذه القواعد وتطبيقاتها، لكن جل هذه الكتب والمسموعات إن لم يكن كلها كانت تشرح هذه القواعد وأدلتها الشرعية ويذكرون أمثلة وتطبيقات متعددة عليها تخص العبادات والمعاملات ولكن لم أقف إلا على كتابات يسيرة تخص تطبيقات هذه القواعد على الدعوة والدعاة والجهاد ووسائل التربية وأصولها.

وفي هذه الورقات سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن بعض التطبيقات الدعوية والتربوية والجهادية لهذه القواعد الفقهية الكبرى، وربط المباحث الدعوية والتربوية بهذه القواعد؛ وكيف أنها تكفل للدعوة والدعاة والمربين المسار الصحيح، والفقه النافع؛ لما يجري اليوم من أحداث ونوازل، وما واجبنا نحوها، مما يكون له الأثر الطيب في قبول الدعوة، والسلامة من التخبط والاضطراب، والنجاة من الفتن بإذن الله تعالى.

أهمية القواعد الفقهية الكبرى

وتأتي أهمية القواعد الفقهية الكبرى في كونها :

  • تساهم في وضع تصور للفقه الإسلامي في حياة الدعاة والمربين والمجاهدين.
  • تقلل من حاجة الدعاة إلى كثرة المحفوظ من المسائل لأن من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ كثير من الجزئيات لاندراجها في الكليات، خاصة عندما تضيق الأوقات والأعمال. يقول القرافي رحمه الله: (من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات. ومن درس الجزئيات بمعزل عن القواعد الفقهية وقع في الخلط والاضطراب)3(3)الفروق 1/2..
  • تسهم في فهم مقاصد الشريعة وتلمس حكمها وأسرارها، وهذا بدوره يسهم في فقه النوازل والموقف الصحيح منها ولهذا قال الشاطبي: ( زلة العالم أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع، ومن لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها)4(4) الموافقات 5/35..
  • دراستها تربي الملكة الفقهية، وتنمي القدرة على إلحاق المسائل وتخريج الفروع؛ لمعرفة أحكامها، وتعين القضاة والمفتين في إصدار الاحكام.
  • اتساع صدور الدعاة للمخالفين لهم في الفروع الفقهية، وتنمي عندهم ملكة المقارنة بين المذاهب، وتوضح أسباب الخلاف وفقهها.
  • في معرفة قواعد الشريعة ومقاصدها زيادة في العلم الذي يثمر اليقين، والاغتباط بهذا الدين والفرح به، والدعوة إليه، كما أنها تظهر شمول الشريعة واستيعابها لكل ما يجد من الأحكام والنوازل، وتسهل على غير المختصين بالفقه الاطلاع على محاسن الإسلام، وتبطل دعاوى خصوم الدين.

القواعد الفقهية الخمس الكبرى

وهي القواعد التي اتفق عليها أهل العلم وهي أصل القواعد الفرعية الكثيرة وهي كما يلي:

  • الأمور بمقاصدها أو (الأعمال بالنيات).
  • اليقين لا يزول بالشك.
  • الضرر يزال أو (لا ضرر ولا ضرار).
  • المشقة تجلب التيسير.
  • العادة محكمة.

 القاعدة الأولى: (الأمور بمقاصدها)

وأصل هذه القاعدة ودليلها قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى:20]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)5(5) متفق عليه..

وتعني هذه القاعدة معنيين:

الأول: المقصد والنية من قول المكلف وعمله هل يبتغي بذلك وجه الله عز وجل والإخلاص له أم يقصد شيئا آخر من أعراض الدنيا فما كان لله فهو المقبول عند الله عز وجل ويثاب صاحبه عليه إذا صاحبه الاتباع. وما كان لغيره أو كان مخالفا للسنة فهو مردود وصاحبه آثم.

الثاني: المقصد والنية التي تفرق بين كون العمل عبادة أو عادة كما أنها تفرق بين أنواع العبادات فلا تصح نية عبادة لعبادة أخرى. ومثال النية التي تفرق بين العبادة والعادة: فعل الاغتسال فلو اغتسل رجل عليه جنابة ولم ينوِ به رفع الحدث الأكبر وإنما أراد التبرد والتنظف فإن اغتساله هذا لا يرفع الحدث الأكبر عنه إذ لابد أن ينوي باغتساله رفع الحدث الأكبر (الجنابة)، وكمن أمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس للعلاج أو النوم فلا يسقط عنه فريضة صيام ذلك اليوم. ومثال النية التي يفرق بها بين أنواع العبادات: التفريق في أداء فريضة الصلاة بين صلاة وصلاة حيث لا بد لصلاة الظهر أن ينوي قبل أدائها بأنها لصلاة الظهر فلو أنه نواها لصلاة العصر فلا تنفع هذه النية لصلاة الظهر. ومثالها أيضا: كمن أدى ركعتي سنة الفجر فلا يصلح أن تكون لصلاة الفريضة. ومن أمثلة اختلاف الأحكام باختلاف النيات ما يتعلق بالأيمان حيث النية تفصل بين لغو اليمين وعقد اليمين. ومن أمثلتها من قتل دون مسوغ شرعي إن كان متعمدا وجب القصاص وإن كان مخطئا وجبت الدية. والحاصل أن النيات والمقاصد لها الأثر في كثير من الأحكام في العبادات والمعاملات والجنايات وغيرها.

ذكر بعض التطبيقات الدعوية والجهادية والتربوية لقاعدة (الأمور بمقاصدها)

وهذا الذي يهمنا في هذا المبحث حيث أن أهل العلم قد غطوا جوانب كثيرة، وساقوا الأمثلة العديدة لتأثير النية في العبادات والأحكام والعقائد، ودونوا الكتب والمقالات لتطبيقات هذه القاعدة في الشريعة الإسلامية؛ غير أن تطبيقات هذه القاعدة في مجال الدعوة والتربية والجهاد لم تحض بمثل ذلك الاهتمام.

ومن تطبيقات قاعدة: (الأمور بمقاصدها) في مجال الدعوة والدعاة والتربية والجهاد الأمثلة التالية:

أولا: الدعوة إلى الله عز وجل، والجهاد في سبيله عبادة شريفة يحبها الله عز وجل ويثيب عليها الثواب العظيم، ولكن ذلك مشروط بأن يكون قصد الداعية في دعوته وجه الله عز وجل والدار الآخرة. فإن أراد من ذلك عرض من عروض الدنيا كابتغاء مال، أو جاه، أو منصب، أو شهرة، أو ابتغاء ثناء الناس ومدحهم، وعلو منزلته عندهم، ضاع عليه بهذا المقصد عمله، ولم يثب عليه؛ بل يعاقب ويؤاخذ على ذلك.

والنية تبلغ مبلغ العمل فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ»6(6) رواه البخاري.. وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»7(7) رواه البخاري.. وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»8. وحديث أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: ” أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»9(9) رواه مسلم..

والمقصود أن العبادات لا تصح من المكلف ولا تجزئ إلا بنيته، ولا ثواب له عليها إلا على أساس النية، والعمل المباح قد يثاب عليه إذا أحسن النية، وقد يعاقب عليه إذا أساء النية.

ثانيا: تصحيح النية في نصح المنصوح ودعوته، بأن يكون قصده النصح والشفقة والرحمة وإرادة الخير بالمنصوح، وألا يكون قصده التعيير والشماتة والفضيحة وتصيد الأخطاء، فالنية وحدها هي التي تفرق بين النصيحة والتعيير.

ثالثا: تحول الدعوة إلى عادة يحبها، ويتلذذ بها، وتملأ عليه وقته، فيختفي فيها جانب التعبد لله تعالى وابتغاء وجهه. فالنية تحول العادة إلى عبادة، كما أنها تحول العبادة إلى عادة.

رابعا: الداعية الذي يقصد بدعوته إحقاق الحق، وإبطال الباطل، لا تراه إلا منقادا ومذعنا للحق؛ إذا تبين له ممن جاء به، فلا يستكبر ويستنكف من قبول الحق؛ والرجوع عن الخطأ الذي كان عليه والاعتراف به.

خامسا: الداعية المخلص لله في دعوته لا يتحزب، ولا يتعصب لشيخ ولا طائفة، لأن الرجال عنده يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال. فإخلاصه لله تعالى يمنعه من أن يغلو فيمن يحب؛ فيتبعه في كل شيء، ويتعصب له، كما لا يمنعه بغضه من أن يقبل الحق من بغيضه، فهو عدل في حبه وبغضه.

سادسا: الداعية الذي مقصده وجه الله عز وجل والدعوة إليه، يتجرد في دعوته؛ بحيث تكون دعوته للناس إلى الله عز وجل، وليس لنفسه، أو حزبه، أو طائفته، ومن علامات ذلك: أن يحب كل داعية على المنهج الصحيح، ويفرح بما يتم على يدي هذا الداعية من هداية الناس، وبيان الحق، ولو كان لا يعرف هذا الداعية، كما لا يضره أن يتحول بعض المدعوين من دروسه إلى دروس غيره من إخوانه الدعاة، ويفرح بإصابة مخالفه للحق، ويحزن لعدم ذلك، لا أن يفرح بوقوع مخالفه في الخطأ، ويحزن لإصابته للحق.

سابعا: الداعية الذي قصده رضا الله والدار الآخرة؛ بعيدا عن العجب والكبر والاستعلاء، ولا تجده إلا مزريا على نفسه، متبرئا من الحول والقوة، ومستعينا بالله عز وجل، موقن أنه هالك ضائع لو وكله الله إلى نفسه، كما لا تجده إلا متواضعا، يألف ويؤلف، غير فظ ولا غليظ.

ثامنا: الداعية المخلص لله تعالى في دعوته؛ لا تراه إلا متأنيا متثبتا في أقواله وأفعاله؛ لا سيما إذا كان ذلك يتعلق بالحكم على الناس والطوائف؛ فلا يتكلم إلا بعلم وعدل، ويتجنب الكلام بظلم وجهل وهوى، متذكرا قوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36].

تاسعا: الداعية الذي قصده وجه الله تعالى يكون عادلا في مواقفه وأحكامه فلا ينسيه خطأ أحد من إخوانه الدعاة بلاءه وجهاده ودعوته ولا يبخس الناس ما عندهم من الخير بغلطة أو أكثر فهو عادل مع الموافق والمخالف ولا تراه إلا منصفا في أحكامه ومواقفه مع نفسه ومع المخالف فيفرق بين الإساءة والخطأ المتعمد وآخر غير قاصد ومتعمد.

عاشرا: من علامات حسن القصد سلامة القلب من الحقد والحسد واضمار الشر بالناس.

حادي عشر: حسن القصد وصفاء النية؛ يستلزم الصدق في الأقوال والأعمال، والوضوح في المواقف، والخلوص من النفاق.

ثاني عشر: حسن القصد؛ له أثر في الحوار والمناظرات؛ وذلك بتصحيح النية في طلب الحق، والانقياد له، والانتصار له لا للنفس وحظوظها، والاعتراف بالخطأ إذا تبين.

ثالث عشر: صحة النية؛ تستلزم حفظ الأمانة، ورعاية العهود والعقود.

رابع عشر: من حسن قصده وصحت نيته؛ لا يبالغ في ذكر أخطاء مخالفه؛ بل يضعها في حجمها الطبيعي، ويسعى لمعرفة ملابسات أخطاء أخيه ودوافعه، يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، ويحذر من أن يظهر نفسه على حساب غيره من الدعاة وتنقصهم؛ وهذه شهوة خفية قل من يتفطن لها.

خامس عشر: حَسَنُ النية؛ بعيدا عن سوء الظن والشك في نيات إخوانه الدعاة، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويحملهم على محامل الخير ما استطاع.

سادس عشر: الداعية المخلص؛ لا يفضل نفسه على غيره من الدعاة، لأن التفاضل عند الله بما يقوم في القلوب من الإخلاص والمحبة والخوف والرجاء، وبحسن العمل لا بكثرته، وهذا يستلزم البعد عن تجهيل الدعاة وتسفيههم والاستنقاص منهم وقلة وعيهم، فقد يكون المقصد من إنزال الغير لرفع النفس عليهم.

سابع عشر: حسن القصد عند الداعية؛ يجعله زاهدا في الشهرة وثناء الناس، يحب خمول الذكر، ويكره تصديره في المجالس.

ثامن عشر: حسن القصد عند الداعية؛ يجعل له خبيئة صالحة، فلا يحب الحديث عن نفسه وأعماله الصالحة وإنجازاته؛ بل يحاول إخفاء ما استطاع من ذلك.

تاسع عشر: ومن تطبيقات قاعدة: (الأمور بمقاصدها) في الجهاد؛ أن ينوي المجاهد بقتاله أن يكون في سبيل الله عز وجل، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، ولذلك لا ترى الجهاد يذكر إلا ويقيد بكونه (في سبيل الله). وبهذه النية يتحقق ثواب الجهاد، ولو قتل في المعركة بهذه النية فهو شهيد بإذن الله؛ وإلا فلا. ومن جاهد للدنيا وليس في سبيل الله حبط عمله، وعوقب على ذلك.

عشرون: ومن تطبيقات هذه القاعدة في الجهاد؛ عندما يتترس الكفار بأسارى مسلمين؛ فإن رمى المسلمون إخوانهم المسلمين الأسارى بقصد قتلهم ففعلهم هذا حرام وآثمون عليه، وإن رموهم بقصد قتل الكفار؛ ولا يتوصل إلى ذلك إلا بقتل المسلم، فإنهم لا يأثمون بذلك؛ ولا سيما إذا استخدم الكفار أسارى المسلمين دروعا يتقون بها سهام المسلمين حتى يجتاحوا ديارهم.

حادي وعشرون: ومن مسائل الجهاد التي تنطلق من هذه القاعدة؛ الفرار يوم الزحف؛ فإنه حرام بالكتاب والسنة، لكن إن نوى الفرار متحيزا لجماعة من المسلمين، أو متحرفا لقتال جاز.

ثاني وعشرون: إن نوى المجاهد في جهاده الغنيمة فحسب فلا يثاب على جهاده في الآخرة، ولا يعد شهيدا إن قتل في المعركة.

ثالث وعشرون: يجوز للمجاهد أن يلقي بنفسه بين صفوف الكفار حاسرا وإن غلب على ظنه أنه سيقتل إذا نوى في ذلك النكاية بالأعداء وتجريئ المسلمين على الإقدام، وإن نوى أن يقال عنه أنه جريء وشجاع حرم عليه ذلك.

رابع وعشرون: الأصل عدم قتل النساء والصبيان من الكفار؛ فإن تترس بهم العدو صار قتلهم تبعا لا قصدا.

خامس وعشرون: طالب العلم؛ إن نوى صاحبه رفع الجهل عن نفسه، وصحة العبادات والاعتقاد، والعمل بالعلم في عبادته وأخلاقه ومعاملاته، ويعلمه للناس؛ فإنه يؤجر على ذلك. وإن نوى أن يقال عالم قارئ، ويذيع صيته، ويشتهر، فإنه يأثم بذلك ولا يؤجر، ويكون علمه حجة عليه.

وفي استحضار النية في طلب العلم وتعليمه أثر على الداعي والمدعو. وعلى المعلم أن يربي في طلابه الإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى، وتحذيرهم مما يضاد ذلك، وأن يتدرج معهم في ذلك.

سادس وعشرون: هذه القاعدة مهمة في تربية النشء؛ على حسن القصد، وصلاح النية، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، وإنشاء الرقابة الذاتية للنفس، ومطابقة العلانية للسريرة، وألا يكون الدافع للعمل أو تركه الترغيب أو الترهيب من المخلوق.

سابع وعشرون: الحذر من جعل الدعوة ومجالاتها بابا إلى الدنيا ومتاعها الزائل، ويلزم على هذا ألا يأخذ منها إلا ما يكفيه ويغنيه عن الناس، ويجعله متفرغا للدعوة، أما أن يجعل الدعوة ومشاريعها الخيرية بابا إلى الاستزادة من الدنيا واستلام الأموال الكثيرة منها؛ بتأويلات فاسدة؛ فهذا مما يلوث النية، ويقلل أو يبطل الثواب عنها.

ثامن وعشرون: التماس العذر لمن يقع في خطأ غير مقصود؛ إذا كان هذا ناجما عن اجتهاد ونيته في ذلك الإصلاح والخير، وأن تغفر له زلته؛ لا سيما إذا كان من أهل الدعوة والإصلاح.

تاسع وعشرون: الأصل ترك مدح الشخص أمامه؛ حتى لا يصاب بالعجب والكبر والغرور، لكن إن أراد المادح أن يذكر في الممدوح صفاتا طيبة حقيقية وكان قصده تشجيعه وتحفيزه على فعل الخير وأمن العجب من الممدوح فلا بأس في ذلك.

ثلاثون: الحذر في إقامة الحفلات والمؤتمرات الدعوية، وفعالياتها من المباهاة والفخر وقصد إظهار الإنجازات، وكسب الأموال من المانحين؛ فالأمور بمقاصدها، وهذا نراه في كثير من الاحتفالات والمؤتمرات، وما ينفق عليها من الأموال والكماليات، والمطاعم والمشارب، والتي جلها من الأموال الخيرية والوقفية.

حادي وثلاثون: حسن القصد وصلاح النية؛ تجلب على صاحبها الخير في الدنيا والآخرة ولا سيما ما يخصصه من أموال وأوقاف وعلم ينتفع به أو كونه سن سنة حسنة فإن صلاح النية يثمر استمرار ثواب هذه الأعمال في حياته وبعد مماته.

ثاني وثلاثون: يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (أعمال الجوارح إنما تكون عبادة بالنية)، فإذا كانت نية الداعية في دعوته وتعليمه خالصة لله تعالى؛ فإن قيامه وقعوده وخروجه وسفره، وما يبذل في ذلك من جهد ومال وتأليف لكتاب؛ فإن ذلك كله عبادة يثاب عليها.

ثالث وثلاثون: صحة النية عند العالم الداعية؛ يجعله متورعا عما حرم الله، متورعا عن الشبهات، طالبا للسلامة، لا يستغل أسفاره للدعوة غطاء لتحقيق شهواته، من زواج وطلاق، أو سياحة، أو ترف.

رابع وثلاثون: الداعية وطالب العلم؛ يخسر كل ما ورد في فضل العلم والدعوة لفساد نيته وقصده؛ بل أنه يأثم على ذلك.

خامس وثلاثون: إن صلاح نية الداعية والعالم؛ يضع الله عز وجل له بها القبول عند الناس، وظهور آثار دعوته بينهم، كما يجعل الله له الجاه والصيت الحسن بين الناس.

سادس وثلاثون: إن صلاح النية وحسن القصد؛ تكون سببا في الهداية للحق، وقبوله، والانقياد له، كما أنها سبب في طمأنينة القلب، والقناعة برزق الله، والزهد في الدنيا، وعدم المنافسة عليها مع أهلها.

القاعدة الثانية : اليقين لا يزول بالشك

وهذه من القواعد الكبرى التي ينطلق منها كثير من الأحكام في العبادات والمعاملات، وقد قال بعض أهل العلم أن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو تزيد، والدليل المشهور لهذه القاعدة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»10(10) رواه مسلم.. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها). أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلى بدليل صحيح صريح، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك. كذلك الأمر الذي تيقنا عدم ثبوته؛ لا يحكم بثبوته بمجرد الشك؛ لأن الشك أضعف من اليقين؛ فلا يعارضه ثبوتا وعدما.

ومن القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة الكبرى:

  • الأصل بقاء ما كان على ما كان.
  • الأصل براءة الذمة.
  • ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
  • الأصل في الأشياء الإباحة عند الجمهور.
  • لا ينسب إلى ساكت قول.
  • الأصل في الأشياء الطهارة.

ومن أمثلته الفقهية:

من شك في عدد ركعات الصلاة، أو عدد أشواط الطواف؛ فإنه يبني على الأقل؛ لأنه هو المتيقن منه.

ومن شك في طلوع الفجر ثم أكل؛ فصومه صحيح؛ لأن الأصل بقاء اليقين؛ وهو عدم طلوعه.

 ذكر بعض التطبيقات الدعوية والجهادية لهذه القاعدة

أولا: على طالب العلم والمفتي ألا يفتي في مسألة إلا بعد التثبت واليقين من أدلتها.

ثانيا: الأصل في المسلم ولا سيما من ظاهره الصلاح والتقوى العدالة؛ وهذا يقين، والفسق طارئ عليه، فلا يجوز أن ينتقل من اليقين إلا بيقين مثله، وألا يقدح في عدالته ببعض الأخطاء والمعاصي، أو بظنون ومعاص قلبية. ونقيض هذا لزوم منهج التثبت، والحذر من الشائعات. والانسياق وراء الظنون والشكوك له آثار سيئة على الدعوة والدعاة، ومنها: أنها توهن الصف المسلم بنشر الإشاعات، ولا سيما إذا كانت موجهة لرموز الدعوة والإصلاح، وكلها ظنون وشكوك لا يقين فيها.

ثالثا: الأصل براءة الذمة؛ فلا يجوز للدعاة تعميم الأحكام على المؤسسات بمجرد خطأ فرد أو أكثر من أفراد المؤسسة. وكذلك لا يجوز الحكم على جميع أفراد المؤسسة بمجرد خطأ من أخطاء المؤسسة.

رابعا: من اليقين المقطوع به تحقق وعد الله عز وجل في نصرة دينه وأوليائه؛ وأن المستقبل للإسلام فلا يجوز الشك في هذا الوعد اليقيني؛ بتأخر نصر الله لعدم توفر شروطه.

خامسا: ومن تطبيقاتها الموازنة بين المصالح والمفاسد، والمصالح والمصالح، والمفاسد والمفاسد، وذلك عند التزاحم وهنا نقدم ما كان يقينيا من المصالح أو المفاسد على ما كان مشكوكا فيه أو متوهما.

سادسا: ومن تطبيقاتها ضرورة جمع الأدلة عن المسألة التي يراد تحديد الحكم والوصف فيها؛ سواء كانت أدلة شرعية، أو أدلة توثيقية وحقائق وإحصاءات وأرقام، ليجعل الحكم منطلقا من يقين ودراسة دقيقة، وليس من شائعات وأوهام وظنون وانفعالات.

سابعا: تربية النشء من خلال سلوك المربين على اعتماد الدليل والبرهان في الأفعال والقرارات التي يتخذونها.

ثامنا: عند اتخاذ موقف من الأخطاء التي تترتب عليها عقوبة؛ كأخطاء الأولاد والطلاب أو المعاصي التي يرتب عليها الشرع عقوبة يجب التثبت من حصول الخطأ والتثبت من ملابسات وقوعه حتى يحصل اليقين الموجب لانزال العقوبة.

تاسعا: يجب على المتعلم أن يكون على علم بالأدلة على أحكام دينه علما يقينا؛ وألا يقلد مخلوقا بلا علم بمجرد حبه لشيخه أو ثقته به وتعصبه له؛ أي أن يبني علمه على فهم صحيح واضح ويقين به؛ لا على شبهات وظنون وانفعالات، وإذا لم يتيقن له الأمر فيجب عليه أن يسأل ويناقش حتى يتيقن أنه الحق.

عاشرا: ينبغي للمعلم والداعية أن يكون في طرحه وتعليمه للناس واضحا داعما لما يقول بالأدلة اليقينية الواضحة لا على أدلة ظنية ضبابية لا تفيد اليقين والاطمئنان، كما ينبغي له أن يتجنب الألفاظ الحمالة والمجملة التي قد يساء فهمها وتطبيقها.

حادي عشر: تحديث الناس بما تبلغه عقولهم من الأمور اليقينية، وتجنب المشتبهات أو الأمور التي تثير في أذهانهم الشكوك والاضطراب، وهذا معنى قول عَلِيٌّ رضي الله عنه: «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ» أخرجه البخاري.

ثاني عشر: على المسلم البعد عن الشبهات واتقاؤها، فهو أبرأ للعرض والدين، وألا يجعل للناس مدخلا في أن يقدحوا في دينه وعرضه؛ فيصبح الشك يقينا.

ثالث عشر: على الداعية المجاهد ألا يدخل في أمر دعوي أو جهادي إلا بعد اليقين التام بنقاء المنهج ونقاء الراية التي سيقاتل تحتها؛ لأنه لا يملك إلا روحا واحدة؛ فلا يبذلها إلا في طريق قد تيقن أنه مرضي لله عز وجل.

رابع عشر: التثبت في إطلاق أحكام الكفر على الناس ممن ثبت إسلامه بيقين، فلا يجوز تكفيره إلا بأمر يقيني يخرجه من الإسلام؛ فإن اليقين لا يزول بأمر مشكوك، أو شبهة من شبهات الكفر، أو وجود مانع من موانع تكفيره. وفي المقابل التثبت من دلالة دخول الكافر في الإسلام؛ فلا ينتقل من أنه كافر بيقين؛ إلا بيقين يثبت به إسلامه.

خامس عشر: الأصل في الأشياء الإباحة؛ إلا ما ورد النص بتحريمه؛ فالأصل في الطعام والشراب واللباس والمركب والمسكن والزينة والتجارة والبيوع… الخ الإباحة؛ إلا ما فصل فيه. وأما الشيء إذا كان أصله التحريم وإنما يستباح على شرائط وعلى هيئات معلومة كالفروج لا تحل إلا بعد النكاح أو ملك اليمين، وكالشاة لا يحل لحمها إلا بالذكاة فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط وحصولها يقينا على الصفة التي جعلت علما للتحليل؛ كان باقيا على أصل الحظر والتحريم.

سادس عشر: الأصل في دم المسلم الحرمة، وهذا يقين ولا يجوز أن يستباح دم المسلم بأمر مشكوك فيه؛ وإنما بيقين من حالة يحل به دمه، والأصل في ذلك عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»11(11) رواه البخاري ومسلم..

سابع عشر: لا يقدم الواجب المشكوك في وجوبه على الواجب المقطوع والمتيقن وجوبه. كمن يقدم الجهاد المشكوك والمختلف في وجوبه العيني؛ على طاعة الوالدين المقطوع والمتيقن وجوبه العيني.

ثامن عشر: لا تترك الدعوة المتيقن نفعها وأثرها ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأمر مشكوك فيه أو متوهم، وذلك بأن يتوهم ترتب منكر على الأمر والنهي أكثر من المصالح، أو أن يتوهم وقوع الأذى على الآمر الناهي فيترخص بترك الأمر اليقيني لأمر ظني، نعم لو تيقن وقطع بوقوع المفاسد أو الأذى أو غلب على الظن ذلك فلا بأس بالترخص في ترك ذلك؛ لأن الأمر اليقيني يرفعه أمر يقيني، وإن كان الأفضل هو الأخذ بالعزيمة ولو ترتب على ذلك الأذى، مالم يغلب على الظن ترتب مفاسد على الدعوة وأهلها.

الهوامش

(1) [الموافقات:2/9].

(2) [أعلام الموقعين: 3/3].

(3) الفروق 1/2.

(4) الموافقات 5/35.

(5) متفق عليه.

(6) رواه البخاري.

(7) رواه البخاري.

(8) رواه مسلم.

(9) رواه مسلم.

(10) رواه مسلم.

(11) رواه البخاري ومسلم.

اقرأ أيضا

فقه المرحلة وفقه المواجهة

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (5-7) فقه المآلات

معنى الإعداد الإيماني للجهاد

المفهوم الشامل للإعداد للجهاد

التعليقات غير متاحة