الغزو العقدي على العقول والأخلاق قد يكون أخطر من العدوان العسكري، لأنه يسري في الناس، وهم في غفلة عن ذلك، وبخاصة إذا اشتغل أكثر الناس بدنياهم ولهوهم وشهواتهم.

الهجمة الشرسة على القيم والأخلاق والأعراض

لم يعد خافيا على أحد ما في مجتمعات المسلمين من هجمة شرسة على القيم والأخلاق والأعراض، حيث لا يفتأ الكفرة وإخوانهم الذين نافقوا في القديم والحديث في زعزعة الأخلاق، وثلب الأعراض، وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين، وسعيهم لتفكيك بيوت المسلمين وأسرهم، كما تفككت بيوتهم وأسرهم. وقد بين الله عز وجل حالهم ووصفها لنا كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27] وقال سبحانه عن المنافقين الذين جاءوا بالأفك على عائشة رضي الله عنها: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19] ومع أن هذا شأن الكفرة والمنافقين من قديم الدهر، إلا أن هذا المكر وهذا الغزو الخبيث لم يمر على البشرية في تاريخها، كما يمر اليوم في واقعنا المعاصر وذلك لتسخيرهم الوسائل الإعلامية المختلفة التي لم تعرفها البشرية من قبل في نشر الفساد والرذيلة والشهوات والانحلال وبخاصة بعد ظهور وسائل الاتصال السريعة كالقنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية (الانترنت)؛ فأصبح المسلم في خطر، وأصبحت المجتمعات الإسلامية في خطر عظيم لا يمسك سماء إيمانها إلا من يمسك السموات والأرض أن تزولا. ومما يزيد الأمر خطورة وكارثية تهالك كثير من المسلمين على هذه القنوات، وفتح بيوتهم لها دون رقيب أو حسيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

وكفى بذلك ثلبا لأمن الأخلاق والأعراض، وكفى به عدوانا على أمن البيوت والأسر، وكفى به تعریضا للأفراد والمجتمعات لسخط الله عز وجل وعقوبته في الدنيا والآخرة. وأي عداء أشد من هذا العداء الذي يعرض الناس للشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة.

وأسوق فيما يلي بعضا مما يقوم به الكفرة والمنافقون من عدوان على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت بإجازة:

أولا: إثارة الشهوات، ونشر الرذيلة، وإفساد الأخلاق

وذلك بما يقوم به الكفرة والمنافقون في وسائلهم الإعلامية المختلفة من مجلة وصحيفة ومذياع وتلفاز وقنوات فضائية وشبكات عنکبوتية، من نشر للعهر والفساد والإباحية التي تلهب الشهوة في نفوس المتعاطين معها، والتي تقود إلى الخبث والزنا، وفساد الأسر والبيوت والأعراض والنسل. وليس المقام هنا مقام تفصيل وتوثيق فأمر هذه الوسائل الخبيثة واضحة وجلية. وإن لم يرحمنا ربنا ويكف عنا شر هذه الوسائل؛ فإن الكارثة عظيمة، والعاقبة وخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. والمراد هنا فضح هؤلاء المفسدين وبیان خطرهم على أمن الفرد والأسرة والمجتمع في الدنيا والآخرة. فهلا انتبهنا إلى هؤلاء الأعداء الحقيقيين لأمننا من الكفرة والمنافقين.

ثانيا: دعاوى تحرير المرأة

الحملة الشعواء على المرأة ولباسها وحجابها وعملها والدعوة إلى تحررها، والتمرد على قوامة زوجها إلى آخر هذه الصيحات العدوانية التي يريد أصحابها أن تكون المرأة سلعة رخيصة بيد الرجل يتمتع بها حيث شاء، كما يريدون أن يخلو البيت المسلم من مربية الأجيال، بحيث تترك أولادها وزوجها بلا سكن ولا رعاية، لتعمل مع الرجل الأجنبي خارج بيتها. ولا يخفى ما في هذا من نشر للفساد والفجور، ومن تفكيك للأسر والبيوت. كما تفككت أسرهم وبيوتهم. قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89] ويشترك في هذه الجريمة الكفار الحاقدون، وأولياؤهم من المنافقين والشهوانيين.

فمما يتعلق بلباس المرأة وحجابها فقد سلكوا في ذلك طريقا فكريا يبثون فيه الشبهات ويدلسون ويلبسون، ويغرون ويحرضون. وآخر عمليا بما يقومون به من إغراق الأسواق المسلمين من ألبسة فاضحة تنافي الشروط الشرعية للباس المرأة المسلمة، وذلك مما تنتجه بيوت الأزياء العالمية الفاجرة. فتارة نرى اللباس القصير الذي لا يستر جسد المرأة المطلوب ستره، وتارة بملابس رقيقة تشف ما تحتها، وتارة بملابس ضيقة تحجم ما تحتها، وتارة بملابس تشابه لباس الكافرات أو لباس الرجال. ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمات أقبلن على مثل هذه الألبسة، ووقعن في حمأة التقليد الأعمى للكافرات مما ترتب عليه من فتنة بهن وعليهن . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»1(1) البخاري (5096) ، مسلم (2740). وقال أيضا: «إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»2(2) مسلم (2742)..

وليس المقام هنا مقام التفصيل والرد على دعاة تحرير المرأة والمنادين بسفورها، فهذا له مقام آخر وإنما المراد هنا بيان أعداء أمن البيوت والأسر والأخلاق، وأنهم هم أولئك المفسدون المتبعون للشهوات من الكفار والمنافقين.

ثالثا: الحملة الحاقدة على الأسرة المسلمة

وذلك من الكفار وأذنابهم المنافقين في الغرب والشرق، والسعي إلى كل ما من شأنه إضعافها، وتفكيكها، حيث غاظهم ما يرون في مجتمعات المسلمين من ترابط وتراحم وتكافل بين أفراد الأسرة المسلمة؛ فعقدوا من أجل ذلك مؤتمرات وندوات يهاجمون فيها بقاء المرأة في بيتها ويحرضونها على الخروج بحجة العمل، والحصول على حريتها، كما هاجموا فيها كثرة النسل وسعوا إلى إشاعة تحديد النسل أو منعه بحجة الكثافة السكانية التي يترتب عليها المجاعات والأمراض وعدم الاستيعاب!!، كما سعوا في مثل هذه المؤتمرات إلى النيل من أحكام الإسلام في الطلاق والتعدد بحجة المحافظة على حقوق المرأة، ومساواتها بالرجل والحفاظ على كرامتها زعموا، مع أنهم أعدى أعداء المرأة، وهم أعداء الأسرة لأنهم بذلك يجرونها إلى ما وصلت إليه المرأة والأسرة عندهم من إهانة وابتذال وهتك أعراض، وتفكك وانحلال.

رابعا: اسقدام الخدم والخادمات على اختلاف مشاربهم

ومما يسيء إلى أمن البيوت والأسر والأعراض إغراق مجتمعات المسلمين وبيوتهم بالخدم والخادمات. وهذا أثر من آثار خروج المرأة للعمل خارج منزلها. بل إن أكثر بيوت المسلمين اليوم تعج بالخادمات والسائقين دون حاجة إليهم؛ اللهم إلا الفخر والمباهاة والكسل والترف. ولا يخفى ما يترتب على وجود هؤلاء الخدم بنحلهم المختلفة، وأخلاقهم السيئة عند أغلبهم من فساد أخلاقي لكثير من البيوت، وتفكيك لها، وإهمال لتربية البنين والبنات، والاعتماد على الخدم في ذلك. وأعداء أمن الأسر والأخلاق يسعون جهدهم لمزيد من ذلك لما يرونه من آثار مدمرة للأسر والأخلاق وذلك ما كانوا يبغون.

خامسا: تشجيع السياحة إلى بلاد الكفر والخنا والفجور

وذلك من خلال تسهيل السفر إليها بأرخص الأثمان، لما يعلمه هؤلاء المفسدون من تأثير ذلك في استمراء الفساد، وألف النفوس له. وبالتالي تقليد أهله، والوقوع في براثنه، والتأثر بما يرونه من عادات سيئة، وأخلاق رذيلة سواء كان ذلك في الأفكار، أو الأخلاق، أو الهدي الظاهر. وبالتالي رجوع هؤلاء السياح وهم يحملون هذه العادات والأخلاق من الكفار، ويدعون إليها قولا وعملا. والذي يتولى كبر هذه الأعمال هم أرباب الفساد، وأعداء أمن الأخلاق والأعراض من الكفار والمنافقين والشهوانيين.

سادسا: إغراق أسواق المسلمين بوسائل الترف المتنوعة

وضخها بشكل مكثف، سواء كان ذلك في أصناف المأكولات أو المشروبات، أو المركوبات أو المساكن، والتوسع الزائد في تكميلها وتحسينها مما أدى إلى صرف الهم والتفكير فيها، والتنافس عليها، بل تجاوز ذلك إلى الوقوع في الشبهات والحرام جراء الاهتمام الكبير بها. ولا يخفى ما في ذلك من فساد في الأخلاق ورکون إلى الدنيا وزينتها، ونسيان الآخرة وأهوالها، علاوة على ما تحدث من ترهل وكسل، وقعود عن المهام العالية، وتخلفا عن ركب المصلحين والمجاهدين في سبيل الله تعالى الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله عز وجل، وزهدوا في الدنيا وترفعوا على متاعها الزائل.

سابعا: تشويه الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

الهجمة الشرسة من الكفار والمنافقين على العلماء والدعاة الذين يقومون بفرضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة تحجيمهم وتشويه سمعتهم. ولا يخفى ما في ذلك من حقد دفين وغيظ شديد في قلوب المفسدين من رؤيتهم هؤلاء المصلحين – الذين هم بحق صمام أمان المجتمعات – وهم يحاربون الفساد والرذيلة، ويضيقون الخناق على المفسدين، وبذلك يدرأون عقوبة الله عز وجل وعذابه. وهذا لا يريح أهل الفساد بل يزعجهم ويغيظهم.

ثامنا: تسليط المخدرات والمسكرات على مجتمعات المسلمين

وذلك لما لها من الآثار السيئة المدمرة على الأخلاق والأعراض وانتشار الجريمة وزعزعة الأمن في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، وتعريض المجتمعات لعقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة.

الهوامش

(1) البخاري (5096) ، مسلم (2740).

(2) مسلم (2742).

اقرأ أيضا

غزو العقيدة والعقول والأخلاق

الغزو الإباحي والسلوكي وإثارة الشهوات لإفساد الأعراض والأخلاق

أثر العقيدة في توجيه السلوك والأخلاق

عندما أشاعوا الفواحش فقد أضروك..!

 

التعليقات غير متاحة