لولا المنافقون لما استطاع الكفار أن يحققوا أهداف غزوهم لبلدان المسلمين سواء كان ذلك الغزو عسكريا أو ثقافيا وأخلاقيا . ومن أشد المنافقين عداوة وخطرا في صفوف المسلمين اليوم الرافضة وزنادقة الصوفية والعلمانيون والحكام المتنفذين في أكثر بلدان المسلمين.

وتاريخ هذه الطوائف معروف في حياتهم وتواطئهم مع الكفار الغزاة، وفتح بلدان المسلمين لجيوش الكفار العسكرية، أو جيوشهم الفكرية والثقافية، وتضليل المسلمين بها.

صورة من العدوان الآثم على ثوابت الأمة وأخلاقها، وضروریاتها الأساسية

العدوان على أمن الدين وثوابته

إن عداوة الكفار وإخوانهم من المنافقين لأمن الدين والعقيدة وثوابتها معروف منذ وجد الصراع بين الحق والباطل، والتوحيد والشرك، والهدى والضلال. وكان يأخذ أشكالا وصورا مختلفة حسب الزمان والمكان. ولقد شهدت السنوات الأخيرة بعد حرب أفغانستان والعراق غزوا خطيرا صريحا على هذا الدين وثوابته وأمنه وسلامته أعلن فيها الكفار موقفهم الصريح من دين الإسلام وكشفوا عن خططهم ونواياهم. كما أخرج المنافقون قرونهم، وأفصحوا عن أنفسهم بممالأتهم للكفار، ومسارعتهم في فتح البلاد لهم ولأفكارهم وثقافاتهم، وفرحوا بها، بل كانوا أكثر من الكفار حرصا ومسارعة على مسخ هوية الأمة، وإبعادها عن دينها الذي هو مصدر عزها وسعادتها وأمنها في الدنيا والآخرة.

غزو العقيدة والعقول والأخلاق

وإن أخطر غزو يوجهه الكفار اليوم إلى بلدان المسلمين وساعدهم في ذلك المنافقون، بل وينفذونه لهم، إنما هو غزوهم لعقول وأفكار المسلمين، وتغيير نظرتهم الصحيحة للإسلام، وذلك بوصفهم الإسلام أنه عقيدة وجدانية بين العبد وربه في صلاته ومسجده وأذكاره وتسبيحاته، وأن لا دخل له في توجيه دفة الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أنهم حرب على عقيدة الولاء والبراء بوصفها تثير العداء بين بني الإنسان. وهم حرب على شعيرة الجهاد بوصفها عدوان وكراهية وإرهاب وإكراه!! وهو حسب مكرهم وتضليلهم يتعارض مع سماحة الإسلام ورحمته!!

ومن هذا المنطلق في غزوهم الماكر يوجهون حربهم الدعائية والاستئصالية لكل من يرفض هذا الفهم الأمريكي النفاقي للإسلام ويصمونه بالمتطرف والإرهابي والأصولي والوهابي إلى آخر هذه المسميات . أي أن من يفهم الإسلام بالفهم الذي جاء في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: ۲۰۸] وقوله سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 60] وقوله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163-162]

وأن من يفهم التوحيد أنه ولاء وبراء ولاء للمؤمنين، وعداوة وبراءة للكافرين كما قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحة: 4]. ومن يفهم الإسلام أنه دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده، ولا يرضى دينا غيره، ويسعى لنشره في العالم بالدعوة والتبليغ والجهاد والسنان إذا وقف في طريقه من يصد الناس عنه كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:۳۹]. إن كل من يفهم الإسلام بالفهم السابق في الولاء والبراء، والحكم والتحاكم، والجهاد والدعوة فهو الإرهابي الذي ينبغي أن يحارب، ويصفى فكريا أو جسديا، ومن فهم الإسلام من المسلمين بهذه النظرة الأمريكية، كما هي نظرة المنافقين والمخدوعين من المسلمين؛ فهو المحبوب عند الكفار والمقبول لديهم وهو العالم المرن المتسامح المعتدل !!!

ولذلك فهم لا يفتأون يركزون على بعض الرموز والطوائف الإسلامية الذين يصفونهم بالمعتدلين، ويستخدمونهم في تنفيذ مخططاتهم الماكرة في غزوهم للعقول والأفكار.

وكون الكفار يفهمون الإسلام بهذا الفهم له ما يفسره. ولكن ما عذر المخدوع من المسلمين في هذا الفهم الذي يريده الكفار والمنافقون بالمسلمين، وكتاب الله عز وجل بين أيديهم، وآیات التوحید والولاء والبراء والحكم والتحاكم والجهاد والدعوة واضحة بينة فيه. لا غموض فيها ولا التباس؟ لكنه البعد عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أو هو الشعور بالهزيمة النفسية والاحباط، والتبعية. ولكن أين نحن من تحذير الله عز وجل في قوله سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [آل عمران :101-100].

حرص الكفار والمنافقين على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها

(إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم. تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء والارتقاء. وهذا بذاته دبیب الكفر في النفس، وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب.

هذا من جانب المسلمين. فأما من الجانب الآخر، فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها. فهذه العقيدة هي صخرة النجاة؛ وخط الدفاع، ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة. وأعداؤها يعرفون هذا جيدا، يعرفونه قديما ويعرفونه حديثا، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مکر وحيلة، ومن قوة كذلك وعدة. وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماکرین. وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم، يجدون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، أو من ينتسبون – زورا – للإسلام، جنودا مجندة، لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها..)1(1) انظر: في ظلال القرآن 438/1 ..

ترويج مصطلح العلمانية المؤمنة أو أو الإسلام العلماني

هذا كتاب ربنا عز وجل ينطق بالحق، وكأنه يخاطبنا الآن، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله عز وجل. وكلام الله عز وجل وموعظته وتحذيراته تكفينا؛ ولكن نظرا لأن بعض المسلمين اليوم قد هجر القرآن الكريم، إما تلاوة، أو تدبرا، أو عملا؛ فإن الحاجة تدعو إلى نقل بعض ما كتبه الملأ الذين كفروا في مراكز بحوثهم ودراساتهم الاستراتيجية، وما رسموه من خطط خبيثة ماكرة لمواجهة الإسلام الحق، وبث الشبهات بالوسائل المختلفة وتغييره في نفوس أهله حسب الفهم الذي يريدون، وهو الذي حذرنا الله عز وجل منه في كتابه الكريم.

يقول الأستاذ حسن الرشيدي في مقال بعنوان (إسلام على الطريقة الأمريكية):

(تعتقد الولايات المتحدة أن حربها ضد الإرهاب قد تنتهي غدا أو بعد غد، أو حتى بعد عقد من الزمن، وذلك بانتصار الأقوى على الأضعف، ولكن في الوقت نفسه يظن قسم من مفكريها وسياسييها أن اقتلاع الغضب من الصدور، والكراهية من القلوب في عالم تحرکه العواطف أمر يحتاج إلى جهود كثيرة وعقود طويلة.

ففي استطلاع أجراه شبلي تلحمي البروفيسور في جامعة ميريلاند الأمريكية كانت نتائجه كالآتي: معظم المستفتين من مصر والأردن والسعودية ولبنان يحبذون دورا أكبر لعلماء الدين في الحياة العامة.

6% فقط من الذين شملهم الاستطلاع يثقون بأن الولايات المتحدة ستدخل الديمقراطية إلى العراق، وباقي الدول العربية ، فيما الغالبية العظمى تعتقد بأن أمریکا تريد فقط الاستيلاء على النفط، وتدعيم سيطرة إسرائيل على الشرق الأوسط. وأشار الاستطلاع أنه في حال تطبيق الديمقراطية، فإن الحركات الإسلامية لها الأغلبية الكاسحة في العديد من الدول العربية . فالاستطلاع يشير إلى أن الاكتساح العسكري الأمريكي مهما بلغ مداه فإنه لن ينزع کره أمريكا، ومن ثم لن تقضي على محاولة الإيقاع بها، والانتقام منها في أقرب فرصة سانحة، لذلك لجأت أمريكا إلى ما اصطلح على تسميته بالإسلام الأمريكي (أو الإسلام العلماني)…

وهو الوصف الذي أطلقته صحيفة ليبراسيون الفرنسية، أو ما يطلق عليه: العلمانية المؤمنة، ويعرفها الدكتور محمد يحيى بأنها طرح فکري يتقبل العلمانية تماما لكنه يسوغها إسلاميا، ويخلق لها شرعية إسلامية مزعومة باعتبارها نوع من أنواع التجديد، والاجتهاد في المجال السياسي والاجتماعي، مسموح به في إطار «أنتم أعلم بشؤون دنیاکم»..

ويضيف إن طرح العلمانية المؤمنة يسمح بوجود هامشي للدين على سبيل التمويه مرشح للتعميم على البلدان الإسلامية، كنموذج جاهز للتطبيق، يحل محل شتى الأفكار والاتجاهات الإسلامية الموجودة، ويبشر بالعلمنة كسبيل وحيد أمام هذه الدول للانضمام إلى النطاق العالمي الجديد والدخول في ركب العولمة.

وتزيد صحيفة الإيكونوميست البريطانية هذا المفهوم وضوحا، فتعرف العلمانية المؤمنة بأنها علمانية متصالحة مع الدين مثل العلمانية الأمريكية، وليست معادية له مثل علمانية فرنسا وأتاتورك…

من الأساليب والخطط الماكرة لمواجهة الإسلام الحق

وباستقراء الواقع تبين كثرة وتعدد الوسائل والأساليب التي تحاول الولايات المتحدة أن تعمم بها هذا الطرح الفكري على المسلمين. وهذا إنما يدل على الرغبة العارمة والمحمومة في فرض الإسلام الأمريكي على المسلمين. ولقد شغلت مراكز الدراسات والأبحاث الأمريكية، وكذلك المفكرون وصانعوا القرار، بابتکار وإيجاد أساليب لتوصيل ذلك المفهوم المشوه للإسلام، ومنها:

1- ضم علماء المسلمين الراغبين في هذا الفكر

تقول بولا دوبريانسكي وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية: «يتحدث الكثير من المسلمين عن الإرهاب وهم يعارضونه، لكن ذلك غير كاف، علينا أن نواصل القيام بالمزيد لحث المسلمين في الخارج على التحدث علنا عن قيم دينهم التي تعلي من شأن الحياة»، وأضافت: «يجب أن نفكر خارج الإطار التقليدي، ونوظف وسائل خلاقة للنهوض بالحرية الدينية، وهنا أفكر في تمويل علماء مسلمين، أو أئمة، أو أصوات أخرى للمسلمين».

ويشرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية هذه المسألة فيقول: «إننا نريد ضم مزيد من علماء المسلمين إلى برامج التبادل الثقافي والأكاديمي التي تمولها أمريكا.. إننا مشغولون ببذل جهد أكبر لكي نصل لهذه المجتمعات الإسلامية وهذا الجمهور.. والهدف هو دعم أصوات التسامح في الدول الأخرى» .

هذا التسامح يعني التخلي عن العقيدة الإسلامية التي تجعل للمسلم هوية تحقق له شخصيته واستقلاله.

2- رصد مصادر التأثير في الشعائر الإسلامية

فمنذ حوالي عشرة أعوام انتبه المصلون في أحد المساجد بمركز الفتح التابع لمحافظة أسيوط لوجود شخص أجنبي ، يمسك في يده بجهاز کاسیت وينصت باهتمام شديد للشيخ أثناء خطبة الجمعة، ويدون الملاحظات، وعندما تجمع حوله بعض المصلين للاستفسار عن شخصيته، وسبب وجوده حاول الهرب، فأمسكوا به وسلموه إلى الشرطة التي فوجئت بالنتائج: فالرجل الأجنبي أمريكي الجنسية، يهودي هكذا قيل. كان موجودة بالمسجد ليتابع بدقة خطبة الجمعة، وأنه لم يترك مسجدا تقريبا بأسيوط إلا وقد دخله، والسبب أنه يعد دراسة مهمة جدا عن تأثير خطبة الجمعة في المصلين في مصر.

3- تجديد الخطاب الديني

محاولة التأثير في أصول الدين والتفسير والحديث من أجل الاتفاق على مذهب وسط جديد يجمع كل الميزات؛ من نشر قيم التسامح والمحبة والوداعة، وهذا ما يطلق عليه «تجديد الخطاب الديني»: ففي دراسة أمريكية أعدت مؤخرا في إطار سلسلة من الدراسات الشاملة بهذا الشأن، أعدها خبراء أمريكان، تقول هذه الدراسة: اعتقدنا لسنوات طويلة أن حربنا مع هذا الكتاب يجب أن تستمر، وأن نقنع الآخرين بأن يغيروا الكلمات والآيات الواردة في هذا الكتاب، ولم يقل لنا أحد إن هذا ضرب من الخيال؛ لأن المسلمين ببساطة ليسوا هم واضعوا الكتاب أو بعض آیاته، هم يعتقدون أنه هدية السماء لهم، وأن من يبدله أو يغيره شریر وفاسد، ومن يملك هذا هو الله وحده، وإننا في كل اللقاءات والمنتديات التي جمعتنا بالعديد من الشخصيات الأوسطية كانوا يتحدثون عن كتابهم المقدس باحترام بالغ وتقدیس عظيم، وعندما كنا نتحاور عن معاني ما ورد في هذا الكتاب عن اليهود والقتال، وإجبار الآخرين على الدخول في الإسلام، والعديد من العادات السيئة (على حد زعمهم) كان الأوسطيون يرون أن ذلك مرده بالأساس للفتاوى والتفسيرات المصاحبة لهذا الكتاب، ناهيك عن آراء رجال الدين؛ لذا فإن المسلمين على الرغم من أنهم ظاهريا ينتمون لدين واحد، وأن القرآن هو الذي يجمع بينهم؛ فإنهم في الحقيقة مختلفون ومنقسمون على أنفسهم إزاء تعدد وتضارب رجال الدين الذين ينتمون لتفسيراتهم.

إن أفضل وسيلة للتعامل مع المسلمين هي التأثير في أفكارهم واتجاهاتهم الدينية؛ من خلال الفتاوى والكتب الأخرى وليس من خلال الكتاب المقدس.

ابتداع أنواع جديدة من الفتاوى الإسلامية فيما يتعلق باليهود، وإلغاء مبدأ الجهاد

وتستمر هذه الدراسة الخطيرة فتقول: يعتمد هذا المنهج على مقومات؛ منها إظهار الاحترام الكامل للكتاب المقدس للمسلمين، والتأكيد على أن هذا الكتاب محل تقدير من الإدارة الأمريكية، وأنه يتم التعامل معه بوصفه كتابا دينيا سماويا، ولا يشكل خلافا في التعامل بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، وأن منهج الاحترام الواجب للكتاب المقدس للمسلمين سيؤدي إلى الشعور بالود والتعاطف بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى.

إن المنهج الرئيس في تغيير ما هو قائم يتعلق بقسم مهم لدى المسلمين يطلقون عليه الفتاوی، وهو يشمل آراء رجال الدين الكبار أو المعروفين لدى غالبية هؤلاء الناس، وفي الوقت الراهن توجد مؤسسات دينية تمارس هذا الدور (الإفتاء)، ويلاحظ أن غالبية الإرهابيين مارسوا جهودهم المتواصلة في ترويج أفكارهم السيئة بين الآخرين اعتمادا على فتاوى معينة صدرت في أزمنة مختلفة تحث على القتل والتخريب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة.

وتقتضي الخطة الأمريكية أن تبذل جهودا كبيرة من أجل تنقية هذه الفتاوى من مواطن الإرهاب، والعنف لصالح نشر روح التسامح والمحبة، ولهذا تؤكد الدراسة ضرورة اتباع تعليمات تقضي بابتداع أنواع جديدة من الفتاوى الإسلامية فيما يتعلق باليهود، وإلغاء مبدأ الجهاد بالنفس أو جهاد الأموال، الذي أصبح موضوعا شائكا في إطار مقاومة الإرهاب، والترويج لفتاوى أخرى تحث على التعامل المباشر مع حضارة وقيم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وإن نقل هذه القيم للمجتمعات الإسلامية سيزيدها تطورا يتفق مع الإسلام.

إصدار فتاوی جديدة تؤكد حرية المرأة وأهمية الديمقراطية

وعلى سبيل المثال لابد أن تصدر فتاوی جديدة تؤكد حرية المرأة، والقضاء على الانغلاق الذي اعتمد على فتاوى قديمة مما أجهض دور المرأة سياسيا، وفتاوى أخرى حول الإخاء الإسلامي المسيحي اليهودي، وأن هذا الإخاء لا يستهدف سوى إرضاء الله.

مطلوب أيضا وفقا للدراسة فتاوی تفصيل أخرى جديدة حول الاستعانة بالدول الصديقة في حال تهديد الأمن الداخلي أو الخارجي لأي دولة إسلامية، حتى لو كان هذا الصديق غير إسلامي، وفتاوى تكرس لأهمية الديمقراطية الغربية، وأنها أفضل أنواع الحكم في العالم، وحول ضرورة قتال الإرهابيين والتخلص منهم داخليا، وتشجيع الآخرين على القيام بأدوار مهمة من أجل وقف تمويل الإرهاب.

ولم تنس الدراسة أن تشترط ضرورة صدور هذه الفتاوي عن رجال دين معتدلين بطبعهم، واقترحت أن يتم إنشاء معهد ديني علمي متخصص للدراسات الإسلامية في واشنطن، وأن يشرف على هذا المعهد الخارجية الأمريكية، وأن يتم إبرام اتفاقيات تعاون مع الدول العربية من أجل الاعتراف بالدرجة العلمية الكبرى التي يمكن الحصول عليها من خلال هذا المعهد، وكيفية إمداده بالدعاة والمدرسين، على أن يتوسع المعهد في فترة لاحقة وتصير له فروع في كل البلاد العربية.

التخلص من عدد كبير من المفكرين والدعاة والقنوات الدينية

وأكدت الدراسة أهمية مصادرة كل الكتب الدينية المذهبية القديمة التي تحوي تفسيرات واضحة وصريحة حول القتل والتدمير والاعتداء على حريات الآخرين، وكذلك تنقية الأجواء من آراء عدد كبير من المفكرين والكتاب الحاليين التي تحض المسلمين على الإرهاب والعنف، وهؤلاء تحديدا يجب حصارهم إعلاميا وفكريا، وملاحقة النظم التي تسمح من خلال أجهزة إعلامها ببث مواد دينية تثير مشاعر عدائية، بعد أن بدؤوا في التزايد مؤخرا في العديد من الدول العربية، ويعملون على إثارة تجمعات كبيرة للقيام بأعمال غير مقبولة نحو الأمريكان، ولابد من إلغاء فكرة إنشاء قنوات إعلامية دينية متخصصة، وأن يتم بدلا منها إنشاء قنوات دينية اجتماعية تؤكد التواصل بين الحضارات، والأديان مؤكدين أن استمرار قناة دينية في البث يؤدي في النهاية لإشاعة ثقافة التطرف.

وإمعانا في الاستخفاف بعقول المسلمين، وحضارتهم وتاريخهم تطالب الدراسة بتشكيل لجنة من علماء الدول الإسلامية من المعتدلين (بالطبع) الذي تختارهم الحكومات من أجل مراجعة تفسيرات الكتب الدينية، وخاصة التي تحمل أفكارا إرهابية.

وترى الدراسة بعد تحليل ومراجعة المذاهب الأربعة، والكثير من الكتب الشارحة لهذه المذاهب وكافة التعليقات الأخرى الأجنبية أن المذاهب الأربعة تضمنت أفكارا قديمة غير لائقة وغير مقبولة في الوقت الراهن، وأن من الأفضل أن يتفق علماء الإسلام المتطور على مذهب وسط جديد يجمع هذه المذاهب بعد تنقيتها. ويتم اختيار لجنة تنسيقية بين أكبر عدد من الدول الإسلامية، تسعى للتوصل لصياغة علمية جديدة لهذا المذهب المعتدل. وهكذا يكون تجديد الخطاب الديني.

4- تعديل مناهج التعليم بما يناسب المفاهيم الخاصة بالإسلام الأمريكي

في ندوة بعنوان «الإسلام الليبرالي والليبرالية الإسلامية» في المؤتمر السنوي السادس والخمسين لمعهد الشرق الأوسط الذي عقد في ۱۱ أكتوبر قال أكبر أحمد، رئيس دائرة الدراسات الإسلامية بمركز ابن خلدون، وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بواشنطن، دي. سي: إن التعليم هو مفتاح الإصلاح. وقال: إنه يجب التأكيد على أهمية التعليم في العالم الإسلامي. ومضى قائلا إنه: عن طريق التعليم وحده يستطيع المسلمون إعادة اكتشاف «جوهر الإسلام»، وطبعة الإسلام بالمفهوم الأمريكي.

5- الاستعانة بالمسلمين الأمريكيين

وفي الندوة نفسها قالت السيدة عزيزة الهبري، أستاذ القانون في معهد تي. سي. وليامز للقانون بجامعة رتشموند بولاية فرجينيا: «إنه لمناقشة الديمقراطية والإصلاح في العالم الإسلامي بنجاح، من المهم أن ندرك أن الأفكار الليبرالية كفصل الدين عن الدولة موجودة في الإسلام ، وأنها ليست أفكارا أمريكية فحسب» .

وأضافت: «إنه بدلا من نقل أفكار غربية إلى العالم الإسلامي، ينبغي للمسلمين أن يركزوا على مفاهيم الإصلاح الإسلامية الموجودة فعلا». .

وقالت السيدة الهبري إن هناك حاجة إلى التأكيد بشكل أقوى على الحضارة الإسلامية، وإن واضعي السياسة الأمريكية بحاجة إلى الاستعانة بالمسلمين الأمريكيين في بناء جسور بين العالمين.

6- تشجيع ما يعرف بالمسلمين الليبراليين

وفي الندوة نفسها قال السيد مقتدر خان، مدير الدراسات الدولية ورئيس دائرة العلوم السياسية بكلية أدريان بولاية مشيغان: «إن المسلمين المعتدلين والليبراليين يعتقدون أن هدف الإسلام هو تنوير المجتمع، وأن الاختيار الأول للمسلمين لمعالجة المشاكل والعقبات هو الاجتهاد، بينما الاختيار الأخير هو الجهاد. أما المسلمون المتزمتون فإن اختيارهم الأول هو الجهاد ولا يشكل الاجتهاد خيارا لهم».

ومضى السيد خان إلى القول إن: الاجتهاد أسلوب حياة؛ فهو حرية التفكير ومصدر أساسي من مصادر التنوير..

7- تخطي الحكومات والوصول للشعوب مباشرة

ويستخلص وولفوتیز أنه بينما تشن أمريكا حربا على الإرهاب فإنها تفكر في الحرب الأوسع؛ أي الصراع ضد أعداء التسامح والحرية في العالم.

وأحد أسلحتنا في هذه الحرب هو مدى قدرتنا على تخطي الحكومات والوصول إلى الشعوب والأفراد، وخصوصا الأصوات التي تصارع من أجل أن تعلو فوق التطرف…

هذه بعض الآليات الأمريكية لفرض نموذجا للإسلام، والمقام لا يتسع لسرد كل الأدوات الأمريكية، ولكن ما يعنينا أن ينتبه المسلمون بصفة عامة والإسلاميون بنحو خاص لما يدبر ويجري في هذه الأيام، فإن فقه الأولويات، وضغط الواقع ليس مسوغا لتقبل هذا النوع من الإسلام الذي يفرغه من مضامينه الأساسية، وخاصة السياسية منها والتشريعية ؛ لعزله عن الحياة)2(2) مجلة البيان العدد (۱۹۲) باختصار..

أهداف (أمركة الخطاب الديني للمسلمين)

يتحدث الأستاذ خالد ابو الفتوح فيقول: (نشرت جريدة الأسبوع القاهرية في شهر يناير الماضي تفصيلات خطط أمريكية لما أطلقت عليه: (أمركة الخطاب الديني للمسلمين)، وجاء فيما نشرته الصحيفة أن أمر تطوير الخطاب الديني كان جزءا من الحملة الأمريكية الأولى على ما وصفته بالإرهاب…

وفي تفصيلات الخطط الأمريكية التي أوردتها الصحيفة: أن وزارة الخارجية الأمريكية شكلت لجنة تعرف باسم : (لجنة تطوير الخطاب الديني في الدول العربية والإسلامية) وأن هذه اللجنة انتهت على حد قول الصحيفة من توصياتها فعلا وأنه سوف يتم تبليغ الدول بها، مع توضيح أن استمرار المعونات الأمريكية مرهون بتنفيذ هذه الخطط .

وتتمثل التوصيات الأمريكية في:

– تهميش الدين في الحياة الاجتماعية للناس؛ وذلك عبر إغراق الشعوب العربية والإسلامية بأنماط مختلفة من الحياة العصرية الغربية، وحيازة التكنولوجيا الحديثة (التكنولوجيا ذات الطابع الترفيهي).

– التقريب بين الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام عن طريق تكوين لجنة عليا من المحمديين (أي المسلمين) والمسيحيين واليهود، لتبصير كل شعوب العالم بالتقارب بين الأديان الثلاثة، كما تتحدث الخطة، وتقترح ضمن ما تقترحه بشأن هذه اللجنة أن تعمم هذه اللجنة توصيات ملزمة لكل الدعاة في العالم العربي والإسلامي بحيث لا يخرجون عن هذه التوصيات.

– تحويل المسجد إلى مؤسسة اجتماعية تتضمن حدائق للأطفال والسيدات (فقدان المسجد هيبته وخصوصيته)، وأن تتولى الإشراف عليه شخصية غير دينية ناجحة.

– خضوع خطبة الجمعة والخطباء تحت رقابة أجهزة الأمن في الدولة، وأن يتم البعد عن تسييس الخطبة، أو تعرضها للجانب الحياتي أو المجتمعي بمعنى (علمنة الخطبة) أي منع الحديث عن الأمريكان واليهود، أو الحديث عن الجهاد وبني إسرائيل.

– وتهدف الخطط الأمريكية إلى أن تصبح خطبة الجمعة حلقة نقاشية للجميع لا ينفرد بها الخطيب وحده، حيث ستكون الخطبة بذلك أكثر ديمقراطية في نظرهم، كما تهدف أن تشارك المرأة في خطبة الجمعة،

حيث رأوا أنه لا توجد نصوص دينية تمنع المرأة من ذلك.

– وأن يكفل للمرأة سبل الاختلاط مع الرجال، والمشاركة في التدريب على الانتخابات لتعليم المرأة الديمقراطية.

– إلغاء مادة التربية الدينية الإسلامية، مع تخصيص يوم كامل للقيم الأخلاقية والمبادئ بدلا منها، والعمل على اكتساب الطلاب مهارات التسامح، والتحرر من اعتقاد المسلمين أنهم خير أمة أخرجت للناس!، وأن يعلم الجميع أن العقائد والأديان هي نتاج التنشئة الاجتماعية والأفكار المسبقة، وأن الانتماء للإنسانية هو الجامع لهم، أما المعتقدات فهم أحرار فيها)3(3) مجلة البيان العدد (۱۹۵)..

هل ينجحون؟

لاشك أن تحقق ذلك، أو عدم تحققه يتوقف على عوامل كثيرة خارجية وداخلية، ولكن ما يعنينا أن في قلوب القوم أماني سادرة تبدو على ألسنتهم، وفي كتاباتهم من حين لآخر، كما أن في أذهانهم أهداف محددة تشير إليها مخططاتهم وأنشطتهم، ومن غير المبالغ فيه القول إن من أماني أئمتهم: محو القرآن من الوجود، ولعلمهم باستحالة ذلك فإنهم يعملون على تحقيق أهداف يظنون تحقيقها ممكنا وعلى رأس هذه الأهداف: تحریف المعاني القرآنية، وتفريغ القرآن من أهدافه ورسالته، وإبعاد المسلمين عن تدبر القرآن والعمل به، أي إنهم يريدون أن يتحول القرآن إلى حبر على ورق كما يقولون، والله من ورائهم محيط.

وحتى لا نخدع أنفسنا فإنه يجب التنبيه إلى أن تحقيقهم لهذه الأهداف أو بعضها في عالم الواقع ليس مستحيلا شرعا أو عقلا، فالله عز وجل تعهد بحفظ الذكر، ولكنه لم يتعهد بحفظ معانيه في عقول المسلمين وقلوبهم، ومسيرة الانحراف في فهم الكتاب والسنة وتطبيقها مسيرة قديمة، حقق فيها أعداء الإسلام نجاحات لا يستهان بها، ومن هنا يمكن القول: إن المعول عليه في الحفاظ على هذه المعاني من التحريف والتبديل وتطبيقها في واقع المسلمين في أي وقت وأي مكان: هو ما يقوم به أهل الحق أنفسهم بحسب جهدهم، ووفق سنن التغيير التي تسير بها حركة المجتمعات وليس وفق الأماني والنيات.

وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- عندما قال: «ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر: أن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه: وجب أن يكون فيهم من يحرف الكلم عن مواضعه فيغير معنى الكتاب والسنة فيما أخبر الله به أو أمر به.

وفيهم أميون لا يفقهون معاني الكتاب والسنة، بل ربما يظنون أن ما هم عليه من الأماني التي هي مجرد التلاوة، ومعرفة ظاهر من القول هو غاية الدين، ثم قد يناظرون المحرفين وغيرهم من المنافقين، أو الكفار مع علم أولئك المحرفين [بما لم يعلمه الأميون، فإما أن تضل الطائفتان ويصير كلام هؤلاء الأميين فتنة على أولئك المحرفين]، حيث يعتقدون أن ما يقوله الأميون هو غاية علم الدين ويصيرون في طرفي النقيض، وإما أن يتبع أولئك الأميون أولئك المحرفين في بعض ضلالهم. وهذا من بعض أسباب تغيير الملل، إلا أن هذا الدين محفوظ؛ كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق، فلم ينله ما نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقا، لما ينطق الله به القائمين بحجة الله، وبيناته الذين يحيون بكتاب الله الموتی، ويبصرون بنوره أهل العم؛ فإن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة؛ لكيلا تبطل حجج الله وبناته»4(4) مجموع الفتاوی ۲۵/ ۱۳۱،۱۳۰ ..

فالفيصل في المحافظة على المعاني والقيم والتصورات الإسلامية صحيحة في عقول المسلمين وقلوبهم وحياتهم هو مدى تحقيق أهل الحق لسنة التدافع مع الأطراف الأخرى، وهذا يتطلب يقظة وجهدا ونشاطا وعملا دؤوبا ومنظما من جميع الأفراد.

والذي أراه أن الظرف الذي تمر به الأمة يتطلب فوق اليقظة والنشاط حلولا غير تقليدية لاستنفار جموع الأمة، واستخراج القوى الكامنة في قطاعاتها الشعبية، بعد أن رفعت معظم الأنظمة جميع الرايات البيضاء التي في حوزتها، حتى إنهم رفعوا أخيرا ما كانوا يسترون به عوراتهم أمام شعوبهم. نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته)5(5) مجلة البيان، عدد (۱۹۰) للأستاذ خالد أبو الفتوح..

الهوامش

(1) انظر: في ظلال القرآن 438/1 .

(2) مجلة البيان العدد (۱۹۲) باختصار.

(3) مجلة البيان العدد (۱۹۵).

(4) مجموع الفتاوی ۲۵/ ۱۳۱،۱۳۰ .

(5) مجلة البيان، عدد (۱۹۰) للأستاذ خالد أبو الفتوح.

اقرأ أيضا

المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية

العقيدة الإسلامية وأسباب الانحراف عنها

حماة الفضيلة وحلف الرذيلة (2-3) علاقة الفضائل بالعقيدة

الآثار المدمرة لسياسات “الإفقار” على العقيدة والدين

 

التعليقات غير متاحة