للأخلاق ارتباطها بالعقيدة فهي تنبي عليها وترجع وتستند اليها. ومظاهر الخلل العقدي يسري الى الأخلاق ولا بد. وثمة مظاهر للانحرافات الخلقية والتساهل المذموم يجب النفور منها وتجنبها.

مقدمة

في المقال الأول تم إيضاح طبيعة الصراع بين حماة الفضيلة من جانب وحلف الرذيلة من جانب، وانقسام الناس أمام هذا الصراع، وذكر وصف الفريقين في القرآن، وبيّن خطورة المنزلق والعواقب ـ لما يبدو سهلا وبلا كلفة ـ من الانجراف مع الرذائل، وأن هذا خادع من جانب ومدمر ولو بعد حين من جانب آخر..

وفي هذا المقال يبرز علاقة الفضائل الخلقية بالعقيدة الصحيحة، والرذائل والانهيار الخلقي بفسادها، ومظاهر ضعف الأخلاق التي مُني بها المتأخرون..

علاقة الفضائل الخلقية بالموقف العقدي

وبعد أن وقفنا عند هذه الآية الكريمة وما تضمنته من البيان الرباني لخطر الرذيلة وحماتها الذين يتبعون الشهوات وما يقومون به من إفساد الناس والميل بهم عن منهج الله عز وجل ميلاً عظيما..

بعد هذا البيان الإجمالي نأتي إلى البيان المفصل في الحكم بين حماة الفضيلة وحلف الرذيلة وأثر كل فريق على الدين والعقل والنفس والعرض والمال..

هذه الضروريات التي جاء الإسلام لحفظها وحمايتها، وذلك حتي يتبين لنا أي الفريقين أهدى سبيلاً وأيهما أحق بالولاء والمحبة والنصرة والشرف والكرامة والأمن والسلام، ولكي يتميز الخبيث المحارب للفضيلة الحامي للرذيلة من الطيب الحامي للفضيلة المحارب للرذيلة وذلك حسب مايلي:

حماة الفضيلة وأمن الدين؛ عقيدة وشريعة

حماة الفضيلة يرون أن رأس الفضائل كلها عبادة الله عز وجل وتوحيده سبحانه لا شريك له والبراءة من الشرك وأهله والنفاق وأهله، وعلى ذلك يعقدون ولاءهم ومحبتهم ونصرتهم كما يعقدون عليها معاداتهم وبغضهم وبراءتهم..

ممتثلين قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:55 – 56)

وقوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ﴾(المجادلة:22) يقومون بذلك علماً وعملاً ودعوة وتعلّماً لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وفي الشريعة والأحكام يعتقدون أن الحكم والتشريع لله وحده لا شريك له فلا حكم إلا لله، الحلال ما أحل والحرام ما حرم، وبناء على ذلك يرفضون كل حكم وكل قانون يخالف حكمه وشرعه سبحانه.

ويرون أن ذلك من صميم العقيدة والعبودية ومن أركان الإيمان الذي لا يصح إلا به؛ فكما أنه سبحانه لا شريك له في توحيده وعبادته فهو كذلك لا شريك له في حكمه وشرعه؛ فالذي قال في كتابه الكريم ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:110) هو الذي قال ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ (الكهف:26).

وبناء على هذه العقيدة فإن حماة الفضيلة يتعبدون لربهم سبحانه بالحكم بما أنزله سبحانه والتحاكم إليه والتسليم لأوامره الدينية والقدرية.

يعتقدون ذلك في أنفسهم، ويدعون الناس إلى ذلك ويرفضون كل حكم يخالف حكم الله عز وجل.

ولذلك تراهم من أطهر الناس عقيدة وعبادة وأزكاهم خلقاً وسلوكاً ونفعاً وإحساناً إلى الآخرين، وهذا لا يعني أنهم لا يخطئون ولا يذنبون بل هم بشر يخطئ ويصيب ولكنهم إذا أخطؤوا عن ضعف يمر بأحدهم فإنه لا يصرّ بل يبادر إلى التوبة ويقلع عن الذنب ويخاف من ربه لاعتقاده أنه فعل فعلاً محرماً يخشى أن يعاقبه الله عليه.

هذا لون، وما يفعله المجاهرون المصرون المعترضون على شرع الله عز وجل لون آخر.

هذا مجمل ما عليه حماة الفضيلة من العقيدة والسلوك الذي يدعون إليه ويقومون به في أنفسهم ومن أجله يشن حلف الرذيلة حرباً لا هوادة فيها عليهم.

[للاطلاع على المزيد: من قيم الإيمان]

حلف الرذيلة وأمن العقيدة والشريعة

إن المتأمل لمنهج هذا الحلف المشؤوم ورموزه لا يجد عناءً في الوصول إلى قناعات راسخة بعداوة هذا الحلف المرذول لكل فضيلة دعا إليها الإسلام الذي هو دين الرسل جميعاً سواء في العقيدة أو الشريعة والأحكام والأخلاق التي تتفق مع العقول والفطر السليمة؛ ولذلك فهم العدو الحقيقي للمجتمعات المسلمة بل للبشرية جمعاء.

الخلل العقدي يقود الى الخلل الخلقي

وأسوق فيما يلي بعض الأمثلة والأدلة التي تثبت عداوة هذا الحلف المَهين لكل فضيلة في العقيدة والشريعة

أولاً في العقيدة

يشن (حلف الرذيلة) بجميع مكوناته من الكفار والمنافقين حرباً شعواء على رأس الفضيلة وأسّها: عقيدة التوحيد الطاهرة المطهرة، التي التي تخلص الإنسان وتحذره من أن يكون عبداً لمخلوق مثله إلى أن يكون عبداً لله وحده لا شريك له يوالي فيه ويعادي فيه، يشنون حربهم هذه على الدين بعد ما انسلخوا منه وودوا لو يكفر الناس كما كفروا، ويظهر هذا في فلسفتهم للحرية وأنها تشمل كل شيء؛ حرية العقيدة والتدين، وحرية الأخلاق والسلوك الشخصي، وحرية الاقتصاد.. الخ.

الانسلاخ من التوحيد

والنتيجة التي يريدها حلف الرذيلة هو إخراج الناس من عبادة الله عز وجل إلى عبادة أصنامٍ متعددة تتمثل في طاغوت أو نظام أو برلمان أو حجر أو بقر أو هوى متبع أو أي شيء سوى الله عز وجل..

ولذا نراهم يشجعون بعض الطوائف المشركة المنتسبة إلى الإسلام التي انسلخت من التوحيد وعبادة الله وحده كغلاة الصوفية والفرق الباطنة وكل صاحب هوى وشهوة يرى فصل الدين عن الحياة وترك الناس يفعلون في معتقداتهم وأموالهم وسياساتهم ماشاءوا.. تماماً كما قال ذلك المشركون الأولون لأنبيائهم ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (هود:87).

تولي بعضهم بعضا

وبناء على هذه الرذيلة الكبرى في العقيدة كانت مواقف (حلف الرذيلة) من الكفار في الغرب والشرق حيث ظاهروهم وتحالفوا معهم في محاربة الفضيلة وأهلها بكل ما يستطيعون من أفكار وأموال وجواسيس وإعلام وغير ذلك وصاروا كما قال الله عز وجل عن سلفهم ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (الحشر:11).

وهكذا فإن الشر يولّد الشر، والرذيلة تولد رذيلة أخرى.

جراءة محاربتهم للتوحيد

 ومن الرذائل التي نتجت عن محاربتهم لفضيلة التوحيد والولاء والبراء هجومهم على شريعة فاطر السموات والأرض ورميهم لها بعدم مواءمتها وصلاحها لتسيير حياة الناس في زماننا اليوم ﴿كَبُرَتْ كلمةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾.

وأصبحنا نسمع أصواتاً كفحيح الأفاعي بعضها يدعوا إلى حصر الدين في المسجد دون أن يكون له أثر في حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية فلهذه المجالات من حياة الناس نظماً وقوانين تناسبها؟!!

وبعضها يطالب بصياغة جديدة للدين وأصوله وأحكامه باسم التجديد والعصرنة والحداثة!

وتجرأ بعض هؤلاء الأراذل من حلف الرذيلة بالاعتراض على كلام الله عز وجل فاطر السموات والأرض العليم الحكيم القاهر فوق عباده، وكأنهم يناقشون ويعترضون على مخلوق مثلهم! تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

رذائل الأخلاق المترتبة على محاربة التوحيد

وهذه الرذائل العظيمة في التوحيد والتشريع أدت إلى رذائل في الأخلاق والسلوك والأعراض تترفع عنها الفطر السليمة بل تنكرها الحيوانات العجماوات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومعلوم أنه إذا فسدت العقيدة فسدت الأخلاق والأعمال ولكل مسلم أن يتصور ما تكون عليه المجتمعات لو سادت فيها شريعة حلف الرذيلة؛ إنها والله مأساة عظيمة وطامة كبرى ولكن الله عز وجل رحمته ولطفه وبره وإحسانه وعزته وحكمته يأبى إلا أن يبعث لهؤلاء الأراذل من يجاهدهم ويفضحهم ويرد كيدهم ورذائلهم والله من ورائهم محيط.

ولكي يتبين لكل عاقل عظم الجناية وعظم الكارثة التي منيت بها المجتمعات التي يتحكم فيها أهل الرذيلة من طواغيت وحكام مستبدين وبطانات منافقة وأرباب إعلام داعر رذيل، أذكر جناياتهم وثمار دعواتهم العلقمية التي أفسدت الأخلاق والأموال والعقول والأعراض، وهي غيض من فيض مما تعانيه هذه المجتمعات المنحلة التي تحكمها شريعة الغاب بل شريعة الغاب أفضل منها ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ (الفرقان:44)

صرخات ناصحين

وأقدم لذلك بما قاله وكتبه بعض الناصحين من حماة الفضيلة على سبيل النذارة والتحذير من جنايات القوم.. يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:

“إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير! ونظرة إلى صحافتها، وأفلامها، ومعارض أزيائها، ومسابقات جمالها، ومراقصها، وحاناتها، وإذاعاتها، ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري، والأوضاع المثيرة، والإيحاءات المريضة، في الأدب والفن وأجهزة والإعلام كلها…

نظرة إلى هذا تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية،إن البشرية تتآكل إنسانيتها، وتتحلل آدميتها،وهي تلهث وراء الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط..”. (1في ظلال القرآن 1/ 511 باختصار)

ويقول في موطن آخر:

“وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله، وبخاصة في علاقات الجنسين، شاق مجهد، والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح ! وهذا وهم كبير.. فإطلاق الشهوات من كل قيد، والتجرد في علاقات الجنسين من كل قيد أخلاقي..

إن هذه تبدو يسراً وراحة وانطلاقاً ، ولكنها في حقيقتها مشقة وجهد وثقلة، وعقابيلها في حياة المجتمع عقابيل مؤذية مدمرة ماحقة.

والنظر يكفي لإلقاء الرعب في القلوب، لو كانت هنالك قلوب!

لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي المعول الأول الذي حطم الحضارات القديمة، وحطّم الحضارات الإغريقية، وحطم الحضارة الرومانية، وحطم الحضارة الفارسية، وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة”. (2في ظلال القرآن 2/ 632 باختصار)

[للمزيد اقرأ: عادٌ الأخيرة]

الجناية على البشرية وعلى الحياة

من هذا الكلام الذي نحسبه خرج من قلب ناصح محترق على واقع المسلمين نستطيع القول بأن من أعظم جنايات حلف الرذيلة على المسلمين وعلى البشرية جمعاء بعد إفساد عقائدها هو:

  • إفساد أعراضهم وأنسابهم وأخلاقهم بالتفلت من قيود الدين والحياء والفطرة وجعل الناس يعيشون كالبهائم.
  • وجناية أخرى من جنايات أهل الرذيلة ألا وهي الحياة التعيسة النكدة التي يعيشها أهل الشهوات وإن رأو فيها لذة وراحة في البداية فلا تلبث أن تتحول إلى شقاء وقلق وريب وتعاسة.
  • ومن أعظم جنايات هذا الحلف الرذيل على الأمة أن يحوّل أبناء المسلمين الذين استجابوا لهم إلى عبيد لشهواتهم وأهوائهم قد أعطوا زمامهم لأرباب الرذيلة يستعبدونهم ويقلدونهم في كل شيء، ولا تسأل حينئذ عن حال الأمة المستعبدة فإن العبيد لا يصنعون حضارة إنها تصبح لقمة سائغة لأعدائها لا تملك مقاومة ولا جهاداً بل إنها تنهار وتخور بأدنى غزو من الكفار.
    ونظرة إلى الدولة الرومانية والفارسية والاغريقية، وحديثاً الفرنسية، كيف تحطمت حينما انتشر فيها الخنا والسكر والجنس والفواحش.
    ونظرة إلى سقوط دولة الإسلام في الأندلس لما شاعت فيها الفواحش والرذائل تحكّم فيها أعداؤها وساموهم سوء العذاب.
  • ومن أعظم جنايات حلف الرذيلة على مجتمعات المسلمين بل على البشرية جمعاء إضعاف الغيرة أو انعدامها.
    الغيرة التي هي مركوزة في الفطر السليمة بل إنها غريزة عند كثير من الحيوانات ولكن الممسوخين من أهل الرذيلة ودعاتها يريدون عالماً أخس من الحيوانات وأضل.

مظاهر ضعف الغيرة، وثماره البشعة

لقد كانت الغيرة وقوتها مما يتفاخر به المشركون في الجاهلية حيث لا دين ولا عقيدة؛ فكيف أصبحت اليوم بهذا الضعف والوهن عندما انتشرت الرذيلة والفواحش في كثير من المجتمعات..؟!

ولكي نرى ما أصاب الغيرة من ضعف شديد في كثير من مجتمعات المسلمين بفعل انتشار الرذائل حتى ألِفتها كثير من النفوس أذْكر بعضها مما حل في كثير من مجتمعات المسلمين من وهن الغيرة أو انعدامها «باختصار وتصرف يسير من مقالة: (عندما تموت الغيرة) للأستاذ: احمد بن على العنسي» حيث يقول:

ضعف الغيرة في ملابس الأهل

عندما تضعف الغيرة ترى الرجل يسمح لمحارمه أمام الرجال الأجانب أن يلبسن الملابس الضيقة والقصيرة، والخفيفة التي تُظهر ما تحتها، مثل البنطلون وغير ذلك من ملابس التبرج..

وإن وُجد لديه شيء من الحياء فإنه يلزمهن بلبس العباءة، لكن هل هذه العباءة حجاب؟

لا، ليست عباءة التبرجِ والفتنةِ بحجاب، وقد زينت من الأمام، وزخرفت لها الأكمام، وضيقت من الأعلى، ووسعت من الأسفل، وصنعت بألوان وأشكال مختلفة، حتى زادت من جمال المرأة، وزادت الفتنة بها، فلو لبستها امرأة قبيحة الشكل لظن الرجل أنها ملكة الجمال لتزيين العباءة لها..

وهذا الرجل يظن أنه قد عمل ما عليه من إلزام أهله بالحجاب المشروع، ولا يعلم أنه بعمله هذا قد خالف الشرع، وضيع أهله.

ضعف الغيرة في ترك الحجاب

عندما تموت الغيرة أو تضعف يسمح الرجل لزوجته وبناته عند ذهابهم إلى بعض البلاد التي لا تلتزم بالحجاب الشرعي، للعلاج أو السياحة أو غيرها، بترك الحجاب والتشبه بأهل تلكم البلاد، بل قد يأمرهن بذلك والعياذ بالله، حتى لا يُنظَر إليه وإلى أهله بأنهم جهلة وغير مثقفين.

ضعف الغيرة في السفر بلا محرم

عندما تموت الغيرة يسمح الرجل لزوجته، أو ابنته بالسفر للدراسة وغيرها دون محرم، سواء إلى بلاد إسلامية أو بلاد الكفر..

بل تجده يسعى لسفرها ويأتي بالوساطات، ويدفع الأموال لتُمنح زوجته أو ابنته أو أخته منحة دراسية إلى إحدى الدول، ويفتخر بذلك أمام الناس أن إحدى نسائه حصلت على منحة إلى الخارج، فتذهب تقضي عدة أشهر، أو عدة سنوات بمفردها.

ولم يعلم هذا الرجل الذي قل علمه، وضعفت غيرته أن سفر المرأة بلا محرم من الرجال لا يجوز كما ثبتت بذلك الأدلة. فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم». (3البخاري (1995) – مسلم (827))

وعن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجَّةً، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: فانطلق فَحُجَّ مع امرأتك». (4البخاري (5233) – مسلم (1341))

فهذا الرجل كانت امرأته ذاهبة إلى الحج وهو سفر طاعة، وزوجها قد استعد للجهاد، ومع ذلك أمره النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يلحق بزوجته.

التكشف عند الطبيب بلا حاجة

عندما تضعف الغيرة يذهب الرجل بأهله إلى طبيب رجل ليكشف عليها، مع وجود الطبيبات؛ وهو ليس مضطراً، وسيكون الكشف على حسب المرض، قد تكشف وجهها، أو صدرها، أو بطنها، بل بعض الرجال يجعل الطبيب يولِّد زوجته، مع أنه لا توجد ضرورة لذلك؛ فهناك طبيبات يقمن بالعمل نفسه الذي يقوم به هذا الطبيب، لكنه موت الغيرة.

ضعف الغيرة في الخلوة بالأجانب

عندما تموت الغيرة يهمل الرجل أهله: من بنت، أو زوجة، أو أخت، أو غيرهن، فيختلين بالأجانب من الرجال.

أماكن مظنة الخلوة

والأماكن التي يحصل فيها الخلوة المحرمة كثيرة منها:

الخلوة في العمل

فكم تقع الخلوة بين الموظفين والموظفات، وهذا مشاهد؛ فبعض المكاتب لا يوجد فيها إلا موظف وموظفة، بل قد تعمل المرأة في الليل، خاصة في المستشفيات المختلطة، سواء كانت طبيبة أو ممرضة، وبحكم العمل فقد تجلس الطبيبة مع الطبيب ساهرين في غرفة واحدة، ينتظران المرضى ليس معهما أحد في الغالب.

أما في أقسام الرقود؛ فهناك غرف خاصة في كل قسم بالممرضة والممرض حتى يتابعا حالة المرضى في الليل، وبالطبع يجلس الرجل مع المرأة بمفردهما يتبادلان الأحاديث الودية بحكم الزمالة، وثالثهما الشيطان، والرجل في بيته يشاهد الفضائيات، أو يغطُّ في نوم عميق، ولا يرى ماذا يعمل أهله.

لا أريد بكلامي هذا أن أطعن في عرض أحد، لكن هذا هو الواقع والغالب في أكثر الوظائف إلا من رحم الله؛ لأن هذا ما يريده لصوص الأعراض وأعداء الفضيلة.

الخلوة مع الطبيب في عيادته

بحيث يسمح الرجل لزوجته أن تذهب إلى الطبيب بمفردها تختلي به في العيادة، بل يصل الأمر في بعض الرجال أن يذهب مع أهله إلى الطبيب، وينتظر في الخارج، وزوجته مع رجل أجنبي في غرفة مغلقة، وقد نبهنا سابقاً أنه لا يجوز أن تذهب المرأة إلى طبيب إلا للضرورة.

الخلوة بالمدرس

وهذا حاصل في الأسر الثرية؛ حين يأتي الرجل لبنته بمدرس خاص لتعليمها بعض المواد، وقد صارت هذه البنت في المرحلة الثانوية أو الجامعية.

وبالطبع لا بد من غرفة خاصة هادئة لا يوجد فيها إلا حضرة الأستاذ وتلميذته، حتى يتمكن المدرس من الشرح وتلميذته من الإصغاء، ويجب أن لا يدخل عليهما أحد، حتى ينتهي الدرس الذي يستغرق ساعة أو ساعتين أو أكثر، والله أعلم ماذا يحصل بالداخل، والأب المفضل في سبات عميق..

مع أن هذا العمل لا يجوز ولو كان المدرس عالماً من العلماء؛ فكيف لو كان المدرس فاسقاً لا دين له، ولا خلق؟ فهذا من باب أوْلى.

خلوة المخطوبة مع خطيبها

وهذا حاصل حتى عند من يدَّعون الغيرة، وهذا لا يجوز شرعاً؛ لأن الخاطب لا زال أجنبياً عن هذه المرأة حتى يعقد عليها، وتصبح زوجته..

كما أنه لا تُؤْمَن عليهما الفتنة والوقوع في الفاحشة؛ فالشيطان حريص على ذلك أعاذنا الله منه.

ولْيعلم كل مسلم ومسلمة أن الخلوة سبب من أسباب الوقوع في فاحشة الزنا؛ لذلك سدت الشريعة هذا الطريق، وأغلقت هذا الباب؛ حفاظاً على الأعراض، وحماية للفضيلة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – : «لا يخلوَنَّ أحدُكم بامرأة إلا مع ذي محرم». (5البخاري (5233)، مسلم (1341))، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان». (6الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي)

ضعف الغيرة في السماح بالاختلاط

عندما تضعف الغيرة ترى الرجل يتساهل في مسألة اختلاط النساء والرجال، زعماً منه أن هذه عادة أهله وقبيلته، فترى الجلساء في بيته مختلطين رجالاً ونساء..

فيسمح لزوجته أو بنته أو أخته بالجلوس سافرة مع الرجال؛ فهذا أخ الزوج، وهذا ابن العم، وابن الخال، وابن الجيران، وما شابه ذلك..

من مفاسد الاختلاط

مع ما في الاختلاط من مفاسد كثيرة منها: تبرج النساء في هذه المجالس، فيقع النظر المحرم من الرجال للنساء والعكس، ويقع بذلك فتنة عظيمة، فيرى الرجل أن زوجة فلان أجمل من زوجته، وترى الزوجة أن فلاناً وسيم ليس كزوجها ذميماً، فيقع التقاطع وسوءالعشرة.

ومنها إثارة الشهوات بالنظر المحرم، والضحك والمزاح؛ فيستساغ هذا العمل عند الرجل فتموت الغيرة، وعند المرأة فتفقد حياءها.

ومن أماكن الاختلاط المدارس والجامعات المختلطة؛ فلا يجوز لرجل بقي عنده ولو شيء يسير من الغيرة والشرف أن يسمح لمحارمه بالدراسة في هذه الأماكن، بأي حجة من حجج الشيطان.

ضعف الغيرة في غشيان الأماكن المزدحمة

عندما تضعف الغيرة يذهب الرجل بأهله من النساء إلى الأماكن المزدحمة، مثل: الأسواق، والحدائق، يزاحمن الرجال؛ فهذا يلتصق بها من أمامها وهذا من خلفها، وهذا عن يمينها، أو شمالها..

وأشد حماقة من هذا الرجل ذلك الذي يذهب بأهله إلى الأسواق المزدحمة فتنزل المرأة من السيارة إلى تلك الأسواق تزاحم الرجال وهو منتظر لها في السيارة الساعة والساعتين وكأن أمرها لا يعنيه.

ضعف الغيرة في عمل المحارم خارج المنزل

عندما تضعف الغيرة يسمح الرجل لزوجته أو إحدى محارمه بالعمل خارج المنزل في أماكن مختلطة، مفقود فيها الحياء والشرف، وموجود فيها الاختلاط والنظر المحرم، والخلوة في بعض الأحيان..

وهذا كله لا يهم ذلك الرجل الذي قد ضعفت غيرته، إنما المهم هو كم المعاش، وليس للشرف والعفاف عنده أي أهمية؛ فالمال عنده كل شيء، فلا مانع لديه من أن تعمل زوجته أو بنته ليلاً أو نهاراً، أو حتى تسافر دون محرم من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ويستمر سفرها عدة أيام، أو أشهر؛ والأمر عنده عادي وطبيعي، ما دام وراء ذلك فائدة مادية ممتازة.

ضعف الغيرة في باقتناء صور مشاهير الرجال

عندما تضعف الغيرة ترى الرجل يسمح لنسائه بالاحتفاظ بصور الممثلين والمغنيين والرياضيين وغيرهم؛ لأنها معجبة بهم والرجل لا يعارض ذلك؛ لأنه يرى أنها حرة، تحب من تريد، وتعجب بمن تريد؛ فهذا من خصوصياتها..!

ولا يعلم هذا الرجل الأحمق أن الرجل الغيور لا يرضى أن يتعلق أهله بالرجال الأجانب، كيف وهؤلاء الرجال فسقة منحرفين؟ فكيف يرضى بهذا من لديه شيء من الشهامة والشرف؟

ضعف الغيرة في السماح بمسايرة الأجنبي

عندما تموت الغيرة يسمح الرجل لزوجته، أو بنته، أو قريبته بمسايرة رجل أجنبي، فيراها تأتي وتذهب مع زميلها في الجامعة، أو الوظيفة على أقدامهما، أو بالسيارة، وهو لا يحرك ساكناً، بل قد يشجعها، ويقول: اركبي مع فلان ابن الجيران؛ فمعه سيارة يوصلك على طريقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ضعف الغيرة في إهمال متابعة الأهل والمحارم

عندما تضعف الغيرة تجد رجلاً لا يدري عن أهله شيئاً، ولا يهتم بأمورهم، فهو لا يعلم من دخل بيته، ولا يعلم عن زوجته وبناته أي شيء، متى دخلن البيت، ومتى خرجن منه، ومع من يذهبن، ومع من يأتين؟

فهذا الرجل في غفلة عن أهله الذين سيُسأل عنهم يوم القيامة، مشغول بأمواله وأعماله، يوفر لهم المال، ولا يهتم بتربيتهم ولا بأخلاقهم..

وقد حصل بسبب هذا الإهمال قضايا كثيرة؛ فهذا أب يتلقى خبر وفاة بنته التي ذهبت في الصباح إلى الجامعة، والتي من المفترض أن تكون في الجامعة ولكن الخبر جاء بوفاة هذه البنت مع شاب غير معروف في حادث مروري خارج المدينة..

وما أكثر القصص التي تحكي أحوال آباء وأزواج غافلين عن أهلهم، لا يعلمون إلا بعد وقوع فضيحة كبيرة؛ عند ذلك يعلم هؤلاء أشباه الرجال بأنهم قصروا فيما كان يجب عليهم فعله، فيندمون حين لا ينفع الندم.

ضعف الغيرة في تعامل المحارم مع الأجانب دون ضرورة

عندما تضعف الغيرة فإن الرجل يكلف زوجته، أو بنته بشراء حاجات البيت دون ضرورة؛ فهو صحيح ولديه وقت فراغ، وإن كان مشغولاً فلديه أولاد كبار يذهبون إلى الأسواق بدلاً عنه، لكنه موت الغيرة..

بل يصل الأمر في بعض الرجال أن يلقي مسؤولية البيت كاملة على زوجته؛ فهي التي تذهب إلى السوق، وتشتري الطعام والشراب ولباسها ولباس الأطفال، بل وملابس زوجها، وهي من تستأجر البيت، وتتفاهم مع صاحب البيت، وتدفع الإيجار وتذهب لتسديد فاتورة الكهرباء والمياه..

وأصبحت هي الرجل تختلط بالرجال، وتحتك بهم، وزوجها يسلِّم لها ما تحصَّل عليه من مال، ثم يذهب ليأكل ويشرب، وينام وكأنه بهيمة، ليس عليه أي مسؤولية؛ فأي رجل هذا، وأي رجولة لديه؟”. (7انظر المقال في مجلة البيان العددرقم 213 (عندما تموت الغيرة))

خاتمة

هذه بعض الثمار العلقمية لحلف الرذيلة وجناياتهم على مجتمعات المسلمين بل على البشرية جمعاء..

وإن مثل هذه الرذائل التي لم يسلم منها اليوم مجتمع من مجتمعات المسلمين ما بين مُقلّ ومكثر، فضلاً عن ديار الكفر في الشرق والغرب، لم تأت بين يوم وليلة وإنما جاءت على مر السنين والليالي والأيام، بمكر من حلف الرذيلة في الليل والنهار، وساعدهم في ذلك شياطين الجن وشياطين الإنس من الكفرة وإخوانهم من المنافقين والطواغيت المتحكمين في الإعلام والتعليم وأدوات التوجيه حتى تروَّض الناس وتلوثوا بهذه الرذائل الممنوعة شرعاً وعقلاً وفطرة.

وإن الخطورة من هذه الرذائل هو فرضها في حياة الناس حتى يألفوها ولا تستنكر، وتشرعن في حياة الناس ويجاهر بها، ويصدر حلف الرذيلة القوانين المرخصة لحانات الخمور ومواخير الزنا والربا.

ولو أن هذه الرذائل فعلت في السر والخفاء مع شعور فاعليها بالإثم والفحش واعتقاد حرمتها في النفوس لكان الأمر أهون..

يتبع الجزء الثالث إن شاء الله..

…………………………………

هوامش:

  1. في ظلال القرآن 1/ 511 باختصار.
  2. في ظلال القرآن 2/ 632 باختصار.
  3. البخاري (1995) – مسلم (827).
  4. البخاري (5233) – مسلم (1341).
  5. البخاري (5233)، مسلم (1341).
  6. الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
  7. انظر المقال في مجلة البيان العددرقم 213 (عندما تموت الغيرة).

اقرأ أيضا

  1. من قيم الإيمان
  2. عادٌ الأخيرة

التعليقات غير متاحة