الحق والباطل في صراع لا يفتر ولا ينتهي الى قيام الساعة. والدور الأمريكي اليوم يمثل الباطل، ويعاونه بقية الغرب الصهيو صليبي. والعداء موجه لأهل السنة قلب الإسلام. في الصراع سنن، وله مصالح على الأمة وعلى الحياة.
مقدمة
اقتضت حكمة الله تعالى سنن التدافع بين الحق والباطل، وفي هذا الصراع تنجلي الحقائق وتجلو الحياة..
وصراع اليوم وأحداثه حلقة من حلقات ممتدة، ليست بدعا من التاريخ ولا طارئا من الأمر. ولا بد من فهم ذلك وإدراك الحقائق الدالة عليه، من الكتاب المنزل، ومن الواقع المعاش.
والغفلة عن المشروع الأمريكي خطر كبير، وهو لا يقلّ عن الخطر الصفوي ولا الصهيوني، وهو جارٍ كسنة من سنن الله في المدافعة بين الحق والباطل، وفي قلب الحق يقف أهل السنة يحملون الحق ويحمونه، ويتحملون التبعة من أجل الله ثم من أجل البشرية..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
حرب سافرة ومستعرة على الحق وأهل السنة
فلا يخفى على أدنى متأمل ما تشهده هذه السنوات الأخيرة من حرب سافرة حاقدة ماكرة، يشنها الغرب الكافر، وعلى رأسه أم الكفر: أمريكا؛ التي تتولى كبْر ذلك على الإسلام وأهله، ولا سيما أهل السنة منهم.
ولسنا في حاجة لإثبات ذلك بالوثائق والمواقف والأدلة فهي من الوضوح بحيث يدركها اليوم الصغير، والكبير، والشيخ، والعجوز، والمثقف، والأمي.
ولئن عُذر أحدٌ في خفاء هذا العداء والحرب فيما مضى من عقود؛ فإنه لا يعذر اليوم، وقد تساقطت الأقنعة، وتعرت النوايا، وظهرت فيه المعايير المزدوجة، والمكاييل التي تكيل بمكاييل مختلفة، وإن المسلم المتدبر لكتاب ربه، عز وجل، وما فيه من السنن الإلهية، التي لا تتبدل، والتوجيهات الربانية التي تبين لنا حقيقة أعدائنا الكفرة، وتحذرنا منهم، ومما تخفي صدورهم من الكيد والمكر للمسلمين.
تلقي حقائق العقائد، وحقائق الصدور، مما أنزل الله
إن المسلم المتدبر لذلك كله يصير بذلك أسعد الناس بمعرفة عدوه، وأخذ الحذر منه، والبراءة منه، وإظهار العداوة له، والتحذير من مكره وكيده.
يقول الله عز وجل: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 118 – 120].
ويقول سبحانه: ﴿وَلَن ترضى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]، ويقول سبحانه: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: 89]، ويقول الله -تعالى-: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217].
ويقول تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أهل الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة: 109]، ويقول سبحانه: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8].
والآيات من كتاب الله عز وجل في التحذير من الكفار، وبيان عداوتهم للمسلمين كثيرة.
والمسلم المتدبر لكتاب ربه تكفيه هذه الآيات وأمثالها، في توجيه العداوة للكفار، والبراءة منهم، والحذر من مكرهم، وجهادهم.
ولا يحتاج المسلم في إثبات هذه العداوة والبراءة إلى مزيد من الأدلة الواقعية حتى يوقن بذلك؛ لأنه موقن بكلام ربه، سبحانه، ولكن ما يظهره الله عز وجل من وقائع وفضائح، وسقوط للأقنعة تُزيد المؤمن إيماناً ويقيناً.
سنة الله الجارية في الصراع بين الحق والباطل
إن المدافعة والصراع بين الحق والباطل سنة إلهية، اقتضتها حكمةُ الله عز وجل، وعلمُه ورحمتُه، منذ أن هبط آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليه..
قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112]، وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ [محمد: 4].
وقال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأرض وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 251]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: 40].
آثار سُنة التدافع
يقول الأستاذ عبد العزيز كامل عن هاتين الآيتين:
“والمعنى من الآيتين: لولا دفع الله بأس المشركين بممانعة وجهاد الموحدين، وحكمهم بالوحي المنزل؛ لزاد الفساد، واستحكم الظلم، وحُرم العباد من عبادتهم لرب العباد.
فالتدافع هو الأصل بين سبيل الأبرار والفجار، ليس في ميادين المعارك العسكرية فقط، بل قبل ذلك في ساحات المواجهة الفكرية، وحقيقته صراع بين من يحملون المنهج السوي من أتباع الرسل، وبين من يحتمون بسواهم من ملل الجهالات والمقالات والأهواء.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [إبراهيم: 13 – 14].
والصراعات تكون أيضاً بين باطل وباطل، وقد يكون ذلك خير لأهل الإيمان، كما كان الصراع بين الفرس والروم، حيث أنهك كل منهم الآخر لتسهل المهمة بعد ذلك على عباد الله الموحدين في الانتصار عليهما.
إن صراعات عصرنا ليست استثناء في كون أصلها صراعاً بين عقيدة وعقيدة.
والصراع الدولي اليوم ـ الناشب في ميادين متعددة على أرض العالم الإسلامي ـ يتضح فيه يوماً بعد يوم أنه صراع بين الحق والباطل..
بين حق الاسلام وباطل الأعداء، الذي تأتي فيه الصهيونية الأمريكية بشقيها اليهودي والنصراني في مقدمتهم، حيث أطلقت أمريكا على حربها هذه: “الحرب العالمية على الإرهاب” بعد ان لعبت بمصطلح “الإرهاب” لكي يكون مرادفاً للإسلام وأهله، الذين وقفوا في وجهها، لكي يكون هذا المصطلح صالحاً؛ لأنه يطلق على أشخاص دون أشخاص، ودول دون دول، وجماعات دون جماعات، وممارسات دون ممارسات”. (1انظر: مقال “حرب الأفكار بين بأس الأمريكيين ويأسهم” د/ عبد العزيز كامل، مجلة البيان الإسلامية العدد (238) بشيء من الاختصار والتصرف اليسير)
مصالح المدافعة بين الحق والباطل
وقد كتب الله عز وجل هذا الصراع، وقدّره لحِكَم ومصالح عظيمة، أظهر الله عز وجل لنا بعضها، وأخفى عنا بعضها، ومن هذه الحِكَم التي تضمنتها الآيات السابقة:
1- درء مفاسد عظيمة
في سنة المدافعة درء لمفاسد عظيمة عن العباد، في أديانهم وأنفسهم، وعقولهم وأموالهم وأعراضهم، إذ لو أن الله عز وجل لم يقيض للباطل من يرده ويدفعه من أهل الحق، لفسدت الأرض ومن عليها، كما ذكر الله عز وجل ذلك.
2-استخراج عبوديات
في سنة المدافعة يستخرج الله عبودية أوليائه وحزبه، في السراء والضراء، وفيما يحبون وما يكرهون.
3-تمحيص وابتلاء، وتمييز
في سنة الصراع بين الحق والباطل تمحيص وابتلاء، يتميز فيها المؤمن الصادق، الذي يستحق مرضاة الله عز وجل وجنته، من المنافق الذي كان يخفي نفاقه في الأمن، فتأتي شدة الصراع لتظهر نفاقه، وفي هذا مصلحة للمؤمنين.
قال سبحانه: ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: 179]، وقال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 142].
4-إبراز الحق وإظهاره
في سنة الصراع والمواجهة بين الحق والباطل مصلحة عظيمة، في كون هذا الصراع الشديد يبرز الحق ويظهره للناس، ويتعرف عليه الناس الجاهلون به، ويصلب عوده، ويظهر للناس صدق أهله، وبطلان أعدائه..
وهذا لا يأتي بتعايش الحق مع الباطل، ومسالمة كل طرف للطرف الآخر.
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى:
من بعض فوائد ذلك: أن يعلو الحق على الباطل، وأن يتبين الحق، ويتضح اتضاحاً عظيماً..
لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحاً وبياناً، وكمال استدلال، وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة، وبأهل الباطل من العقوبة. (2تفسير السعدي، ص (582))
وقفات وبيان حقائق
وبعد هذه المقدمة التي لا بد منها أدخل في صلب هذه المقالة وموضوعها، ألا وهو “المشروع الأمريكي في حرب الإسلام السني”، ولكي يسهل تناول الموضوع وفهمه أصوغه في الوقفات الآتية:
الوقفة الأولى:
رأس الأفعــى
إن ما يدور الآن من أحداث مؤلمة في بلاد الشام، والعراق، واليمن، وفلسطين، وأفغانستان، ومصر، وليبيا، وما يخطط لغيرها من البلدان الأخرى، إن هو إلا نتيجة لمخطط إجرامي قذر، يشنه الغرب الكافر بزعامة رأس الفساد والإفساد والصد عن سبيل الله “أمريكا الطاغية”، وذلك في مشروعها الإفسادي وحربها العالمية للإسلام السني وأهله، وهذا ما يصرحون به، ولا يخفونه كما سيأتي تفصيله لاحقاً، إن شاء الله تعالى..
وأود التنبيه في هذه الوقفة إلى أمر مهم ألا وهو: ضرورة أن نعلم بأن رأس الأفعى في هذه الحرب المشوبة على المسلمين هي أمريكا الطاغية، دون التهوين من شركائها في هذه الحرب.
إن المشروع الأمريكي هو الأخطر في المنطقة فينبغي على الدعاة والمجاهدين أن يعوا هذا الخطر.
أقول هذا القول لِما لمسْتُه من غفلة عن هذا المشروع، مقابل المشروع الإيراني والروسي في المنطقة، الذي أخذ حقه من البيان والفضح..
لقد نجحت أمريكا إلى حد كبير في صرف أنظار كثير من المسلمين ـ ومنهم بعض الدعاة والمجاهدين ـ عن خطرها، وحاولت توجيه الكرْه والعداوة إلى إيران ومشروعها الرافضي، فكثرت البيانات والتحذيرات من الخطر الصفوي، وهذا حق وواجب، ولكن هذا يجب ألا يصرفنا عن خطر وجرائم المشروع الأمريكي الأمريكي ومن سار في فلَكه فإنهم أخطر ما يكون على المسلمين.
بل يمكن القول بأن المشروع الصفوي الرافضي والروسي إن هو إلا أداة من أدوات تنفيذ المشروع الأمريكي، وتمريره في المنطقة، فينبغي أن يأخذ حقه من الفضح، وبيان خطره، وأن لا ينسينا الحديث عن خطر المشروع الروسي والصفوي بيان الخطر الأمريكي، وضرورة التصدي له، ولألاعيبه وأهدافه.
وعندما نقول “المشروع الأمريكي” فإننا نعني بذلك وجود أموال، وعلماء، وعملاء وأجهزة استخبارات، ومراكز أبحاث، ووسائل إعلام، وأسلحة .. وكلها مجندة لخدمة المشروع.
الوقفة الثانية:
لماذا تركز أمريكا في حربها على الاسلام السني؟
كان العداء في القرن الماضي والمدافعة بين قطبين كافرين من القوى الكبرى: المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، ومن معها في حلف الأطلسي، وبين المعسكر الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي ومن حالفه في حلف وارسو، واستمرت الحرب الباردة بين المعسكرين عقودًا من الزمن..
وقد استخدمت أمريكا بعض الدول الإسلامية في حرب المعسكر الشرقي بحجة إلحاده، وعقيدته الشيوعية، ودعمت المجاهدين الأفغان في حرب الاتحاد السوفيتي، إبّان غزوه لأفغانستان، لا حباً للمجاهدين، وإنما لإسقاط الروس وإضعافهم، وحصل بفضل الله عز وجل، ثم جهاد المجاهدين، أن انسحبت روسيا منهزمة من أفغانستان، ثم تلى ذلك السقوط الذريع للاتحاد السوفيتي وتشرذمه.
بعد ذلك انفردت أمريكا كقوة عظمى في العالم، ولكن الله عز وجل بعلمه وحكمته ورحمته وعزّته وسنته التي لا تتبدل قيض لهذه القوة المتغطرسة، دين الإسلام وأهله من المجاهدين، وبدأت المدافعة بين المعسكر الغربي وعلى رأسه أمريكا، وبين المعسكر الاسلامي..
وأيقنت أمريكا أن عدوها الأول هو الإسلام وأهله، ولا سيما بعد الصحوة الإسلامية العارمة، واشتعال جذوة الجهاد في أمكنة كثيرة من بلدان المسلمين، حتى وصل الخطر إلى عقر ديارهم، فأجلبت بخيلها ورجلها، وكشفت عن ساق الحرب، وشنتها على أكبر خطر يهددها، ألا وهو: دين الله الخالد، الإسلام، وحملته من الدعاة والمجاهدين.
أهل السنة في قلب الصراع
ومن خلال هذه الحرب اكتشفت أمريكا وبما تملكه من مراكز بحوث وأحداث متتالية أن المنتسبين للإسلام ليسوا سواء، وليسوا كلهم أعداء لها، فصنفت المسلمين إلى معتدلين، وأصوليين متطرفين..
فأخرجت من حربها من تراه في نظرها من الموالين لها، ممن تسميهم بالمعتدلين من اللبراليين والعصرانيين والمتصوفة الخرافيين، والباطنة المنافقين من الرافضة والشيعة، ورأت أنهم لا يشكلون خطراً عليها، بل لقد رأت فيهم صيداً ثميناً، وذراعاً قوية، استخدمته ووظفته في حرب التيار السلفي الذي استعصى عليها، وأعلن عداوتها والبراءة منها، وحرص على مفاصلتها وجهادها، بالبيان والسنان، فحصرت حربها فيهم (كمرحلة أولى، يتلوها حرب المسلمين كافة، وسوريا والعراق خير شاهد)..
فاستعرت نار الحرب، وحمي وطيسها بين معسكر الإيمان ومعسكر النفاق والكفران.
ولم تكن هذه الحرب على الصعيد العسكري فحسب، بل على صعيد آخر أكبر منه، وأخطر، ألا وهو “حرب الأفكار، وتشويه العقيدة السلفية النقية”.. وأصعدةٍ أخرى.
توصيات “راند”
وهذا تقرير “راند” الشهير، وهو من مراكز الأبحاث الأمريكية الخطيرة المؤثرة في صنع القرار الأمريكي، يقول في تقريره الشهير: “بناء شبكات إسلامية معتدلة”:
بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقود حربًا علي الصعيدين الحربي والفكري، فهي تقود معركة بالأسلحة، ومعركة بالأفكار، حيث لن تكون الغلبة على الجانب الآخر إلا بتشويه الأيدلوجيات المتطرفة في أعين معتنقيها ومؤيديه
ويوصي التقرير في مواطن أخرى:
“بأن تدعم الإدارة الأمريكية قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي، لكي تتصدى تلك الشبكات والجماعات لأفكار وأطروحات التيار الإسلامي، التي يصفها التقرير بالجملة أنها تيارات متطرفة”
كما يوصى التقرير أن يستخدم التيار التقليدي والصوفي في مواجهة الإسلام السلفي، وقد تم تعريف التيار التقليدي والصوفي في هذا التقرير أنه:
“التيار الذي يصلي في الأضرحة، خلاف ما تدعو إليه الوهابية، ويميل إلى التصوف والتعصب للمذاهب”. (3انظر: قراءة في تقرير “راند” 2007 باسم خفاجي، مجلة البيان عدد: 236)
عداء أهل السنة لتمثيلهم الإسلام بنقائه
والحاصل: أن (طاغية العصر) أمريكا وحلفاءها من الغرب، ومن دار في فلَكها من الطواغيت والمنافقين، قد حددوا عدوهم الاستراتيجي الذي ينبغي أن توجه إليه الحرب بكل أشكالها..
وأنه “جميع التيارات السلفية التي تنطلق من عقيدة التوحيد، والولاء والبراء، والجهاد في سبيل الله تعالى”.
والله عز وجل غالب على أمره، وله الأمر من قبل ومن بعد، والعاقبة للمتقين، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يقول د/ عبد العزيز كامل:
“الصراع بين الصحيح والمحرف من العقائد وهو جوهر “حرب الأفكار” الراهنة، والإسلام “غير المحرف” يمثله في أنصع صورة، منهج أهل السنة والجماعة..
ولهذا فإن حملة هذا المنهج هم المستهدفون الأوائل في حرب الأفكار، مرة باسم الأصوليين، ومرة باسم السلفيين، ومرة ثالثة باسم الوهابيين..
ولهذا نجد تقارير “معهد راند” وغيرها، تصب في اتجاه تجييش العالم بكفاره ومنافقيه ومرتديه ومبتدعيه ضد أنصار هذا المنهج الذي يمثل الدين الصحيح. (4عن مقال “حرب الأفكار بين بأس الأمريكيين وبأسهم” مجلة البيان عدد: 238)
خاتمة
لا تزال الدراسات والأطروحات الغربية جارية، فيما يخص أهل الإسلام، ومحاولة إخراجهم عن دينهم والحيدة بهم عن الطريق. لكن هذا المكر لا يحيق إلا بأهله. والله غالب على أمره.
الهوامش:
- انظر: مقال “حرب الأفكار بين بأس الأمريكيين ويأسهم” د/ عبد العزيز كامل، مجلة البيان الإسلامية العدد (238) بشيء من الاختصار والتصرف اليسير.
- تفسير السعدي، ص (582).
- انظر: قراءة في تقرير “راند” 2007 باسم خفاجي، مجلة البيان عدد: 236.
- عن مقال “حرب الأفكار بين بأس الأمريكيين وبأسهم” مجلة البيان عدد: 238.
اقرأ أيضا:
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. استنفار الأمة
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. نفوذ وعد الله
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. المحور العسكري
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. من الاقتصاد الى الأخلاق
- المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. حرب السلفية بالصوفية