إذا كان بالمسلمين ضعف فليس الحل في مخالفة أمر الله بالركون إلى الظالمين، والتودد للكافرين، والمسارعة فيهم؛ فذلك كله لا يزيد المسلمين إلا رهقاً، وإنما الحل – كما صنع مجاهدو غزة – في الاعتصام بحبل الله المتين، وإعداد المستطاع من القوة، والتوكل على الله بعد شحذ الهمم وتقوية العزائم وتربية الناس على معاني الجهاد وحب الاستشهاد.
التوصيف الشرعي لما هو حاصل على أرض فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن التوصيف الشرعي لما هو حاصل على أرض فلسطين أن ثمة قتالاً يدور بين أمة خيرة من المجاهدين المرابطين في بيت المقدس وأكنافه، وبين الأمة الغضبية الذين غضب الله عليهم ولعنهم، والذين (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف: 67].
أوصاف وأخلاق الفريقين
وهذا القتال قد ظهرت فيه أخلاق المسلمين المتقين من استهداف الحربيين المقاتلين، وتجنب النساء والأطفال والإفساد في الأرض، وإظهار ضروب فائقة من البطولة والشجاعة والبسالة والرضا بالقدر، في مقابل أخلاق اليهود الذين لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؛ حيث فضح الله سوء أخلاقهم حين عمدوا إلى ستر سوأتهم ومواراة هزيمتهم باستهداف المساجد والكنائس والمشافي والمدارس، وإفناء الأطفال والنساء والشيوخ؛ فكانوا كما وصفهم ربنا (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64].
المجتمع الدولي ومساندته لليهود
وافتضح مع اليهود أولياؤهم من الصليبيين ممن سموا زوراً بـ(المجتمع الدولي) حيث أعانوهم على إجرامهم وأمدوهم بالسلاح الفتاك والدعم المعنوي والرجال المقاتلين، مع ترويج الأكاذيب وبث الأراجيف، وأظهروا ذلك ولم يضمروه، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118] امتداداً لسعيهم السابق الحثيث في تدمير أمة الإسلام أخلاقاً واقتصاداً وأمناً، من أجل أن يأتي عليها يوم تستسلم فيه بالكلية لليهود وأعوانهم؛ رضا بالواقع المر.
طوفان الأقصى يكشف سوآت الحكام العرب وسوء نياتهم
وكانت هذه المعركة – ولا تزال – مزلزلة مدمدمة على أنظمة القهر والاستبداد، من الحكام المنافقين الخونة الذين حادوا الله ورسوله، وكانوا ولا يزالون سوط عذاب على الشعوب المغلوبة على أمرها، حيث والوا أعداء الله وسارعوا فيهم قائلين (نخشى أن تصيبنا دائرة)، وأظهروا التعاطف الكبير مع يهود، وفي الوقت نفسه أبدوا علانية – حيناً- وفي لحن القول أحياناً غضبهم مما قام به المجاهدون، لأن ذلك النصر المبين كشف سوآتهم وأظهر سوء نياتهم؛ حيث كان بعضهم مطبعاً والآخر مستعداً للتطبيع.
جملة من الحقائق الشرعية في ضوء طوفان الأقصى
وها هنا أذكر جملة من الحقائق الشرعية:
أولها: تحريم موالاة الكافرين
إن موالاة أعداء الإسلام، وبخاصة اليهود المحاربين محرمة شرعاً؛ لأنهم قد اغتصبوا الأرض المقدسة وساموا أهلها سوء العذب؛ بل خططوا لإقامة دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل، وقد قال سبحانه: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 9]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]، وقال سبحانه: (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة: 2] وقال: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89] وقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109] وقال: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217].
ثانيها: أن ما ظهر من بعض حكام المسلمين هو من موالاة أولئك اليهود
من ذلك: التعاطف مع أولئك اليهود الغاصبين، والحط على المجاهدين من حماس والفصائل ووصف فعلهم بالعدوان، بل تمادى الحال ببعضهم إلى إعانة اليهود ومدهم بالمعلومات، والتصويت ضد القرارات التي تدين أفعالهم، كل ذلك إنما هو من موالاة أولئك اليهود؛ وهو من الكفر المحض، ففي تفسير قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51] قال ابن جرير رحمه الله تعالى: «يعني تعالى ذكره بقوله: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم؛ يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولّ أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رَضِيَه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حُكُمه حُكَمه1(1) جامع البيان، ۵۰۸/۸..
وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: «وصح أن قول الله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إِنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين”2(2) المحلي، ٢٨٦/١..
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «… أنه سبحانه قد حكم – ولا أحسن من حكمه – أَنَّهُ مَن تولَّى اليهود والنصارى فهو منهم، (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن، كان لهم حكمهم»3(3) أحكام أهل الذمة، 195/1..
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: «ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين، فإنه يكون منهم بتوليه إيَّاهم… وبين في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) [آل عمران: ۲۸] ، فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكلّ الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقا، وإيضاح لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيُرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة… ويفهم من ظواهر هذه الآيات أنَّ من تولى الكفَّار عمدا اختيارا، رغبة فيهم: أنه كافر مثلهم»4(4) أضواء البيان، (٤١٣-٤١٢/١)..
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: «وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفَّار على المسلمين، وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: ٥١]»5(5) مجموع فتاوي ابن باز، ٢٦٩/١..
ثالثها: تحريم كل أوجه التعامل مع اليهود المحاربين
إن التعامل مع هؤلاء اليهود المحاربين بيعاً أو شراء أو تبادلاً تجارياً أو استثماراً أو تمليكاً للأراضي كل ذلك محرم ممنوع، وذلك ظاهر من قوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: ٩]. ومعنى الآية كما قال أهل التفسير: إنما ينهاكم الله – أيها المؤمنون – عن الكافرين المحاربين الذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم بسبب إيمانكم بربكم، وأخرجوكم من بلادكم، وعاونوا غيرهم على إخراجكم أن تمولوهم، فتكونوا لهم محبين مناصرين، ومَن يَتَّخِذِ الكافرين أولياء يُحبهم ويُناصِرهم، فأولئك هم الظَّالِمُونَ الَّذِين وضعوا الموالاة في غير موضعها، وعرضوا أنفسهم لعذاب الله تعالى.
رابعها: مدى قبح سعي الحكام للتطبيع مع اليهود
إذا استبان القارئ فحوى ما سبق يدرك جرم أولئك الحكام الساعين في التطبيع مع يهود المسارعين في إرضائهم حماية لعروشهم وكراسيهم؛ وحرصاً على لعاعة الدنيا؛ لأن التطبيع – وهو مصطلح خادع- أعظم من مجرد بيع أو شراء أو استثمار مع اليهود؛ بل هو تطبيع سياسي يشمل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة ولقاءات قمة متبادلة، وتطبيع اقتصادي يحصل به إزالة جميع الحواجز حتى تصبح دولة يهود هي الدولة الأولى بالرعاية، وأخطر من ذلك التطبيع الثقافي بأن ينزع من العقل المسلم العداء لليهود ويكسر الحاجز النفسي بينهم وبين المسلمين؛ بما يتبع ذلك من هجرة اليهود إلى أرض المسلمين – كما حصل في الإمارات مثلاً – مما يقرب اليهود من تحقيق حلمهم في إقامة (إسرائيل الكبرى).
خامسها: علماء السلطان ولبس الحق بالباطل وتحريف الكلم عن مواضعه
أن ما يقوم به بعض المعممين من رجال الدين ممن احترفوا التزوير ولبس الحق بالباطل وتحريف الكلم عن مواضعه، من تصوير تلك الموالاة وذلك التطبيع على أنه إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلحه مع قريش، وأكله من طعام يهودية ووضوئه من مزادة مشركة، إنما هو خيانة الله ورسوله؛ وهؤلاء الفاسدون المعممون قد شابهوا اليهود من حيث كونهم يكتمون الحق وهم يعلمون؛ ذلك أنهم يعلمون يقيناً أن ذلك التطبيع المرجو سيترتب عليه منع بث السور التي تتحدث عن اليهود، وحذف الآيات التي تفضح سوء مسلكهم من المناهج الدراسية، بل وحذف المعارك العسكرية التي كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ومنع البرامج الدينية التي تتناول قصص يهود، وهذا كله قد حصل في البلاد التي سلكت هذا السبيل. حيث سارعت حكومات تلك البلاد المطبعة في مراجعة المناهج التعليمية وتعديلها لتلائم المرحلة الجديدة، وبالمقابل لم يحصل شيء من ذلك في الجانب اليهودي بل ما زالت أفكارهم ومناهجهم هي هي لم يمسها شيء من تغيير. فمنذ الأيام الأولى لتأسيس (إسرائيل) صرح (بن غوريون) في كلمة موجهة إلى الطلاب اليهود بقوله: «إن هذه الخارطة ليست خارطة شعبنا، إن لنا خارطة أخرى عليكم – أنتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها – أن تحولوها إلى واقع… يجب أن يتسع شعب (إسرائيل) من النيل إلى الفرات»!
سادسها: بطلان معاهدات الصلح التي أبرمت مع العدو
حصار غزة ومنع الغذاء والدواء فضلاً عن السلاح والعتاد عن أهلها؛ قد احتج له البعض بمعاهدات الصلح التي أبرمت في (كامب ديفيد) و(أوسلو) و(وادي عربة)؛ ومن بعد ذلك الاتفاقيات التي سميت زوراً (الإبراهيمية) مستدلين بقوله تعالى: (إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) [الأنفال: ٧٢]، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه؛ فإن تلك المعاهدات – من حيث الأصل – باطلة لا قيمة لها شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، والمقرر في قواعد السياسة الشرعية أن تصرف الإمام في الرعية منوط بالمصلحة؛ فما لم يكن فيه مصلحة بل مفسدة فهو تصرف باطل؛ لأن الشرع لا يأمر بالفساد، قال الشافعي – رحمه الله تعالى-: «وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة، فللإمام مهادنتهم على النظر للمسلمين، رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤونة، وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر»، وقال: «وإن صالحهم الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه». ا.هـ
الضوابط الشريعية للصلح مع الصهاينة
ولإسقاط هذا الكلام على الواقع أقول: إن الصلح مع العدو – في الجملة – يضبطه أمران لا بد من تحققهما من أجل أن يكون مشروعاً:
الأول: أن يكون الصلح مما يوافق أحكام الشريعة في أصله وتفصيلاته، فلا يشتمل في أصله أو تفاصيله على ما يضاد أو يناقض الأحكام الشرعية.
الثاني: أن يكون مبناه على ارتياد ما هو في مصلحة الإسلام والمسلمين؛ فالصلح الذي يجلب على المسلمين الضرر، سواء في دينهم أو دنياهم، وكذلك الصلح الذي لا يجلب نفعاً، هو صلح لم يقم على قاعدة ارتياد الأصلح، وكل عهد أو صلح بين المسلمين وبين الكفار لم يحقق هذين الأمرين، أو أحدهما فهو صلح لا يعتد به شرعاً، وهو صلح باطل؛ لأنه أسس على غير التقوى.
من منكرات المعاهدات المبرمة مع الصهاينة إلغاء شريعة الجهاد
ومعلوم أن هذه المعاهدات المبرمة مع الصهاينة تقوم على أصل باطل وهو إلغاء شريعة الجهاد؛ بادعاء أن هذه المعاهدات مؤبدة ترسي مبدأ (السلام الدائم والشامل) مما يناقض نصوص القرآن التي تبين أن العداوة بيننا وبينهم أبدية باقية (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: ۲۱۷]، (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: ١٢٠].
وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز أن تكون المعاهدة أبدية، وهم بعد اتفاقهم على عدم التأبيد على قولين في توقيت المعاهدة:
القول الأول: فالجمهور على أن المعاهدة ينبغي أن توقت بوقت، وأطول وقت يمكن اعتباره للمعاهدة هو عشر سنوات، وهي المدة التي صالح عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في مكة، وإن كان هناك من أهل العلم من يجعل المدة مرتبطة بالمصلحة، فقد تزيد عن ذلك، وقد تنقص بشرط ألا تكون أبدية.
والقول الثاني: بجواز أن تكون المعاهدة مطلقة أي من غير تحديد فترة زمنية تنتهي عندها المعاهدة، بل تكون مطلقة عن قيد الزمن، وأن من أراد نبذها فله ذلك بعد إعلام الطرف الثاني حتى لا يكون هناك غدر، وبعض أهل العلم يرفضون هذه الصورة من أجل خشيتهم أن يؤدي إطلاق المدة إلى تأبيد المعاهدة.
بعض المنجزات التي تحققت للصهاينة جراء التطبيع
ثم إن البلاد التي صالحت العدو الصهيوني الغاصب وطبعت معه لم يقل أهلها خيراً، بل ازدادوا فقراً على فقر، وتحققت من خلال ذلك مصالح اليهود من رواج تجارتهم وتصدير سلعهم، ومنتجاتهم الصناعية، وغيرها إلى بلاد المسلمين، وحصولهم على المواد الخام من بلاد المسلمين بأسعار رخيصة، مع تدخلهم في ثقافة الشعوب الإسلامية، والتأثير في مناهج التعليم ووسائل الإعلام. ثم إن تلك المعاهدات – على فرض صحتها – قد انتقضت بما صنعه اليهود بإخواننا في غزة، حين استباحوا ديارهم وقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم، وهدموا البيوت على رؤوس ساكنيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون : تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» فأي دين ذاك الذي يبيح لك مهادنة عدوك وإعانته وهو يقتل إخوانك ويستبيح ديارهم؟
وبعد: فإن بعض الناس يحتج بما عليه المسلمون من ضعف وخور؛ يحتجون بذلك من أجل تجريم المجاهدين في غزة والتبرير لأنفسهم ولحكام السوء في القعود عن نصرتهم؛ ولا شك أن هؤلاء ممن قال الله فيهم: (وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا) [الفتح: ١٢]، فإنه إن كان بالمسلمين ضعف فليس الحل في مخالفة أمر بالله بالركون إلى الظالمين، والتودد للكافرين، والمسارعة فيهم؛ فذلك كله لا يزيد المسلمين إلا رهقاً، وإنما الحل – كما صنع مجاهدو غزة – في الاعتصام بحبل الله المتين، وإعداد المستطاع من القوة، والتوكل على الله بعد شحذ الهمم وتقوية العزائم وتربية الناس على معاني الجهاد وحب الاستشهاد.
الهوامش
(1) جامع البيان، ۵۰۸/۸.
(2) المحلي، ٢٨٦/١.
(3) أحكام أهل الذمة، 195/1.
(4) أضواء البيان، (٤١٣-٤١٢/١).
(5) مجموع فتاوي ابن باز، ٢٦٩/١.
المصدر
د. عبدالحي يوسف عميد أكاديمية أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم.
اقرأ أيضا
الولاء والبراء بين النظرية والتطبيق في نازلة غزة المرابطة