هل أوهمنا أحد أننا حين سرنا في هذا الطريق كنا سنستمر بجلابيبنا البيضاء وعطرنا الجميل نغدو ونروح الى مساجدنا ونردد الآيات والأحاديث ونقضيها دراسة لأحكام التلاوة دون أن يحدث لنا اختبار لما وراء التلاوة ربما يستمر سنوات وعقود ؟!!
البلاء سنة الله في خلقه
فلم تكن لطمة أبي جهل آخر محن أسماء ذات النطاقين .
وإنما كانت محنتها آخر حياتها مع الحجاج وبعد قيام دولة الإسلام أشق آلاف المرات حين تم تعليق جثة عبدالله ابنها في مكة خمسة عشر يوما فأصيبت فيه ومعه حفيدها عمر بن عروة وهي في آخر حياتها وقد بلغت من الكبر عتيا فلم ينقص يقينها ولم تهتز عقيدتها ولم تفقد شيئا من إيمانها !!
وهل أوهمنا أحد أننا حين سرنا في هذا الطريق كنا سنستمر بجلابيبنا البيضاء وعطرنا الجميل نغدو ونروح الى مساجدنا ونردد الآيات والأحاديث ونقضيها دراسة لأحكام التلاوة دون أن يحدث لنا اختبار لما وراء التلاوة ربما يستمر سنوات وعقود ؟!!
ولم يقل لنا أحد من أول ما تعرفنا إلى هؤلاء الناس أننا ذاهبون إلى عز الدنيا ووجاهتها .
ولم يحدث النبي أصحابه يوما بذلك .
ولم نسمع فى دروسنا إلا ما يؤسس للصبر والثبات والاستعداد للمحن .
وكيف لا ولا تكاد تخلو سورة قرآنية من قصة للصابرين أو حث على الصبر أو تحذير من السقوط .
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أسدل الستار على المتاعب بمجرد أن هاجر إلى المدينة ؟!!
وكأن هذا الجيل من الصحابة الذي حضر فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا لم ير محنة أخرى بخروجهم من دين الله أفواجا مع مسيلمة وسجاح والأسود العنسي وعاش المسلمون أياما صعبة أخرى وقتل حفاظ القرآن حتى خافوا على القرآن من الضياع ؟!
إنها الدنيا بين مد وجذر
في حياتنا وحياة الصحابة وحياة كل الناس .
مرحلة استضعاف تتلوها مرحلة تدافع ومدافعة تتلوها انتصارات تتلوها مرحلة ردة وتراجع تتلوها انتصارات .
كذلك يضرب الله الحق والباطل … هكذا تعهد الله ووعد .
صراع مستمر أزلي لا ينتهي إلا بالقيامة .
ونبلوكم بالشر والخير فتنة … هكذا والشر قبل الخير . ولا خير يدوم ولا شر يدوم .
موج كموج البحر يعلو ويهبط في دورات ودوائر لا تتوقف .
كانت استضعافا في مكة أولا ثم مدافعة في المدينة انتهت بالخندق ثم انتصارا وفتحا ومئات الآلاف يدخلون في دين الله .
ثم ردة حتى لم تبق إلا مكة والمدينة .
ثم انتصارات وفتوح حتى ظن بعضهم أن الأمر استتب تماما .
ثم مرحلة صراع بين المسلمين في الفتنة الكبرى قتل فيها علي ثم قتل الحسين وثمانين من أهل بيته وحارب الصحابة الصحابة حتى ظن بعضهم أنها النهاية لكن تلتها مرحلة خلافة سادت الدنيا .
ثم مرحلة استضعاف وخلافة سقطت وتتار سيطروا وظنوا أنهم قضوا على الاخضر واليابس حتى ظن الناس أنه آخر الزمان ويأجوج ومأجوج …
لا وجودك في زمان انتصار ميزة لك ولا وجودك فى أزمنة تراجع غضب من الله عليك إنما الميزة الوحيدة والرضا الكبير أن تظل على طريقك .
ليس المولود في زمان الرشيد بأفضل من المولود في زمان التتار .
بل ربما انصرف المولود في زمان الرشيد إلى نفسه وملذاته فخسر وأصبح من النادمين . وانصرف المولود في زمان التتار إلى أمته ودينه وفعل وسعه فأصبح من الفائزين .
عن سعد ابن أبي وقاص رضى الله عنه أن رجلا جاء الى الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال حين انتهى إلى الصف (اللهم ائتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين) قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: من المتكلم آنفا فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: إذن يعقر جوادك وتستشهد فى سبيل الله .
وعلى فكرة كان النبي صلى الله عليه وسلم حينها في المدينة وقد أقيمت الدولة .
وهكذا كانت سمية وزوجها ياسر على رأس القائمة المباركة لكن تلك القائمة لم تنته بالهجرة ولم تنته بفتح مكة وإنما أضيف إليها مصعب وحمزة والعشرات حول الرسول في أحد والرجيع وبئر معونة ثم العشرات من حفظة القرآن في حروب الردة والآلاف بعد ذلك في فتوح ومواجهات من زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا وقد طالت القائمة ولن تنتهي إلا بنهاية الدنيا والإستقرار كل في مكانه بين الفوز العظيم والبطش الشديد عند رب قادر فعال لما يريد .
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة:214].
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران:142].
المصدر
صفحة الأستاذ عمر المصري على منصة ميتا.