ما بين إمكانية توجيه الغرب ضربة عسكرية لإيران، وبين إحجامه عن ذلك وتلاعبه وتاريخه في التهديد والابتزاز ثم التراجع؛ تتراوح الرؤية.
مقدمة
تتصاعد أزمات الغرب مع إيران، ثم لا تلبث أن تهدأ وتنفثيء الفقاعات، وتنحسر الموجة عن تمدد إيراني وخسارة للعرب والمسلمين..!
وفي هذه الأيام هناك من التصعيد ما هو أكثر جدية من أي وقت مضى؛ لكن بالنظر الى “التفاهم” الغربي الإيراني في ملفات كبرى تخص قضايا الأمة كقضية العراق وسوريا واليمن؛ مع النظر الى التاريخ الإيراني الصفوي، والنظر الى التاريخ الإيراني القريب في العراق وسوريا، والنظر الى الطبيعة العقدية والنفسية للإيرانيين “الشيعة” يجعل الخيارات مفهومة والتصعيد معروف سقفه.
الأصل في نظرة الغرب لإيران
من يظن أن الأمريكيين والغرب قد يضربون إيران ضربة حاسمة؛ بحيث يجعلونها مهيضة الجناح أو عاجزة، هُم واهمون..
فلا فرصة للغرب مثل إيران، إنها فرصة ذهبية؛ حيث دولة طبيعية في المنطقة وليست مزروعة كإسرائيل، وهي مسلمة (كما تدعي)..!
وهي تبغض وتعادي كل المنطقة الإسلامية والعربية للخلاف العرقي والمذهبي والإرث الصفوي، مع توجهها الدموي واستعدادها لبيع كل القيم، مع وحشية مفرطة، وصلت الى الأكل من قلوب المقتولين من أهل السنة، بعد قتلهم بطريقة بشعة (في العراق)..
وهي تريد تفتيت كل المنطقة وتمزيقها بكل ما تستطيع لكي توجد فرصة لباطلها أن يجد له موطئا؛ إذ لا يعيش باطلها إلا في بيئة منحطّة، تماما كالصهيونية التي لا تعيش إلا في بيئات خربة وعقب المذابح والحروب والإخفاقات العظمى، وكما في حملات التنصير عندما تأتي للجوعى في المجاعات والحروب لابتزازهم لاعتناق باطلهم.
لو لم تكن إيران موجودة لتمنى الغرب وجودها، ولو استطاعوا إيجادها لفعلوا وسعَوْا في ذلك؛ فما بالك وهي تتلمظ على المنطقة وشعوبها وتبحث عن أعدائها للتفاوض والتعاون وتقسيم الذبيحة..؟
لا يمكن لعدو المنطقة أن يُضعف إيران أو يعجزها.. لكن يمكن أن يتلاعبوا في توازن القوى، ويقصقصوا بعض أجنحتها؛ لتوزيع الإرث وتقاسم النفوذ وتخصيص القطيع المراد ذبحه.. لا يعدو الأمر هذا.
يبدو العرب ـ بخيبة ـ سعداء بعد الإبتزاز والدفع، ويبدو الإيرانيون ـ بحق ـ سعداء وساخرين لأنهم وصلوا من القوة الى أن يجتمع كل هؤلاء، ويدفعوا كل هذا، ليحتموا منهم.
هذا يدل، لا على انتهاء التهديد، بل على تجديده وجديته وفرَح الإيرانيين والغرب به؛ فهذا مستفيد من تراكم القوة وزيادة النفوذ، وذاك يستفيد بعائد الحماية ووفرة الأموال وتوفر القواعد.
وبقي للعرب الضعف والتبعية والفقر وأنهم أصبحوا محل سخرية على كل المحاور، بكل ما تحمل هذه كلمة من دلالات وظلال وهجير ومذلة..
من ظن إمكانية ضربة تعجيزية حقيقية لإيران فهو واهم.. وكفى الناس أوهاما.
حالة توجيه ضربة محدودة
وهذا لا يمنع أن توجَّه الى إيران ضربة محدودة، ليس الهدف منها هزيمة ايران؛ وانما لكي يتحقق للأمريكان الأهداف التالية:
1) مزيد من ارتماء السعودية ودول الخليج في أحضان أمريكا ومزيد من ضخ أموال المسلمين لها وتقديم كل ما تريد لها.
2) تسريع إبرام “صفقة القرن الخاسرة” في ظل ظروف ساخنة تساهم في إنجاحها.
3) هدف شخصي للطاغوت الأحمق “ترامب” في صرف نظر الرأي العام الأمريكي عن فضائحه المالية وخياناته الانتخابية، ولكي يستخدم الحرب في تسويق نفسه في الانتخابات القادمة.
4) إرجاع ايران الى الخطوط الحمراء التي تجاوزتها.
خاتمة
يبقى ان نوقن بأن الله عز وجل هو الذي يدبر الأمر بعلمه وحكمته، وأنه القاهر فوق عباده، وأنه قد يخطط العباد أمورا فيغّيرها سبحانه الى غيرها؛ ومن يدري فلعل الحرب لو قامت بشكل محدود كما يريد لها مخططوها أن تخرج عن السيطرة فتأكل الأخضر واليابس، وهذه هي الحالة الثالثة المحتملة، وهذه طبيعة الحروب؛ كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه:
“باب الفتنة التي تموج كموج البحر”
حيث ذكر أبيات “امرئ القيس”:
الحرب أول ما تكون فتيـــــــة تسعى بزينتها لكل جهول
حتى اذا اشتعلت وشب ضرامها ولّت عجوز ا غير ذات حليل
شمطاء ينكَر لونهـــــــا وتغيرت مكروهـــــة للشم والتقبيل
وعندها تتحقق سنة الله عز وجل في عقوبة الظالمين والمفسدين والمنافقين؛ قال الله عز وجل ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (الأنعام: 112)
نسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يدبر لهذه الأمة أمر رشد يعز بهاه أهل الطاعة ويُذَل به أهل المعصية.
………………………………………….