(الْوَاحِدُ ، الأَحَدُ): المتفرّد بمعاني الكمال ؛ فليس له مثل في ذاته ، ولا نظير في صفاته ، ولا شريك في أفعاله ؛ ولهذا فإنّه المستحقّ وحده لجميع معاني الإخلاص ؛ فلا شريك له ولا ندّ في عبادة ظاهرة أو باطنة.
من أسماء الله الحسنى: (الواحد، الأحد)
فأما اسمه: (الواحد) فقد ورد في أكثر من عشرين موضعًا في القرآن ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: 16]. وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: 51]، وقوله تعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].
وأما اسـمه: (الأحد) فقـد ورد مرة واحـدة في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]. وكذلك جاء في السنة في قوله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي دعا بهذا الدعاء: «اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحـد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كـفوًا أحد»، فقال الرسـول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لقد سأل باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)1أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان.
المعنى اللغوي:
(الواحد والأحد) وإن كان اشتقاقهما واحدًا وبينهما معان مشتركة إلا أن بعض العلماء قد فرق بينهما؛ وذلك من الوجوه التالية:
الأول: أن الواحد اسم لمفتتح العدد، فيقال: واحد واثنان وثلاثة.
أما (أحد) فينقطع معه العدد فلا يقال: أحد اثنان ثلاثة.
الثاني: أن (أحدًا) في النفي أعم من (الواحد). يقال: ما في الدار واحد، ويجوز أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو أكثر. أما لو قال: ما في الدار أحد فهو نفى وجود الجنس بالمرة، فليس فيها أحد ولا اثنان ولا ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.
الثالث: لفظ (الواحد) يمكن جعله وصفًا لأي شيء أريد، فيصح القول: رجل واحد، وثوب واحد، ولا يصح وصف شيء في جانب الإثبات بأحد إلا الله الأحد: [قل هو الله أحد] فلا يقال: رجل أحد ولا ثوب أحد2(2) انظر المنهج الأسنى 1/99..
معنى الواحد الأحد في حق الله تعالى
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «(الأحد): المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية»3(3) بدائع الفوائد 1/146..
ويقول أيضًا: «في (الأحد) نفي لكل شريك لذي الجلال»4(4) زاد المعاد 4/181..
و(الواحد والأحد) هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر المتفرد في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلـهيته، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «(الواحد الأحد) هو الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، وجلال وجمال، وحمد وحكمة، ورحمة وغيرها من صفات الكمال؛ فليس له فيها مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في حياته وقيوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله وجماله وحمده وحكمته وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته من كل صفة من هذه الصفات، فيجب على العبيد توحيده عقلاً، وقولاً، وعملاً بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة»5(5) انظر تفسير السعدي 5/486، وانظر بهجة قلوب الأبرار ص 165..
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء: (الرب) – تبارك وتعالى – فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة (بالرب) تبارك وتعالى»6(6) انظر المنهج الأسنى 1/99..
ما معنى وحدانية الله عز وجل؟
إنها تعني التوحيد بأنواعه الثلاثة:
1- توحيده سبحانه في ذاته وصفاته.
2- توحيده سبحانه في ربوبيته.
3- توحيده سبحانه في ألوهيته.
وفي ذلك يقول الدكتور الأشقر رحمه الله تعالى: (وتتجلى وحدانية الله تعالى فيما يأتي:
أولاً: في ذاته وصفاته
فالله لا مثيل له ولا نظير له، لا في ذاته ولا في صفاته؛ ولذلك فإنه – تعالى وتقدس – لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، كما قال عزَّ من قائل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1 – 4].
وهذه السورة الكريمة العظيمة عرفت العباد بربهم، وقد أنزلها رب العباد، جوابًا لأهل الشرك والعناد، الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين منه أن ينسب لهم ربّه.
وقال ابن جرير الطبري في تفسير هذه السورة: «قل يا محمد لهؤلاء السائلين عن نسب ربك، وصفته، ومَنْ خلقه: (الرب) الذي سألتموني عنه، هو الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلا له، ولا تصلح لشيء سواه»7(7) الطبري 30/343..
وقال القرطبي: «نزلت هذه الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك، أمِن ذهب هو؟ أم من نحاس أم من صُفْر؟ فقال الله ردّا عليهم: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾»8(8) القرطبي 20/246..
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد انسب لنا ربك فأنزل الله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾9(9) ابن كثير، تفسير سورة الإخلاص. .. والذين ينسبون إلى الله الولد جاؤوا بجريمة نكراء، كادت السماوات لعظمها أن تتفطر، والأرض أن تتشقق، والجـبال أن تخرَّ هدّا، إن الله سبحانه واحد أحد لا يليق به أن يتخذ ولدًا، فالكل تحت ملكه وقهـره، وجـميعهم يأتون الرحـمن يوم القيامة خاضعين، لا يتخلف منهم أحد، فقد أحصاهم وعدهم عدًا، وكلهم آتيه يوم القيـامة فـردًا: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 88 – 95]. وكيف يكون له سبحانه ولد وقد خلق كل شيء: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 101].
ووحدانيته تعالى في صفاته، تدل على أنه لا مثيل له في رحمته ولا في عزته، وجبروته، وملكه، وقدرته، ورزقه، وعلمه، وغيرها من صفاته.
فالله متفرد في صفاته، والذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، أو صفات المخلوق بصفات الخالق لم يوحدّوا ربهم – تبارك وتعالى – وأشركوا مع الله غيره.
وقد ضل الذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يشبه الله بخلقه، فالله واحد متفرد في صفاته، وصفاته مخالفة لصفات المخلوقين، مثله في ذلك مثال ذاته، فهي مخالفة لذوات المخلوقين.
والذين نفوا عن الله صفاته بدعوى أن إثباتها يؤدي إلى التشبيه شبهوا الخالق بالعدم، فالذي تُنفى عنه الصفات معدوم، ولذلك قال أهل العلم من سلفنا: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، ومرادهم بالمعطل نفاة الصفات.
ثانيًا: وحدانيته تعالى في ربوبيته
فهو سبحانه وحـده الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء من السـماء، وأنبت به جنات الأرض التي تبهـج النفوس وتسرها: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل: 59 – 60].
وقد أنكر الله على الذين اتخذوا أربابًا من دونه في قوله: ﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [يوسف: 39]. وقال مقررًا وحدانيته: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: 16].
ثالثًا: توحيده في ملكه
ومن توحيد الربوبية: توحيد الله في ملكه، يقول الشيخ حافظ حكمي: «(الأحد الفرد) وهو أحد في ربوبيته فلا شريك له في ملكه، ولا مضاد، ولا منازع ولا مغالب، فكما أنه (الأحد الفرد) في ذاته وألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته فهو المتفرد في ملكوته بأنواع التصرفات، من الإيجاد والإعدام، والإحياء والإماته، والخلق والرزق، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال، والإسعاد والإشقاء، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والوصل والقطع، والضر والنفع، فلو اجتمع أهل السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهما على إماتة من الله محييه، أو إعزاز من هو مذله، أو هداية من هو مضله، أو إسعاد من هو مشـقيه، أو خفض من هو رافعـه، أو وصل من هو قاطعه، أو إعطاء من هو مانعه، أو ضر من هو نافعه، أو عكس ذلك لم يكن ذلك بممكن في استطاعتهم، وأنى لهم ذلك والكل خلقه وملكه وعبيده وفي قبضته وتحت تصرفه وقهره، ماض فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه، نافذة فيهم مشيئته، لا امتناع لهم عما قضـاه، ولا خروج لهـم من قبضته، ولا تتحرك ذرة في السماوات والأرض ولا تسكن إلا بإذنه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن»10(10) معارج القبول 1/136..
رابعًا: وحدانيته في ألوهيته
فالله هو المعبود الحق الذي يستحق العبادة دون سواه، وكل من عبد معه إلهًا آخر يدعوه، ويستعين به، ويستغيث به، فقد أشرك غيره معه في ألوهيته: ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 19]. وقال: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: 51]، وقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: 110]، وقال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31].
ووحدانية الله أخص خصائص ألوهيته، والإقرار بالألوهية أعظم أنواع العبادة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ونقيض الوحدانية الشرك، وهو أعظم جريمة يرتكبها البشر، ولعظمها فإن الله لا يغفر لأحد مات على شركه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116].
ولما كان المشرك ذنبه غير مغفور، فإن الله حرّم عليه الجنة، وهو خالد في النار لا يخرج منها أبدًا: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72]. ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 40].11(11) انظر: شرح الأسماء الحسنى د. عمر الأشقر (228 – 232)..
وقد جاء في السنة الصحيحة في كثير من أذكار اليوم والليلة والمناسبات الشرعية الحث على الأذكار التي فيها توحيده سبحانه لا شريك له. ومن أفضلها، وأعظمها، وأشرفها ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)12(12) الترمذي في الدعوات باب الدعاء يوم عرفة، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2837)..
وقد جاء الحث على هذا الدعاء دبر الصلوات، وفي أذكار الصباح والمساء، وعند الانتباه من النوم، وعند الدخول للسوق، وفي السعي للحج عند الصفا والمروة، وغيرها من المناسبات.
ذكر الأسماء الحسنى التي ورد ذكرها مقترنًا باسم (الواحد أو الأحد)
ورد اقتران اسـم الله (الواحد) باسمه سبحانه (القهار) في أكثر من آية من ذلك:
– قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: 16].
– وقوله تبارك وتعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].
– وقوله تعالى: ﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: 4].
ولم أعثر على اسم آخر في كتاب الله – عز وجل – قد اقترن باسمه سبحانه (الواحد) غير اسمه (القهار).
(والقهار): اسم مبالغة (للقاهر) وهو الذي خضع له كل شيء، وذل لعظمته وجبروته وقـوته كل شيء، لا يخرج شيء ولا حي عن قدرته وتدبيره وملكه وقهر كل الخلق بالموت وهذا يفسر – والله أعلم – شيئًا من سر اقتران اسمه (الواحد) باسمه (القهار). حيث إن من موجبات اسمه (الواحد) في ربوبيته وملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته أن يكون قاهرًا قهارًا غالبًا لكل شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وما من دابة إلا هـو سبحانه آخـذ بناصيتها ماض فيها حكـمه عدل فيها قضاؤه: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: 56]، وكونه تعالى (الواحد) يقتضي كونه (القهار).
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «ووحدته تعالى وقهره متلازمان. فالواحد لا يكون إلا قهارًا، والقهار لا يكون إلا واحدًا وذلك ينفي الشركة من كل وجه»13(13) تفسير السعدي 4/308..
ويقول أيضًا: «فإن القهر ملازم للوحدة فلا يكون اثنان قهاران متسـاويين في قهرهما أبدًا. فالذي يقهر جـميع الأشـياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده كما كان قاهرًا وحده»14(14) تفسير السعدي 4/299..
«كما يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع: وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعُددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحد أحد فرد صمد مستغن عن الظهير والمعين. فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره»15(15) انظر مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام د.نجلاء كردي ص 492..
أما اسمه سبحانه (الأحد) فقد جاء في سورة الإخلاص مع اسمه سبحانه (الصمد) فقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: 1، 2] كما جاء أيضًا مقترنًا (بالصمد) في السنة الصحيحة: (اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد… » الحديث16(16) أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان..
(والصمد): هو الذي تقصده وحده الخلائق كلها وتصمد إليه في حاجاتها، وأحوالها، وضروراتها لما له سبحانه من الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. وهذا يفسر اقتران اسمه سبحانه (الصمد) باسمه سبحانه (الأحد) لأن من معاني (الأحد) الكامل المطلق المتفرد في ذاته وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وربوبيته، وإلهيته، ولا يصدق اسم (الصمد) إلا على من هذه صفاته (الواحد الأحد) سبحانه وتعالى.
من آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين
إفراد الله بالربوبية والإلهية
أولاً: إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين هو إفراده – سبحانه وتعالى – بالربوبية والإلهية وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته وتوحيده بأفعال عباده. فكما أنه واحد في ربوبيته – حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء – فهو واحد في ألوهيته فلا إله إلا هو وحده لا شريك له. وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ويتحقق إفراده – عز وجل – بجميع أنواع العبادة، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه. وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له. ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله – عز وجل – ولا يستغيث، ولا يستعين، ولا يستعيذ إلا بالله وحده، ولا يخاف، ولا يرهب، ولا يشفق إلا من الله وحده، ولا يتوكل إلا عليه وحده.
والمقصود أن من موجبات الإيمان باسمه (الواحد، الأحد) إفراده سبحانه وحده بالتأله، والدعاء، والمحبة، والتعظيم، والإجلال، والخوف، والرجاء، والتوكل وجميع أنواع العبادة.
وهذا يقتضي إفراده – عز وجل – بالحب والولاء؛ قال سبحانه: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأنعام: 14].
تعلق القلوب بالله الواحد الأحد
ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء. وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم؟ وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير، وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا هو الله – عز وجل – ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.
قال الله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 29].
يعلق سيد قطب – رحمه الله تعالى – على هذه الآية فيقول: «يضرب الله المثل للعبد الموحد، والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضًا فيه، وهو بينهم موزع؛ ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف؛ وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق؛ ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح»..
«هل يستويان مثلاً؟»..
إنهما لا يستويان. فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين. وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق. والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحدًا منهم فضلاً على أن يرضي الجميع!
وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى؛ لأنه يعرف مصدرًا واحدًا للحياة، والقوة، والرزق، ومصدرًا واحدًا للنفع والضر، ومصدرًا واحدًا للمنح والمنع، فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد، يستمد منه وحده، ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته. ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره. ويخدم سيدًا واحدًا يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه.. وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد ، فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء.. ويعقب على هذا المثل الناطق الموحي، بالحمد لله الذي اختار لعباده الراحة والأمن والطمأنينة والاستقامة» أهـ17(17) في ظلال القـرآن: 5/3049..
وإذا وجه العبد حياته كلها لتحقيق هذا الهدف العظيم، ألا وهو عبادة الله وحده، فإنه يخضع كل شيء في حياته لهذا الهدف، وإنه بذلك يحفظ وقته وعمره من أن يضيع في غير هذه الغاية فيشح بوقته النفيس وأنفاسه المعدودة من أن تضيع سدى، بل يشغل جميع أوقاته ودقائق عمره فيما يعود عليه بالنفع في آخرته من عمل صالح ، أو دعوة إلى الله أو جهاد في سبيله، ويتحسر على فوات الدقائق من عمره أعظم من تحسره على فوات الدنيا بأسرها؛ لذلك فهو يغتنم ويهتبل نعمة الفراغ والصحة، والمال، والشباب باستعمالها في طاعة الله – عز وجل – قبل فواتها، وحتى أوقات راحته واستجمامه ومتعته ينويها عبادة لله – عز وجل – ليتقوى بها على طاعة أخرى بعد إجمام النفس ونشاطها.
إفراد الله – عز وجل – بالتشريع والتلقي
ثالثًا: إفراد الله – عز وجل – بالتشريع والتلقي: فإن الإيمان بوحدانية الله – عز وجل – وأحديته توجب توحيده في الحكم والتحاكم والتلقي.
قال – عز وجل -: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ [الأنعام: 114]، وقال الله تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 106].
فمصدر التشريع والتلقي هو الله وحده. وكل تكليف يوجه إلى الإنسان يجب أن يكون في إطار ما شرعه الله – عز وجل – في كتابه الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)18(18) مسلم (1718). فلا يملك أحد من العباد أن يزيد أو ينقص أو يبدل في شرع الله – عز وجل – ما لم يأذن به الله تعالى.
الهوامش
(1) أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان.
(2) انظر المنهج الأسنى 1/99.
(3) بدائع الفوائد 1/146.
(4) زاد المعاد 4/181.
(5) انظر تفسير السعدي 5/486، وانظر بهجة قلوب الأبرار ص 165.
(6) انظر المنهج الأسنى 1/99.
(7) الطبري 30/343.
(8) القرطبي 20/246.
(9) ابن كثير، تفسير سورة الإخلاص.
(10) معارج القبول 1/136.
(11) انظر: شرح الأسماء الحسنى د. عمر الأشقر (228 – 232).
(12) الترمذي في الدعوات باب الدعاء يوم عرفة، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2837).
(13) تفسير السعدي 4/308.
(14) تفسير السعدي 4/299.
(15) انظر مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام د.نجلاء كردي ص 492.
(16) أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان.
(17) في ظلال القـرآن: 5/3049.
(18) مسلم (1718).
اقرأ أيضا
كيف يكون الإيمان بالأسماء والصفات
شرح أسماء الله الحسنى (1) [الله جل جلاله]