على المسلمين جميعاً أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز، وبه يحصل النصر، وبه تستقيم البلاد، وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين لا يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم.

أين ملة إبراهيم؟!

يجب على جميع المسلمين أن يكون لهم أسوة بإبراهيم الخليل ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 27].

وعلينا أن نرجع إلى عقيدتنا وديننا ونمتثل أمر الله عز وجل في حكمه في الكفار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123]، وقال تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5].

وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعياً شديداً، ويحرصون كل الحرص، على إبعاد المسلم عن دينه حسداً من عند أنفسهم، فإن لم ينتبه الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين لا ينفع، وسوف يجني ثمرة فعله، «ومن لم يغزُ غُزِيَ».

ونشكوا إلى الله ما حلَّ بنا في هذا العصر الغريب! فقد انقلبت الموازين؛ فأصبح الكثير يتعاملون مع الأسماء دون المسميات! ومع الدعاوي دون البينات! فعدو الله الذي يحارب الدين ليلاً ونهاراً سرًّا وجهاراً قد صار مؤمناً موحداً عند الجهال المغفلين وأهل الشهوات! بدعوى أنه يتلفظ بالشهادتين! وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جنديًّا من جنود إبليس، وحرباً على هذا الدين بالنفس والمال؟! فالله المستعان!.

حقيقة التوحيد

إن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، والعبادة هي توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية، والعبادة هي التي تجمع غاية الحب والذل والانقياد وإثبات صفات الكمال لله تعالى.

ولا يتم لأهل التوحيد توحيدهم حتى يحبوا في الله ويعادوا في الله وحتى يعتزلوا أهل الشرك والكفر ويعادوهم ويتبرؤوا منهم.

وكثيرٌ من الناس ينجوا من الشرك، ويحب أهل التوحيد، ولكنه لا يتبرأ من أهل الشرك، ولا يترك مناصرتهم ومعاونتهم، وهذا ضلالٌ عظيم وجهلٌ بمعنى لا إله إلا الله، فإن هذا النفي فيه براءةٌ من الشرك وأهله وعداوتهم وبغضهم.

وواجب المسلمين معرفة هذا وفهمه، والتعرف على الغاية من وجودهم وخلقهم، وأنه لا يتم الإسلام بدون الولاء لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، والبراءة من الكافرين.

وأكبر المقاصد وأعظم المصالح: إقامة توحيد الله في أرضه، وإخراج العباد من عبادة غير الله إلى عبادة الله، وهذا لا يكون بدون الانقياد للشريعة والالتزام بالدين وتكفير الكفار والبراءة منهم.

ونحن نريد من أمة الإسلام فهم التوحيد بمفهومه الواسع المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته، وتطبيقه في أرض الواقع والجهاد في سبيل الله، فالتوحيد بيانٌ للناس وهدىً ورحمةٌ للعالمين ونجاةٌ من عذاب الله، والجهاد للذين يقفون في وجه الحق ويحولون بين الناس وبين دينهم الحق، قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: 39].

الولاء والبراء: بابٌ من أبواب التوحيد وأصلٌ من أصول ملة إبراهيم

إن الله يأمر عباده بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، إن هذا والله بابٌ من أبواب التوحيد وأصلٌ من أصول ملة إبراهيم، ومن عرفه وقام به وجد لذته وحلاوته، وتقطع قلبه حسرات على تفريطه فيه.

وحذاري حذاري من موالاة البغيض لشهوةٍ في النفس، ومعاداة الولي لأمورٍ دنيوية.

إن الذين يناصرون الكفار على المسلمين ويعينون الصليبيين على الموحدين ويطاردون المؤمنين لصالح الكافرين، ما هم بمسلمين! ما هم بمسلمين! ما هم بمسلمين! وينبغي ألا يختلف في ردتهم! فإن الذي يقومون به يناقض أصل الإيمان ولا يجتمع معه، فالكفار يقاتلون المسلمين من أجل دينهم ولأجل إحلال الشرك محل التوحيد والقوانين الوضعية محل الشريعة الإلهية، والذين يعينونهم على هذا يعدون خونة ومرتدين، ولا يشترط لهذا استحلالهم ولا محبتهم للكفار، فهذه أقاويل المرجئة والجهمية، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة:81]. وقد قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في المحلى: (صح أن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:51] إنما هو على ظاهره، بأنه كافرٌ من جملة الكفار، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين)1(1) المحلى (13/35)..

وقد سمى الله في كتابه المعين للكفار على المسلمين منافقاً ومريض القلب وفاسقاً، وجعله منهم، وقال عمن يتولى الكافرين: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [التوبة: 5]، وهذا يعني: أن من يتخذ الكافرين أولياء وأنصاراً وأعواناً، فإنه خارجٌ عن شريعة الله، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: 28].

الولاء للدين وليس للأرض واللون والنسب

والحدود الجغرافية العصرية لا تمنع عن موالاة المؤمنين؛ فمن كان منهم بالمشرق أو المغرب، تعينت محبته ونصرته ومعونته، ومن كان من المجرمين وأعداء الدين بجوار بيتك، تعين بغضه.

والذين يجعلون من الحدود الجغرافية أو اللون أو النسب أو اللغة ولاءً وبراءً، هؤلاء قوم لا يعلمون!

والولاء للدين وليس للأرض واللون والنسب! فسلمانٌ فارسي، وصهيبٌ رومي، وبلالٌ حبشي! وهم من سادات الصحابة وعظماء المسلمين، فمن أحبهم، فلحبه لله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحبهم، ومن أبغضهم، فلبغض الحق أبغضهم.

أفعال لا تجوز في حق الموحدين

ولا يجوز اتخاذ الكفار أصدقاء ولا جلساء، ولا إفساح الطريق لهم، ولا بدؤهم بالسلام، ولا تصديرهم في المجالس، ولا عيادتهم في أيام أعيادهم، ولا الهدية لهم، ومن يفعل ذلك، فقد أتى بذنبٍ كبير.

وواجب المسلمين الاعتزاز بدينهم، والحذر من مجالسة الكفار والتشبه بهم، فإن المشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى بأن: (تهنئة الكفار بشعائر الكفر المختصة بهم، حرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: (عيدٌ مبارك عليك)، أو: (تهنأ بهذا العيد)، ونحوه، فهذا إن سَلِمَ قائلُه مِن الكُفر فهذا من المحرمات، وهو بمنزلة أن يُهَنِّئَه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله!)2(2) أحكام أهل الذمة (1/144 – 244)..

الإخلاص في الولاء والبراء

والولاء والبراء لا يكون محبوباً إلى الله ولا مقرِباً إليه حتى يكون خالصاً لله لا رياء فيه ولا سمعة، وحتى يكون صواباً موافقاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وكثيرٌ هم الذين يوالون للمنصب والجاه، ويعادون للمنصب والجاه، فيوالون الرجل الفاجر لمنصبه، ولا يوالون الرجل الصالح لقلة منصبه وجاهه، وحين يرون صاحب المنصب ولو كان فاجرا، يقومون له، ويستقبلونه بحفاوةٍ وترحيب، وحين يدخل عليهم من لا جاه له، ولو كان رجلاً صالحا، يسلمون عليه وهم جلوس بأطراف الأصابع!

أما والله ما هؤلاء بالصالحين ولا مصلحين! وسيعلمون حين يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور أنهم في ضلالٍ مبين.

وكثيرٌ هم الذين يلتمسون العذر للحبيب ويحملونه على البغيض، لا تجعل ولاءك ولا براءتك إلا لله، وأخلص لله، وجاهد نفسك لله، واحذر الهوى، ولا تجعل للشيطان عليك طريقا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب). رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة.

المسلم يحب من أحب الله، ويبغض من أبغض الله

ولا يجتمع في القلب حب الله وحب أعداء الله، فمن أحب الله، وجب عليه معاداة أعداء الله، ومن والى أعداء الله وناصرهم ووقف في صفهم وعادى المؤمنين في سبيل الدفاع عنهم، فما صدق في محبة الله!

قال الله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22] الآية.

والعبد إما أن يكون عبداً لله موالياً له ولدينه، وهذا من حزب الله، ومن أهل ولاية الله، وإما أن يكون عبداً للدنانير والدراهم، موالياً لأعداء الله، وهذا من حزب الشيطان.

وحزب الله يقفون تحت راية الحق، يحبون من أحب الله، يبغضون من أبغض الله، وحزب الشيطان يقفون تحت راية الباطل وراية الطغيان والظلمة والمفسدين في الأرض، يحبونهم، ويدافعون عنهم، ويموتون من أجلهم وفي سبيل موالاتهم والحفاظ على بقائهم!

وهؤلاء سيحشرون معهم يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: 22]. أي: أعوانهم وأنصراهم وأشباههم ونظرائهم.

فمن لم يتبرأ من الطغاة ويفارقهم، كان معهم يوم القيامة، والمرء مع من أحب ووالى وحاما عنه وجالسه وعادى من عاداه، وحين يؤذن مؤذِّنٌ يوم القيامة: (لتتبَعْ كلُّ أمَّةٍ ما كانت تعبُدُ ، فلا يبقَى أحدٌ كان يعبُدُ غيرَ اللهِ من الأصنامِ والأنصابِ إلَّا يتساقطون في النَّارِ … حتَّى إذا لم يبقَ إلَّا من كان يعبدُ اللهَ من بَرٍّ وفاجرٍ أتاهم اللهُ في أدنَى صورةٍ من الَّتى رأَوْه فيها ، قال فما تنتظرون ؟ تتبعُ كلُّ أمَّةٍ ما كانت تعبدُ ، قالوا : يا ربَّنا ! فارقنا النَّاسُ في الدُّنيا أفقرَ ما كنَّا إليهم…)3(3) متفقٌ عليه من حديث أبي سعيد الخدري. الحديث.

فهؤلاء أهل التوحيد، يخبرون عن أنفسهم أنهم فارقوا الكفار وأعداء الدين، ولم يصاحبوهم في الدنيا وكانوا أفقر ما يكونون إليهم.

وأفاد هذا أكثر من معنى:

أهمها: ضرورة مفارقة المسلمين للكافرين، وهذا أمرٌ يحاج به الموحدون يوم القيامة ربهم، ويستدلون به على أنهم ليسوا منهم، فلا يتبَعون الكافرين.

وفيه: خطورة مصاحبة الكافرين ومجالستهم.

التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

والذين يطيعون الحكام ولا يطيعون الله ورسوله، ويلتزمون بالقوانين الوضعية ولا يلتزمون بالكتاب والسنة، ما هم على شيء!

والشريعة الإسلامية هي الحاكمة على الإطلاق والعموم على كل العالمين المكلفين، والموضوعة لإخراج العباد من عبادة الذات والهوى والشياطين والطواغيت الناطقة والصامتة إلى عبادة الله، وهذا أصلٌ لا يُختلف فيه، وهو أعظم مقاصد الشريعة، وهو أصل الدين وأساسه، ولا نجاة للعبد دون اعتقاده وتحقيقه في أرض الواقع والانقياد لذلك.

الحكام

  1. والحكام الذين قد بدلوا شريعة الله، وناصروا الكفار على المسلمين، ليسوا على شيء، وتجب البراءة منهم، والذين يحبونهم ويوالونهم ويدافعون عنهم، خونةٌ ملبسون.
  2. والذين لا يفرقون بين المسلمين وبين اليهود والنصارى والمشركين، ويسعون جاهدين لتذويب الفروق، ما هؤلاء بمسلمين ولو قالوا في اليوم ألف مرةٍ: لا إله إلا الله.

وقد كذبوا على الله، وأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، ولم يكفروا الكافرين وأصحاب الجحيم.

إن الإسلام توحيدٌ لله وإفرادٌ له بالعبادة، وإيمانٌ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، والتزامٌ بما جاء به، واليهودية والنصرانية شركٌ بالله وتثليثٌ وكفرٌ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.

والفروق بين المسلمين وبين الكافرين مقطوعٌ بحكمها فلا تتغير بتغير الأزمان، فمن أراد تذويب الفروق بين الأديان فقد أراد التسوية بين التوحيد والشرك والإيمان والكفر وبين أهل الجنة وأهل النار، قال الله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36].

  1. وأي دينٍ وأي خيرٍ في من يمنع العلماء من تبليغ دين الله، ويأذن للعلمانيين من تبليغ وحي الشياطين!

وأي دينٍ وأي خيرٍ في من يمنع المدارس الدينية وعلوم الشريعة الإلهية، ويأذن بمدارس الماسونية وصالات الرقص والغناء!

  1. وأكبر خيانةٍ للإسلام وجريمةٍ في التاريخ أن يكون الدفاع عن ديار المسلمين والمستضعفين من المؤمنين جريمةً موجبةً للمحاكمةِ والحبس الطويل، ويكون هذا باسم الدين!
  2. وكثيرٌ من المشايخ والجماعات يتركون مناصرة المسلمين ومعونتهم والقيام بعقيدة الولاء والبراء، نأياً بأنفسهم وجماعتهم عن وصفهم بالإرهاب والتطرف! والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين!

ومن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.

الكفر بالطاغوت

  1. والحكم بغير ما أنزل الله جريمةٌ عظيمة وخيانةٌ للدين والمسلمين، وخروجٌ على الشريعة، فالتبديل وتشريع الأحكام بما لم يأذن به الله: كفرٌ أكبر بالاتفاق.

وكل من بدل شريعة الله وحكم بالقوانين الوضعية، فهو طاغوت، يجب الكفر به والبراءة منه.

  1. ومتى لم يجهر أهل الحق بعقيدتهم وبراءتهم من الطواغيت ولم يفاصلوا أعداء الدين، لم يحصل التمايز والفتح، وقد جرت سنة الله أنه لا يظهر حقٌ ولا ينتصر المسلمون دون أن يجهر الموحدون بالعقيدة ويثبتوا في وجه الطاغوت ويعلنوا مفاصلتهم لأعداء الدين من علمانيين وطواغيت مبدلين لشريعة الله ورافضةٍ مكذبين بالقرآن ومشركين بالله رب العالمين ومكفرِّين لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
  2. ومفاصلة أعداء الله والمحاربين لشريعته فرضٌ على كل مسلم ومسلمة، وهذا من الكفر بالطاغوت، ومن ضيعه فقد ضيع أصل الدين.

علماء السوء

  1. وقد قال الله جل وعلا: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ [هود: 113].

وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من الذين يدخلون على الأمراء الظلمة ويصدقونهم بكذبهم ويعينونهم على ظلمهم، فقال: (لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ)(4).

والذين يمدحون المبدلين لشريعة الله ويطعنون في الذين يعادونهم، شرٌ من الذين يدخلون على الأمراء الظلمة وأضل سبيلا.

وكل من مدح المبدلين لشريعة الله والمناصرين للكفار على المسلمين والمنظمين للفسق والربا، فهو محادٌ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

  1. وآفة المنتسبين للعلم حين يفسدون أنهم يكونون أداةً للطواغيت والعلمانيين في قلب الحقائق ولبس الحق بالباطل، باسم أنهم رجال علمٍ ودكاترة، وهذا داءٌ كبير يُبتلى به الذين لا يعرفون قدر هذا الدين ونعمة الهداية والثبات.
  2. وتهنئة المعروفين بتبديل شريعة الله ومناصرة الكفار على المسلمين بالمناصب والرياسات ومدحهم والثناء عليهم في الصحف وعلى المنابر، بليةٌ عظيمة ومصيبةٌ كبيرة وإثمٌ كبير وخيانةٌ للدين وغشٌ للمسلمين وتلبيسٌ على العالمين.

ومثل هذا: صلاة الحاضر أو الغائب على الهلكى من هؤلاء الطغاة، وهذه موبقةٌ كبيرة ورقةٌ في الدين والتوحيد، وقد يكون هذا عن جهل أو لا مبالاة أو عن بدعةٍ وإرجاء أو عن إيمانٍ بالطاغوت أو عن هوى وشهوةٍ ومحبةٍ للدنانير والدراهم.

وهؤلاء يوعظون ويذكرون بالله وينذرون، فمن استجاب منهم وكف عن مدح الطغاة وأعداء الإسلام والفجرة، كان أزكى لنفسه، فقد قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9-10].

وإن لم يستجب وآثر الطغيان والضلال والوقوف في صفوف المجرمين والمفسدين، وجب هجره؛ ليعرف المسلمون عظيم جنايته وكبير ذنبه، ويحصل بذلك زجرهُ وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله.

ويجوز بيان حاله والتحذير منه، بل هذا مشروع، وهو من جنس الجهاد في سبيل الله.

ومتى سُكت عن هؤلاء فإنهم يُفسدون الدين والقلوب، وقد قيل للإمام أحمد رحمه الله: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك؟ أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: (إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين).

وكل من أظهر المنكرات وأعلن بالباطل، وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبةٌ في هذا، وإذا اقتضت المصلحة هجر السلام عليه وترك الرد عليه، كان هذا سائغاً محمودا.

  1. وبعض العلماء يحرفون أدلة الولاء والبراء؛ لرفع الحرج عن النفوس والتهمة الموجهة إليهم، ولو أنهم اعتذروا بالضعف أو غيره عن القيام به ولم يحرفوا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، لكانوا في ستر ولم يكونوا شماتةً للعالمين، وصورةً سيئة للعلماء المؤتمنين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
  2. وضعيف اليقين والبصيرة وهش الدين والعقيدة، يلين لغير الحق، ويتنازل للطغاة والخونة؛ رجاء إبقائه في منصبه، أو ترقيته في وظيفته، وقد صبر قومٌ على النار والحديد وماتوا في السجون، فصاروا أئمةً للمسلمين، وتنازل قومٌ عن الحق، فصاروا أعواناً للشياطين.

الهوامش

(1) المحلى (13/35).

(2) أحكام أهل الذمة (1/144 – 244).

(3) متفقٌ عليه من حديث أبي سعيد الخدري.

(4) رواه أحمد والترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة بسندٍ صحيح.

المصدر

كتاب: «التبيان شرح نواقض الإسلام» للشيخ سليمان بن ناصر العلوان.

اقرأ أيضا

التوحيد مفتاح دعوة الرسل

تعددت الأصنام والشرك واحد

حدود الولاء المكفر .. حفظا للأمة ومنعا للغلو

حكم مظاهرة الكفار على المسلمين إذا كانت للدنيا

التعليقات غير متاحة