قلوب الناس كالأرض المتجاورة، ينزل علي الأرض الماء وعلى القلوب العلم؛ فيختلف التعامل والثمر، وينزل البلاء والقدَر فيختلف التعامل والثمر؛ ومن ثم يجب النظر الى أحوال الناس في التعامل مع البلاءات والأقدار.

مقدمة

سؤال: هذه النوازل والفتن والمصائب التي تقع بقدَرٍ من الله سبحانه؛ ما أحوال الناس معها وما أقسامهم فيها..؟ ومِن أي قسم نحن؟

والجواب: إن المتأمل لنصوص الوحيين الكتاب والسنة يجد أنها قسمت الناس في هذه الفتن إلى خمسة أقسام ، فتأملها  بقلبك، وتدبرها بفكرك؛ لتعرف مِن أيها أنت:

أصناف الناس عند البلاء

من زاد عناده

القسم الأول: من لم تزده هذه النوازل و الفتن إلا عناداً ومعصية و بُعداً عن الله، وفي مثل هؤلاء يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 60].

المنقلب على عقبيه

القسم الثاني: مَن كانوا  قبل الفتنة يعبدون الله على حرف؛ حتى إذا جاءت هذه النازلة أو الفتنة انقلب على عقبه، وانحرف في عبادته أو في تصرفاته أو في سلوكه. وفي مثل هؤلاء يقول الله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج:11].

التائب الغدار..!

القسم الثالث: مَن تعيدهم هذه النوازل و الفتن إلى ربهم، و تذكرهم بخالقهم، فيتوبوا إلى الله ويقلعوا عما كانوا عليه؛ حتى إذا ما انقضت المحنة و زالت الغمة عادوا إلى حالهم أو أشد؛ وفي مثل هؤلاء يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس 22-23].

تائب الى خير وكمال

القسم الرابع: من تعيده الفتن إلى ربه، و يتوب إلى بارئه، و يخلص قلبه بتوبة نصوح، تلازمه وقت الفتن و تبقى معه بعد زوالها بل ربما ازداد إيمانا و عملاً صالحاً، وفي مثل هؤلاء يقول تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة:118].

المصلحون العابدون على مختلف الأحوال

القسم الخامس: هم خير الأقسام عند الله، وأحبهم اليه وأقربهم منه ـ نسأل الله الكريم أن يجعلنا وإياكم ووالدينا منهم ـ  وهم من كانو قبل الفتنة وأثنائها وبعدها على ما يرضي الله سبحانه، ولما جاءت النوازل والمصائب لم تغيّرْه ولم ينتكس على عقبيه،  بل كانوا في جميع أحوالهم  في حال قربٍ من الله؛ صالحون مصلحون، مشتغلون بما أمرهم به من العبادات وسائر القربات، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر، مبلِّغون دعوة الله سبحانه إلى خلقه..

وفي مثل هؤلاء يقول الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 22،23].

خاتمة

تلك أحوال الناس بحسب استقصاء الواقع واستقصاء ما ذكر الله تعالى من أنواع الخلق في تلقيهم للأزمات.. وهكذا يختلف الناس في تلقيهم أيضا لنعمه سبحانه. كما يختلفون في تلقيهم لرسالاته.

واللبيب من بحث عن الأقرب لربه والأحب اليهم فكان في هذا الموطن وحقق تلك الحال؛ فعما قليل ننقلب الى ربنا سبحانه فيكون من الفائزين.

…………………………………..

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة