للخيانة رموز، صارت محطات التاريخ تفرز منهم “أمثالا” تطلق على الجموع منهم. ولا بد من أخذ العبرة ومنع تكرار أدوار الخونة؛ وإلا لدغ الناس من نفس الجحر..!
مقدمة
يبذل المسلمون الكثير من الجهد والوقت والمال والدعوة، والتضحية والدماء والكفاح، ثم يأتي سارق فيسرق الجهد والسنين، ثم تسقط الثمرة في يد شيوعي ملحد أو قومي متطرف، أو علماني حاد وحاقد، والجميع عميل لمخطِط في الغرب يتلاعب حيث تقبل الأمة نجاح الخيانات لنقص الوعي ولقصور أخذ العبرة من الترايخ القريب والبعيد.
صور مكررة
يطالعنا التاريخ المعاصر للعرب عن أحداث تكاد تكون صورة مطابقة تماماً لصور وأحداث تاريخ العرب قبل الإسلام. يقول ابن كثير:
“قال ابن إسحق واللات بيت لهم ـ يعني ثقيف ـ بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة، قال: فبعث أهل ثقيف مع أبرهة الأشرم ـ صاحب الفيل ـ “أبا رغال”؛ يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال، حتى أنزله بالمغمس ـ مكان قريب من مكة ـ فلما أنزله به مات “أبو رغال” هناك فرجمت قبرَه العربُ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس”. (1السيرة النبوية لابن كثير (1/ 32))
إن استخلاص هذه القصة بكاملها من المصادر التاريخية يعطينا أكثر من دلالة، أن “أبا رغال” يبقى دائماً رمزاً للخيانة والغدر، وسيلقى دائماً منا الرجم والسباب.
“ابن العلقمي” ثم “أتاتورك”، الى يومنا..!
بالأمس القريب كان “كمال أتاتورك” الذي تمسّح بالإسلام، والغيْرة على المسلمين، وحمل المصحف وطاف بالجنود مشجعاً إياهم على الوقوف بجانبه ليصل إلى مأربه، حتى قال فيه شاعر
“يا خالد الترك جدِّد خالد العرب” (2قاله أمير الشعراء “أحمد شوقي” في قصيدة مطلعها:
الله أكبر كم في الفتح من عجب *** يا خالد الترك جدد خالد العرب)
وكان في الحقيقة السيف الأول الذي سُلط أول ما سُلط على الرقبة المسلمة، وما أكثر “الكماليين” في عالمنا الإسلامي، حيث لا تزال تتكرر الصور والأشكال، وقبله كان “ابن العلقمي” الذي خامر التتار ضد بني العباس.
إن تحديد المواقف وتحليل الشخصيات على ضوء ماضيها وسلوكها؛ أصبح عِلماً قائماً بذاته، وله أصوله ومناهجه ونتائجه التي لا تكاد تخطئ وإن كانت لا تصل إلى درجة النتائج الرياضية أو الفيزيائية.
إن ما كتبه السلف في هذا النص من علماء الجرح والتعديل قد يفيدنا اليوم كثيراً.
النسيان طريق الخديعة
قد تكون المشكلة اليوم تنحصر في الصورة الرديئة للذهنية الإسلامية وما علق بها من النسيان، وقد يكون النسيان هو بلاءنا اليوم؛ إذ معرفة تاريخ الإنسان هو الأساس الذي يشكل المدخل السليم لمعرفة شخصيته ومن ثم تحديد سلوكه وتصرفه المستقبلي إلى حد بعيد.
وقد يغتر المسلمون اليوم بتوبة بعض الدجالين الذين يتخذون من التوبة وإعلان التمسك بأهداب الدين ملجأ يفر إليه من آثار عدوانه، وقد يصل بعد ذلك إلى مكان القيادة في ظل البُلهاء.
وقد أعلن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن بعض المجرمين فقال: «اقتلوهم ولو تمسَّكوا بأستار الكعبة». (3رواه الهيثمي في “مجمع الزوائد”، 6/ 171، ورجاله ثقات)
لا بد أن يكون موقف الأمس هو موقف اليوم، وإلا كيف والحالة هذه يمكننا نحن أن نلغي تاريخ الإنسان وسلوكه الماضي لمجرد موقف أو مظهر قد لا نكون قادرين تماماً على إدراك دوافعه فضلاً عن إدراك نتائجه؟!
خاتمة
يحتاج المسلمون كثيرا لمعرفة السوابق للاستدلال على اللواحق، وأن ينظروا الى الشخصيات والأحداث في سياقها الكلي والعام، لمعرفة نهج الأشخاص واتجاهاتهم وما يتوقع منهم.
يجب أن تكون الأمة عصية على الخداع، لا أن تكون محلا للمخادعة المكررة.
كم من جهد سُرق، وكم من عقود من السنين سطا عليها لص مخادع من مخلصين قدّموا الكثير. ثم يشيطن أبناء الأمة والمخلصين منها بل ويقوم باجتثاثهم وخداع الملايين، ثم يذهب بالناس بعيدا عما يأملون وبعيدا عن دينهم، ليقعوا فريسة في أزمة تاريخية جديدة.
تلك القصة المكررة يجب أن تتوقف وأن يعي المسلمون طريقهم جيدا.
…………………………………..
هوامش:
- السيرة النبوية لابن كثير (1/ 32).
- قاله أمير الشعراء “أحمد شوقي” في قصيدة مطلعها:
الله أكبر كم في الفتح منعجب *** يا خالد الترك جدد خالد العرب - رواه الهيثمي في “مجمع الزوائد”، 6/ 171، ورجاله ثقات.
المصدر:
- راجع: عابد حميان، مجلة البيان، رجب – 1411هـ، فبراير – 1991م، (السنة: 5).