إن مصطلحي التجديد والتغيير اليوم يعدان من المصطلحات الشائعة التي تتردد على ألسنة كثير من الباحثين والمثقفين، أيا كان منشأ هذه الثقافة، أهي إسلامية، أم غربية مادية . وهما من المصطلحات الحمالة الغامضة، المثقلة بالدلالات المتنوعة والمختلفة، بل والمتناقضة أحيانا .

من موازين الجاهلية للتجديد والتغيير

إن أخطر ما في هذين المصطلحين ذلك التلبيس والتضليل الذي يقوم به اليوم بعض العصرانيين، ومن يسمون أنفسهم بالتجديديين، من تغيير لأصول هذا الدين وثوابته بحجة التجديد والتغيير الذي تقتضيه ظروف العصر ومتغيراته.

ولتجلية حقيقة مفهوم التجديد والتغيير، وكشفا للتلبيس والتدليس الذي يمارسه الملبسون حول هذين المصطلحين نقف للتعرف على ميزان الله للتجديد كما جاء في شريعة الإسلام.

ولكي يظهر لنا جمال هذا الميزان وحسنه يحسن قبل ذلك أن نتعرف على موازين الجاهلية لهذين المصطلحين؛ وذلك لأن الحسن يظهر حسنه الضد.

أولا: ما وراء المصطلحين

يستعمل دعاة التجديد الجاهلي هذا المصطلح جسرا ووسيلة لتمرير أفكار معينة، ورؤى محددة، وتحيزات فكرية وعملية معروفة، يسعون لفرضها بشكل خفي أو جلي على مجتمعات المسلمين، كما أنهم يستخدمونه للتهوين من بعض أصول هذا الدين بحجة التجديد والتغيير، وإيهام الناس بأن سنة التغيير لا يقف أمامها شيء؛ بما في ذلك أصول هذا الدين وقيمه وأخلاقه.

ثانيا: لا تجدهم إلا بصحبة الا المحتل أو العسكر

ومن الملاحظ على تجديد القوم ودعوتهم إلى التغيير أنهم ينشطون ويزداد حضورهم كلما ألمت بالأمة ملمة، أو نزلت بهم نازلة، وبخاصة حينما ينزل العدو الكافر بوارجه وطائراته في بلد من بلدان المسلمين؛ كما هو الحال في الغزو الأمريكي للعراق وبلاد الأفغان؛ حيث يسخر آلته العسكرية والإعلامية والسياسية في طرح هذا المفهوم الجاهلي، ويستخدم وكلاءه من المنافقين في تنفيذ أفكاره.

ويصور لنا سید قطب – رحمه الله تعالی – حال البشرية حين تنطلق من دون ضابط من شرع ولا دين، وإنما من أهوائها وموازينها الجاهلية، فيقول:

والعاقل الواعي الذي لم يأخذه الدوار الذي يأخذ البشرية اليوم، حين ينظر إلى هذه البشرية المنكودة يراها تتخبط في تصوراتها، وأنظمتها، وأوضاعها، وتقاليدها، وعاداتها، وحركاتها كلها، تخبطا كالممسوس. تراها تغير أزياءها في الفكر والاعتقاد، كما تغير أزياءها في الملابس وفق أهواء بيوت الأزياء.

وتنظر إلى وجوه الناس، ونظراتهم، وحركاتهم، وأزيائهم، وأفكارهم، وآرائهم، ودعواتهم؛ فيخيل إليك أنهم هاربون! مطاردون! لا يلوون على شيء، ولا يتثبتون من شيء! ولا يتريثون ليروا شيئا ما رؤية واضحة صحيحة ، وهم هاربون فعلا! هاربون من نفوسهم التي بين جنوبهم! هاربون من نفوسهم الجائعة القلقة الحائرة التي لا تستقر على شيء ثابت، ولا تدور على محور ثابت، ولا تتحرك في إطار ثابت. والنفس البشرية لا تستطيع أن تعيش وحدها شاذة عن نظام الكون كله. ولا تملك أن تسعد وهي هكذا شاردة تائهة، لا تطمئن إلى دليل هاد، ولا تستقر على قرار مريح!

وحول هذه البشرية المنكودة زمرة من المستنفعين بهذه الحيرة الطاغية، وهذا الشرود القاتل.. زمرة من المرابين، ومنتجي السينما، وصانعي الأزياء والصحفيين، والكتاب.. يهتفون لها بالمزيد من الصرع والتخبط والدوار، كلما تعبت وكلت خطاها، وحنت إلى المدار المنضبط والمحور الثابت، وحاولت أن تعود؟

زمرة تهتف لها: التطور.. الانطلاق.. التجديد.. بلا ضوابط ولا حدود، وتدفعها بكلتا يديها إلى المتاهة كلما قاربت من المثابة ؛ باسم التطور، وباسم الانطلاق، وباسم التجديد.

إنها الجريمة ؛ الجريمة المنكرة في حق البشرية كلها، وفي حق هذا الجيل المنكود»1(1) خصائص التصور الإسلامي ص 90 – 93..

ثالثا: يمكن تصنيف الناس إزاء قضية التغيير والتجديد التي تروج لها أمريكا بعد أحداث 11/9/2001 إلى المواقف التالية:

1- الموقف العلماني

حيث وجد هؤلاء في الأمريكي فرصة كبيرة لا بد من اهتبالها لإيجاد التغيير وفق المنظومة المعيارية والرؤية الفكرية والخصائص النفسية الغربية الحديثة، والتي تفترض وجود عقل مستقل تماما، وإنسان حر هو إله نفسه ، يضع لها النظم والقوانين المناسبة له، والمحققة لحريته المنفكة من جميع الصلات الدينية والأخروية، سواء على مستوى النظم والعلاقات عند من يوصفون بالاعتدال من العلمانيين، أو على جميع المستويات عند غلاة العلمانيين. وأصحاب هذا الاتجاه يرون في الإنسان بوضعه وتركيبه المادي المرجعية النهائية الأولى والأخيرة، ومن ثم من حقه وحده أن يرسم صورة (التغيير) الذي يريد؛ وفق عقد اجتماعي معين هو في حد ذاته مرجعية نهائية مستقلة عن الدين والوحي.

ولعل من أهم تبريرات هذه النزعة : الإصرار على قضية (الصيرورة الدائمة)؛ والتي تعني أن الحياة والأحياء والنظم والأخلاق في تغير مستمر. وفكرة الصيرورة هذه فكرة مرجعية ثابتة لدى التيار العلماني والحداثي؛ تظهر بشكل واضح في بعض الكتابات الأدبية والنقدية والفكرية المتطرفة، ولكنها كامنة بشكل دائم في معظم الأفكار، والأطروحات العلمانية2(2) التغيير مطلب أم مذهب ، د. سعيد بن ناصر الغامدي، مجلة البيان، العدد  188..

2 – الموقف العصراني

وهو الموقف المتقبل لقضية التغيير، بل المعتنق لها مع شيء من التحفظ. وهؤلاء يؤمنون بالإسلام، لكن بطريقة عصرانية تأتي تحت مسميات مختلفة : تارة باسم العقلانية الإسلامية، وتارة المسلم المعاصر، وتارة الوسطية العصرانية، إلى آخر ما هنالك من المسميات وهم على درجات مختلفة؛ فبعضهم يعيش على تخوم الأفكار العلمانية ؛ فهو متأثر بها بحکم عدوى المجاورة، وبعضهم يبتعد موطنه العصراني عن حدود العلمانية قليلا أو كثيرا.

ومن سمات هؤلاء: السيولة العامة في مقابل ما يسمونه الصلابة التي يظهرون التذمر منها، ويوجهون إليها سهام نقدهم، وهم يعيشون مرحلة تحولات مربكة ؛ فلديهم الانتماء للأمة ودينها وتاريخها على الجملة، فهم من هذه الجهة متصلون بها، ولديهم انفصال عن بعض مقومات الأمة، ونفور عما يسمونه الأصولية الحرفية، أو النصية، والتفسيرات التراثية للوحي، وقوانین النظر والاستدلال، واليقينية، والأبوية، والنقل، والمبدأ الواحد، والفرقة الناجية، والولاء والبراء.

ولديهم مشكلة كبيرة في المعيارية : من أين تستمد؟ أمن النص المعصوم؟ أم من العقل؟ أم من الأسلاف؟ أم من المادة؟

كما أن جملة من أصحاب هذا الموقف تأثر بحكم المخالطة الفكرية والثقافية بفكرة (الصيرورة الدائمة ) التي هي أصل من أصول التفكير العلماني والحداثي .

وبالجملة ؛ فإن كثيرا من أصحاب هذا الاتجاه يتركون حيزا واسعا للقيم الإنسانية والأخلاقية المطلقة، بل للقيم الدينية ما دامت لا ترى واحدية المنهج، أو تعتقد الصفاء، أو نجاة طائفة معينة، ولديهم قابلية شديدة لدعوة التغيير التي يرون فيها جسرا يقودهم إلى الضفة الأخرى، والتي يحلمون أن تكون فيها أدوات التحضر والنهضة .

هناك قاسم مشترك بين هؤلاء والصنف الذي قبله؛ وهو شغفهم بالتغيير ، وانفتاحهم نحوه، واستهدافهم جميعا (المنهج)، غير أن الصنف الأول يستهدف (المنهج العام)؛ الإسلام بعمومه وشموله وكماله، والصنف الثاني يستهدف (المنهج الخاص)؛ منهج أهل السنة والجماعة على وجه الخصوص …

إن التغيير بالصيغة الأمريكية والعلمانية عملية شاملة، بل مذهب متبع ، ودعاة التغيير المتناغمون مع الطرح الأمريكي معروفون، ليس فيهم من يوثق بعلمه الشرعي، ولا حميته الإيمانية، ولا الفهم الجيد، ولا العلم الصحيح، ولا الإدراك المتكامل، بل فيهم من أهل الأهواء والأمراض الفكرية ما يستوجب الحجر عليه حتى الشفاء من دائه»3(3) التغيير مطلب أم مذهب، د. سعيد بن ناصر الغامدي، مجلة البيان، العدد 188..

رابعا: كثرة طرحهم لمصطلح: (تجديد الخطاب الديني)

ومن سمات الموازين الجاهلية للتجديد والتغيير: كثرة طرحهم المصطلح: (تجديد الخطاب الديني). هذا المصطلح الغامض المحتمل للحق والباطل، وهو عند دعاة العصرنة يستخدم في الباطل الذي هو تفريغ الخطاب الديني من مضامينه وأصوله، ويستبدلون بهذه المضامين والأصول تمييع الأحكام، ويبرزون لغة المداهنة، وإرضاء الكافر وعدم إزعاجه وإسخاطه بأساليب البراءة والعداوة والجهاد.

ملامح الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني

وعن الحملة التي تدعو إلى (تجديد الخطاب الديني) يقول الأستاذ خالد أبو الفتوح: نشير إلى بعض الملامح التي لوحظت على هذه الحملة، وهي في نظري ما يأتي:

– أن هذه الدعوات ظهرت في البلاد التي يقوى فيها النفوذ الأمریکي مع وجود نشاط ملحوظ في البلدان التي تعد تاريخيا مرجعيات العالم الإسلامي.

– وأنها جاءت اتساقا مع خطة تطوير مناهج التعليم التي أملتها وأوعزت بها قوى خارجية معينة ، مستغلة أحداثا وظروفا معروفة، فجاءت هذه الحملة استكمالا لمخطط إعادة تشكيل العقلية المسلمة .

– الالتباس المتعمد في هذه الدعوة؛ فعلى عادة العلمانيين والتغريبيين في الإيهام والغموض عندما يتعلق الأمر بخطوة يصعب على الجماهير هضمها، تجيء الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني؛ فكلمة (الخطاب) تحتمل أن يكون المقصود بها (مضمون) الخطاب ومحتواه، ولا شك أن مقصود مروجي هذه الدعوة هو تجديد مضمون الخطاب الديني ؛ أي : (تجديد) القيم والتصورات والمبادئ التي يحتويها هذا الخطاب. ولا يخفى على القارئ ما تتضمنه كلمة (تجدید) من معاني تشمل كون هذه القيم والمبادئ والتصورات أصبحت بالية ولا تصلح لهذا العصر؛ ففي معرض إيضاحه للمقصود بكلمة (الخطاب) يذكر الكاتب أحمد عبد المعطي حجازي: «أن هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر العلم الذي نرجع إليه في كل أمر من أمور حياتنا، أو أن هذا ما ينبغي أن نفعله، فنقرأ ، ونفهم، ونناقش، ونجرب، ونحلل، ونقارن لنعرف الأسباب، ونتوقع النتائج، ونفسر ما يحدث في الطبيعة والنفس، والجسم والمجتمع. نعرف الآن مثلا أن الزلزال يقع نتيجة لتصدع طبقات الأرض وتحركها ، وليس لأن المدن شريرة أو لأن الآلهة ثائرة غضبى، ونعرف أن الجنون مرض يصيب العقل وله أسباب مختلفة وصور شتی وطرق في العلاج تتعدد بتعدد أسبابه وأنواعه، وليس حلولا لجن أو لشيطان في جسد المريض كما كان يعتقد الناس من قبل، وكما يعتقد كثيرون منهم حتى اليوم، وهذا هو الخطاب الذي يتفق مع روح العصر؛ لأنه يتفق مع العلم، أي مع العقل والتجربة ، ونحن إذن أمام مصدرين للمعرفة:

– العقل الذي نفسر به الظواهر، ونتتبع به التحولات، وننتقل من السبب إلى النتيجة، فيبدو لنا العالم مفهوما، ونشعر بقدرتنا على التحكم فيه والسيطرة عليه.

– النص الذي يعتقد النصوصيون الحرفيون فئران الكتب و حفارو القبور أنه علم سابق على كل علم، وأن كل معرفة جديدة صادرة عنه ومتضمنة فيه ؛ فالأسلاف لم يتركوا شيئا للأخلاف، ولا جدید تحت الشمس !» (الأهرام المصرية ۲۰۰۳/۷/۲۳م).

ولكن غموض هذا العنوان – (تجديد الخطاب الديني) – في دعوته إلى هدم القيم والثوابت والتصورات الإسلامية واستبدالها أفادهم فوق التعمية على مقصدهم الحقيقي تورط بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية من علماء أو دعاة في الترويج لها ؛ ظنا منهم أن المقصود هو تجديد الوسائل والأساليب . وهذا تورط أعطى غطاء مناسبا لأصحاب الدعوة الأصليين من متبجحي العلمانيين، حتى وإن همش فيما بعد هؤلاء العلماء والدعاة.

الدعاة (البروتستانت) والعلمانيون تشابهت قلوبهم

تشابه مفردات هذا الخطاب عند الدعاة (البروتستانت) مع القضايا التي أثارها العلمانيون، التي تتفق بدورها مع أهداف مبادرة باول، وقد تمثلت هذه المفردات في:

1- إعلاء قيمة العقل والمصلحة بمعناهما الوضعي والمادي على النص الشرعي.

2- تغليب المادي والمشاهد على العاطفي والغيبي.

3- مسايرة الأحداث والخضوع لها باسم التواكب مع العصر.

4 – غلبة الخطاب الدفاعي والانهزامي بدعوى دفع التهم، وخاصة الإرهاب وهضم حقوق الإنسان عن الإسلام، مع التركيز في هذا الخطاب على تناول قضايا المرأة والأسرة، والمرتد وحرية العقيدة .

5- التأكيد على أهمية الديمقراطية، والمشاركة الشعبية، وإظهار الفئات المهمشة، وإبراز مكانتها في الإسلام.

6- تلطيف الموقف مع الآخر، بإعادة تشكيل بعض المفاهيم ذات العلاقة به – بدءا من التكفير، ومرورا بالولاء والبراء، ووصولا إلى الجهاد – مع التأكيد على ضرورة التواصل مع هذا الآخر، وخاصة الغرب.

7- تحويل الخطاب الديني الإسلامي (الدعوة الإسلامية) إلى مجرد إحدى مفردات وسائل دعم سياسات الدولة المحلية ومواقفها الخارجية .

الجهود الأمريكية لترسيخ مفردات الخطاب الديني الجديد

تشابه بعض الأساليب المتبعة في نشاطات تجديد الخطاب الديني مع الأساليب السياسية الأمريكية في تحويل الاتجاهات والميول؛ وذلك عن طريق المشاركة في أنشطة ودورات تعقد في أمريكا، والعمل على تذويب الفوارق النفسية والفكرية بين أصحاب الاتجاهات المختلفة – خاصة العقائدية – بالمخالطة والمعايشة اليومية فيما بينهم ؛ فعلى سبيل المثال: كان أول برنامج ينفذ برعاية مبادرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط برنامجا بعنوان (النساء كقادة سياسيين: الانتخابات الأمريكية والحملات السياسية)، وقد جلب البرنامج وفدا من 55 زعيمة سياسية عربية، ما بين مسؤولات منتخبات ومعينات، ومرشحات لمناصب، وناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة، وقادة مجتمعات مدنية، وصحفيات.

وفي المقابل يتضمن مشروع خطة تطوير الخطاب الديني في مصر والدول العربية دورات تدريبية مكثفة في القاهرة وواشنطن؛ حيث من المقرر أن يلتحق بدورات واشنطن ما بين 500 إلى 600 من الدعاة، وذلك بعد الانتهاء من الدورات التدريبية في مصر، وفي هذا الإطار کانت وزارة الأوقاف قد انتهت من دورة أخرى لعدد من الدعاة بالاشتراك مع الهيئة الإنجيلية بالقاهرة.. كانت مدتها أكثر من 6 شهور؛ حيث تم اختيار الدعاة بدقة متناهية للإقامة في أحد فنادق القاهرة بمشاركة عدد مماثل من القساوسة، وكان نظام الدورة يعتمد على ورش عمل بين الأئمة والقساوسة لإعداد أبحاث علمية في قضايا شتى، ثم مناقشتها مع الخبراء والمفكرين الليبراليين؛ وذلك بهدف کسر الحاجز الديني، وتغيير الفكرة الذهنية عن الآخر من خلال المشاركة بين القس والخطيب، ومن ثم فإن النتيجة من هذه المشاركة ستكون في صالح الإدارة الأمريكية، على اعتبار أنها الموجه الرئيسي لهذه الأفكار.

ومن وجهة نظر الإدارة الأمريكية فإن مثل هذه الدورات . ومن خلال مشاركة عدد من رجال الدين الكبار، الذين يرفضون الإرهاب، ولديهم تفسير عقلاني للدين – تسعى لترسيخ مفردات الخطاب الديني الجديد، وليس موضوعاته فقط، خاصة ما ورد في القرآن أو السنة ؛ لأنه وفق رؤيتهم فإن هذه المفردات هي التي تشكل السلوك العام والتفصيلي الذي يلتزم به الأفراد( مصطفی سلیمان، جريدة الأسبوع، 2003/9/19م).

هل ينجحون؟

لا شك أن تحقق ذلك، أو عدم تحققه يتوقف على عوامل كثيرة خارجية وداخلية، ولكن ما يعنينا أن في قلوب القوم أماني سادرة تبدو على ألسنتهم، وفي كتاباتهم من حين لآخر، كما أن في أذهانهم أهدافا محددة تشير إليها مخططاتهم وأنشطتهم، ومن غير المبالغ فيه القول إن من أماني أئمتهم: محو القرآن من الوجود، ولعلمهم باستحالة ذلك فإنهم يعملون على تحقيق أهداف يظنون تحقيقها ممكنا، وعلى رأس هذه الأهداف: تحريف المعاني القرآنية ، وتفريغ القرآن من أهدافه ورسالته، وإبعاد المسلمين عن تدبر القرآن والعمل به ؛ أي أنهم يريدون أن يتحول القرآن إلى حبر على ورق كما يقولون، والله من ورائهم محيط .

وحتى لا نخدع أنفسنا فإنه يجب التنبيه إلى أن تحقيقهم لهذه الأهداف أو بعضها في عالم الواقع ليس مستحيلا شرعا أو عقلا، فالله تعهد بحفظ الذكر ، ولكنه لم يتعهد بحفظ معانيه في عقول المسلمين وقلوبهم.

الدور المنشود

فالفيصل في المحافظة على المعاني والقيم والتصورات الإسلامية صحيحة في عقول المسلمين وقلوبهم وحياتهم هو مدى تحقيق أهل الحق لسنة التدافع مع الأطراف الأخرى، وهذا يتطلب يقظة وجهدا ونشاطا وعملا دؤوبا ومنظما من جميع الأفراد.

والذي أراه أن الظرف الذي تمر به الأمة يتطلب فوق اليقظة والنشاط حلولا غير تقليدية لاستنفار جموع الأمة، واستخراج القوى الكامنة في قطاعاتها الشعبية، بعد أن رفعت معظم الأنظمة جميع الرايات البيضاء التي في حوزتها، حتى إنهم رفعوا أخيرا ما كانوا يسترون به عوراتهم أمام شعوبهم. نسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته4(4) مجلة البيان، العدد 160..

الهوامش

(1) خصائص التصور الإسلامي ص 90 – 93.

(2) التغيير مطلب أم مذهب ، د. سعيد بن ناصر الغامدي، مجلة البيان، العدد  188.

(3) التغيير مطلب أم مذهب، د. سعيد بن ناصر الغامدي، مجلة البيان، العدد 188.

(4) مجلة البيان، العدد 160.

اقرأ أيضا

الرجعية وأصحاب الأيكة المعاصرون

التنوير والتجديد والحداثة .. الباطنية الجديدة

عرض كتاب “تجديد الخطاب الديني .. بين التأصيل والتحريف”

الخطاب القرآني .. والدليل العقلى

 

التعليقات غير متاحة