ما بين قلب يتعرف على الهدى منذ الخطاب الأول، وآخر يستكبر عن الحق مهما عرفه بسبب موانع الكبر المهلِك؛ يتراوح الناس بقوتهم وضعفهم أمام الحق.

مواقف الناس أمام الدعوة

لو رحت تستقرىء أخبار الرسل ودعواتهم، وتتقصى تاريخ حركات الإصلاح، لوجدت أن مواقف الناس من الدعوة لا تخرج عن ثلاثة مواقف لثلاثة أصناف من الناس:

لا يمتنعون عن الهدى

وهم أولئك الذين طهّر الله تعالى نفوسهم من الكبر والغرور، وفتح قلوبهم للهدى والخير فعقلوا ذلك عن الله ورسوله، وأبصروا أمام الطريق، وآمنوا بالحق المبين وعاشوا من أجله، وضحّوا في سبيله بالنفس والنفيس، فإن الحق قد ملك عليهم نفوسهم، فهم لا يتحركون إلا بدافع الحق الذي آمنوا به وعاشوا به وله وهذا الإيمان هو النور الذي يضيء لهم الطريق في الحياة، فيسلكونه آمنين مطمئنين، ﴿الَذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: 182).

وهؤلاء هم الذين تولاهم الله برعايته وبصرهم الطريق، فأخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان: ﴿اللَّهُ ولِيُّ الَذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ﴾ (البقرة: 257).

فلا عجب بعد هذه العناية والرعاية من الله تعالى لما رأى منهم الاستعداد للإيمان أن يكونوا من السابقين الذين يسارعون إلى الإيمان بدعوات الرسل ويناصرونها، وأولئك هم المقربون، فضلاً من الله ونعمة: ﴿والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (الواقعة: 10-12).

وقد نوَّه الله تعالى بمواقف أولئك المصدقين المسارعين إلى الإيمان السابقين إليه، فقال عن الذين آمنوا بصالح، عليه الصلاة والسلام: ﴿قَالَ الملأ الَذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 75).

وقال عن لوط عندما سارع إلى تصديق أبي الأنبياء والإيمان به، عليهما السلام: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وقَالَ إنِّي مُهَاجِرٌ إلَى رَبِّي إنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ (العنكبوت: 26).

وقال عن الحواريين الذين آمنوا بعيسى، عليه السلام، وأسلموا معه لله رب العالمين: ﴿وإذْ أَوْحَيْتُ إلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ (المائدة: 111)، ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وكَفَرَت طَّائِفَةٌ﴾ (الصف: 14)، وقد امتدح الرسول، صلى الله عليه وسلم، مواقف السابقين إلى دعوته، المسارعين إلى الإيمان به، فقال مثلاً عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: «يا أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي». (1أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة1/ 240، برقم 297، تحقيق وصي الله عباس والبخاري في كتاب فضائل الصحابة6/ 18 برقم 3661 من فتح الباري)

وعن الحسن قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش». (2فضائل الصحابة2/ 909، برقم1737 للإمام أحمد بن حنبل، والطبراني عن أنس وأبي أمامة وإسناده حسن، مجمع الزوائد للهيثمي9/ 305)

مستكبرون عن الهدى رافضون له

أولئك الذين امتلأت نفوسهم كبراً وغروراً، ومردوا على الشقاق، واستعلوا في الأرض بغير الحق.. أولئك هم الذين ماتت ضمائرهم، وقست قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فأشربوا الكفر والعناد بطغيانهم، فوقفوا بكل عناد يعارضون دعوات الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ويحاربونها بكل وسيلة يمكن أن تتفتق عنها عقولهم الشيطانية الماكرة، ولن تستطيع نفوسهم هذه أن تصغي إلى كلمة الحق المجردة، ولن يسمحوا لها أن تطرق آذانهم.

وقوم نوح مثلٌ صارخ على ذلك: ﴿وإنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وأَصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً﴾ (نوح: 7)؛ بل إنهم يصرفون الآخرين عن الدعوة، وعن الحق، لئلا ينعموا به: ﴿وقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (فصلت: 26).

إنهم يتآمرون ويمكرون ويكيدون: ﴿ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وداً ولا سُوَاعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً﴾ (نوح: 22 – 23)، ﴿إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وأَكِيدُ كَيْداً﴾ (الطارق: 15-16).

أولئك هم الملأ الذين يتصدون لدعوات الرسل، عليهم الصلاة والسلام بالإعراض والتكذيب والحرب المشبوبة المتنوعة الوسائل والأهداف، هم ومن يتبعهم من الرعاع: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).

الصنف الثالث: المنافقون

وهم الذين لم يكن لهم إيمان الصنف الأول وأخلاقه العالية ونفسه الطيبة التي تدفع إلى الإيمان، ولم يكن لهم جرأة الصنف الثاني المكذبين للدعوات، ولكنهم شرٌّ منه، يشتركون معهم في خبث النفس وفساد الفطرة والطوية والحنق على الرسل، ويمتازون عنهم بالجبن والخور وضعف القلب، فلا يستطيعون أن يصارحوا بأنهم العدو اللدود، ولا أن يظهروا أمام المؤمنين بذلك المظهر فيضطرهم ضعف عقيدتهم وفقدانهم للجرأة أن يداروا ويواربوا، فيكونون بين الصديق والعدو والمناصر والمحارب، إذا رأوا المؤمنين أظهروا لهم الإيمان، وإذا لقوا الكافرين قالوا لهم: إنّا معكم. (3انظر دعوة الرسل إلى الله تعالى، لمحمد أحمد العدوي، ص 25)

وأولئك هم المنافقون الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ * وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (البقرة: 8 – 16).

الرافضون للهدى فريقان

وإذا عدنا إلى الصنف الثاني الذي يكذب بدعوة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، ويناصبها العداء نجد أنه ينقسم إلى فريقين:

اً – السادة والأشراف أو الملأ من القوم.

ب -الأتباع أو الضعفاء الذين يتبعون الملأ المستكبرين.

كلاهما يكذب بدعوة الرسول، ويصد عنها ويُعْرض، ولكن الذي يأخذ زمام المبادرة ويحمل راية التكذيب والعصيان ويلوحون بها للناس لينضموا إليهم، هم الملأ والسادة.

أما الأتباع والضعفاء، فإنهم ينقادون لهم ويسيرون في القطيع، يهتفون باسم السادة ويصفقون لهم، ويؤمنون على كلماتهم، ويطيعونهم فيما يأمرون، ويصدقونهم فيما يخبرون ويفترون، ويؤمنون بما يزيفون لهم ويزورون، فإنهم اعتادوا على الذل والخنوع، فلن يجرؤوا على رفع رؤوسهم عالية أمام السادة والكبراء، ولن يرتفعوا بنفوسهم إلى آفاق عالية لأنهم اعتادوا العيش في السفح، واستمرؤوا الذل والعبودية الخانعة، وكرهوا الحرية.

ولكنهم لا يلبثون طال الوقت أم قصر أن يتحسسوا الحقيقة، ويتعرفوا السبيل، ويشعروا بأنهم غارقون في عبودية ذليلة، ينبغي أن يرتفعوا عنها، ليكونوا عبيداً لله تعالي وحده. وهذه العبودية الكريمة لله وحده تبعث في نفوسهم العزة والكرامة وعندئذ يتحررون من جديد، بل يولدون من جديد، ويشعرون بإنسانيتهم من جديد، فإن دعوة الإسلام تحررهم من كل عبودية لغير الله عندما تجعلهم عبيداً لله تعالى وحده.

وبذلك يستعْلون على أولئك الملأ والطواغيت، ويهزؤون بكل جبروتهم ومتاعهم المادي وسلطانهم ووعيدهم وتهديدهم. (4انظر ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا المعنى في العبودية مع مقدمة المحقق الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الباني، واقرأ فصل: نقلة بعيدة، استعلاء الإيمان في معالم في الطريق لسيد قطب رحمه الله)

وإن موقفاً رائعاً كهذا الموقف، وقفه السحرة من فرعون وملئه عندما لامَس الإيمان شغاف قلوبهم، وصاغهم صياغة جديدة، لمّا رأوا البينات من ربهم، وهم أنفسهم الذين كانوا قبل قليل يطلبون من فرعون ـ بكل ذلة وطمع ـ أن يجعل لهم شيئاً من الأجر والمال إن كانوا هم الغالبين لموسى وهارون..! وفرعون يمتنُّ عليهم فيعِدُهم بذلك، ويزيد تفضلاً عليهم ومنة، فيعدهم أيضاً بالقرب منه، كأن يجعلهم من حاشيته وبطانته ومستشاريه الخاصين..!! ولو كان عنده إذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات، كما يمتلك ذلك طغاة العصر، لكانوا أول من يظهر على شاشة التلفزيون بجانب فرعون وهامان، أما الإذاعة فتخصص الساعات الطوال لتبث عنهم ولهم الأحاديث من زخرف القول، ولظهرت الصحف والمجلات محلاة بصورهم الملونة، ولتسابق الصحفيون لإجراء المقابلات والأحاديث الصحفية مع أولئك الأبطال، الذين غدوا من أركان الدولة، ولهم الفضل في تثبيت كرسي الحكم لفرعون..!

تغير مفاجيء في الطريق الصحيح

ولكن ذلك كله لم يحدث، فإرادة الله تعالى وقدره شاءت غير ذلك، فتغيرت الصورة كلها، وتغيّرت النفوس، واختلف الموقف ووقع ما لم يكن بالحسبان، وانقضت كلمات المؤمنين ـ لما آمنوا ـ كالصاعقة على رأس فرعون.

ويحكي الله تعالى لنا الموقف في كتابه الكريم، فيقول: ﴿وجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إنَّ لَنَا لأَجْراً إن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وإنَّكُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إمَّا أَن تُلْقِيَ وإمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ المُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ واسْتَرْهَبُوهُمْ وجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الحَقُّ وبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إنَّا إلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * ومَا تَنقِمُ مِنَّا إلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ (الأعراف: 113 -126).

﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ومَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللَّهُ خَيْرٌ وأَبْقَى * إنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا ولا يَحْيَى * ومَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى﴾ (طه: 72 -75).

ذاك هو شأن العامة، والأتباع أو الضعفاء؛ ولكن ما هو شأن الملأ..؟

[للمزيد: مواقف ” الملأ ” من الدعوة إلى الله]

هذا ما نريد أن نقف عنده وقفة متأنية متأملة، نعود فيها إلى كتاب الله الكريم وسنة نبيه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة، وسيرة الأنبياء السابقين، لنتبين معالم شخصية هؤلاء (الملأ) الذين أكثر القرآن الكريم من ذكرهم وبيَّن مواقفهم وأساليبهم المتنوعة التي يحاربون بها كلمة الحق ودعوة السماء على مدار التاريخ، ثم نلتفت إلى الحاضر لنرى هل كانت مواقف الملأ تلك فلتة عابرة أو أمراً طارئاً، أم أن الأمر سنة إلهية ومنهج ثابت في الدعوات..؟ وعندئذ ينبغي للعاملين في حقل الدعوة ألا يغيب ذلك عن بالهم، وأن يعرفوا: أن الملأ هم الملأ.. في كل زمان وفي كل مكان وأمام كل دعوة.. يقفون الموقف ذاته.

خاتمة

إن مواجهة الناس لهذا الدين هي استجابة النماذج البشرية المتكررة أمام الهدى وأمام الضلال. ولهذا فمن استوعب خطاب ربه تعالى وفهم عنه ونظر في سير الأولين استطاع أن يفهم المواقف الحالية للخلق بمقدار ما اقتربوا أو ابتعدوا عن تلك النماذج فلن يخرجوا عنها على كل حال.

لكن هذا مفيد في الدعوة ومفيد في الثبات على الحق.

………………………..

الهوامش:

  1. أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة1/ 240، برقم 297، تحقيق وصي الله عباس والبخاري في كتاب فضائل الصحابة6/ 18 برقم 3661 من فتح الباري.
  2. فضائل الصحابة2/ 909، برقم1737 للإمام أحمد بن حنبل، والطبراني عن أنس وأبي أمامة وإسناده حسن، مجمع الزوائد للهيثمي9/ 305.
  3. انظر دعوة الرسل إلى الله تعالى، لمحمد أحمد العدوي، ص 25.
  4. انظر ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا المعنى في العبودية مع مقدمة المحقق الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الباني، واقرأ فصل: نقلة بعيدة، استعلاء الإيمان في معالم في الطريق لسيد قطب رحمه الله.

المصدر:

  • مجلة البيان، ربيع الآخر – 1407هـ (السنة: 1)، عثمان جمعة ضميرية.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة