العصيان المدني الذي قام به أهل السودان، والاستجابة الواسعة له، مثال مهم يجب أن يستوقف الأمة في المشارق والمغارب كدرس للحراك السياسي لانتزاع القرار وتحرير الإرادة ومنع الطغيان.

الخبر

استجابة واسعة

جاء على موقع “الأناضول” تحت عنوان “استجابة واسعة لدعوات العصيان المدني (1العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال دون اللجوء للعنف. وهو من الأساليب المركزية للمقاومة السلمية، وأحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين الجائرة.
واستُخدِم العصيان في حركات مقاومة سلمية للاحتلال، وحملات شعبية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ونيل الحقوق المدنية.
وتعريفه السياسي “هو الرفض المتعمَّد والعلني والسلمي لطاعة الأوامر أو القوانين الظالمة التي تسنها أو تطبقها سلطة تنتهك الحقوق العامة للشعب، أو تقصر في تحقيق مصالحه، أو تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري”
) في السودان”

“بدأ سودانيون عصيانا مدنيا واسعا، الأحد، دعا إليه “تجمع المهنيين” المعارض، إلى حين تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

وشهدت شوارع العاصمة الخرطوم، انعداما شبه كامل لحركة المواصلات، كما أغلقت محلات تجارية أبوابها، وفق مراسل الأناضول.

وأفاد شهود عيان، للأناضول، أن هناك إغلاقا شبه كامل للبنوك ومراكز الكهرباء والمقاهي، كما قام محتجون بإغلاق شوارع في مدن الخرطوم وأمدرمان وبحري (العاصمة السودانية)، بالحواجز والمتاريس”.  (2موقع “الأناضول” بتاريخ 9/6/2019، على الرابط: “استجابة واسعة لدعوات العصيان المدني في السودان)

تضحيات؛ لكنها أقل فداحة

جاء على موقع “العربي الجديد”، تحت عنوان “السودان: 4 قتلى برصاص الأمن رداً على العصيان المدني”

“شهدت العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى، اليوم الأحد، حالة من الشلل التام، استجابة لدعوات قوى “إعلان الحرية والتغيير” تنفيذ عصيان مدني، احتجاجاً على تنفيذ المجلس العسكري مجزرة فض الاعتصام.

وعمد مواطنون إلى وضع متاريس في الأحياء الداخلية بعيداً عن الشوارع الرئيسية، حيث لجؤوا إلى نصبها ثم الانسحاب فوراً، خوفاً على سلامتهم، أو تعرّضهم للاعتقال من قبل قوات الأمن”.

“وفي الخرطوم، أدى الإضراب إلى شلل شركات الاتصالات، ومنها “زين” و”MTN”، وبشكل محدود في شركة “سوداني”.

في المقابل، أفاد شهود عيان، بأنّ قوات الأمن اقتادت موظفين في شركة الكهرباء الأساسية في الخرطوم، إلى مكان عملهم، تحت تهديد قوة السلاح، لمنعهم من المشاركة في العصيان المدني.

وفي القطاع المصرفي، شهد بنك “الخرطوم” مشاركة فاعلة في الإضراب، وهو أحد أكبر البنوك السودانية”.

“وتحدّث محمد الشريف وهو طبيب في مستشفى “رويال كير” في الخرطوم، لـ”العربي الجديد”، اليوم الأحد، عن 3 أسباب ساعدت في الاستجابة للعصيان المدني”.

فقد انضم قطاع الأطباء للعصيان المدني. وقال:

“مواطن من منطقة الحاج يوسف شرقي الخرطوم:

“لم أشهد الخرطوم بمثل هذا الشلل التام منذ نعومة أظافري”، مشيراً إلى أنّ كافة المحلات التجارية والمؤسسات مغلقة تماماً”. (3موقع العربي الجديد، بتاريخ 9/6/2019، على الرابط:
السودان: 4 قتلى برصاص الأمن رداً على العصيان المدني
)

انتزاع الحقوق

وجاء على موقع “عربي 21” تحت عنوان مشابه “4قتلى بأول أيام العصيان المدني بالسودان جراء القمع”:

“بدأت قطاعات واسعة في السودان، الأحد، إضرابا شاملا وعصيانا مدنية بدعوة من قوى معارضة أبرزها تجمع المهنيين السودانيين، للضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة لجهة مدنية، بعد فض اعتصام القيادة العامة بالقوة وسقوط عشرات القتلى.

وقال التجمع إن العصيان المدني الذي يبدأ الأحد “لن ينتهي إلا بقيام حكومة مدنية وإذاعة بيان تسليم السلطة عبر التلفزيون الرسمي”.

“وتابع التجمع: “العصيان المدني الشامل والإضراب السياسي العام وسائلنا السلمية لاقتلاع حقنا في الحياة من همجية المليشيات المجرمة التي يستخدمها المجلس العسكري الانقلابي الآثم والمحاور التي يأتمر بأمرها”.(4موقع “عربي 21” بتاريخ 9/6/2019، على الرابط:
4قتلى بأول أيام العصيان المدني بالسودان جراء القمع
)

التعليق

كثيرا ما ينادي المصلحون أن من أسباب الانهيار الذي تعانيه الأمة اليوم غياب الأمة نفسها عن قرارها ووعيها وعن تنفيذ إرادتها، واستلاب الطغاة لأمرها.

وفي “السودان” يضرب الشعب هناك مثالا لممارسة بعض حقوقه في التعبير عن إرادته والسعي لامتلاكها وتحريرها.

إننا لا نقصد بهذا الحراك السوداني على وجه الخصوص؛ فثمة تحفظات على مكونات “قوى الحرية والتغيير” وثمة تخوفات مما يحويه من توجهات علمانية؛ ولهذا فإننا نلفت النظر الى نجاح “الوسيلة” لتكون متوفرة بيد الأمة في حال انتشار وعيها الإسلامي، وليس تأييدا لهذه القوى بإطلاق.

إن الحراك لايراد لذاته ولكن ليكون الدين كله لله بتحكيم شرعه ورفض ما سواه.

وإن الأمة تحتاج الى مثل هذا الحراك ومثل هذه الأدوات لكي تدرك أنها ليست عاجزة أمام تبديل الشرائع، وأمام التخلي عن الهوية الإسلامية، ولكي تدرك ما بيدها من أوراق قوة ويدرك المسلمون أنهم ليسوا عاجزين أمام تغيير القيم وشيوع الانحلال وفجور وسائل الإعلام والتعدي على ثوابت الدين كمن يستدعي الملاحدة من أرجاء الأرض أينما نبتوا لكي يشكك في هذا الدين، وفي كتب السنة، ويتعدى على القرآن الكريم ويزعم أنه نص تاريخي.. الى آخر هذه التعديات السافرة والمتبجحة يوما بعد يوم.

نقول إن الناس ليسوا عاجزين أن يوقفوا هذه المهازل وأن يُشعروا الطغاة بالتهديد، وأن يشعر الطواغيت بقوة المسلمين، وأن تماديهم في التعدي على هذا الدين يهدد وجودهم إذ ثمة أمة ترفض التخلي عن دينها، بل وتلفظ من يفعل ذلك وتعاقبه.

إنه استفادة من درس سياسي للقيام به في قضايانا، وأحد أوجه التطبيق المعاصر لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الناس اعتزلوهم».

فإذا رأت الأمة دينها يُعتدى عليه، ومستقبل أبنائها العقدي والقيمي والأخلاقي في خطر فهي ليست عاجزة عن الضغط والتغيير. وليست الدماء والفوضى هي البديل أمام الصبر والاستكانة ـ كما يخوف الطغاة الأمة دائما من أي اعتراض أو رفض لهذه المظالم والانحرافات الكبرى؛ فيخوفونهم بالفوضى والدماء ـ بل ثمة طريق ثالث ترفض به الباطل، وتحفظ به الدماء والأرواح والأعراض ووحدة البلاد، وهو الحراك السلمي للتغيير فهو في إمكان الأمة ولا تعجز عنه، وتحفظ به دينها وتتجنب به التجارب السلبية والإخفاقات التي يخوفها الطغاة لتتركهم يعبثون بالدين وبمقدرات الأمة.

فعندما وجّه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذه الوسيلة، كان يوجه لقوة كبيرة يمتلكها “المجتمع” وتمتلكها “الأمة” في سلمية وعدم إراقة للدماء.

ولمثل هذا الحراك ضوابطه الشرعية بألا تكون مفاسده أكبر من مصالحه، ومراعاة مصالح المسلمين وألا تتعدى آثاره الى أرواح الناس أو ما تقوم به حياتهم؛ فيكون إسقاطا للظالمين لا إيذاء للأمة؛ إلا أن تجتمع الأمة على تحمل آثاره من أجل دينها وغاياتها.

يجب أن يشعر الطغاة إذا انحرفوا عن هذا الدين أنهم معزولون عن الأمة؛ إذ يمكن لهذه الوسيلة أن تسقط الطغاة في بئر من العزلة إذا وجدوا أنفسهم أمام أمة حيةٍ وفاعلة.

إن الأمة تمتلك الكثير من القوة ما تُحني به رؤوس الطغاة وتذل به جباههم، وبإمكان الأمة أن تجبرهم على أن ينزلوا على إرادتها.

إن الطغيان حالة جريمة مشتركة بين من يطغى ومن يسمح له بالطغيان؛ يقول سيد قطب رحمه الله:

“وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا، إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب..! وتمد له أعناقها فيجر! وتحني له رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة و الكرامة فيطغى..!”. (5في ظلال القرآن، سورة النازعات، الآية 24)

هناك من يطغى، نعم؛ لكن هناك من يرضى بالطغيان لضعفٍ في نفسه ومهانة، أو لما له من غرض من الشهوات يوفره له الطغاة.

لكن حالة الثورة هي حالة نضج وعْيٍ، وشحْذ إرادةٍ وتجمع عزمٍ وهمة، والواجب على عقلاء الأمة ألّا يفوتوا لحظة كهذه فقد يصعب استراجعها؛ حيث إن الطغاة إذا عادوا للتمكّن بعدها يضربون أول ما يضربون وعْي الناس وجرأتهم.

وإذا فقد الناس الوعي والجرأة والإقدام فقدوا الإرادة ولم يتغير شيء.

إذا توفر للأمة وعيها أبدعت في مواجهة الطغيان وأرهقت الظالمين وأجبرت الجميع أن تأخذ دورها.

لكن كما أن هناك وعيا بدأ ينتشر في الأمة عن دور العسكر وخطورة المستبدين؛ فيجب أن يتوفر الوعي بالإسلام ودوره وأنه هو المخرج للأمة من المذلة والتبعية والهوان والاستلاب، وأن الإسلام هو المشروع الذي يجب أن تتجمع حوله الأمة، وأنه سبب تكالب مؤامرات الدنيا عليها لما تشعر فيه الأمم بأنه حافز التقدم ومحور التجمع وجواز المرور لهذ الأمة لترتقي مرة ثانية، وأن فيه علاجها ودواءها مما تعاني.

يجب أن تستوعب جماهير أمتنا الكريمة أن الإسلام يجب أن يكون محور صراعها وسعيها؛ وإلا خاب السعي أدراج الرياح ثانية.

لا يفتننكم عن مطلب الحرية وامتلاك الإرادة أحدٌ، كما لا يفتننكم عن أن تكون هذه الإرادة متوجهة نحو دينكم وإقامته، أحدٌ.

وأخيرا

لا يفتننكم عن قوتكم وما تملكون من أدوات أحدٌ، فثمة سبل لا دماء فيها ولا مجازر ولا انقسام، بل دور سلمي يخبّل الطغاة والشياطين من ورائهم.

لستم ضعافا ليُقتل أهل العلم والدعاة جهارا نهارا بلا جريمة، ولستم ضعافا لتنتشر الإباحية من باب يفتح لها على مصراعيه، ولستم ضعافا لتسمحوا بالتلاعب بثوابت الأمة وقضاياها.

لستم ضعافا؛ بل تملكون “الإرادة” وتحريرها يمر بالوعي، ولا بد من امتلاكهما، وحينئذ سيفاجأ العالَم أن للأمة كلمة تستطيع إلقاءها بين الأمم، ودورا في التاريخ المعاصر ـ كما القديم ـ تستطيع؛ بل يجب أن تقوم به.

……………………………………..

هوامش:

  1. العصيان المدني هو تعمُّد مخالفة قوانين وطلبات وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال دون اللجوء للعنف. وهو من الأساليب المركزية للمقاومة السلمية، وأحد الطرق التي ثار بها الناس على القوانين الجائرة.
    واستُخدِم العصيان في حركات مقاومة سلمية للاحتلال، وحملات شعبية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ونيل الحقوق المدنية.
    وتعريفه السياسي “هو الرفض المتعمَّد والعلني والسلمي لطاعة الأوامر أو القوانين الظالمة التي تسنها أو تطبقها سلطة تنتهك الحقوق العامة للشعب، أو تقصر في تحقيق مصالحه، أو تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري”.
  2. موقع “الأناضول” بتاريخ 9/6/2019، على الرابط:
    استجابة واسعة لدعوات العصيان المدني في السودان
  3. موقع العربي الجديد، بتاريخ 9/6/2019، على الرابط:
    السودان: 4 قتلى برصاص الأمن رداً على العصيان المدني“.
  4. موقع “عربي 21” بتاريخ 9/6/2019، على الرابط:
    4 قتلى بأول أيام العصيان المدني بالسودان جراء القمع“.
  5. في ظلال القرآن، سورة النازعات، الآية 24.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة