يعيد الفرنسيون نشر الرسوم المسيئة لرسول الله؛ لترتقع مبيعات صحيفة هابطة، وتنهض شعبية سياسي فاشل، وينفث العدو عن سم عقاربِه. ثمة وصايا ومواقف مطلوبة، وأسباب للمعالجة.

مقدمة

ثمة هجمة شرسة قذرة يشنها الغرب الصليبي على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وتتولى كِبرها صحف تنشر رسوما مسيئة. تزامن معها تواطؤ من السياسيين الذين أعلنوا بوضوح عن صليبيتهم القذرة وإسقاطهم لحرمة الإسلام ضمن ما يحترمونه من رموز الأديان على حد تعبيرهم؛ فخالفوا ما يعلنونه لما تكنه صدورهم من حقد على الإسلام وأهله، وعلى رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.

وإن المسلمين ليتألمون ويرفضون، وفيهم من الخير الكثير؛ ولكنهم مع توالي أحوال ضعفهم واستبداد حكامهم الخونة وإعمال المذابح والجراحات فيهم حتى صار صوتهم ضعيفا لكنه موجود وينتظر مخرجا ليغيروا بإذن ربهم أحوالهم.

وإن هناك بعض الوصايا التي أنصح بها نفسي وإخواني المسلمين في ضوء هذا الحدث الجلل أرى أنها من حقوق المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهي من لوازم نصرته وموجبات محبته. ولكن قد تغيب عن بعضنا وتُنسى في زحمة الردود واشتعال المشاعر والعواطف.

الوصية الأولى: إصلاح النية

قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». (1البخاري: 1) وعندما سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». (2البخاري (2810) ، مسلم (1904))

والمقصود من إيراد هذين الحديثين الشريفين أن يحاسب كل منا نفسه، في قيامه بأي جهد يرفض به هذه الجريمة.

الوصية الثانية: تحقيق اتباع رسول الله

قال الله تعالى: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].

ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به». (3جامع العلوم والحكم (2/ 393))

يقول الإمام ابن كثير، رحمه الله تعالى، عند تلك الآية:

“هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه وفي الأمر نفسه؛ حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله. كما ثبت في الصحيح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». ولهذا قال: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31] أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم؛ وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31]“. (4راجع ابن كثير)

والمقصود التنبيه إلى أن يراجع كل منا نفسه ويختبر صدق محبته لله تعالى، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قومته ونصرته لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن علامة حبنا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصدقنا في نصرته أن نكون متبِعين لشرعه وسنته، وأن لا يكون في حياتنا أمور تسيء إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وتؤذيه، فنقع في التناقض بين ما نقوم به من النصرة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبين أحوالنا، فيقع الفصام النكد بين القول والعمل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2 – 3].

فيا أيها الذي تعبد الله تعالى بغير ما شرع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقام لنصرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: زادك الله غيرة وغضباً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن اعلم أن الذي قمتَ لنصرته هو القائل: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». (5البخاري: 2697)؛ وعليه فإن أي ابتداع في الدين سواء كان ذلك في الأقوال أو الأعمال لمما يؤذي نبينا محمداً، صلى الله عليه وسلم، ويسيء إليه. فاحذر أن تكون ممن يدعي محبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في نفس الوقت يؤذيه ويعصيه؛ فإن هذا يقدح في صدق المحبة والاتباع، ويتناقض مع نصرته ونصرة سنته.

وأشنع من هذا مَن يدعي محبة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ونصرته ثم هو يقع في الشرك الأكبر ويدعوه أو يدعو علياً والحسين وغيرهم من الأولياء من دون الله. أو يؤذي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بسب أزواجه أو أصحابه؛ فإن كل ذلك يدل على كذب أولئك المدعين.

ويا أرباب البيوت والأسر الذين قمتم لنصرة الرسول، صلى الله عليه وسلم؛ إن هذا منكم لعمل طيب مشكور؛ ولكن تفقَّدوا أنفسكم فلعل عندكم وفي بيوتكم وبين أهليكم ما يغضب الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، من آلات اللهو، وقنوات الإفساد ومجلات اللهو والمجون؛ فإن كان كذلك فاعلموا أن إصراركم عليها واستمراءكم لها لمما يسيء إلى الرسول ويؤذيه، ويتناقض مع صدق محبته؛ إذ إن صدق المحبة له تقتضي طاعته واتباعه؛ لأن المحب لمن يحب مطيع.

ويا أيها التاجر الذي أنعم الله تعالى عليه بالمال والتجارة.. إنه لعمل شريف، وكرم أصل أن تهبَّ لنصرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتهجر وتقاطع منتجات القوم الكفرة الذين أساؤوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وآذوه. ولكن تفقَّد نفسك ومالك عسى أن لا تكون ممن يستمرئ الربا في تنمية أمواله، أو ممن يقع في البيوع المحرمة، أو يبيع السلع المحرمة التي تضر بأخلاق المسلمين وأعراضهم وعقولهم؛ فإن كنت كذلك فحاسب نفسك وراجع صدق محبتك للرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي قمت لنصرته.

ويا أصحاب الحل والعقد في بلدان المسلمين.. إن أمانتكم لثقيلة فالحكم والتحاكم بأيديكم، والإعلام والاقتصاد بأيديكم، والتربية والتعليم بأيديكم، وحماية أمن المجتمع، وحماية الثغور بأيديكم؛ فما أعظم أمانتكم ومسؤوليتكم أمام ربكم عز وجل وأمام أمتكم؛ فهل تعلمون أن من رفض منكم الحكم بما أنزل الله عز وجل، واستحل ما حرم الله عز وجل؛ إنما هو من أعظم المسيئين إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمناوئين له..؟

وإننا نراكم اليوم متراجعين عما كان من قبل؛ فرفض الجماهير للتعدي على حرمة جناب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو تعبير شعبي تأثيره محدود ومرتهن بأدائكم؛ فأين موقفكم وأين مكانة الإسلام فيكم..؟!

إننا نراكم اليوم بين خنجر متقدم أو ساكت مداهن، والله سائلكم فحملكم ثقيل.

وفي ختام هذه الوصية: أردت الالتفات إلى أحوالنا وتفقّد إيماننا، وصدقنا في محبتنا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، والانتصار له، بأن نبرهن على ذلك بطاعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ واتباعنا لشريعته والذب عنها والاستسلام لها باطناً وظاهراً. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 208]. وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]. وقال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

الوصية الثالثة: عدم إغفال عداء أكابر المجرمين

إن ما حصل من إساءة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، في هذه الصحف وتكرارهم لنشرها وتواطؤ السياسيين معهم؛ جرم عظيم ينمّ عن حقد متأصل في قلوب القوم، ولكن ينبغي أن لا تنسينا مدافعة هؤلاء القوم من هو أشد منهم خبثاً وحقداً وضرراً على المسلمين، ألا وهي طاغية العصر أمريكا حيث جمعت الشر كله، فوقعت فيما وقع فيه هؤلاء من الإساءة إلى نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وإهانة كتاب ربنا سبحانه وتنجيسه وتمزيقه على مرأى من العالم، وزادت على القوم بقتل أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق وفلسطين وسوريا.. في تتابع لا يتوقف، وسامت الدعاة والمجاهدين سوء العذاب في “أبي غريب” و”باجرام” في أفغانستان، وسجونها السرية في الغرب والشرق، فيجب أن يكون لها الحظ الأكبر من البراءة والانتصار منها لربنا عز وجل، ولكتابه سبحانه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ننبه الناس إلى هذا العدو الأكبر وأنه يجب أن يكون في حقه من إظهار العداوة له والبراءة منه ومقاطعته كما كان في حق الدانمارك بل أكثر وأشد.

وأتوجه بهذه المناسبة إلى المنادين بمصطلح (نحن والآخر) والمطالبين بالتسامح مع الآخر الكافر وعدم إظهار الكراهية له، أقول لهم:

هذا هو الآخر الذي تطلبون وده وتتحرجون من تسميته بالكافر. إنه يرفض ودّكم، ويعلن كراهيته لديننا ونبينا، وكتاب ربنا سبحانه؛ فماذا أنتم قائلون..؟! وهذا من عدونا غيض من فيض، وصدق ربنا سبحانه؛ إذ يقول في وصفهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].

الوصية الرابعة: الساب والطاعن في الداخل والخارج

إن من علامة صدق النصرة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لا نفرق في بغضنا وغضبتنا بين جنس وآخر ممن آذى نبينا، عليه الصلاة والسلام، وأساء إليه أو إلى دين الإسلام؛ بل يجب أن تكون غضبتنا لله تعالى، وتكون عداوتنا لكل من أساء إلى ربنا أو ديننا أو نبينا، صلى الله عليه وسلم، من أي جنس كان ولو كان من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا. كما هو الحاصل من بعض كتاب الصحافة، والرواية، وشعراء الحداثة، والذين يلمّحون تارة ويصرّحون تارة أخرى بالنَيْل من أحكام ديننا وعقيدتنا، وإيذاء نبينا، صلى الله عليه وسلم، بل وصل أذاهم وسبُّهم للذات الإلهية العلية ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً..

فأين غضبتنا على هؤلاء، وأين الذين ينتصرون لله تعالى ودينه، ورسوله صلى الله عليه وسلم، من فضح هؤلاء والمطالبة بإقامة حكم الله فيهم ليكونوا عبرة لغيرهم..؟

إن الانتصار من هؤلاء لا يقل شأناً عن الانتصار ممن سب ديننا ونبينا محمداً، صلى الله عليه وسلم، في دول الغرب الكافر.

خاتمة

إن موقف الجماهير اليوم، في هذا التعدي الأخير، أضعف من ذي قبل. والذي كان قبل ذلك كان أضعف مما يجب..! وعامل الإضعاف في كل هذا هي القيادات التي تحكمهم وتسيطر عليهم رغم أنوفهم وتنقل بلادهم من يد فتورثها الى يد أخرى، وكلتا اليدين تدفعان أجرة ملك بلادنا الى عدوها بمزيد من الأثمان الباهظة من إضعاف الأمة وإضعاف دينها وعقيدتها، وبيع مقدراتها ومقدساتها، وتذويب الأجيال في الثقافة النصرانية الغربية.

إن نقطة البداية هي في وجود حكومات مسلمة وقيادات مؤمنة تغضب لله وتنحاز لدينه وتقود أمتها لفرض هيبة واحترام الإسلام ورموزه، ونشر الخير والنور الذي جاء به.

وبعد: فهذا ما يسَّره الله عز وجل من هذه الوصايا التي أخص بها نفسي وإخواني المسلمين في كل مكان؛ مع التأكيد على ضرورة الصمود والمصابرة في العمل لإقامة الدين وإسقاط المنافقين الذين يتستر بهم نصارى الغرب، من أجل استنقاذ هذه الأمة وإعادتها لدورها الكريم.

وبعد؛ فما كان في هذه الوصايا من صواب فمن الله عز وجل فهو المانُّ بذلك، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه. والحمد لله رب العالمين.

……………………..

الهوامش:

  1. البخاري: 1.
  2. البخاري (2810) ، مسلم (1904).
  3. جامع العلوم والحكم (2/ 393).
  4. راجع ابن كثير.
  5. البخاري: 2697.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة