لا يتم النظر في فقه النوازل إلا بالعلم بفقه الموازنات؛ بل لا يتم القيام بما أوجب الله تعالى عند مزاحمة الواجبات أو التعارض بين الواجب والمستحب إلا بمعرفة فقه الموازنة والأوْلى بالتقديم؛ فتستقيم الأمور.

مقدمة

مر بنا بيان أهمية معرفة أسماء الله تعالى وصفاته والتعرّف اليه تعالى الجزء الأول، وأهمية معرفة السنن الإلهية الجزء الثاني، ثم العلم بفقه الموازنات والأولويات وفقه المآلات الجزء الثالث.. كعلوم ثلاثة لا بد من معرفتها للقدرة على الفقه في النوازل..

نتعرف في هذا الجزء على أمثلة على الخلل في ترتيب الموانات والأولويات في اقعنا المعاصر في مجالات شتى.. عقدية، وتربوية، واجتماعية، ودعوية، وجهادية، بل وفقهية.

أمثلة على:

الخلل في الموازنات وترتيب الأولويات في واقعنا المعاصر

يتميز عصرنا الحاضر بكثرة مشكلاته وهمومه ونوازله، وكثرة الواردات على التفكير من أمور وقضايا بعضها أهم من بعض، وبعضها يعارض بعضا. وتتزاحم الواردات على الفكر حتى لا يدري صاحب التفكير بأيها يبدأ، ولا أيها يترك عند التزاحم.

ولذلك يقع كثير من الناس في الخلل الفكري والعملي في ترتيب هذه الأولويات فيقدم الأقل أهمية على المهم، والمهم على الأهم ويقدم الصغير التافه على الكبير الخطير؛ مما ينشأ عنه فوات مصالح كبيرة أو الوقوع في مفاسد كبيرة.

مجمل قواعد التعارض بين المصالح والمفاسد

وقد قعّد أهل العلم قواعد عظيمة مستنبطة من الكتاب والسنة يتم بها ترتيب الأولويات، وذلك عند تعارض المصالح بعضها مع بعض أو عند تعارض المفاسد، أو تعارض المصالح مع المفاسد.

وإذا تعارضت مصلحتان بأيهما يبدأ ويهتم، فإنه ينظر إلى أيهما يغلب على الظن تحققه منهما فيأخذ بالغالب، ويترك المتوهم؛ فإن تساويتا في درجة تحققهما فإنه ينظر إلى أيهما أعظم خيرا ومصلحة فيقدم المصلحة العظمى على الأقل منهما، وكذلك الحال في تعارض مفسدتين يخشى من الوقوع فيهما فإنه ينظر إلى أيهما يغلب على الظن وقوعها فتدفع.

وإن تساويتا في تحقق وقوعهما فإن المتعين حينئذ ارتكاب أهون المفسدتين لدفع أعظمهما.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى:

فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين؛ فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان.

ومطلوبُها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا. (1مجموع الفتاوى:23\343)

ثم يضرب لهذه القاعدة مثالا فيقول:

فإذا لم يمكن منع المُظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك؛ بل يصلى خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه؛ كالجمع والأعياد والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره.

ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بإمام فاجر، لا سيما إذا كان التخلف عنهما لا يدفع فجوره فيبقى ترك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة. (2مجموع الفتاوى:23\343)

ينبغي أن يجلس كل واحد منا مع نفسه يفكر بما يعتقد أنه في مقدمة الأمور المهمة في حياته ـ وبالنسبة للمسلم فإن أهم شيء في حياته دينُه ورضا ربه سبحانه ـ لكن لو سأل الواحد منا نفسه بعد ذلك: هل أعطى هذه الأمور التي هي أهم شيء في حياته الاهتمام والوقت اللازمين أم أنه أعطى ما دون ذلك الاهتمام والوقت؟

إننا وللأسف نلحظ فجوة واسعة بين ما نعتقد أنه هو المهم في حياتنا وبين الأمور التي نعطيها فعلا اهتمامنا وأوقاتنا ولتوضيح هذا الكلام أضرب لذلك الأمثلة التالية:

المثال الأول:

تقديم الدنيا على الآخرة وأمور الدين

لقد خلقنا الله عز وجل لغاية عظيمة: لنعبده ونوحده، ثم يميتنا، ثم يبعثنا ليوم الجزاء والحساب. ومن رحمته سبحانه أن سخر لنا ما في الأرض جميعا لنستعين به على عبادته سبحانه، وإقامة دينه في الأرض. ومع هذا فقد انعكس الأمر عند أكثر الخلق، ولم يسلم منه كثير من المسلمين..

فبدلا من أن تكون الدنيا خادمة ومملوكة في سبيل عبادة الله عز وجل، أصبحت مالكة مخدومة، ولو تعارضت مع الدين قُدمت عند كثير من الناس على عبادة الله عزوجل ومرضاته، وبذلك تنقلب الأولويات، لتصبح الغاية وسيلة والوسيلة غاية.

وإذا أردنا أن نختبر أنفسنا لنكتشف أهم الأمور التي تشغل تفكيرنا فلنسأل أنفسنا عن الأمور التي تحتل مكان الأولوية في اهتمامنا وتفكيرنا وما ترتيبها في سلم الأولويات.

وعندئذ سيظهر التفاوت بين الناس، ويعرف كل شخص أهم الأولويات في تفكيره ـ سواء كانت خطأ أو صوابا ـ وعند الامتحان يُكرم المرء أو يهان؛ فمن الناس من يسيطر على فكره واهتمامه توافهُ الأمور من هذه الدنيا الفانية غافلا عن عظائم الأمور في دينه وآخرته.

وذلك كمن يسيطر على فكره منزله الجديد وما يحتاج إليه من أنواع الزخارف والألوان والكماليات، وغيرها من التوافه التي تشغل فكره وتقوم وتقعد معه في اليوم والليلة غافلا عن مصاب المسلمين وجراحاتهم في كل مكان، غافلا عن الموت والاستعداد للرحيل.

المثال الثاني:

في تربية الأولاد

إن تربية الأولاد تربية إسلامية يدركون من خلالها لماذا خُلقوا فيعبدون ربهم ويستعدون ليوم رحيلهم ويتخلقون بالأخلاق الإسلامية الرفيعة ويجاهدون في سبيل الله عز وجل مهمة عظيمة.

وإن هذه المهمة لمن أهم المهمات وأوجبها على الآباء، ولكن كثيرا منا اليوم قد غفلوا عن هذه المهام العظيمة والتفكير فيها، وقدموا عليها ما هو أقل منها كالانشغال بالعمل والوظيفة والتجارة والانتدابات؛ فآثروها على جلوسهم مع أولادهم ليسمعوا منهم ويؤدبوهم ويربوهم.

ومن ذلك تقديم الانشغال في التفكير بدراسة الأولاد وطعامهم ولباسهم وصحتهم ـ مع أهميتها ـ على التفكير في دينهم وأخلاقهم وتربيتهم التربية الإسلامية التي تجلب لهم السعادة في الدنيا والآخرة.

المثال الثالث:

في باب بر الوالديْن

بر الوالدين وخدمتهم واجب شرعي لا يقدّم عليه إلا ما هو أوجب منه..

ومع ذلك نجد الكثير منا من يقدم بعض النوافل على طاعة الوالدين، أو ينشغل بأصدقائه أو ببعض جوانب الدعوة الكفائية عن خدمة والديه وإرضائهما. بل قد يقدم بعض التوافه من المباحات على هذا الواجب العظيم.

المثال الرابع:

في الصلاة المكتوبة والنافلة

في أداء الصلاة المكتوبة، أو النافلة نجد الكثير منا ينصرف بفكره عن عبادته العظيمة التي يناجي فيها ربه، ويشغل فكره بأمور الدنيا التي لا تساوي شيئا عند تدبر الصلاة وأذكارها.

ولذلك ـ والله أعلم ـ شرع لنا في الصلاة أن نقول «الله أكبر» بين كل ركن وآخر حتى ينتبه الشارد ويرجع الفكر إلى الأمر المهم، وكأنه يقول: الله أهم وأعظم وأكبر مما يشرد إليه الذهن وينشغل به الفكر عن صلاته.

المثال الخامس:

عيوب النفس وعيوب الآخرين

الانشغال عن النفس وإصلاحها ومحاسبتها والتفكير في عيوبها وآفاتها بالانشغال بالناس وعيوبهم.

المثال السادس:

ترتيب الأوامر والمنهيات

الخلل في ترتيب الاهتمام بالأوامر والمنهيات حيث نجد من يعطي اهتمامه وأولوياته في النوافل من العبادات على حساب الفرائض والواجبات أو يتورع ويسأل عن صغائر الذنوب والمكروهات مع تلبسه ببعض الكبائر من الذنوب.

كمن سأل ابن عمر رضي الله عنهما ـ من أهل العراق ـ عن نجاسة دم البعوض فقال لهم: «ما أسألَكم عن الصغيرة وأجرأكم على الكبيرة ، تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البعوضة!!».

ومثل ذلك من يهتم ببعض المنكرات الصغيرة فيهتم بها وبإنكارها وتحذير الناس منها وهناك من المنكرات الكبيرة التي يلحق بعضها بالشرك والنفاق ولم تأخذ حظها من الانكار والبراءة وبيانها للناس.

وكمن يتمعّر ويشتد على المظاهر التي تتعلق بالمرأة ولباسها وعملها ولا يكون هناك مثل هذا التمعر والإنكار على من يوالي الكفار ويظاهرهم على المسلمين.

تنبيه مهم

لا يفهم من الكلام السابق عدم العناية بالمستحبات أو التورع عن الشبهات والمكروهات، أو ترك المنكرات الجزئية دون إنكار كلا بل يجب على كل قادر الإنكار والتغيير حسب الاستطاعة.

وإنما أردت الإشارة إلى الخلل في ترتيب الأولويات في العبادات وإنكار المنكرات وأن تكون الأولوية عند التزاحم للأهم قبل المهم والكبير قبل الصغير. وإن جاء بالجميع فهذا هو الكمال. قال بعض السلف: «من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور».

المثال السابع:

الخلل في ترتيب الفروع والأصول

حيث يوجد من يجعل جُلّ اهتمامه وأولوياته بالمحافظة على الفروع والالتزام بها ولو أدى ذلك إلى التفريط في بعض الأصول، وهذا خلل في معرفة الأولويات؛ فلو تعارض أصل وفرع فإنه ينبغي تقديم الأصل ولو فات الفرع أو ضعف.

مثال واقعي

وأوضّح ذلك بمثال واقعي ألا وهو ذلك التفرق الداخلي بين بعض الجماعات الدعوية أو الجهادية بسبب الاختلاف على مسائل اجتهادية من فروع الدين لا تصل إلى المعادات والتفرقة.

ومع ذلك نجد من يهدم أصل التجمع والحرص على الجماعة لأجل أن يحافظ على فرع. مع أن الأوْلى المحافظة على اجتماع الكلمة ولو بقي الاختلاف في الفرع أو فات الفرع.

وهذا هو منهج الصحابة رضي الله عنهم؛ فهذا عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه صلى خلف عثمان رضي الله عنه أيام الحج بمنى وكان عثمان يتم الصلوات الرباعية ولا يقصرها مع أن قصرها هو السنة وهو الذي عليه أكثر الصحابة ومنهم عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، فكان يتم مع عثمان الصلاة فقيل له في ذلك فقال: «الخلاف شر».

فالأوْلى عند عبدالله ابن مسعود اجتماع الكلمة ولو فاتت بذلك سنة.

المثال الثامن:

في أعمال القلوب وأعمال الجوارح

تقديم الاهتمام بأعمال الجوارح على أعمال القلوب مع أن عمل القلب هو الأصل لأعمال الجوارح..

فمن الخلل في ترتيب الأولويات تقديم العناية بأعمال الجوارح الظاهرة على العناية بإصلاح القلب وأعماله والتخلص من آفاته ومفسداته.

المثال التاسع:

ترتيب منازل الخصوم والأعداء

الخلل في ترتيب منازل الخصوم والأعداء؛ لأن الأعداء ليسوا على درجة واحدة، وليس انحرافهم على مرتبة واحدة؛ فخطورة الكافر والمنافق وعداوتهما ليست كالمبتدع من أهل القبلة.

وخطورة الكافر تختلف أيضا حسب شدة الكفر وإفساده؛ فالكافر المسالم ليس كالكافر المحارب الصّادّ عن سبيل الله عز وجل.

وفي ضوء هذه الأنواع من الكفرة وغيرهم نستطيع أن نحدد أولوياتنا في من نوجه إليه حربنا وصراعنا؛ لأنه كلما حُصرت بؤرة الصراع وركّز عليها كانت أشد أثرا ونكاية في العدو.

والعكس من ذلك فيما لو تعددت بؤر الصراع، وبخاصة في مثل زماننا اليوم الذي ليس للمجاهدين فيه شوكة قوية تستعد لمواجهة أكثر من عدو وجبهة في وقت واحد.

فتحديد الأولويات في جهادنا مع الأعداء أمر مهم ومطلوب حتى لا نترك الأخطر ونشتغل بما دونه، وهذا الأمر يحتاج إلى فقه عميق بالموازنة بين المصالح والمفاسد، وإلى فقه بمقاصد الشريعة وترجيح خير الخيرين، ودفع شر الشرين.

وخير مثال لذلك موقف ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في تجييش الأمة بما فيها بعض المبتدعة كالأشاعرة والصوفية من أهل القبلة في حرب التتار الكفرة.

إن معركتنا اليوم في ظل هذه النوازل العظيمة التي تمر بالأمة ليست مع الجماعات الإسلامية التي عندها شيء من الانحراف، وليست مع أهل البدع من أهل القبلة، ولكنها مع الكفرة والملاحدة الذين يريدون سحق الإسلام من جذوره ومسخ الهوية الإسلامية وعلى رأسهم أمريكا الطاغية ومشروعها الإجرامي في حرب المسلمين السُنة.

وهذا لا يعني السكوت عن أخطاء أهل البدع بل يناصَحون عليها ولكن دون أن ننشغل بهم عن العدو الأعظم.

المثال العاشر:

في ترتيب الحقوق

الخلل في ترتيب الحقوق بحيث لا يتقدم حق على حق آخر؛ فقد يجد المسلم لذة وأنسا في عبادة من العبادات قد تُنسيه أو تجعله يغفل عن عبادة أخرى أو حق آخر يتعلق بحقوق العباد هو أوجب عليه، وأحب إلى الله عز وجل وأرضى له سبحانه.

وخير مثال لذلك ما جاء في الرواية الصحيحة التالية:

«عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذّلة. فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.

فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال له: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل.

فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم، فنام. ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا.

فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان». (3أخرجه البخاري في الأدب باب صنع الطعام.  وزاد الترمذي فيه: ولضيفك عليك حق. الترمذي في الزهد باب اعط كل ذي حق حقه)

المثال الحادي عشر:

الترتيب فيما يُدعى الناس اليه

وهذا المثال كان الأوْلى في حقه التقديم على كل ماسبق من الأمثلة..

ألا وهو الخلل في ترتيب الأهم والمهم في دعوة الناس.

حيث نجد من بعض الدعاة أو بعض الجماعات الإسلامية من لا عناية له بأمر العقيدة والتوحيد وما يضاده من الشرك، ويقدم على ذلك ما هو دون ذلك كالدعوة إلى فضائل الأعمال والأخلاق والأحكام، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي دائما رسله الذين يرسلهم يدعون الناس في الآفاق إلى أن يكون أول ما يدعوهم إليه عبادة الله وحده لا شريك له وتوحيده.

ومن هذا ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن:

«إنك ستأتي قوما أهلَ كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.

فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.

فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب». (4البخاري:4347)

وعن التفاوت بين العبادات وكيف يرتبها المسلم حسب الأولوية عند التزاحم يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى:

والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.

والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار…

والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من وِرْده والاشتغال بإجابة المؤذن…

والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو البدن أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفه، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك…

والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد ـ لا سيما التكبير والتهليل والتحميد ـ فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.

والأفضل في العشر الأخيرة من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف، دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء.

والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته وحضور جنازته وتشييعه، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك…

فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه. (5مدارج السالكين:1\88-89 باختصار)

خاتمة .. أمثلة أخرى

ويضاف إلى ما ذكره ابن القيم – رحمه الله تعالى – الأمثلة التالية

إذا ضاق وقت صلاة حاضرة وفائتة فيقدم أداء الحاضرة على الفائتة في الأداء.

إذا تزاحم واجب بأصل الشرع وواجب بالنذر قدم الواجب بأصل الشرع؛ كمن نذر أن يتصدق وعليه زكاة ولا يمكن أن يؤدي الواجبين معا؛ فإنه يؤدي الزكاة ولو فات الوفاء بالنذر.

ومثال ذلك أيضا: لو ضاق الوقت على قضاء رمضان وهناك نذر صوم فعليه أن يقدم القضاء على النذر.

لو تزاحم واجب عيني متعلق بمصلحة عامة للمسلمين مع واجب عيني متعلق بمصلحة خاصة؛ فإن الواجب العام مقدم على الخاص، كما لو تعارض أداء الجهاد العيني مع طاعة الوالدين.

لو تعارض واجب مقطوع بوجوبه مع واجب مختلَف في وجوبه فإن الواجب المقطوع بوجوبه يقدَم على المختلف في وجوبه، كما لو تعارض الجهاد المختلَف في وجوبه مع طاعة الوالدين المقطوع بوجوبها.

…………………………………..

هوامش:

  1. مجموع الفتاوى:23\343.
  2. مجموع الفتاوى:23\343.
  3. أخرجه البخاري في الأدب باب صنع الطعام.  وزاد الترمذي فيه: ولضيفك عليك حق. الترمذي في الزهد باب اعط كل ذي حق حقه.
  4. البخاري:4347.
  5. مدارج السالكين:1\88-89 باختصار.

لتحميل الدراسة كاملة على الرابط التالي:

اقرأ بقية الدراسة:

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (1-7) علوم ضرورية، العلم بالأسماء والصفات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (2-7) علوم ضرورية، العلم بالسنن الالهية

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (3-7) علوم ضرورية، فقه الموازنات والأولويات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (5-7) فقه المآلات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (6-7) خطورة عدم اعتبار المآلات

فقه النوازل في ضوء الكتاب والسنة (7-7) أمثلة معاصرة لقاعدة النظر في المآلات

التعليقات غير متاحة