يترقب العالم تراجع الدور الأمريكي في العالم، ويترقب صعود قوى أخرى. ودور المسلمين لا أن يترقبوا هبوط قوى وصعود أخرى؛ بل أن يحجزوا مكانهم كأمة محورية بين الأمم؛ بل قيادة البشرية.

الخبر

“بينما يتسبب فيروس كورونا بأضرار جسيمة وواسعة النطاق في الولايات المتحدة، باتت الكثير من دول العالم المتقدم تسيطر على الوباء، ويكشف الفيروس التاجي عن “عالم ما بعد أمريكا”، كما قال رئيس وزراء سويدي سابق. إنها أحدث حلقة في سلسلة طويلة من سياسات الرئيس ترامب التي حولت أمريكا من شريك محترم إلى حليف غير موثوق به، تقرير نيك روبرتسون”. (1موقع “CNN العربية”، على الرابط:
فيروس كورونا يكشف “عالم ما بعد أمريكا” وتحولها لحليف غير موثوق
)

التعليق

يتحدث الغرب الآن، والأمريكيون أنفسهم عن تراجع الدور الأمريكي بالعالم. ووصل الحديث إلى هذه الصراحة “عالم ما بعد أمريكا”.. هم يضعون توقعات وشواهد هذا بما يعلمون من ظاهرٍ من الحياة الدنيا، وهو حق؛ كقوانين أجرى الله العالم عليها؛ لكنها جزء من الحقيقة، لأن مما خلق الله تعالى عليه هذا العالم أن سنة الله تجري وتترتب على أفعال البشر في إيمانهم وكفرهم، وفي أخلاقهم استقامة وفجوار، وفي تعاملهم عدلا أو ظلما..

أما ما رصدوه فالفشل الأمريكي في أزمة كورونا،  والانغلاق وغلق الحدود، والانسحاب من المنظمات العالمية ذات التأثير الناعم والهيمنة على العالم بزعم أنها تستنزف الأموال، ومنها رفض تعزيز الناتو وخشية تهميشه، مع سحب الجنود الأمريكيين من ألمانيا، مع بدو جهل ترامب في طلبه حقْن الأجسام بالمطهرات..! في سخافة لا تليق برئيس دولة صغيرة فضلا عن دولة تحكم وتقود العالَم ـ للأسف ـ مع مشاحنات غير مدروسة مع القوى العالمية، مع نجاح بوتين في ظل الهيمنة الأمريكية في أن يفوز برئاسة روسيا مدى حياته البائسة، ومنذ أيام انتزاع الصين السيطرة الأمنية والمطلقة على “هونج كونج”.. ويقول عقلاء الغرب أن هذا يحدث بينما تشق الصين طريقها بمنهج واضح وخط استراتجي محدد.

هذا ما يرصده أهله؛ لكننا مع رصْدنا لهذا نفهم أيضا سنن الله تعالى في حياة الأمم، وتأثير الكفر والفجور والإنحلال، وتأثير الظلم في هلاك الأمم ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (هود: 102)

ونعلم أن ازدهار الحضارة لا يخدع المؤمن؛ فإن وراءها خطر تأثير “الذنوب” ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾ (الأنعام:6)

فإن للذنوب تأثيرها المباشر في التدمير والهلاك، وخاصة الذنوب العامة التي تشترك فيها الأمة وتتواطأ عليها، وخاصة الشرك الأعظم ورد الشرائع واستحلال المحارم وتكذيب الرسل وشيوع الظلم.

كما أن للذنوب تأثيرها غير المباشر ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (الحشر:19) نسوا ذِكره وحقه، فأنساهم ما ينفعهم وصرَفهم عنه سبحانه حتى أوردوا أنفسهم المهالك.

لكن هنا يتساءل العقلاء عن البديل.. وعن المرحلة التالية؛ هل لو ضعف الأمريكيون وارتخت قبضتهم على العالم يملك المسلمون أمرهم..؟ أم يبحثون عن التبعية لقوة أخرى يرقبونها صاعدة لتكون الوريث..؟!!

إنه سؤال مخجل بكل المقاييس وهو نابع من الحالة المتردية للمسلمين من حيث القوة ومن حيث المفاهيم؛ فإن البعض يرقُب القوة الصاعدة وهل هي روسيا أم الصين؛ ليتجهز التبعية لها..! ومنافقوا العرب يتسابقون ويتنافسون في نيل رضا القوى الجديدة وفي توقع من يكون له الهيمنة..!!

وهذا وارد في حال اليهود الصهاينة الذين كتب الله ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، والذين قطعهم الله في الأرض أمما، والذين كتب عليهم الذلة إلا بحبل من الله بالعهد، وحبل من الناس فيبحثون عن حبل من الدول الغالبة دائما؛ ولهذا نسمع عن تحول رأس المال اليهودي من أمريكا إلى الصين منذ عقد من الزمان.

لكن هذه الأمة المسلمة أخرجها الله للبشرية لتقودها لا لتكون في ذيل الأمم ولا بين الزحام ولا مع الغالب؛ بل هي من يغير الله تعالى على يديها شكل العالم ويُصلح بها حال البشرية.

حينما نرى الأمم الكافرة تتهاوى نزداد إيمانا حين نرى صدق ما أخبر ربنا. لكن يبقى تكليف الله لنا بإقامة الدين واستقلال أمرنا، وبلاغ دين الله؛ بل والقيام بدور الخيرية بين الأمم هدايةً ورشدا؛ حيث نعتز بهذا الدين ونُقيمه لا نترك منه شيئا ولا نعتذر عن شيء ولا نستورد ما يناقضه.

وإذا سقط الأمريكيون لانحرافهم وظلمهم؛ فكيف يكون الملاحدة الأكثر صراحة ودناءة أخلاقية وظلما ووحشية كالصينيين…؟!! إنهم لا يملكون مقومات القيادة إطلاقا؛ حتى عابهم الأمريكيون أنهم لا يملكون رسالة للعالم..! وكأن الأمريكيين يملكون..!!

خاتمة

تلك مصائر محتومة؛ لكن حتى تلقى كل أمة منهم مصيرها ففي فترات قوتها تدفع هذه الأمة ثمنا باهظا إذا لم تقم بدورها الذي ناطه الله بها. فتوفيرا للأثمان الكبيرة من دمائنا وثرواتنا، ومن إهدار الكرامة، ومن فتنة من يُفتتن بأمم الكفر، ومن حرمان البشرية من رؤية نور الله وشريعته مطبقة في الواقع وصوت دينه حُر داوٍ يبلغ الآفاق ويشق طريقه إلى القلوب؛ حتى نوفر ذلك الشر ونحصّل ذلك الخير يجب أن نملك أمرنا لا أن نرقب سقوط أمم وصعود أخرى..!

بل نقول أمرا مهما؛ وهو أنه يجب على المسلمين استغلال ما يسنح من فرصة ترتخي فيها قبضة العدو لتكون لهم فرصة تاريخية للانعتاق والانطلاق ثم الاستعصاء على أي قوة أخرى تأتي من بعدهم؛ هذا ما يستوجبه في هذه المرحلة التربص الذي أمر الله والرباط والانتظار؛ فهو تربص ورباط وانتظار إيجابي تعد فيه الأمة نفسها وتهيء أمرها وتلملم شتاتها وتتحين الفرصة المناسبة للخروج من المأزق التاريخي؛ بإذن ربها. هذا هو الواجب، وما سواه تفريط يعرّض للعقوبة.

ويتأكد هذا الواجب على أهل الحل والعقد من عقلاء الامة وعلمائها ودعاتها؛ بأن يجمعوا أمرهم، ويوحدوا صفهم، ويصححوا أفهامهم، ويُخلصوا لربهم، ويعوا واقعهم ومكر أعدائهم.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “CNN العربية”، على الرابط:
    فيروس كورونا يكشف “عالم ما بعد أمريكا” وتحولها لحليف غير موثوق.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة