خسرت الأمة كثيرا بسيطرة الصوفية السلبية وعقيدة الجبر، والمفهوم المنحرف لعمل الآخرة، وقصور مفهوم العبادة، مع سيطرة الاستبداد والتقاتل على الملك حتى أُنهكت الأمة سياسيا واجتماعيا وتوقف تيار الحياة الرافد، فتقدم الغرب بأسبابه المادية، فسادت مظاهر التخلف وتشكك الناس في المنهج الذي يحملونه..!

في الوقت الذي كان الفكر الصوفي بنظرته السلبية إلى الحياة يكاد يسيطر على المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث، انطلق العالم الصليبي في أوربا في مجالات العلم وميادين المعرفة، آخذا بأسباب القوة والتقدم والرقي المادي، مدبّرا للمؤامرات والدسائس على العالم الإسلامي الذي كان فيه الجمهور في غيبوبة عما يراد بهم، ويرفضون الأخذ بالأسباب، ويعولون على البطالة والخمول والاتكالية(1).

مظــاهر التخلف

أما مظاهر التخلف فنراها في العصر الحديث نكوصا وتراجعا في جميع الميادين والمجالات؛ في ميدان العلم، وفي الاقتصاد، وفي المجال العسكري، وفي الحضارة عموما.

أ- التخلف العلمي

في الميدان العلمي حدث تقلص ضخم أبعد بالتدريج كل العلوم التجريبية من معاهد العلم، في الوقت الذي اقتصرت فيه العلوم الشرعية على فكر القرن الخامس الهجري. ثم أخذ التقليد يتكرس قرنا بعد قرن، واقتصر التصنيف العلمي على شرح المؤلفات السابقة أو تلخيصها(2).

لقد كان من مفاخر الحركة العلمية الإسلامية في عصور الازدهار أنها تفتحت للعلم كله، وأبدعت في جميع العلوم الشرعية والتجريبية. وكان العالِم يتخصص في العلوم الشرعية ويكون في ذات الوقت عالما بالطب أو الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء بغير تعارض ولا تناقض بين هذا وذاك.

وكانت المعاهد العلمية في الأندلس وغيرها تعلم طلابها كل فروع العلم وألوانه بغير تفريق، وكانت العلوم التجريبية من المعالم البارزة في تلك المعاهد إلى جانب العلوم الشرعية. ومن هناك تعلمت أوربا المنهج التجريبي في البحث العلمي، وترجمت ما كتبه المسلمون في الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات والبصريات، وكانت تلميذة عليه في بداية نهضتها(3).

تأثير الفكر الصوفي

ولكن المسلمين تحت تأثير الفكر الصوفي تخلوا عن تلك العلوم تدريجيا من معاهدهم ليقتصروا على العلوم الشرعية، مع الجمود في دراسة هذه العلوم ذاتها تحت وطأة التقليد وإقفال باب الاجتهاد.

فالصوفية التي انحرفت عن مبادئ الإسلام وقيمه التي تدعو إلى الجمع بين الدنيا والآخرة، اتجهت إلى إهمال الدنيا بحجة التزكية من أجل الآخرة، وأهملت بالتالي عمارة الأرض على أساس أن الاشتغال بها يثقل الروح ويذهب عنها شفافيتها وطلاقتها.

ومن ثم أهملت كل العلوم المتصلة بتلك العمارة، واعتبرتها شيئا ثانويا يمكن للأمة الإسلامية أن تستغني عنه(4).

ولم تفهم بأن إتقان العلوم الدنيوية ضروري لبناء المعرفة ومن ثم إعداد القوة التي أمرنا الله عز وجل بها لنشر الدين وحماية المجتمع الإسلامي من أعدائه المتربصين به.

تقلص العلوم الشرعية وانحسار الاجتهاد والتجديد

أما العلوم الشرعية فقد تأثرت هي الأخرى بروح التقلص العامة التي فشت في المسلمين من أكثر من وجه، حيث تحول الطلاب إلى حفظة لا مفكرين، يتعالم الواحد منهم بقدر ما يحفظ من المتون والشروح والحواشي، ولكنه لا يفكر في الإضافة والتجديد والتأصيل العلمي، ففقد العلماء أصالة العلم وأصبحوا مجرد نقلة مقلدين(5).

ومن خلال تراجم الشيوخ والعلماء في العصر الحديث نستطيع أن نتبين أن بعضهم كان غزير الإنتاج؛ فكم من عالم أنتج العشرات من الكتب والرسائل، ولكننا لا نستطيع أن نجد من بينها بحثا له قيمة أو كتابا يضيف إلى العلم جديدا، أو رسالة فيها شيء من الابتكار، وإنما أقصى ما يفعله الواحد منهم أن يكتب شرحا لمتن أو يضيف حاشية على شرح(6).

شيوع التعصب المذهبي الضيق

بل تكرس شر آخر، وهو التعصب المذهبي في الفروع الذي عم الدارسين، كلٌ يتعصب لمذهبه الذي نشأ عليه، وجعل قصارى جهده أن يثبت تفوق مذهبه وشيوخه على المذاهب الأخرى وشيوخها، وأن يدخل في معارك وهمية مع الآخرين من أجل الانتصار للمذهب الذي ينتسب إليه(7).

فقدان الحاسة العلمية في العلوم الشرعية والتجريبية
بعد الريادة فيهما

وهكذا سواء في العلوم الشرعية أو في العلوم البحته التجريبية فقدت الأمة حاستها العلمية بتاتا، وخرجت من الدائرة التي كانت هي مركزها في يوم من الأيام، يوم كانت هي العالمية الرائدة في الأرض، وأوروبا تهرع لتكون تلميذة على ما لديها من الحضارة والعلم.

مظاهر مبكية

ومن خذلان الله تعالى للمسلمين بسبب بعدهم عن دينهم أنهم لم يعودوا يميزون بين النافع والضار من العلوم والأفكار. وكانت النظرة السائدة في المجتمعات الإسلامية صوب كل جديد يطل عليها من مخترعات أوربا، هو القصور والسذاجة الممزوجة بالخوف والتردد والحذر تجاه كل قادم مهما كان نافعا مفيدا.

يذكر الناصري المؤرخ المغربي أن بعض الفرنسيين تكلموا مع سلطان المغرب الحسن بن محمد في شأن بابور البر (القطار) والتلغراف وإجرائهما بالمغرب كما هما في بلاد المعمورة، ثم يعلق على ذلك بقوله:

وزُعِمَ أن في ذلك نفعا كبيرا للمسلمين.. وهو والله عين الضرر!! وإنما النصارى أجْربوا سائر البلاد فأرادوا أن يُجْربوا هذا القطر السعيد الذي طهره الله من دنسهم(8).

ويذكر الغزي أن التلغراف قد دخل إلى حلب سنة (1271هـ – 1854م)، وحين مدت أسلاك البرق، وقيل للناس إنه ينقل الأخبار من بلد إلى آخر مهما كان بعيدا في لحظة كطرفة عين، أنكروا ذلك وقالوا: لا شك أن الذي ينقل هذا الخبر شيطان مارد منبث في التيل(9)!.

والخلاصة أن التخلف العلمي والشرعي الناشئ أصلا عن الانحراف العقدي أصبح هو الطابع السائد في العالم الإسلامي قبيل الغزو الصليبي الهائل الذي اجتاح بلاد الإسلام في العصر الحديث.

ب- التخلف الاقتصادي

التخلف الاقتصادي في تاريخ المسلمين الحديث يعود أصلا إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية.

العوامل الداخلية

إن المسلمين رغم ما كانوا يملكونه من ثروات وخيرات طبيعية من المحيط الأطلسي إلى حدود الصين، إلا أنهم عاشوا التخلف الاقتصادي في أمرّ أذواقه وأظلم أشكاله. وهذا يقود إلى الأسباب المسئولة عن تلك الأوضاع المتردية.

وها هنا لابد من الإشارة إلى أن ظاهرة التخلف هذه ظاهرة متعددة الجوانب ومتشابكة الأبعاد تتفاعل في أحداثها جميع جوانب المجتمع؛ فحيثما وجد التخلف الاقتصادي من ضعف في نصيب الفرد من الناتج القومي، وانخفاض معدل السعيرات الحرارية، والفوضى في استغلال الموارد من النخبة أو الفئة المتحكمة، وانعدام التخطيط، وعدم ترشيد الإنفاق، وعدم تكافؤ الفرص، والاحتكار…إلخ

فإن ذلك يرجع إلى التخلف السياسي والاجتماعي اللذين يترجمهما الاستبداد في الحكم، وانعدام الشورى، وانسلاخ المجتمع من قيمه، وتفشي البطالة والفراغ، ومختلف الأمراض الاجتماعية التي تصاحبهما.

كما يوجد بجانب ذلك تخلف علمي وثقافي يتمثل في تعطيل حركة الإبداع والاختراع، وارتفاع معدلات الأمية، وقلة الهياكل الدراسية ومعاهد العلوم التي ترشح المجتمع لتطوير آلياته وأدواته ووسائله الاقتصادية(10).

إهمال ركائز النشاط الاقتصادي

ولو نظرنا إلى ركائز النشاط الاقتصادي وهي: التجارة، والزراعة، والصناعة، لرأينا مدى التخلف الذريع في هذه المجالات؛ فالتجارة كانت مسلوبة إلى حد كبير من أيدي المسلمين محليا ودوليا، والزراعة أُهملت إهمالا شديدا بسبب عدم العناية بوسائل الري والطرق وشؤون الأمن.

أما الصناعة فلم يكن المسلمون في العصر الحديث يعرفون سوى بعض الصناعات اليدوية، ويعيشون حياة أسلافهم قبل بضعة قرون دون أي تغيير يذكر، رغم انفجار الثورة الصناعية من حولهم في الغرب اللاتيني(11).

إن التقاعس عن الأخذ بالأسباب، والتواكل، ووهن العزائم، والرضا بالفقر والدونية، والضعف العلمي، رسّخت في نفوس المسلمين القابلية للتخلف الاقتصادي، مما عوّدهم على الاستهلاك بدل الإنتاج، وعلى الذيلية والتأخير بدل القيادة والريادة والمغامرة، كل ذلك فتح المجال أمام العوامل الخارجية التي أدت دورها في إحكام الطوق على العالم العربي الإسلامي وتجريده من ميزته كمعبر للتجارة بين أوربا وآسيا.

العوامل الخارجية

لقد كانت أوربا الصليبية تسعى ـ منذ القضاء على الدولة الإسلامية في الأندلس ـ إلى تطويق العالم الإسلامي وإضعافه بكل الوسائل.

وكان من بين الوسائل التي اتخذوها السعي الدائب لتحويل التجارة العالمية إلى أيديهم، وانتزاعها من أيدي دولة المماليك بمصر الذين كانوا يمسكون بزمامها عن طريق سيطرتهم على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، فتدر عليهم أموالا طائلة وعلى العالم الإسلامي كذلك(12).

فكانت مهمة إسبانيا الالتفاف على المسلمين من ناحية الشرق بينما كُلِّفت البرتغال بالتحرك من الجنوب لإتمام عملية التطويق.

إذ كانت هاتين الدولتين تتلقيان المساعدات من أوربا لأنهما كانتا على خط التَّماس المباشر مع المسلمين وفي حروب دائمة معهم.

وكانت قد وصلت إلى مسامع الإسبان فكرة كروية الأرض، وإمكانية الوصول إلى الشرق في طريق الاتجاه نحو الغرب، إذ كانوا على علم بأن سفنا مسلمة قد تحركت نحو الغرب ولم تعد، مما يعني أن هناك إمكانية للوصول إلى الشرق(13).

وانطلق البرتغاليون نحو الجنوب والتفوا حول رأس الرجاء الصالح. ومنذ اكتشافهم لهذا الموقع الحيوي الذي اكتشفوه على هدي الخرائط الإسلامية وبمعاونة بحار مسلم عربي (ابن ماجد)، بدأوا يتجهون إلى الشرق الأقصى ليستولوا على أرضه وخيراته، وينقلونها على سفنهم عن طريق رأس الرجاء الصالح ليحرموا منها المماليك، ويحرموا منها العالم الإسلامي كله، فتأثرت اقتصاديات العالم الإسلامي تأثرا بالغا فيما حدث.

مع العلم أن الهدف الأول لهذا التحرك الاقتصادي من أوربا هو: حرمان المسلمين من مصادر قوتهم بإضعافهم، ثم يأتي الهدف الثاني وهو مرحلة التوسع وتكوين الإمبراطوريات وتحقيق المصالح القومية(14).

ج- التخلف الحربي

أما التخلف الحربي فصلتُه بالتخلف العقدي واضحة بكل تأكيد؛ فكل عوامل الانحراف العقدية قد أثرت في القوة الحربية لهذه الأمة..

  • سواء الاتجاه الصوفي الذي يصرف الناس عن جهاد الأعداء بحجة توفير الطاقة لجهاد النفس!
  • أو الفكر الإرجائي الذي ساهم في الخنوع والكسل وترك العمل وإعداد القوة لإرهاب أعداء الإسلام
  • أو الاستبداد السياسي الذي شغل الحكام بفرض سلطانهم على شعوبهم عن الجهاد لإعلاء كلمة الله.
  • فإذا أضيف إلى هذا كله التخلف العلمي والتقني، وفقدان روح الابتكار، فقد اكتملت أسباب التخلف الحربي، وأصبح هو النتيجة المنطقية للظروف التي أحاطت بالمسلمين في العصر الحديث(15).

فبعد أن وصلت الجيوش العثمانية ـ وهي الحامية للعالم الإسلامي ـ إلى (فيينا) غربا وإلى (بترسبورج) شرقا، وحاصرت كلا منهما فترة من الوقت، أخذت تتراجع لا عن تلك الأهداف القصوى وحدها، بل عن الأهداف الدنيا.

حتى أكلت روسيا الصليبية بقاعا واسعة من الأرض كل سكانها مسلمون، واستولت أوربا على بعض الولايات العربية، مما يعني أن أوربا تتقوى باستمرار، حتى صارت قوتها مكافئة لقوة الدولة العثمانية العسكرية.

ثم أخذت تتفوق عليها، فتغير ميزان القوى، وبدأت أوربا تهدد العالم العربي الإسلامي بأكمله.

ومما لاشك فيه أن هذا الاكتساح العسكري يرجع إلى التفوق في مجال صنع الأسلحة الحديثة في أوربا،  وظهور بوادر التطور الصناعي في المجال الحربي(16).

ظهور فارق القوة والتحديث

فعلى سبيل المثال، فالمماليك الذين كانوا يحكمون مصر لم يستطع جيشهم الصمود أمام الحملة الفرنسية في معركة (إمبابة) سوى ثلاثة أرباع الساعة بسبب التفوق في التسلح والتنظيم العسكري من جانب الفرنسيين(17)

فالمدافع المركبة في (إمبابة) وعددها أربعون مدفعا لم تكن مركبة على عجلات بحيث تستطيع التحرك والانتقال تبعا لتطور القتال، بل كانت مثبتة على الأرض، والمقاتلون لا يستطيعون التحرك بسهولة ومغادرة الاستحكامات التي كانوا ممتنعين بها.

كما أن هذه المدافع كانت من الطراز العتيق، فلم تطلق قنابلها إلا مرة واحدة، ولم يستطيع رماتها أن يعيدوا الضرب بها(18).

وفي المغرب استطاع جيش فرنسي لا يتجاوز عدده ستة الآف مقاتل أن يهزم الجيش المغربي البالغ عدده خمسة وستين ألف جندي في عهد السلطان عبد الرحمان بن هشام عام (1258هـ ـ 1842م) في معركة (وادي إسلي)، بسبب ضعف السلاح وفقد النظام(19).

د- التخلف الحضاري

لقد استمر الإشعاع الحضاري في بلاد المسلمين زهاء ألف سنة، لكن ما لبث يتراجع ويخبو شيئا فشيئا. كيف يا ترى حط التخلف رحاله في العالم الإسلامي بعد أن ظلت الحضارة الإسلامية أول الحضارات تقدما ورُقيّا على الصعيد العالمي؟

تجاهل السنن الربانية

من المسلَّم به أن العامل الجوهري في هذا التخلف الحضاري في العصر الحديث يرجع إلى: تجاهل السنن الربانية التي تحكم الأشياء والطبيعة، وتحكم الأفراد والأمم، وفهم هذه السنن واستيعابها وتوظيفها وتسخيرها على الوجه الصحيح.

بالإضافة إلى ضعف اهتمام المسلمين بما يطلق عليه القرآن “السير في الأرض”، أي الحركة والعمل والتأمل الذي يهدي إلى البحث والكشف عن السنن التي تعينهم في تصريف شؤونهم المختلفة، وتذلل لهم الصعاب، وتيسر لهم عمارة الأرض، واستغلال كنوزها وخيراتها، وفق المنهج الذي نص عليه القرآن الكريم.

ومع غياب التفكير السُنني وتراجع العلم لم يعد المسلمون قادرين على تسخير مفرداته بطريقة واقعية ووضعها موضع التنفيذ العملي، مما أفقدهم الجدوى والفاعلية المطلوبة للتقدم والسبق الحضاري(20).

[اقرأ المزيد عن: سنن الإعداد والتدافع التي فطر الله عليها الحياة]

الدور السلبي للاستبداد

علاوة على أن الاستبداد قتل روح الإبداع ومقومات التجديد في الأمة، وجعل كل إنسان ينشغل بخاصة نفسه ولا يلتفت إلى مصالح الجماعة وإلى حاجات الأمة، فطغت الأنانية والمصلحة الخاصة على حساب المصالح العليا للأمة.

وتحول المسلمون إلى البداوة وعدم التحضر عند فقدهم للروابط التي تفسر اجتماعهم وعملهم المشترك في سبيل أهدافهم الحضارية.

الدور السلبي الأخلاقي للإرجاء

أما الجانب المعنوي من الحضارة ـ وقوامه السلوك الأخلاقي المرتبط بالعقيدة ـ فقد تلاشى من حياة المسلمين بفعل الفكر الإرجائي، فلم يعد المسلم يجد حرجا في قلبه أن يكذب، وأن يغش، وأن يخون الأمانة، وأن يتهاون في العمل، وأن يخلف الوعد، وأن يحقد على أخيه ويتمنى زوال نعمته، وأن ينافق، وأن يبخل ويجبن، وأن يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم.

ففقد بذلك جوهره الحضاري الإسلامي؛ لأنه تجرد من أخلاقيات “لا إله إلا الله”، وتجرد من قيمها الإنسانية العليا التي هي جوهر الحضارة وعماد التحضر(21).

جملة الظواهر السلبية والاستلاب الحضاري

وعلى العموم، فقد اصطبغت المجتمعات الإسلامية بجملة من الظواهر السلبية أورثتها الاستلاب الحضاري وانطفاء الفاعلية منها:

– فاعلية تكاد تكون منعدمة، ونظرة إلى الوقت على أنه لا قيمة له.

– نشاط متجه إلى اللغو والكلام الفارغ والحديث غير المنتج، والثرثرة تكثر كلما قلّ النشاط والحركة.

– فقدان التخصص، والجهودُ مبعثرة.

– الإنتاج أضأل من حاجات المجتمع، ولذلك كان المسلمون عالة على الغربيين في حاجاتهم الحيوية، مما مهدّ للاحتلال الأجنبي.

– التقاعس عن العمل والتواكل، وضعف العزائم، والرضا بالفقر على أنه قدر من الله لا ينبغي السعي إلى تغييره، خوفا من الوقوع في خطيئة التمرد على الله تعالى(22).

[للمزيد: خسارة الأمة نتيجة غياب الهوية وفقدان التماسك الاجتماعي]

خاتمة وخلاصة:

وخلاصة القول.. إن الهزائم والنكبات في تاريخ المسلمين الحديث والمعاصر تعزى إلى: التراجع العلمي، والتدهور الاقتصادي، والتخلف العسكري، والانحطاط الحضاري، على كافة الصُعُد، يوم أن فرط المسلمون في دينهم شعوبا وحكاما، حيث ركن الحكام إلى ملذاتهم وشهواتهم، وانصبّ اهتمامهم على المحافظة على كراسي الحكم وأهملوا أمر الجهاد، وتفشت الجهالات والبدع والخرافات والمنكرات في الأمة.

فأهملت الأخذ بالأسباب، وجهلت كيفية التعامل مع نظام السنن في الحياة، سواء السنن الطبيعية أو الاجتماعية أو التاريخية، فألم بها الضعف المعنوي والمادي، وغشيها الانحلال، فخذلها الله عز وجل، وأصبحت لقمة سائغة في أيدي أعدائها.

………………………………………………..

هوامش:

  1. للتوسع في هذا الموضوع انظر: “الانحرافات في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين”، لعلي الزهراني: (1/437-564).
  2. المرجع السابق: 2/12، 34).
  3. المرجع السابق: (2/8، 9).
  4. محمد قطب، “واقعنا المعاصر”: (ص175).
  5. المرجع السابق (ص 176).
  6. جمال الدين الشيال، “الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي”: (ص 11).
  7. محمد قطب، “واقعنا المعاصر”: (ص 176)
  8. “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”: (9/162).
  9. “نهر الذهب في تاريخ حلب”: (3/39).
  10. عبد المجيد قدري، “قراءة في تخلف العالم الإسلامي”، مجلة السنة، عدد 4، (ص81).
  11. علي الزهراني، “الانحرافات العقدية والعلمية”: (2/155) بتصرف.
  12. محمد قطب، “واقعنا المعاصر”: (ص179).
  13. محمود شاكر، “الشكوف الجغرافية، دوافعها وحقيقتها”: (ص 11،33).
  14. محمد قطب، “واقعنا المعاصر”: (ص 179، 180،188).
  15. المرجع السابق (ص 182، 183).
  16. المرجع السابق ( ص 183).
  17. الجبرتي، “عجائب الآثار”: (2/189).
  18. عبد الرحمان الرافعي، “تاريخ القومية وتطور نظام الحكم في مصر”: (1/206، 208، 211).
  19. الناصري، “الجيش المغربي عبر التاريخ”: (ص 123، 126).
  20. محمد بدري، “الفاعلية طريق الحضارة”، مجلة البيان، عدد 99، (ص 34)، بتصرف يسير.
  21. محمد قطب، “واقعنا المعاصر”: (ص 178).  
  22. محمد بدري، “الفاعلية طريق الحضارة”: (ص 34).

لتحميل البحث كاملا على الرابط التالي:

اقرأ أيضا: 

  1. الجزء الثاني من المقال .. نتائج التخلف
  2. من عبرة التاريخ .. التفرق الذي يسبق السقوط

التعليقات غير متاحة