كلما زاد الزعيق والصراخ بالوطنية مقابل الإسلام ومقابل الحرية ومقابل التاريخ والهوية؛ فاعلم أن وراءها فسادا عريضا؛ يطلب شعارات ليغطي بها على فساده.

الخبر

“كشف الجيش المصري معلومات عن تعداد وطبيعة المشروعات الاقتصادية التي يشرف عليها، وأعداد الموظفين العاملين فيها، وتسبب ذلك في إثارة حفيظة العديد من المدونين والنشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم أن رئيس الانقلاب تحدث مرارا عن دور محدود للجيش في الاقتصاد المحلي، قال المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية إن الجيش المصري “يشرف على نحو (2300) مشروع، يعمل بها خمسة ملايين موظف مدني في جميع التخصصات”.

وقدم بعض الأمثلة على المشاريع التي يشرف عليها الجيش، وأعداد العاملين فيها.

وأثارت المعلومات التي كشفها الرفاعي حفيظة عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها تغولا من الجيش المصري، وسط تصاعد الاتهامات الموجهة له بالهيمنة على العديد من مفاصل اقتصاد البلاد.

ومنذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في صيف (2013)، يتنامى وبشكل متسارع دور المؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية المصرية.

وتتباين التقديرات حول حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد المحلي، حيث تشير بعض التقديرات الإعلامية إلى أنه يمثل (50%)، بالرغم من ادعاء رئيس الانقلاب أنه لا يتجاوز (3%)”. (1موقع الجزيرة، 3/9/2019، على الرابط:
مصر.. المتحدث العسكري يناقض تصريحات السيسي ويكشف إمبراطورية الجيش الاقتصادية
وراجع تسريبات وفيديوهات المقاول صاحب الشراكة مع الجيش والهيئة الهندسية، فهو حديث البلاد في هذه الفترة، (أغسطس 2019)
)

التعليق

الإسلام هو الأصل عند المسلم؛ هو الأصل في العقيدة والعبادة، وهو الأصل كذلك في الهوية والجنسية. وأما الوطن فيأخذ صفته وقدره من كونه وطنا إسلاميا يحمل بيضة المسلمين وقوتهم ويقام عليه دين الله وترتفع عليه راية الإسلام، ويجب الدفاع عنه وحمايته لئلا تعلو عليه راية الكفر وشرائعه.

لكن الوطن ليس بديلا عن الإسلام وليس نقيضا له.

ولقد كان طريق الإحياء الإسلامي للأمة للاستفاقة الواجبة في هذا العصر يمر عبر إحياء العمل بشريعة الله وإحياء الإنتماء الإسلامي للأمة والعودة الى الجذور والهوية الحقيقية الراسخة في الأعماق؛ إذ إن تعريف الإنسان المسلم في هذه الحياة أنه “مسلم” يعيش في الوطن الفلاني أو الفلاني، وليس أنه المصري أو السعوي أو المغربي أو التركي بالاعتبار الأول.

ولقد سلكت العلمانية للتحلل من الإسلام طريق “الوطنية” فجعلوا الوطن مقدَما على الإسلام، وكان خطابهم أنه ليتحقق الجمع بين طوائف الوطن الواحد من رافضة ونصارى ويهود يجب أن نتخلى عن الإسلام ونبحث عن جامع مشترك وهو الوطن.

[للمزيد: الوطنية .. طاغوت العصر]

لا ينظرون الى أن أنهم خسروا “الأمة” الكبيرة والبعد الاسترتيجي للأمن القومي لهم وخسروا كتلة ضخمة تحميهم، وخسروا تاريخا وهوية، وتمزقوا.. ولكنهم زعموا أنهم يبحثون عن مشترك مزعوم؛ فيرفضون الإسلام وينحّوه عن الحياة كشريعة لئلا يضايقوا زملاء الوطن وشركاء البلاد، ويرفضون هوية الإسلام لئلا تغضب عليهم أقليات الأفاعي التي تعمل من خلال الوطن لصالح طوائفها ودياناتها فتفتت الوطن وتتآمر مع العدو وتصطف طائفيا..! في مفارقة مخجلة وعار وشنار يلتصق بهؤلاء المجرمين في الدنيا والآخرة.

والجيوش التي ورثت عن الاستعمار الصليبي دوره الصليبي في تنحية الإسلام وعدائه تقرر هذه المقررات فتحارب الإسلام عن كراهية وقناعة وعقيدة ذاتية، وترى فيه خطرا؛ فتتباكى على “الوطن” من خطر “الإسلام”..!! وتغني للوطن بزعيق وصراخ يملأ الإعلام ويُقحَم في المساجد ويُضمَن في الخطاب الديني ويطارد المؤمنين ويبرر قتلهم.

وتحت هذا الصراخ وأسفل هذه الشعارات لا يتم بيع الدين وحربه فقط..! بل يتم بيع الوطن نفسه، وإيقاعه في التبعية ورسوخه فيها، ويصبح رهينة لكلمة تصدر من البيت الأبيض الصليبي أو من تل أبيب الصهيونية ـ  (تل الربيع الفلسطينية المغتصَبة) ـ أو لغيره من عواصم الكفر العالمي..!

ولا يكتفي اللصوص والفجرة بهذا بل يسرقون الوطن وينهبون أمواله ويبيعون مقدراته  لمختلف القوى الإقليمية والعالمية لمن يدفع أكثر لأشخاصهم ولو كانت قيمته بخسا في ميزان الدول..!

بل ويتعامل هؤلاء العسكر العلماني كطائفة داخل الشعب المسلم؛ فيعملون لصالح طائفتهم ويؤثرونها بمقدرات الأمة من أموال وأراضٍ وثروات مختلفة ومشاريع استثمارية، ويسترضون الطوائف المساعدة لهم من قضاة فسدة وشرطة ظلمة وبعض الإعلاميين المنافقين. وتتقزم البلاد الى طائفة محددة تعينها طوائف وأشخاص محددون ثم بقية الشعب لا يملك شيئا فيرمون له الأغاني الوطنية والنشيد والهتاف ورفرفة العلَم التي لا تعني شيئا سوى خيالا محلقا؛ يأكل به الطغاة ويموت من أجله الملايين..!

[للمزيد: الوطن .. والبقرة .. والكاهن]

وأصبحت المعادلة مفارقة عجيبة أن من يتغني بالوطن ويقدمه ويصرخ به هو من يبيعه ويعرضه في المزادات ويخونه. ومن يرفع راية الإسلام هو من يحفظ الدين والبلاد وحقوق العباد. فهل يجد الناس خيرا في الابتعاد عن دين الله ومخاصمته..؟ إنهم لن يجدوا دنيا ولا دينا.

خاتمة

إن الخبر أعلاه مثال على خلل كبير في عدة جوانب، وقد سلطنا الضوء على أحد هذه الجوانب. وثمة خلل يسري في بقية الحياة؛ فيسري الخلل والضعف والفساد الى الحياة العسكرية نفسها، ومظالم كثيرة تقع على العباد، ويتضرر الملايين من مزاحمة العسكر للناس في حياتهم وتجارتهم، ويقع ضمور في الحياة والإبداع، وتخليق الكذب وصناعته، وتسليط الإتلاف على الطبقات المثقفة، وخنق العلماء والمبدعين والأحرار، وبيع قضايا الأمة على غرار بيع الوطن، وتدمير ممنهج للأخلاق والقيم لإسقاط الشعوب أخلاقيا وإتلاف خامتها، وافتعال القضايا الجانبية لإشغال الناس دوما بعيدا عن مكمن الخطر ومكمن المظالم.. وغير ذلك من مظاهر التلف والفساد الذي تعج بها الحياة بتسلط هؤلاء الكذبة الفجرة، العلمانييين المعادين لدين الله والمحادين له.

فاللهم أعتق رقاب هذه الأمة من تسلط الجبابرة واجعل لها فرجا ومخرجا وطريقا الى امتلاك أمرها، لا إله إلا أنت.

……………………….

هوامش:

  1. موقع الجزيرة، 3/9/2019، على الرابط:
    مصر.. المتحدث العسكري يناقض تصريحات السيسي ويكشف إمبراطورية الجيش الاقتصادية 
    وراجع تسريبات وفيديوهات المقاول صاحب الشراكة مع الجيش والهيئة الهندسية، فهو حديث البلاد في هذه الفترة (أغسطس 2019).

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة