باتت تصريحات عسكر السودان محفوظة ومعلومة قبل أن يقولوها؛ فما هم إلا تجربة بائسة وقبيحة لتجارب بائسة سبقت أدمت شعوبها وأنهكت قوى المسلمين في استبداد قاصر النظر كأفراد، بعيد الأثر بمنطق العدو.

الخبر

“دافع نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المتّهم الأول بمجزرة فض اعتصام الخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران الجاري، عن قوات الدعم السريع التي يقودها، والتي تولّت عملية الفض، متحدّثًا عن “فخٍ نُصب لها” من أجل تشويهها.

وجاء تعهده في خطاب ألقاه أمام زعماء محليين يوم الأحد وبثه التلفزيون الرسمي.

وقد تعهد “حميدتي” بمحاسبة المتورطين حتى “لو ثبت أنهم من المجلس العسكري” مؤكدا أن العدالة ستأخذ مجراها “حتى نوصلهم لحبل المشنقة”.

ولم ينتظر حميدتي، الذي يوصف على نحو واسع بأنه الحاكم الفعلي للبلاد، نتائج التحقيق التي تذرّع بها لدى استجوابه من قبل صحافي “نيويورك تايمز” في مقابلة معه أمس السبت، وسارع لمحاولة تبرئة نفسه. ولم يدل، خلال خطاب جماهيري بالخرطوم، بأي تفاصيل جديدة عن ما يعنيه بـ”الفخ”.
رغم ذلك، زعم حميدتي أنه “تعهد بتقديم كل من ارتكب جريمة في فض الاعتصام للمحاكمة وحبل المشنقة دون محاباة أو مجاملة بل قصاصاً للشهداء وإرضاء لأسرهم”، علمًا أنه حاول تبرير موقف قواته أيضًا خلال مقابلته مع “نيويورك تايمز”، قائلًا إنها “تعرضت لاستفزازات”.

وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، قتل أكثر من 100 شخص في فض اعتصام القيادة العامة ووجهت أصابع الاتهام إلى قوات الرد السريع التي يقودها حميدتي بارتكاب أعمال العنف وقتل المتظاهرين”. (1موقع “العربي الجديد” بتاريخ 16/6/2019، على الرابط:
(حميدتي: فض الاعتصام “فخ” نُصب لقوات الدعم السريع ومستعدون لتسليم السلطة)
موقع (BBC عربي) بتاريخ 17/6/2019، على الرابط:
(أزمة السودان: حميدتي يتعهد بـ”شنق” المسؤولين عن قتل المحتجين في فض اعتصام القيادة العامة
)

التعليق

يكرر عسكر السودان سيناريوهات سابقة لعسكر مضوا في الطغيان قبلهم، وهم يحملون الملامح نفسها من الكذب والفجور.

أعلَنوا أولا أنهم لم يفضوا الاعتصام بل يواجهون بعض المنفلتين في منطقة قريبة “منطقة كولومبيا”.. ثم عندما استقر الأمر بعض الشيء صرّح “عبد الفتاح برهان” ـ رئيس المجلس العسكري ـ أنهم فضوا الاعتصام ولن يكملوا التفاوض مع القوى المدنية. وبعد نجاح الاعتصام المدني الى حد كبير وحضور الشعب السوداني الى حد كبير في المعركة؛ تنصلوا من فض الاعتصام وقالوا أنها قوى غريبة لم يعرفوها، ثم تبرأت النيابة من اتفاقها على فض الاعتصام. ثم صرح المتهم الرئيسي بفض الاعتصام “حميدتي” بأن فض الاعتصام “فخ” نُصب للمجلس العسكري ـ وكأن أحدا أجبرهم عليه؛ بينما كانوا يتفاخرون به منذ قليل ..! ـ ثم أخيرا توعد بإعدام من قام بفض الاعتصام.

هذا الاستخفاف لا يقال في السر بل يخرج به الكذبة علنا أمام ملايين الخلق ليكرروا كذباتهم ثم يلعقونها الى كذبة أخرى؛ يتلونون وينتظروا فرصة للانقضاض على بلادهم وشعوبهم.

ويبدو أنهم علموا أن قيادة البشرية اليوم؛ المتمثلة في الغرب الصليبي والصهيوني؛ يقبل الكذب ويبتلع الفجور ويعطي شرعية للسفاحين، وأن شروط قبوله للطغاة الجدد ليس إلا التوافق مع مرادات هذه القيادات المتجردة من الخلق والدين.

هذا الاستخفاف وهذه المضحكات المبكيات صادرة من فئة تحكم عدة بلاد للمسلمين؛ في مصر وسوريا والجزائر وليبيا والسودان وموريتانيا وغيرها..

وهذه الطائفة أصبحت تردد أكاذيب بعضِها؛ فعسكر السودان يقسمون ألا طمع لهم في السلطة، وهو يمين يذكّر العالم العربي والإسلامي بأَيْمان عسكر مصر ألا طمع لهم في حكم البلاد ثم لم يتركوا مفصلا في البلاد إلا واستولوا عليه وصولا الى الجامعات والشركات والمستشفيات، وسائر المرافق من الطرق والكباري، الى المنتجات الغذائية؛ بل ووصل الى الحفلات الموسيقية..!

ولما كان البلاء بهم عاما؛ كان لا بد من الوقوف على ملامحهم وصفاتهم؛ فإنّ تكرُر الصفات والتصريحات والألفاظ يعني أنهم يرضعون من لُبان واحد:

  • واضح هنا الدور الغربي في تربية طبقة من العسكر في سائر بلاد المسلمين إما أنه يربيهم جميعا مباشرة أو يصنع منهم مراكز تنقل العدوى لغيرها؛ كما يقوم عسكر مصر الفجرة بالإشراف على عسكر ليبيا وصناعة المجرم “حفتر” وجنده ومؤامراته، ثم يشرفون على صناعة نماذج فاجرة في السودان.. وهكذا ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ (الذاريات: 53).
  • إن هذا النموذج مصنوع، من حيث العقيدة؛ على العلمانية والعمالة والتصالح مع المشروع الصهيوني الغربي.. ومن حيث الأخلاق؛ على النفاق والالتواء، والكذب القبيح، والفجور الوحشي في الخصومة والتعدي على الدماء والأعراض؛ كما حدث في فض اعتصام مصر والسودان حيث هدر الدماء وهتك الأعراض.
  • يجب أن تعرف الأمة خطورة هؤلاء الكذبة الفجرة، وألا تأمنهم؛ فهم بالفعل كما قال بعض رموز الدعاة “ثعالب وذئاب” لا دين يردع، ولا قيما يلتزمونها، ولا يستحيون مما يفعلون ولا مما يكذبون؛ فهم يقولوا الكلمة وعكسها، ويبرؤون الشخص والجماعة ثم يتهمونهم، وهكذا.
  • أنهم لا يعرفون إلا منطق القوة، هي التي تفرض عليهم التراجع، وتُلزمهم بالكف عن الكذب، وتمنعهم من الفجور والتعدي.
  • ولما كانوا لا يتورعون عن حرق البلاد وإثارة الحروب الأهلية والتطاحن بإشراف من العسكر نفسه؛ فكان لزاما على الأمة أمران:
    الوعي الذي يعرفون به خطورة هؤلاء الأقزام ومخططاتهم.
    ووحدة كلمة الأمة ودخول قوة الشعوب التي تربك حسابات هؤلاء النزقة الفجرة، فإنهم ضعاف أمام أمة ذات كلمة واحدة (وإن شذ عنها من شذ ممن لا يعتد بهم).
  • وأما الإسلام فنسَق آخر، ينبغي أن يكون فيه الجند منتمين للأمة رافضين للخيانة مكرِّمين لأمتهم، يحملون العقيدة التي هي سبب وجود هذه الأمة ومحور تكوين هؤلاء الجنود؛ فإنهم إن لم يدافعوا عن عقديتهم ودينهم، وإقامة شريعتهم وهويتهم؛ فعلام يدافعون إذا..؟ وماذا بقي لهم غير الشهوات والطغيان والوقوع في براثن العمالة..؟

خاتمة

إننا حين نتكلم عن جرائم عسكر السودان أو غيرهم في بلاد المسلمين فهذا لا يعني تأييدنا للقوى المواجهة للعسكر بإطلاق؛ بل بحسب توجهات وعقائد هذه القوى. ونحن لا نوالي غير من أمر الله بموالاته وهم المسلمون.

وفي صراعنا مع الغرب والاستبداد العميل له، ننظر الى مصلحة أمتنا وإخراجها من حالة القهر والاستبداد، مع توجيهها الى دين الله تعالى هويةً وشريعةً، هذا مع ثقتنا في توجهها الى دينها لو تُركت بغير قهر، وأن اختيارها هو دينها، كما تكرر هذا في كل بلد وفي كل حالة، وإنما يُصرفون عن دينهم بالقوة والسيف وجنازير الدبابات، وإن غُيبوا قليلا فالعودة قريبة بإذن الله.

……………………………………

هوامش:

  1. موقع “العربي الجديد” بتاريخ 16/6/2019، على الرابط:
    حميدتي: (فض الاعتصام “فخ” نُصب لقوات الدعم السريع ومستعدون لتسليم السلطة)
    وانظر أيضا:
    موقع (BBC عربي) بتاريخ 17/6/2019، على الرابط:
    (أزمة السودان: حميدتي يتعهد بـ”شنق” المسؤولين عن قتل المحتجين في فض اعتصام القيادة العامة)

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة