بين وَهْم الديمقراطية، والاضطراب بين “المذهب” و”الآليات” يقع المسلمون في الفخاخ ويفقدون أصالتهم وتفرُّدهم ووضوح قضيتهم التي ينبغي تفردها ووضوحها.
مقدمة
الوهْم المكتشف مؤخرا..!
الذي بعثوه بِوَرِقِهم إلى المدينة لِينظرَ أيُّهَا أزكَى طَعامَاً؛ اكتشف الفاجعة!!
والذي قالَ لهما: ﴿يوسفُ أعرِض عن هذا واستغفري لذنبك﴾ اكتشف ـ وهو العزيز ـ أن زوجتَه ليست عزيزة!!
والذين دَلَّتهُم على مَوتِهِ دابةُ الأرضِ تَأكلُ منسَأَتَه؛ عَرفُوا حَقيقَتَهم بَعدما لبِثُوا في العذاب المهين!!
أبشعُ ما يُمكن أن يَحدثَ لكَ أن تَطولَ مُدّةُ وَهْمِك.. وأبشعُ الوهمِ الوهمُ المقدس؛ طُولُه عَنَا، وقِصَرُه ضَنى، وأنتَ بين العَنَا والضنى كالسائرِ في أرضِ شوكٍ موحلة؛ إن اتقى الشوكَ لم يَسْلَمْ من الطين، وإن اتقى الطينَ لم يَسْلَمْ من الشوك.
الوهمُ متاهةُ الشيطان.. دَرَكَاتٌ بَعضُها فوقَ بَعض، في كُلِّ دَرَكَةٍ عالمٌ من الرغبة والرهبة، تُسلِمُكَ الدَّركةُ لأُختِها؛ تَرى خيراً فيه بعضُ الشر، ثم ترى شَراً فيه بعضُ الخير، ثم شَراً محضاً لا خير فيه؛ يستزلك له الشيطان ببعض ما كسبت يداك؛ فإن دَلفتَ بَوابَتَه فلن تلبثَ أن تَصِلَ قَعْرَه..!!
وهْم الديمقراطية
لا وجودَ للإسلامِ في الديمقراطية، ولا وجودَ للديمقراطيةِ في الإسلام. مَنْ قال لكم غيرَ هذا فلا تُصدقوه؛ إِنْ كانَ عَالِماً فهو كاذب، وإن كان جَاهلاً فَحَسْبُكم جَهلُه..!!
الديمقراطيةُ ـ عند التحقيقِ ـ كُفرٌ محض لا فَرقَ بينها وبين السجود لِلَّاتِ والعُزَّى وهُبل؛ إلا كالفرق بين الإلحاد والعَلْمَنة؛ كِلاهُما يُسلِّمُ للآخر:
الإلحادُ يَنفِي المُوجِدَ عن الوجود.. والعلمانيةُ تُقصِي المُوجِدَ عن حُكم الموجود.. والديمقراطية تَرْهَنُ إرادةَ المُوجِدِ بإرادةِ الموجود.. ومن أثبتَ اللهَ وأقصى حُكمَه كان كمن نفى الله وأنكرَ وجوده؛ فإن رباً لا يَحكمُ ولا يَتصرفُ هو والعَدمُ سَواء!!
ومَن رَهَنَ إرادةَ الله بإرادةِ خلقه سَلَبَهُ أُلوهيَّتَه وأضفى على خَلقِهِ ما سَلَبَهُ مِنه؛ فصارَ اللهُ ـ بذلك ـ خياراً ضِمنَ خيارات؛ لا أمرُه أمرٌ ولا نَهْيُهُ نَهْي، وللناسِ “الخِيَرَةُ مِنْ أَمرِهِم”؛ إنْ قَبِلُوا حُكمَه فَعَّلُوه، وإنْ رَفَضُوا حُكمَه عَطَّلوه.. فَأيُّ إلهٍ هذا الذي الإلحادُ يَنفيه، والعلمانيةُ تُقصيه، والديمقراطية تجعله خياراً لعبيده ومواليه؟!
الديمقراطيةُ بنتُ العلمانية، والعلمانيةُ بنتُ الإلحاد، ويوشك مَنْ خَطبَ هذه أن يتزوجَ تلك؛ فيجمع بين أختين من شَرِّ أبٍّ!!
حِينَ تُدعَى إلى المشاركة في التصويت على مساواة المرأةِ بالرجلِ في الميراث، أو التصويتِ على ما يزعمونها حقوقاً للمثليين؛ فهذه صورةٌ ديمقراطيةٌ خالصةٌ لا إِشكالَ فيها.. إنْ ذَهَبتَ فشاركتَ ـ رَفْضَاً أو قَبُولاً ـ ؛ فقد كفرتَ بالإسلامِ وآمنتَ بالديمقراطية، وإن رَفضتَ المبدأ من أساسه ـ لِعِلمِكَ أن هذا معلومٌ من الدين بالضرورة لا يجوز مجرد المشاركة في الاستفتاء عليه ـ ؛ فقد كفرتَ بالديمقراطيةِ وآمنتَ بالإسلام!!
ليس هناك صورة أظهر سواداً ولا بياضاً من هذه الصورة، ومهما حاول الإسلاموقراطيون تلوينَ مساحاتِ الكفر السوداء في هذه الصورة بألوان الإجراءات والآليات الخضراء؛ فلن يستطيعوا طمسَ معالمِ الكفرِ الأسودِ فيها.
“الاسلاموقراطيون”، وسبب الأوهام
إذا رأيتَ إسلامُقراطياً يُصرُّ على سَحْبِ أوهامِ نفسِه عن الإسلام إلى الديمقراطية، أو سَحْبِهَا عن الديمقراطية إلى الإسلام؛ فاعلم أن هذا الطَّيب إنما أُتِيَ من أمرين لا ثالثَ لهما: ضغط الواقع، وقصور قُدراتِه العقلية..
ضغطُ الواقعِ يدفعُ للترقيع، وقصور القدرات العقلية يمنع من إدراك أصل المسألة. وكلا الأمرين يصح أن يكون “نتيجةً وسبباً” لا يُدرى ـ أحياناً ـ أيهما السبب وأيهما النتيجة.. تماماً كالجدلية المربكة عن أولية البيضةِ أو الدجاجة..!!
في مُحَاوَلَتِهِ لِجَعْلِ الديمقراطيةِ شورى والشورى ديمقراطية؛ يَغْفَلُ هذا “الطَّيبُ” أو يتغافل عن اختلافِ المركز في المنهجين؛ فالمركز في الشورى هو “الله”، أما في الديمقراطية فهو “الشعب” ـ وليتَه كَان ـ وَبِحَسَبِ المركزِ تكونُ الأطراف، وبِحَسَبِ المُنطلقاتِ تكونُ النتائج..!!
أخبثُ ما في الديمقراطية أَنَّ خُبثَها شديدُ الخفاء شديدُ الوضوح؛ (كالنظَّارة)؛ ـ لطولِ ملازمتِها وَجهَكْ ـ تصبحُ كأنها عضوٌ فيه؛ فتبحث عنها ـ أحياناً ـ وهي فوق أنفك..!!
تَسحَرُكَ الديمقراطيةُ بآلياتها وإجراءاتها وانتخاباتها وصناديقها وحريتها ومساواتها؛ فتظن أن تلك الأشياء هي “الديمقراطية”؛ فإذا سمعتَ من يصفها بالكفر؛ انتفضتَ كالملدوغ مستنكراً أن تكون “الحرية” و”المساواة” و”الاختيار” و”الاستفتاء” و”حكم الشعب لنفسه” كُفراً؟!
وليس غالبُ هذا كفراً؛ ولكنهم سحروا عيونهم بروضةٍ غَنَّاء نبتت في مستنقع، وَسَقوكَ ماءَ المستنقع مُقَطَّراً؛ فنسيتَ أصلَه الخبيث بِطَعْمِهِ المُستحدث!!
كُفرُ الديمقراطية في فلسفتها الأيدلوجية، وليس في (غالب) إجراءاتها العامة التي يمكن أن توجد فيها وفي سواها..
فلسفة الديمقراطية المناقضة لنصوص الكتاب والعقيدة
وفلسفتُها تقول لك:
“الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب بما يختاره الشعب؛ فما أقره الشعبُ وجب إقرارُه حتى لو حَرَّمه الله، وما رفضه الشعبُ وجب رَفْضُه حتى لو فَرضَهُ الله”.
فصار الشعبُ بذلك إلهاً يُشرِّعُ لخلقٍ لم يخلقهم، وصار اللهُ بذلك ـ وحاشاه جل وعلا ـ مجردَ خيارٍ لخلقه الذين خَلَقَهُم.
والله جل وعلا لم يقل: “وَرَبُّهُم شورى بينهم”؛ بل قال: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾.
ولم يقل: “وشاورهم في الله”، بل قال: ﴿وشاورهم في الأمر﴾.
ولم يقل: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الشعبُ ودستورُه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”؛ بل قال: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾.
إذا اخترتَ الإسلامَ ديناً فليس لكَ بعده ـ كمسلمٍ ـ أن تختارَ غيرَ شريعته حُكمَاً ونِظَامَاً؛ فإذا زعمتَ ـ وأنت مسلمٌ تحققت فيك الشروط وانتفت عنك الموانع ـ أَنَّكَ حُرٌ في اختيارِ شريعةٍ غير شريعة الإسلام؛ فقد صدقتَ بعضَ الصدق في كونك حراً وكذبتَ كُلَّ الكَذِبِ في كونك مسلماً.. كيف تُعطِي لنفسكَ حُريةَ الخروج عن شريعة الإسلام ثم تمنع الإسلامَ من حرية تسمية هذا الخروج كفراً؟! مَن أنتَ لتفرض على الإسلام أهواءَكَ ثم تُجبره على أن يبقيك ضِمنَ دائرته؟!
لقد أوهموكَ أن الديمقراطية هي إجراءاتُها وآلياتُها فَرُحْتَ تَلوكُ مُصطَلحاتِها الضخمة عن “الحرية” و”المساواة” وحكم الشعب لنفسه.. وليتهم ـ حين خدعوك بهذا الكفر المُأَسْلَم ـ جعلوا الشعبَ حاكماً على الحقيقة، أو أفهموكَ ماهيةَ هذا “الشعب” الذي تُقضى الأمور باسمه وليس له فيها ناقةٌ ولا جَمَل.. إنما هي النُخَبُ “العسكرية” و”الاقتصادية” و”الإعلامية” التي تتلاعب بعقول الشعب فتجعل الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً، ثم تُوجِّه العامةَ والغوغاءَ وأنصافَ المتعلمين إلى اختيارٍ بعينه ـ يُختارُ لهم ـ ويظنون أنهم أحرار في اختيارهم..!!
المذاهب بين العقائد والآليات
الإنسانُ كائنٌ عقائدي لا يمكن أن يعيش ـ غالباً ـ بغير دين حتى لو كان ديناً كاذباً، ولو فتشت وراءَ غالب هذه الأفكار التي تموج بالبشر ويموج بها البشر في شتى مناحي الحياة؛ لوجدتَ ديناً ما، أو فلسفةً ما، أو عقيدةً ما..!!
لن تستطيعَ ـ واقعاً ـ نَزَعَ أيَّ مَذهَبٍ من أصله الفلسفي لتكتفي بآلياته وإجراءاته، كما لا يمكن للآليات والإجراءات أن تخلو تماماً من انعكاسات الأصل الفلسفي عليها.
قد تتفق بعضُ آليات الشيوعية مع بعض آليات الديمقراطية؛ لكنك ستلمسُ بوضوح بصماتِ المنهجين في آليات هذه وتلك؛ بل إن ظهور المذهب بثوبٍ مختلفٍ في فرعٍ غيرِ أصله الفلسفي سيُشيرُ بالضرورة إلى الأصل الفلسفي؛ تماماً كما تشير الفكرةُ الحداثيةُ الأدبيةُ الحمقاءُ عن (موت المؤلف) إلى الفكرةِ الفلسفيةِ الأيدلوجيةِ الكافرةِ عن (موت الإله)؛ هذه مِنْ تلك وإن تمظهرت في الأدب بغير مظهرها في الفلسفة!!
“الآلياتُ” اجتهادٌ بشريٌ خاضعٌ للزمان والمكان والظروف والسياقات، ولكن مِن المحال عقلاً وواقعاً أن يختفي “الأصلُ العقدي” تماماً من آلياته؛ وإلا كان الأصل ناقصاً غير مكتمل.
الإسلام دينٌ قانونه الشريعة (الحكم لله، والسيادة للشريعة، والسلطة للأمة)؛ وحين يُطَبَّقُ هذا القانون بإجراءاته وآلياته الخاضعة للاجتهاد البشري لن يُطبق إلا من خلال اتكائه على الأصل العَقَديِّ له، وكُلُّ إِجراءٍ يتعدى الاجتهادُ فيه دائرةَ أصلِهِ لا يُعَوَّلُ عليه؛ لأنه يُسقطُ الأصلَ أو يُشوهه.. وأغلب الظن أن الإيغال في تتبع الآليات والإجراءات بغير تحرز وضبط شديدين؛ سيصل بنا إلى الحوم حول حمى المباديء الكفرية ذاتها، ومن حَام حَول حِمىً يوشك أن يَرتَعَ فيه؛ تماماً كما رَتَعَ قسطنطين بالنصرانيةِ في الوثنيةِ فأخرجَ للناسِ ديناً (وَثْنَصْرانِيَّاً) ليس فيه من النصرانية سوى الأسماء..!!
كان العلمانيون والليبراليون يشغبون على الإسلاميين فَيُذَكِّرُونَهم أن الديمقراطية ليست صناديق اقتراعٍ فقط؛ بل أصول فلسفية خاصة وقواعد مبادئية عامة لا بد من التوافق عليها قبل الوصول لمرحلة الاقتراع.
وما رأيتُ أحداً منهم بَدَأ بخدعة “الآليات الإجرائية” إلا انتهى إلى “الفلسفة” دون أن يدري، حتى صرتُ أشك أن المؤمنَ بالآليات دون الفلسفة “كائنٌ خرافيٌ” لا وجود له كالغول والعنقاء والخِل الوفي..!!
ثم هَبْ أن الآلياتِ متوافقةٌ مع الإسلام أو لا يرفضها الإسلام.. لماذا نُصِرُّ على استخدامِ المصطلح الغربي..؟!!
المصطلحُ هُويَّة. والهُوية: دينٌ ولغةٌ وثقافةٌ وحضارة؛ فكأن “المصطلحَ” مرآةٌ تعكس الهُويةَ بأجزائها مفرودةً في صُوَر، أو إضبارةٌ تختزل أجزاء الهُوية بِكُلِّيِّتِهَا مُكثَّفَةً في حروف.. مصطلحاتُ كلِّ قومٍ هُويتُهم، وبقدر استخدامك مصطلحاً بعينه بقدر عُلوِّ هُويةِ هذا المصطلح وأهله في نفسك وسُفُول نفسِك وهُويتك فيها؛ فإذا استخدمتَ مصطلحَ قومٍ فقد غَلبَّتَ ـ دريتَ أو لم تَدرِ ـ دينَهم على دينِك، ولغتَهم على لغتِك، وثقافتَهم على ثقافتَك، وحضارتَهم على حضارَتك.. وأَيّ شيءٍ يبلُغُه الغالبُ في المغلوبِ أكثرَ مِن هذا..؟!
الديمقراطية والشورى
“الديمقراطية” و”الشورى” مصطلحان متضادان بالكلية ينتميان لحضارتين مختلفتين بالكلية، ويحملان في حروفيهما حمولاتٍ وإيحاءاتٍ وظلالاً تاريخية وعقدية وثقافية ولغوية وحضارية لا يمكن ـ بهذه الحمولات والإيحاءات ـ أن يمتزجا في نفس إنسان وروحه وعقله أبداً..!!
المصطلحُ احتِلَالِيُّ بِطَبْعِه، يحمل وجهَ حضارته وفلسفتها.. هو شِعَارُهَا ودِثَارُهَا؛ تماماً كورقة العملة أو أعلام البلدان؛ رموزٌ موحيةٌ مختزلةٌ في ورق أو قماش أو حروف أو مخترعات.. وهو ـ بحسب الأنا والآخر ـ أداةُ احتلالٍ وتبعيةٍ واستلاب، ونقيضُه أداةُ مقاومةٍ وأصالةٍ وتَحَرر.
وهنا تكمن مراوغة المصطلح كما تكمن خدعة المُصطَلِحِيْن؛ فالذين سموا الاحتلال استعماراً أرادوا تخفيف وقعه البغيض على النفوس، تماماً كما سموا (******ةَ) (شذوذاً) ثم (مِثلِيَّة)؛ ليخففوا بشاعة انتكاس الفِطرةِ في النفوس؛ فمصطلح (******ة) يُشيع في النفس إحساساً جارفاً بالإثم الديني يتبعه نفورٌ مجتمعي، ومصطلح الشذوذ يُسقط الإحساس بالإثم الديني ويُثبت فقط معنى مخالفة المجتمعِ عُرفاً وتقاليداً.. أما مصطلح المثلية؛ فهو مصطلح محايدٌ تماماً يخلو من إيحاءات الإثم الديني والمخالفة المجتمعية معاً، بل ويميل إلى دفع الناس لقبول (******ين) وتقبُّلهم.. وقِس على هذه الأحابيل الخادعة ما يحدث في مصطلحات كثيرة، مثل: “حقوق الإنسان”، و”تحرير المرأة”، و”المشروبات الروحية”.. وغيرها من المصطلحات التي يُرققون بها بشاعة ما يرتكبون فيها..!!
إن استعلاءنا بمصطلحات ديننا هو الخطوة الأولى لاستعادة هويتنا التي تمثل الدين واللغة والثقافة والحضارة، وليس هذا رفضاً للآخر أو احتقاراً له؛ بل هو اكتفاء ذاتي بما نملك.. وما نملكُ عظيمٌ لو تدبرناه..!!
نقاش مفترض
دُونكَ هذه الإجراءات فأخبرني أين الإسلام فيها:
غَضِبَ البعضُ لمجرد الدعوة إلى مناقشة مساواة المرأة بالرجل في الميراث، أو الاستفتاء على ما يزعمونها حقوقاً ل****ين.. وإنه والله لغضبٌ حميدٌ محمودٌ يدل على وجود بقيةِ عقلٍ إن كان قد ذهبَ الدين.. ولكن أليست هذه هي الديمقراطية الإجرائية التي تريد؟! أليست هذه هي الآليات؟! إنها مجرد مناقشة!!
- ولكن شرع الله لا يُناقَش!!
- مَنْ تحدث الآن عن شرع الله؟! نحن نتحدث عن الديمقراطية!!
- ولكن الديمقراطية التي أفهمها وأريدها لا تخالف شرع الله، هي مجموعة من الإجراءات تنظم حياة الناس ضمن الأُطر الدينية!!
- لا، هذه ليست الديمقراطية، أنت تتحدث الآن عن الشورى.. الشورى: حكم المسلمين للمسلمين وغيرهم بشرع الله.. الديمقراطية: هي حكم الشعب للشعب بما يختاره الشعب؛ فإذا اختار الشعب نظاماً معيناً للحكم فلا راد لاختياره، سواء أكان هذا النظام موافقاً أم مخالفاً للإسلام.. الشعبُ هو البَدء والمنتهى!!
- ولكن، أين الله؟!
- في السماء!!
- أنا لا أمزح!!
- ولا أنا.. إذا زاد عدد المصوتين على إعطاء (******ِّين) الحقَّ في اللواط؛ فإن الديمقراطية لا تفرض عليك ذلك فحَسْب؛ بل وتفرض عليكَ أيضاً تَقَبُّلَ (****َّتَه) بصدر رَحِب والكَفَّ عن تسميته (****اً)!!
- ولكن الله يقول غير ذلك!!
- نحنُ نتكلم عن إرادة الشعب ورغباته فقط!!
- ولكن الله…
- نعم، الله موجود ولكنه ليس الحَكَمَ هنا، الصندوق هو الحَكَم، ألم تَرضَ بالصندوقِ ابتداءً؟! ألم تجعله مصدرَ الأمرِ وقُطبَ رَحَاه؟!
- نعم، جعلته كذلك، ولكن فيما لا يخالف شرع الله!!
- ما هذا العبث.. قلت لك هذه ليست ديمقراطية!!
- ولكن الديمقراطية فيها “مباديء فوق دستورية” لا يجوز مناقشتها أو المساس بها!!
- هذا صحيح تماماً، ولكن.. حتى هذه المباديء لا بد أن يتفق عليها الشعب أولاً.. مَرَدُّ عدم المساس بهذه المباديء هو الشعبُ وليس الله؛ فإن وافق الشعبُ فبها ونعمت، وإن لم يوافق فلا يجوز فرض مباديء معينة عليه لأن مجموعة من المتخلفين القادمين من عصر الجمل أرادت ذلك..!!
- ولكن الله والإسلام..
- لا تُكثر الكلام، الشعبُ هو البَدء والمنتهى، هل أنت موافق؟!
- لا، لستُ موافقاً.
- جميلٌ جداً، الديمقراطية أيضاً فيها معارضة، أَنشِيء حزباً سياسياً معارضاً ضمن الإطار الديمقراطي، واعلم أننا سنناقش في برلماننا كلَّ شيء؛ حتى الصلاة إذا كانت ستُعطل الإنتاج سنمنعها إن رأت الأغلبية ذلك، ولتُصَلِّ أنتَ في بيتك حين تعود إليه مساءً!!
- ولكن، هذا كفر!!
- ربما.. ولكنها إجراءات الديمقراطية التي صدعت رؤوسنا بالمطالبة بها!!
وإلا فقد قالها العدو
هذه هي الصورة على الحقيقة.. ومهما حاولنا تجميل قُبحِهَا أو أَسْلَمَةَ كُفرِهَا فلن نستطيع.. لقد قالها رفعت المحجوب قديماً حين رفض ممثلو الإسلاميين في مجلس الشعب التصويتَ على قانون مخالف للشريعة، ولمَّا تم إقرار القانون لقلة أصواتهم؛ أخبروا المحجوب أنهم يبرؤون إلى الله من هذا القانون المخالف للشريعة؛ فَذَكَّرَهُم بالقاعدة الدستورية التي تقول: إن القانون لا يأخذ شرعيته إلا من طرحه للتصويت قبولاً ورفضاً، ورفضُهم للقانون وفق معايير الديموقراطية هو سبب إقراره؛ فقد أُتيحت الفرصة للاستفتاء عليه تأييداً ومعارضةً؛ فصاروا بتصويتهم بالرفض مشاركين دستورياً في إقرار قانونٍ مُحَرَّمٍ دِينياً..!!!
يا الله.. إنه “خلّاط” التفاصيل الذي ضَرَبُوهم فيه.. إنه النظام العالمي الذي ظنوا ـ واهمين ـ أنهم يستطيعون خلخلة أصولِه من داخله فخلخلَ هو أصولَهم وأسقَطَهَا.. إنه روضةُ المستنقع التي أعجبتهم خضرتُها فدخلوها فدوخهم عَفَنُ رائحتِها؛ فلما لم يستطيعوا الخروج منها اعتادوا العفن..!!
ظَنُّوه تَدَرُّجَاً فكانَ استِدرَاجَاً.. ظَنُّوهَا حُديبيةً فكانت أُحُدَاً!!
خاتمة
وَضَعَ الكفارُ أصولَ اللعبة، وحددوا لهم مسارات الحركة، واستدرجوهم ببعض المكاسب التافهة؛ فصاروا يرون قطعةَ الجُبن ولا يبصرون الفخ، وكلما حاولوا التملص والخلاص وضعوا لهم قطعة جُبنٍ أخرى في فَخٍّ آخر.. وهكذا دواليك حتى تحولوا هم أنفسهم إلى فخٍ بلا جبن يُصادُ به غيرهم؛ فكسب الكفارُ بهم ثلاثة مكاسب لم يكونوا يحلمون بها:
استنزفوهم عَقَدِيَّاً؛ حتى تماهت أطروحاتُهم مع أطروحاتِ العلمانية الكافرة.
واستخدموهم سياسياً؛ لإضفاء الشرعية على الأنظمة الكفرية العميلة.
وَسَوَّقُوهُم دِينياً؛ للتشويش على القوى الإسلامية الأُخرى وإحباط حركتها واتهامها بالاختراق والعمالة..!!
لقد صاروا إسلامقراطيين يعبدون الشعب والصندوق من دون الله ويتنازلون عن كل ما لا يمكن التنازل عنه من أجل الكفر الذي اقتنعوا أنهم سيصلون به إلى الإيمان.. وحين وصلوا ـ وأعطاهم الشعبُ أصواته ورَضِيَ بِعُجَرِهِم وبُجَرِهِم ـ ؛ لم يكونوا يملكون من القوة ما يحافظون به على مكاسبهم..
وظهرت الديمقراطية على حقيقتها.. ظهرت أنيابُها ومخالبُها.. وأغلقَ النظامُ العالميُّ الديمقراطيُّ المجالَ العام وفتحَ المعتقلات والقبور.. ثم أبقى مساراتٍ محددةً سلفاً لِبَقِيَّةِ السيفِ وسَقَطِ المعتقلات والقبور ليستخدمهم من جديد ـ كما استخدم إخوانَهم من قبل ـ حتى ينتهي من حفر قبورٍ جديدة وبناء معتقلات أُخرى..!!
“لا زلتُ أذكرُ كلامَ بعضِ إخواننا الطيبين حين كنتُ أحذرهم من هذا الفخاخ؛ فيقولون: “إنه لا يُتصور في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الإسلام أن يوافق المسلمون على تشريع يُصادم صريحَ القرآن وصحيحَ السنة؛ بل إن هذا مستحيل أيضاً من الناحية الإجرائية لأن كل الدساتير الوضعية في الدول العربية ـ على ما فيها من عوج ـ تَنُصُّ على عدم مصادمة أصول التشريع الإسلامي.!!”
“اجتهدَ أوباشُ التُرك في اعتناقِ الطورانية، كما اجتهدَ أوشابُ العربِ في اعتناق العروبية.. حَكَمَ العربُ الدنيا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحكم الأتراكُ الدنيا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحَكَمَ اليهودُ الدنيا بسليمان صلى الله عليه وسلم!!”
……………………………….
المصدر:
- د. علي فريد، باختصار. الصفحة الشخصية، فيسبوك، على الرابط: على فريد