استولى الطغاة في مصر بعد الإنقلاب العلماني على المؤسسات العلمية الشرعية، ومنها مؤسسة الأزهر، ودار الإفتاء المصرية التي تحمي شرعية الانهيار العقدي والأخلاقي، بل وانهيار الهوية ومسخ التاريخ..!

الخبر

“قامت دار الإفتاء المصرية بالتحذير من أعمال درامية تركية شهيرة، حيث قال المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء إن أردوغان يستخدم جميع أسلحته، وكذلك قواه الناعمة لتحقيق الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، ويريد عودة الإمبراطورية العثمانية من جديد.

وأضاف المؤشر ـ في تقريره المنشور بوسائل الإعلام المحلية ـ أن أردوغان لم ولن يتوانى عن إحياء حلمه باستخدام كافة القوى؛ سياسيا أو دينيا، أو حتى عبر القوة الناعمة عن طريق الأعمال الثقافية والفنية. وتابع “وخير دليل على ذلك مسلسل وادي الذئاب، ومسلسل قيامة أرطغرل”، الذي قال النشطاء إنه يرسخ القيم والأخلاق الإسلامية، وكان على الدار تأييده بدل التحذير منه. بعد أن شاهده نحو ثلاثة مليارات شخص حول العالم، وبُث عبر شاشات دول كثيرة.

كما سخر الناس من عدم صدور تحذير مماثل تجاه الدراما المصرية، خاصة الرمضانية، التي تروج “للدعارة والمخدرات والانحلال الأخلاقي”، كما انتقد الناس صمت المؤسسة الدينية عن تعذيب المعتقلين في السجون المصرية.

ورغم أن دار الإفتاء لم تذهب إلى حد تحريم مشاهدة هذه المسلسلات؛ لكنها أثارت سخرية الناس ومقارنتهم”. (1موقع “الجزيرة”،10/2/2020، على الرابط: الإفتاء المصرية تحذر من مسلسل أرطغرل.. ومغردون: ماذا عن دراما التعري الرمضانية؟)

التعليق

وهذا مثال صارخ للتدني في الاهتمام، والتدني في مواضيع خدمة العدو، وفي بروز معنى ﴿عَبَد الطاغوت﴾ فتتكلم دار الإفتاء حول المسلسلات التي لا تروق للطغاة ولا تعجبهم فيفتون بخطورتها..! برغم صحّتها تاريخيا أكثر بكثير من غيرها؛ ورغم ما تبَث من قيم إيجابية في معاني الجهاد وخدمة الإسلام والفداء له..! وهذا لا يعني تزكيتنا لهذه المسلسلات أو أنها خالية من الملاحظات الشرعية؛ بينما تشجع دار الإفتاء نفسُها مسلسلات أخرى تقطّع أواصر المسلمين وتبث الأحقاد وتزوّر التاريخ؛ لكن يرضى عنها طغاة مصر وشياطين أبو ظبي والرياض؛ فيفتون بحلها أو يسكتون عنها بل ويوجهون أحيانا اليها..! يا للعار.

تُبث المسلسلات كل يوم وليلة وأعداد كبيرة لتبديل قيم المسلمين بالتبرج الفاحش والتعري المقيت، وتبرير وشرعنة العلاقات العاطفية غيرالشرعية بل وشرعنة وتعليم علاقات “المخادنة”، ويتمادون الى فكرة قبول الحمل من الحرام والأم المنفردة (single mother)، وهكذا كل يوم يفاجئون مجتمعات المسلمين بترّهات المجون وخزعبلات الفجور، لتخبيل المجتمع وإفساده.. ووصل الأمر الى تعليم الناس ألفاظ تجار المخدرات ومصطلحات أوكار الدعارة..!

الى هنا فكل هذا يحدث تحت سمع وبصر دار الإفتاء فلا تتكلم ولا تمتنع ولا تحرم ولا تصرخ ولا يدب فيها دم الغيرة ولا غضب لله تعالى..

يدب في المجتمع عادات محرمة وبدع منكرة فلا ترفضها بل وتشاركهم فيها فتُصدر من الإعلانات والملصقات والفيديوهات ما تشارك به الباطل؛ فأصدرت مشاركات ـ لم تكتف التهنئة ـ في احتفال النصارى بأعياد رأس السنة الميلادية باعتقادات النصارى بميلاد الإله..! ثم تصدر فتاوى بالهجوم على من ينكر على الناس الاحتفال بأعياد غربية نصرانية مبتدعة..! كما يطلق عليه “عيد الحب” أو “الفلانتين” بنسختيه العربية والغريية..! فتحتفل معهم؛ وهكذا في عملية مسخ للعلم الشرعي ومراكزه..

إن المجرمين الذين استولوا على دار الإفتاء لا يواجهون مسلسلات وأفلام وبرامج نشر الإحاد والتسفيه والطعن في القرآن وفي شخص رسول الله وفي الصحابة الكرام، ولا يواجهون مَن يهوّن من مصادر الإسلام ويقول أنه أعلم ممن جاء من ألف وأربعمائة عام..! ويستنكر ويستكف أن يتبعه..! ويعلن هذا ويكرره، ودار الإفتاء صماء عمياء بكماء..! وكأنها تشجع هذا وتريد أن تمرره وأن ترسخه في المجتمع..! بل وكأن من يستولي عليها ويقود دفتها إما ملاحدة أو قوم قد تنصّروا.

لم يستنكروا من يطعن في الغيبيات التي أخبر الله بها كالجنة وما أعد تعالى فيها لأوليائه كالحور العين وغيرها، ومن يطعن في وعيده تعالى لأعدائه وما أخبر به الله ورسوله من أمر القبور وما فيها من نعيم أو عذاب؛ فظهرت من تسخر مما أخبر به رسول الله كالشجاع الأقرع الذي يسلطه تعالى بعض أصحاب الكبائر والجرائم؛ فلا صوت ولا كلمة لدار الإفتاء إذ إن دورها هو المشاركة والتستر على هذه الجرائم العقدية والأخلاقية والأمنية للمجتمع ليستمر التهاوي بلا إزعاج..!

ثم عندما يظهرون فإما أن يدافعوا عن مبدلي الشرائع وتلوي الواقع وتزيّفه وتقول للناس أن الشريعة محكّمة بالفعل والقانون الذي يبيح الخمر والربا والزنا والفجور والتعرِّي ويُسقط الفرائض ويبدّل العقوبات ويستنكر الرد الى الله ورسوله ويقرر الرد على البرلمانات المملوءة بالجهلة وبعملاء أجهزة الأمة.. فتقول دار الإفتاء أن هذا قانون شرعي والشريعة بالفعل حاكمة، وأن المتطرفين فقط هم من يقولون أنه ليس قانونا إسلاميا..!

خاتمة

لم يعُد من دور لدار الإفتاء في تعليم الناس الخير ولا إرشادهم الى دين الله؛ بل لا يتعدّى دورهم التحذير فقط من تيارات الدعوة الإسلامية وحركات الإحياء الإسلامي..

لقد استولى الطغاة على المؤسسات الشرعية والعلمية، ولقد وجدوا فيهم من يستجيب لهم ممن قال الله فيهم ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ (الأعراف: 176) من اللاهثين على الدنيا وطالبي شهواتها.

كما يخبر من له اطلاع بهم أن ضباطا أمنيين هم من يوجهون ويأمرون المصدِرين للفتاوى فإذا بهم يقولون ولا يأبون.

لقد أخبرنا سبحانه كثيرا عن أمثالهم ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ (البقرة: 79) ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ (الجمعة: 5)

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”،10/2/2020، على الرابط:
    الإفتاء المصرية تحذر من مسلسل أرطغرل.. ومغردون: ماذا عن دراما التعري الرمضانية؟

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة