يثقل على من بقلبه رقة في الدين، أو نفاق؛ البراءة من أعداء الله تعالى؛ فلا يقوم بما أمر الله تعالى من معاداة أعدائه والبراءة منهم؛ ويرى في اللين والميل للعدو صلاحا للدنيا، ويغيب عنه مثل قوله تعالى ﴿أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ فمن والَى ربه تبرأ من عدوه؛ وإلا كان ثمة خلل في قلبه وإيمانه.

مكانة «الولاء والبراء» من التوحيد وكثرة الأدلة على هذا الأصل العظيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد.

قال الله عز وجل: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:55-56] وقال سبحانه: (تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة:80-81] والآيات في بيان عقيدة الولاء والبراء، وأنها صلب التوحيد، والعقاب الأليم لمن جعل معقدها لغير دين الله كثيرة في كتاب الله عز وجل. وقد حاولت استقراء ما ورد من الآيات في ذكرها في كتاب الله عز وجل، وتفخيم شأنها، وذم المتهاونين فيها، ومدح أهلها الذين يوالون ويعادون في الله؛ فوجدت ذكرها في جل سور القرآن يربو على ثلاث مئة وثمانين موضع، وبتدبر الآيتين المذكورتين آنفا في سورة المائدة نخلص الى ما يلي:

أولا: حصر الولاية والمحبة والنصرة في تولي الله ورسوله والمؤمنين

وأصحاب هذه الولاية هم المؤمنون وفي صف المؤمنين، ويقابل ذلك صف الكافرين والمنافقين؛ الذين والى بعضهم بعضا على الكفر؛ وعلى عبادة غير الله عز وجل؛ من صنم أو حجر أو بشر مودة بينهم في الحياة الدنيا قال الله عز وجل في وصفهم على لسان أمام الحنفاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [العنكبوت:25 ] فهما إذا فسطاطان متقابلان؛ فسطاط المؤمنين الذين يتولون الله ورسوله والمؤمنين؛ وفسطاط الكافرين والمنافقين الذين يتولى بعضهم بعضا ويعادون المؤمنين.

ثانيا: أن تولي المؤمنين ومعاداة الكافرين شرط حاسم في صحة الإيمان

فمن عادى المؤمنين ووالى الكافرين عالما مختارا فلا حظ له في الإسلام قال تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ) [المائدة:81] وقال سبحانه: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً  )[آل عمران: 28].

ثالثا: التساهل الشديد في هذه المسألة رغم كونها إيمان وكفر

ومع خطورة هذا الشأن من شؤون العقيدة والإيمان، وأن المسألة ليست مسألة طاعة ومعصية، وإنما إيمان وكفر، إلا إننا اليوم نجد التساهل الشديد في ذلك، وكأنه ذنب صغير؛ بل قد لا يعده بعضهم ذنبا، وما علم أنه مما تهدم به محكمات هذا الدين وأصله العظيم. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب عند قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود: 113] بعض الكفار قد يكون فيه أخلاق مثل حاتم وعبد المطلب فإن كان كفره بالله وإشراكه لا يشينه عندك ويغطي محاسنه فهو من الركون إليهم كما قال أبو العالية في الآية: لا ترضوا بأعمالهم مثل كون المرأة إذا كانت زانية فسدت عند الناس ولو كان فيها أخلاق حسنة وفيها جمال وبنت رجال وهذا العيب يغطي محاسنها كلها عند الناس والإنسان قد يكون له قريب أو رجل ينفعه فتوعد على الركون إليهم بالنار مع أنه يقع عندنا ولا يستنكر ولا ينقد فاعله.

وقوله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) [هود: 114] إذا عرفت سبب نزولها – وأنها نزلت في رجل نال من امرأة أجنبية قبلة – عرفت الجهل الكثير في أكثر الناس وعرفت أنها من عجائب القرآن إذا جمعت بينها وبين ما ذكر الله قبلها في الركون وتوعده عليه بالنار؛ فعظم الله أمر الركون، وأمره عندنا يسير هين ولا يعاب على فاعله. وفعل هذا الرجل الذي ذكر أنها نزلت فيه لو يفعله عندنا رجل جيد عاب عند الناس ولو تاب فينبغي للإنسان أن يعظم ما عظمه الله ورسوله ولو كان عند الناس أمره هينا1(1) الدرر السنية: (19/223-224) ..

وجوب حسم المسلم لموقفه ومفاصلة أهل الردة والكفر والنفاق

ولئن ألتمس العذر لأحد فيما مضى من الأوقات التي فيها شيء من الشبهات والتلبيس في عهود سابقة، فأنه اليوم لا عذر لأحد؛ وقد عرى الله عز وجل وبين أهل الردة والكفر والزندقة والنفاق؛ وقد أبانوا عن أنفسهم بكل صلف وحماقة وغطرسة؛ وأصبحت حالهم وحربهم للدين وأهله معروفه حتى لأعشى البصر قال تعالى: (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة:81]، ولم يبق للمسلم الذي يريد لنفسه النجاة من سخط الله وعذابه إلا أن يحدد موقفه بحسم مع أي الفريقين هو؟ وفي أي الفسطاطين يقف؟ فالأمر جد خطير ولا يجوز التمييع والتساهل فيه، فالمآل إما إلى مرضاة الله وجنته أو إلى سخطه وناره قال تعالى عن أوليائه: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64 ] وقال عمن تولى أعداءه: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51] وقال سبحانه: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [هود: 113].

حاجة المسلمين الملحّة اليوم لبيان حقيقة ولاء الكافرين

والذي دفع  إلى الكتابة في هذا الأمر الخطير بعد توفيق الله عز وجل هو النصح لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وما ظهر في هذه السنوات الأخيرة من عدم العناية بهذا الأصل الكبير من أصول الإيمان، بل تجاوز أمر السكوت إلى من ينقض ذلك بقوله أو فعله، حيث ظهر منه تولي الظالمين ومعاداة إخوانه المؤمنين وأصبح بوقا للظلمة يسوق لهم ويزين لهم أفعالهم وبطشهم بالمؤمنين، ولو أن الأمر توقف على بعض العامة والجهلة لكان أهون ولكن الأمر تجاوزهم إلى بعض المنتسبين للعلم والدعوة ومن تورط في ذلك عياذا بالله تعالى، وحتى لا يقال أن في الأمر مبالغة أو أن ذلك مجرد ظنون واتهامات نتعرف فيما يلي على بعض الصور والأمثلة لندرك من خلالها أن الأمر خطير وجلل:

صور تحقق ولاية الكافرين وأخرى محرمة دون الكفر

الصورة الأولى: المديح والثناء والتبجيل الذي يكال للظلمة المفسدين والمنافقين الخائنين هذا في قناته وفضائياته، وهذا في تغريداته، وهذا في خطبه ودروسه، وهذا بقلمه وكتاباته، والمصيبة أن كثير من هؤلاء المداحين يعرفون فساد من يمدحونه وظلمه وخيانته؛ لكنها الدنيا والمتاع الزائل؛ والثمن القليل الفاني، أليس هؤلاء وأمثالهم ممن والى أعداء الله وصف قدمه معهم؟

الصورة الثانية: أعوان الظلمة وهؤلاء كثيرون لا كثرهم الله عز وجل؛ ولولاهم ما تجرأ الظلمة على ظلم الناس، فهم في الإثم والوزر سواء إن لم يكونوا أشد إثما من أوليائهم الظالمين.

أمثلة لمن أعطوا ولاءهم لغير الله ورسوله والمؤمنين

وإعانة الظالمين والمنافقين على ظلمهم وإفسادهم تتمثل في فئات متنوعة من الناس منهم:

المحرضون للظلمة والمفسدين على ظلمهم وإفسادهم وتزيين ذلك في قلوبهم، ويظهرون ذلك في قالب النصح والحزم ومحاربة الإرهاب؛ ومن يحاول زعزعة الأمن والاستقرار كالمستشارين المنافقين الذين يكنون العداء والحقد للإسلام وأهله.

وكأمثال بعض الظالمين من أهل العلم الذين يفتون الظالمين فتاوى على أهوائهم، في البطش ببعض الدعاة والمصلحين مستخدمين بعض المصطلحات الشرعية التي يتلاعبون بها لتبرير الظلم والإجرام والإفساد كقواعد المصالح والمفاسد وسد الذرائع والضرورات وغيرها أليس هؤلاء مع الظلمة؟.

وكأمثال رؤساء المناطق والوزراء والمدراء والجند والعسكر الذين يقدسون ما يأتيهم من أوامر وتوجيهات وكأنها وحي منزل لا يمكن مناقشته ولا مراجعة مرؤوسيه فيه، وإذا بين له الظلم البين والفساد الصريح في هذه التوجيهات لم يجد له حجة إلا أن يقول أنا عبد مأمور؛ وهذه توجيهات تأتينا من فوق، فمثل هؤلاء قد والوا أعداء الله وعادوا أولياء الله، أليس هؤلاء من أولياء الظلمة؟.

ومن أمثال هؤلاء أولئك القضاة الظالمين لأنفسهم الذين شاركوا الظالم في جرائمه وإفساده وتعديه على الأنفس والأموال، فقضوا باستباحة دماء معصومة، والسجن المدد الطويلة لأولياء الله؛ لقولهم الحق ومواجهة الباطل، أليس هؤلاء مع الظلمة يحشرون معهم. هل هذا هو جزاء شكر نعمة الله تعالى عليهم قال الله عز وجل عن نجيه وكليمه موسى صلى الله عليه وسلم (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ).

ومن أمثلة هؤلاء بعض خطباء المنابر في يوم الجمعة؛ أو المحاضرين الذين سخروا خطبهم ومحاضراتهم في تنفيذ ما يطلب منهم من النيل من الدعاة والجماعات الإسلامية؛ ورميهم بالتهم الباطلة؛ والتسويق لموالاة اليهود والنصارى الغزاة المحتلين والتطبيع معهم تنفيذا لما يطلب منهم في ذلك أليس هؤلاء مع الظلمة. وفي خندقهم؟.

ومن أمثال هؤلاء رجال المباحث والاستخبارات الذين يتتبعون عورات المسلمين من الدعاة والمصلحين، ويتصيدون ما من شأنه البطش بهم وتغييبهم في السجون، والفرح بإثبات أي تهمة عليهم ولو تحت سياط التعذيب والإهانات، حتى ينالوا بذلك ترقية ورتبة تزيد من كسبهم الحرام من هذه الدنيا الزائلة الخسيسة، أليس هؤلاء من أولياء الظلمة وأعوانهم؟.

ومن أمثال هؤلاء أولئك الذين ظلموا أنفسهم ممن ينتسب للعلم ويدعي محاربته للبدع، وحدبه على عقيدة السلف فيعادي أولياء الله من الدعاة وطلاب العلم؛ ويوالي الظلمة والطغاة؛ ويمدحهم ولا ينكر عليهم؛ بل ينكر على من ينكر عليهم ويسعى للوشاية بالصالحين عند الظلمة، ويفرح ويشمت بإيقاف نشاط الدعاة، بل وسجنهم، أليس هؤلاء مع الظلمة والمجرمين وجندهم.

ومن أمثال هؤلاء من صدر نفسه للدفاع عن مشاريع الظالمين وفسادهم وقراراتهم، وهو أول من يعلم بفشلها وسقوطها ومع ذلك يسوق لها، ويؤيد كل قرار يصدر من أصحاب القرار على أنه الصائب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أليس هؤلاء مع الظالمين في خندقهم وفسطاطهم.

ومن أمثال هؤلاء الذين أعطوا ولاءهم لغير الله ورسوله والمؤمنين، أولئك المداهنين والمنافقين الذين يجالسون الظلمة ويضاحكونهم، ويسكتون على المنكرات العظيمة التي يرونها، بل وسماع الباطل في مجالسهم وسكوتهم على ذلك.

ومن أمثال هؤلاء المتهالكون على أعطيات الظلمة واقطاعاتهم ومناصبهم، ومن أجل ذلك يظهر ولاءه ومحبته لهم؛ ومعاداته وحربه للدعاة والمصلحين؛ وسماع السخرية والاستهزاء بالمتدينين والمصلحين في مجالس الظالمين والسكوت على ذلك والبقاء في هذه المجالس دون إكراه خوفا على لعاعة من الدنيا فانية.

ومن طبيعة الظلمة أنهم يذلون ويهينون من رأوه يمدحهم ويضاحكهم ويسكت على منكراتهم، وهذا ما يحصل في مجالس الظالمين من إهانات وإذلال لبعض المنتسبين للعلم، ومع ذلك لا تأنف نفوسهم من ذلك، بل تطبعت على هذا الإذلال، ولما يخشونه من فقدهم لشيء من الدنيا التي يحصلون عليها من الظلمة ومداهنتهم.

ومن أمثال هؤلاء ما يفعله من يحضر مجالس الظلمة والمفسدين من تعظيم شديد لهم لا يليق إلا بالله تعالى، من الإطراق عندهم؛ والقيام لدخولهم وخروجهم؛ ورفع صورهم وتعظيمها والخوف الشديد منهم؛ الخوف الذي قد يرقى إلى الخوف الشركي؛ الذي لا يجوز أن يصرف إلا لله تعالى، وإضفاء القدسية والطاعة المطلقة وعدم الاعتراض على ما يصدر من أصحاب القرار ولسان حاله يقول: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ). وقد فند الله شبهة من تعلل بالخوف فوالى أعداء الله وعادى أولياء الله بقوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:52].

تحت أي راية أنت؟ ومع أي الفريقين كنت؟

وأختم الكلام بذكر آية عظيمة مخيفة توجل منها قلوب الذين يخشون ربهم بالغيب؛ وهم يرون اليوم تقلبات الفتن بأهلها يقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:97] .

يقول السعدي رحمه الله تعالى عند هذه الآية: فإن الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم: (فِيمَ كُنْتُمْ) أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير، والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم2(2) تفسير السعدي، سورة النساء آية 97..

ويقول البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: (فِيمَ كُنْتُمْ): أي في ماذا كنتم؟ أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين أم في المشركين؟ سؤال توبيخ وتعيير3(3) تفسير البغوي، سورة النساء آية 97. فيا أيها المسلم اسأل نفسك: فيم كنت؟ أفي الكفار والمنافقين؟ أم مع المؤمنين والموحدين؟.

وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: (ماذا أعددت لها) قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنت مع من أحببت) قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت مع من أحببت) قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم4(4) رواه البخاري: (3688). فيا أيها المسلم هلا سألت نفسك هذا السؤال الحاسم مع من أنت؟ من تحب؟ نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، سلما لأوليائه؛ حربا على أعدائه؛ نوالي من والاه الله عز وجل؛ ونعادي من عاداه.

كما أختم بقول ابن القيم رحمه الله: إِذا كَانَ الله وَرَسُوله فِي جَانب فاحذر أَن تكون فِي الْجَانِب الآخر فَإِن ذَلِك يُفْضِي إِلَى المشاقة والمحادّة وَهَذَا أَصْلهَا وَمِنْه اشتقاقها فَإِن المشاقة أَن يكون فِي شقّ وَمن يُخَالِفهُ فِي شقّ والمحادة ان يكون في حد وَهُوَ فِي حد وَلَا تستسهل هَذَا فَإِن مبادئه تجر إِلَى غَايَته وقليله يَدْعُو إِلَى كَثِيره وَكن فِي الْجَانِب الَّذِي يكون فِيهِ الله وَرَسُوله وإن كَانَ النَّاس كلهم فِي الْجَانِب الآخر فَإِن لذَلِك عواقب هِيَ أَحْمد العواقب وأفضلها وَلَيْسَ للْعَبد أَنْفَع من ذَلِك فِي دُنْيَاهُ قبل آخرته وَأكْثر الْخلق إِنَّمَا يكونُونَ من الْجَانِب الآخر ولاسيما إِذا قويت الرَّغْبَة والرهبة فهناك لَا تكَاد تَجِد أحدا فِي الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الله وَرَسُوله بل يعدّه النَّاس نَاقص الْعقل سيء الِاخْتِيَار لنَفسِهِ5(5) الفوائد، (115)..

والحمد لله رب العالمين

الهوامش

(1) الدرر السنية: (19/223-224) .

(2) تفسير السعدي، سورة النساء آية 97.

(3) تفسير البغوي، سورة النساء آية 97.

(4) رواه البخاري: (3688).

(5) الفوائد، (115).

اقرأ أيضا

الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر (1-8) محورية الولاء والبراء

حدود الولاء المكفر .. حفظا للأمة ومنعا للغلو

التهوين من عقيدة الولاء والبراء

 

التعليقات غير متاحة