إنَّ صناعة الجهل من أقدم الصناعات ومؤسسها الأول هو الشيطان، فما زالت جهود الشيطان وأتباعه لإضلال البشرية مستمرة من أول بدء الخليقة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

تجهيل الأمة وسيلة لإضعافها والسيطرة عليها

إنَّ صناعة الجهل أو حملات تجهيل المسلمين في العالم الإسلامي صارت واضحة المعالم لا تخفى على أحد من المتابعين، ويظهر ذلك في منظومة متكاملة من الآليات الهائلة الممنهجة التي تُدار من خلال دول ومؤسسات كبيرة ومتعددة المجالات..

إنَّ أعداء الإسلام قد أيقنوا منذ القدم أنهم لا يمكنهم إزالة هذا الدين بالحروب والقوة العسكرية ولا بالمؤامرات ولا حتى بالحكام العملاء -مهما كان دهاؤهم-، ولذلك كان اللجوء لإيجاد أجيال تجهل أصول دينها وفروعه وتجهل قضاياها المصيرية؛ بل وتجهل كافة المجالات العلمية الحديثة النافعة كالطب والهندسة وعموم الصناعات..

التحول الجنسي واستحلال اللواط والشذوذ من صناعة الشيطان

والحق أنَّ صناعة الجهل من أقدم الصناعات ومؤسسها الأول هو الشيطان، فما زالت جهود الشيطان وأتباعه لإضلال البشرية مستمرة من أول بدء الخليقة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء:119].

قال قتادة: البتك في البحيرة والسائبة، وكانوا يبتكون آذانها لطواغيتهم1(1) [رواه الطبري بسند حسن]..

وعن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ قال: دين الله2(2) [رواه الطبري بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عنه]..

وعن ابن عباس أيضًا قال: الإخصاء3(3) [رواه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عمار بن أبي عمار]..

ولا شك أنَّ التحول الجنسي -المعروف اليوم- يدخل في تغيير خلق الله دخولًا أوليًّا.

كما يدخل فيه استحلال اللواط والشذوذ الجنسي المعروف اليوم بالمثليين، قال تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء:165-166].

قال مجاهد في قوله: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ قال: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء4(4) [رواه الطبري بسند صحيح]..

وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر:39-40]. والإغواء الذي تعهد به إبليس هو الإضلال5(5) الطبري (21/241) وابن عطية في تفسيره (4/130) وغيرهما...

وبداية الإضلال تكون بالجهل والصرف عن حكم القرآن والسنة، كما قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50]، ولذلك فإنَّ الذي ينقذ الناس من غواية إبليس هم العلماء والربانيون..

شيوع الجهل من أشراط الساعة

وشيوع الجهل قد أخبرنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه من أشراط الساعة؛ فعَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ» وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ6(6) [رواه البخاري (6538) ومسلم (2672)]..

وعَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ: «هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ»7(7) [رواه البخاري (82)]..

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا»8(8) [رواه البخاري (78) ومسلم (2671)]..

وملخص الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث، ثلاثة:

  1. «يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ».
  2. «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ».
  3. «يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ».

والظاهر أنَّ الجهل يمر بمراحل ثلاثة -وكلها من علامات الساعة-:

أولها: نزول الجهل، وقد كان ذلك بوفاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «…وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»9(9) [رواه مسلم (2531)]..

قال النووي: وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون» أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحًا وقد وقع كل ذلك، قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته صلَّى الله عليه وسلَّم10(10) [شرح مسلم (16/83)]..

ثانيها: ظهور الجهل، وقد بدأ في أواخر عهد الصحابة رضوان الله عليهم، فإنَّ البدع ظهرت مبكرة، فأولها بدعة الخوارج في عهد علي رضي الله عنـه، ثم القدرية في أواخر عهد الصحابة وأدركها ابن عمر رضي الله عنهـم، ثم المرجئة في عهد التابعين، ثم الجهمية فيمن بعدهم..

ثالثها: وهي التي نرجح أنها تسود زماننا هذا، وهي مرحلة ثبوت الجهل..

ترك العمل بالعلم من أنواع الجهل

وقد أشارت الأحاديث إلى التدرج في رفع العلم وحلول الجهل بدله، فعن أبي الدرداء، قال: كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء» فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟» قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، قلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يُرفع من الناس؟ الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا11(11) [رواه الترمذي (2653) وحسنه، والحاكم (338) وصححه، ووافقه الذهبي والألباني]..

فالحديث يدل على أنَّ العلم إذا لم يُعمل به فلا قيمة له.

وفي زماننا كثير من المنتسبين للعلم من حملة الدكتوراة والشهادات والألقاب العلمية والإجازات مَن لا يليق بهم وصف طالب العلم؛ لما يرتكبون من حماقات وجنايات في حق العلم، فثبت الجهل بنسبة هؤلاء الجهال للعلم؛ بل انحصر التدريس والخطابة والوعظ والإرشاد عليهم في كثير من بلدان المسلمين..

-ولذلك شاهدنا في زماننا هذا من يترحم على موتى النصارى أو يصفهم بالشهداء أو يصلي عليهم صلاة الجنازة-.

والعكس في قضية العلم، ولذلك قال الحافظ ابن حجر:

…فيحتمل أن يكون المراد بقلته أول العلامة وبرفعه آخرها…12(12) [فتح الباري (1/179)]..

والمقصود أنَّ المرحلة الأولى من علامات الساعة: قلة العلم، والمرحلة الأخيرة: رفعه..

وقبض العلم -أول ما يكون- بقبض العلماء، ومن علامات الساعة اتخاذ الناس الرءوس الجهال بدلًا عن العلماء؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»13(13) [رواه البخاري (100) ومسلم (2673)]..

وظيفة العلماء الربانيين

والمعتبر من العلماء هم الربانيون القائمون بحق الله تعالى فيما يحملون من علم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ…﴾ [آل عمران:187].

قال العلامة السعدي: (الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه العلم، أنْ يُبيِّن للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصًا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أنْ يُبيِّنه، ويوضح الحق من الباطل.

فأما الموفقون فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفًا من إثم الكتمان…)14(14) [تيسير الكريم الرحمن صـ(160)]..

وقد يفيد هذا أنَّ التطور التقني في عمليات البحث العلمي لا يـجدي شيئًا إلا بوجود العلماء الربانيين، وأما طلبة العلم والباحثين -وإن كانوا متقنين- فلا يُغنُون؛ بل قـد يكــون ضرر بعـضــهــم أكبـر من نـفـعــه -ولذلك مقام آخر-.

من مظاهر صناعة الجهل والتجهيل في زماننا

1- المناهج الضعيفة والفاسدة والمستوردة من بلاد الكفر والجهل بالله عزَّ وجلَّ، وقد استشرى هذا في عموم الدول الإسلامية التي اتخذت العلمانية نظامًا واستجابت لمخططات الأعداء من اليهود والنصارى.

وفريق اغترَّ ببريق التقدم التقني لهؤلاء الكفار فجعلوا كل ما يقفون عليه من علومهم بمنزلة الـمُسلَّمات التي لا تقبل النقاش..

والنقاش مع هؤلاء يجب أن يبدأ من الأصل وهو الإيمان والتسليم لكل ما جاء في القرآن وصح من السنة النبوية مع الأخذ بمنهج السلف الصالح في النظر والاستدلال…

2- الجامعات ورسائل الدكتوراة والماجيستر التي يُقدَّم حاملوها على أنهم صفوة المجتمع وخيار العلماء والمطلعين، وهم في الحقيقة رواة كتب ونُسَّاخ في الأغلب الأعم، أو يدرسون جزئيات محدودة حتى إننا نجد الجمع منهم يدرسون جزئية من كتاب من كتب السلف ويجعلون ذلك غاية جهدهم حتى تصير هذه الجزئية هي مبلغهم من العلم، فيتخرج المتخرج وهو متخصص ضيق العَطَن… وقل ما تجد رسالة جامعية متميزة.

3- عدم أهلية المدرسين والخطباء والوعاظ ونحوهم، وهذا إنما هو نتيجة طبيعية لانحراف المناهج والمدارس والجامعات وضعفها..

4- ضعف أو إضعاف شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو انعدامها بالكلية، وهي الشعيرة التي امتازت بها هذه الأمة وكانت بها خير أمة أخرجت للناس، كما قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة:110].

5- محاربة المؤسسات التعليمية الشرعية وإيقاف معظمها، وتشديد الرقابة على الفتاوى والبحوث لتخرج على وفق هوى المتنفذين في بلاد الإسلام..

6- إضلال وسائل الإعلام المختلفة لعوام المسلمين بالفتن والشهوات والشبهات، وتقديم الجهلة والرويبضات والعلمانيين على أنهم خبراء ومفكرون ودعاة، حتى صار يتحقق فيهم وصف «رُءوسًا جُهَّالًا»..

7- ومن جهود هؤلاء المجرمين الاستهزاء بالعلماء والملتزمين بالهدي النبوي ووصفهم بالإرهاب والتخلف وغير ذلك من الأوصاف التي هم أجدر وأحق بها..

8- اتخاذ الإنترنت مصدرًا لتلقي العلم رغم ما فيه من فتن ومواقع التصوف الباطل والشيعة الروافض وغيرها من الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة..

نعم قد يستفيد بعض العلماء والمتحرزين من طلبة العلم من بعض المواقع الطيبة، لكن لا يجب أن يندفع العوام ويفسح المجال لمن لا خبرة لهم بتلقي العلم ونشره، وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى مفتين لمجرد أنهم يستطيعون البحث في الإنترنت فكثر منهم الخطأ والتعالم بغير حق..

9- سيطرة الضعفاء -إيمانًا أو علمًا أو عملًا- على مراكز الدعوة ونشر العلم وعجزهم عن القيام بواجباتهم؛ فصارت جهودهم محدودة تتماشى مع واقع سيطرة الجهال وأعداء الملة من الحكام والمسؤولين، والأجدر بمن يتولى مثل هذه المؤسسات أن يكون قويًّا ثابتًا مضحيًا، ولا أقول متحديًا مجاهرًا؛ فتلك مقامات الأنبياء لا يقدر عليها إلا القليل كأمثال أحمد بن حنبل، والنووي، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية..

10- تخاذل كثير من العلماء عن القيام بواجبهم تجاه أمتهم؛ يقول العلامة السعدي:

(…وأما اقتصار العالم على نفسه وعدم دعوته إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان لمن آتاه الله علمًا ومنحه فهمًا)15(15) [تيسير الكريم الرحمن (1/355)]..

وقد حرص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أشد الحرص على أمته؛ فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا»16(16) [رواه البخاري (6483) ومسلم (2284)]..

والأحاديث في ذلك كثيرة..

فالعالم الحق هو من أهمته أحوال المسلمين، فيدعوه ذلك للقيام بواجبه في الدعوة والتعليم، وهذا أنس رضي الله عنـه يبكي حرقة على تقصير الناس وبدايات تفكك عُرى الإسلام؛ فعن الزُّهْرِيّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ17(17) [رواه البخاري (530)]..

اللهم ارفع الجهل عنا وعن المسلمين..

الهوامش

(1) [رواه الطبري بسند حسن].

(2) [رواه الطبري بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عنه].

(3) [رواه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عمار بن أبي عمار].

(4) [رواه الطبري بسند صحيح].

(5) الطبري (21/241) وابن عطية في تفسيره (4/130) وغيرهما..

(6) [رواه البخاري (6538) ومسلم (2672)].

(7) [رواه البخاري (82)].

(8) [رواه البخاري (78) ومسلم (2671)].

(9) [رواه مسلم (2531)].

(10) [شرح مسلم (16/83)].

(11) [رواه الترمذي (2653) وحسنه، والحاكم (338) وصححه، ووافقه الذهبي والألباني].

(12) [فتح الباري (1/179)].

(13) [رواه البخاري (100) ومسلم (2673)].

(14) [تيسير الكريم الرحمن صـ(160)].

(15) [تيسير الكريم الرحمن (1/355)].

(16) [رواه البخاري (6483) ومسلم (2284)].

(17) [رواه البخاري (530)].

 اقرأ أيضا

غزو العقيدة والعقول والأخلاق

حُماة الفضيلة .. وحِلف الرذيلة (3-3) الانتكاس وخطة المجرمين

المعاصي بين الاستعلان والاستحلال (1)

حكم الإسلام في المثلية والترويج لها بوجه عام

 

التعليقات غير متاحة