إن مجموع الذين اخترتهم من المتقين يمثلون شخصية واحدة، توضح التقوى الحقيقة التي ينبغي أن ينسج على منوالها، فهم جميعاً أخذوا الدين عن رضا واقتناع، وفقهوا هذا الدين على وجهه الصحيح، وأحيوا القلوب والنفوس به، ووقفوا في وجه الطغيان وقاوموه، وكانوا أصحاب بصيرة، أخذوا أنفسهم بالحق، ولم تشغلهم الدنيا عن إصلاح أنفسهم.
1 – ملكة مصر زوجة فرعون
بلغ الطغيان بفرعون موسى إلى أن يذبح أبناء بني إسرائيل، ويستحيي نساءهم، وفي تلك الفترة العصيبة من حياة بني إسرائيل ولد نبي الله موسى، فأمر الله أم موسى أن تضع ابنها في صندوق، ثم تلقيه في نهر النيل، فجرى به النهر إلى بركة في قصر فرعون، فأتي به إلى ملكة مصر زوجة فرعون، فلما رأته ألقى الله حبَّه في قلبها، فتوسلت إلى فرعون أن لا يقتله، لعله ينفعهما، أو يتخذانه ولداً، وهم لا يشعرون (وَقَالَتْ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [القصص: 9].
ونجّى الله تبارك وتعالى موسى من القتل، وعاش موسى في قصر فرعون، معزَّزاً مكرماً، فقد اتخذته الملكة ابناً لها، وبهذا ظهر عجز فرعون، وقلة علمه، فالذي كان يبحث عنه فرعون، ويريد قتله قبل أن يكبر، ويقضي على ملكه، كان يعيش في قصره، ويأكل طعامه، ويطيعه خدّامه.
وقتل موسى رجلاً من شيعة آل فرعون، ففرّ إلى مدين، وبقي هناك بضع سنين، ثم عاد إلى مصر، وأوحى الله إليه في عودته، وأرسله إلى فرعون وقومه، وطالبه بأن يرسل معه بني إسرائيل، ليخرج بهم إلى أرض فلسطين، التي أعطاهم إياها في عهده لإبراهيم، فأبى فرعون، وطغا وبغى، وأعاد قتل الأبناء، واستحياء النساء، وفي هذه الفترة التي زاد فيها طغيان فرعون وعلوه آمنت زوجته، وتمردت على زوجها، فعذبها زوجها عذاباً شديداً، فلما اشتد بها العذاب توجهت إلى ربها تدعوه، أن يقبضها إليه، وأن يبني لها عنده بيتاً في الجنة، وينجيها من فرعون وعمله، وأن ينجيها من القوم الظالمين، وقد ضرب الله بها المثل في كتابه العزيز، فأبقى ذكراها مثلاً يتلى إلى يوم القيامة، يقتدي به المؤمنون، ويتعظ به الصالحون، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11] لقد آثرت امرأة فرعون، وهي الملكة التي حيزت لها الدنيا، آثرت ما عند الله، فأعرضت عن دنيا فرعون، وطلبت ما عند الله ورضوانه، وقد أخبرنا رسولنا – صلى الله عليه وسلم -، أنه لم يكمل من النساء على مستوى البشرية كلها إلا آسية زوجة فرعون، ومريم بنت عمران1(1) [صحيح البخاري: 3411]..
وأخبرنا أن خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد – صلى الله عليه وسلم –2(2) [صحيح ابن حبان: 6951]..
2 – مؤمن آل فرعون
في العصر الفرعوني الذي اشتد فيه طغيان فرعون موسى، كان في الأسرة الفرعونية أمير فرعوني، هدى الله قلبه إلى الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، وكان يدافع عن موسى عندما يبحث أمره في أعلى مستوى من مستويات شؤون الحكم، وقد أعلمنا ربنا بما كان من ذلك الأمير في دفاعه عن موسى أمام أعلى مستوى من رجال الدولة عندما أرادوا أن يتخذوا قراراً بقتل موسى، فقال لهم منذراً ومحذراً: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله، وقد جاءكم بالحجج والبينات الدالة على صدقة، فإن كان كاذباً، فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي توعدكم به.
ووعظهم قائلاً لهم: أنتم اليوم الملوك، لكم العز والغلب، ولكن من الذي ينصرنا من بأس الله إن جاءنا، فقال فرعون في رده: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، عند ذلك خوفهم الأمير المؤمن أن ينزل الله تعالى بهم مثل العذاب الذي أنزله بقوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود والذين من بعدهم، والله لم يكن ظالماً عندما أحلّ بأولئك الأقوام ما أحلّه بهم. وخوفهم يوم القيامة الذي هو يوم التناد، حذرهم ذلك اليوم الذي يولون فيه مدبرين ما لهم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد.
وذكرهم بما كان من بعث الله لآبائهم نبيه ورسوله يوسف عليه السلام، فواجهه كثير منهم بالشك بالدين الذي جاءهم به، حتى إذا هلك قالوا: لن يبعث الله لهم رسولاً من بعده.
وواجه فرعون هذا الخطاب المليء بالحجج والبراهين بمزيد من الظلم والطغيان، وأمر فرعون وزيره هامان بأن، يبني له صرحاً عالياً، ليصعد فيه ليرى هناك رب الأرض والسماوات، فعاد الأمير المؤمن ليصدع بالحق، وليخاطب بقية الفطرة في نفوس فرعون ومن معه، فذكرهم أن الدنيا متاع قليل، وأن الآخرة هي المتاع الحق، وأنها دار القرار، وأنبهم ووبخهم، فهو يدعوهم إلى النجاة، وهم يدعونه إلى النار، هم يدعونه إلى الكفر والشرك، وهو يدعوهم إلى العزيز الغفار، وبيَّن لهم أن الآلهة التي يدعونها، ويعبدونها آلهة باطلة ليس لها شيء لا في الدنيا ولا الآخرة، وفوض في نهاية حديثه أمره إلى الله إن الله بصير بالعباد، فوقاه الله شر ما مكروا، وحاق بآل فرعون سوء العذاب.
3 – الصحابية أم سليم بنت ملحان الأنصارية
أم سليم صحابية أنصارية، أسلمت فملك عليها الإسلام نفسها، فلم يبق لغير الإسلام فيها شيء، لم تجامل زوجها الكافر، فرحل عنها، ومات غريباً كافراً، وتزوجت بعده أحد أثرياء المدينة، وكان كافراً، فجلعت مهرها منه إسلامه، وجاء الرسول – صلى الله عليه وسلم – المدينة مهاجراً، فجعلت ابنها أنساً خادماً له، فخدمه عشر سنين، فاستفاد صحبته وعلمه وأدبه وكونت أم سليم أسرة ظللها الإسلام بظلَّه، واتصلت هذه الأسرة برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ففاز أعضاؤها كلهم، وسعدوا.
1 – التعريف بأم سليم
اشتهرت هذه المرأة الصالحة بكنيتها، وهي أم سليم، وأصحُّ ما قيل في اسمها أنها الغميصاء أو الرُّميصاء، وهي بنت ملحان ابن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، الخزرجية الأنصارية3(3) [سير أعلام النبلاء: 2/ 304]..
وهي والدة الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، جاء الإسلام، فشرق زوجها بالإسلام، وخرج من المدينة، وهلك بالشام.
2 – زواج مهره إسلام الزوج
خطب أم سليم بعد هلاك زوجها أبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود النجاري الخزرجي، فقالت له: “أنت كافر، وأنا مسلمة، فإن تسلم فذلك مهري، فأسلم، وحسن إسلامه، وصحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزواته، وبقى مجاهداً من بعده، وتوفي في سفينة تجري على ثبج البحر، ودفنوه بعد سبعة أيام في جزيرة نائية غير معروفة”.
3 – قوة علاقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بها وبأسرتها
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأتي بيتها، وكان يقيل عندها، وكانت تجمع عرق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا نام، وتضعه في قوارير، وتدوف به طيبها، وطيب أهلها، وكانت تهدي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – من تمر بساتين زوجها، فيقبله منها، وكان زوجها يدعو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فيأتي صحبة العدد الكبير من أصحابه، فيدعو الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالطعام القليل، فيكفي العدد الكثير.
وقد دعا لها الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ودعا لابنها أنس، وأخبر أنها في الجنة.
4 – قوة قلبها
وكانت تصحب زوجها في غزواته مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد اتخذت في بعض تلك الغزوات خنجراً لتجعله في بطن من يقترب منها من الكفار.
5 – قوة شخصيتها وقوة فقهها في دينها
وقد كانت أم سليم قوية الشخصية، تعقل ما تسمعه، وتتصرف وفق ما تراه صواباً، وقد رأينا كيف سارعت إلى الدخول في الإسلام، وكيف اقتنعت به، واستوعبت أنه الحق، وأن غيره من الأديان باطل، وبخاصة تلك الأصنام التي كانت تعبد في المدينة المنورة والجزيرة العربية، لقد فقهت أنها آلهة باطلة، لا تستحق أن تعبد من دون الواحد الأحد، وقد عارضها زوجها مالك بن النضر فيما ذهبت إليه، فلم تلتفت إلى معارضته، وكانت تلقن ابنها الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلا يرضي تصرفها زوجها، ويحاول أن يصدها عن ذلك، فلا تقبل منه.
وعندما كانت تفعل ذلك، وتقول لأنس: “قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمداً رسول الله” كان يقول لها زوجها: لا تفسدي عليّ ابني، فتقول: “إنني لا أفسده”4(4) [طبقات ابن سعد: 425 – 426]. وقد رأى منها زوجها ما عكَّر مزاجه، وأطار صوابه، فخرج من المدينة إلى الشام، وهناك هلك.
6 – كيف اختارت زوجها
مات الزوج، وأصبحت أم سليم غير ذات زوج، وطمع في الاقتران بها بعض أفذاذ الرجال، لقد جاءها أبو طلحة خاطباً، وكان مثله مناسباً، تتمناه أي امرأة في المدينة، ولكنها بسهولة ويسر حسمت أمرها، وخاطبته بوضوح وصراحة: “يا أبا طلحة، ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة، لا يصح لي أن أتزوجك”.
وقالت له أيضاً: “فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره”5(5) [الطيالسي: 2056، بوساطة: أحكام الجنائز: ص 24]..
وقالت لأبي طلحة قبل أن يدخل الإسلام تحاجّه: “أرأيت حجراً تعبده، لا يضرك ولا ينفعك، أو خشبه تأتي بها النجار، فينجرها لك، هل يضرك؟ هل ينفعك؟ “.
قال أبو طلحة: “فوقع في قلبي الذي قالت”6(6) [سير أعلام النبلاء: 2/ 305، هامش الكتاب نقلاً عن ابن سعد في الطبقات: 8/ 426]..
وذكر ابن سعد في طبقاته7(7) [بإسناد صحيح، 8/ 426 – 427]. أن أم سليم قالت لأبي طلحة: “إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها النار لاحترقت؟ “.
لقد كانت الحجج التي ساقتها أم سليم حججاً قوية، سهلة الفهم، فاقتنع أبو طلحة، ودخل في الإسلام، وكان إسلامه هو المهر الذي طلبته الزوجة، لم ترد المال والملابس والذهب والفضة، إنها تريد الإسلام دون سواه، لتقترن به.
7 – عناية أم سليم باليتيمة التي كفلتها
وجاءت أم سليم يتيمة لها، وشكت إليها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقيها، فدعا عليها بأن لا يكبر سنُّها، فأذهلها ما سمعت وانطلقت إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – مسرعة تلوث خمارها، حتى لقيته، فوضَّح لها ما غاب عنها، فعن أنس بن مالك قال: كانت عند أم سليم يتيمة، وهي أم أنس 8(8) يعني أم سليم هي أم أنس.، فرأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اليتيمة، فقال: «آنت هية؟ لقد كبرت، لا كبر سنُّك» فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية! قالت الجارية: دعا عليّ نبيّ الله – صلى الله عليه وسلم – أن لا يكبر سنِّي، فالآن لا يكبر سنِّي أبداً، أو قالت: قرني.
فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمرها، حتى لقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما لك يا أمَّ سليم! ” فقالت: يا نبي الله! أدعوت على يتيمتي؟ قال: «وما ذاك يا أمَّ سليم!» قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنُّها، ولا يكبر قرنها.
قال: فضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: «يا أمَّ سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي، أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشرٌ، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحدٍ دعوت عليه، من أمتي، بدعوةٍ ليس لها بأهلٍ، أن تجعلها لها طهوراً وزكاة وقربة تقرِّبه بها منه يوم القيامة».
لقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – مقنعاً لأم سليم فيما علل به دعوته، فعادت بعد علمها أن دعوة الرسول تزيد يتيمتها أجراً، ولا تضيرها.
8 – قصة أم سليم عندما توفي ابنها
كان لأبي طلحة وأم سليم ولد يحبانه حبّاً شديداً، ومرض الطفل، وتضعضع أبو طلحة لمرض ولده، وفي ويوم خرج أبو طلحة للصلاة مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – في صلاة العشاء فمات الغلام، فطلبت أم سليم من أهل دارها أن لا يعلم أحد منهم أبا طلحة بموت ولده، فلما عاد مع جمع من أصحابه، سأل عن الغلام، فأخبرته أنه أسكن ما يكون، وقدمت له ولأصحابه العشاء، وبعد أن أويا إلى فراشهما تزينت وتطيبت، فنال منها ما يناله المرء من زوجته، وفي الصباح أخبرته بما كان بطريقة فيها كثير من الروية والحكمة، فالمال والأهلون ودائع، ولا بدّ يوماً أن ترد الودائع.
فأصبح أبو طلحة يخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بما كان منهما في ليلتهما، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم بارك لهما”، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني، قالت أم سليم: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وارُوا الصبي.
فلما أصبح أبو طلحة أتى الرسول – صلى الله عليه وسلم – فأخبره فقال: «أعرستم الليلة؟» قال: نعم، قال: «اللهم بارك لهما» فولدت غلاماً.
قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأتى به النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «أمعه شيء؟» قالوا: نعم، تمرات، فأخذها النبي – صلى الله عليه وسلم – فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي وحنكه به، وسماه عبد الله9(9) [البخاري: 5470 مسلم: 2144]..
قليل من النساء والرجال يستطيع أن يفعل فعل أم سليم، فقد أفرغ الله عليها من الصبر أمراً عجباً، فقد عشَّت زوجها وأصحابه، وعندما خرج الضيوف تعطرت وتزينت، وواقعها زوجها، وقد أكرمها الله تعالى، فكانت عاقبتها إلى خير.
9 – فعل أم سليم في الحروب
كانت أم سليم تخرج مع المقاتلين في الحروب، وتشهد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غزواته، وكانت تداوي المرضى، وتقوم على الجرحى، وتنقل الماء على ظهرها، فتفرغه في أفواه المقاتلين، وقد نادت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يوم حنين بعد أن أنزل الله عليه نصره، وأمده بجند من عنده قائلة له: “يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك يا رسول الله”، فقال لها الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «يا أم سليم، إن الله كفانا وأحسن»10(10) [مسند أحمد: 21/ 440، ورقمه: 14049. قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين]..
ومما يدل على قوة قلبها أنها اتخذت خنجراً، تريد به بعج بطن من يريدها من الأعداء، وقد أخبرنا أنس – رضي الله عنه -: “أن أبا طلحة جاء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – يوم حنين يضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أم سليم، قال: يا رسول الله، ألم تر إلى أم سليم معها خنجر”، فقال لها الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «ما تصنعين به يا أم سليم؟».
قالت: “أردت إن دنا مني أحد طعنته به”11(11) [مسند أحمد: 19/ 162، ورقمه: 12108 وقال محققوه: صحيح على شرط مسلم]..
الهوامش
(1) [صحيح البخاري: 3411].
(2) [صحيح ابن حبان: 6951].
(3) [سير أعلام النبلاء: 2/ 304].
(4) [طبقات ابن سعد: 425 – 426].
(5) [الطيالسي: 2056، بوساطة: أحكام الجنائز: ص 24].
(6) [سير أعلام النبلاء: 2/ 305، هامش الكتاب نقلاً عن ابن سعد في الطبقات: 8/ 426].
(7) [بإسناد صحيح، 8/ 426 – 427].
(8) يعني أم سليم هي أم أنس.
(9) [البخاري: 5470 مسلم: 2144].
(10) [مسند أحمد: 21/ 440، ورقمه: 14049. قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
(11) [مسند أحمد: 19/ 162، ورقمه: 12108 وقال محققوه: صحيح على شرط مسلم].
المصدر
كتاب: التقوى «تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها»، للدكتور عمر بن سليمان الأشقر (ص121-132).
اقرأ أيضا
أحوال السلف وخوفهم من آفات اللسان
منارات النجاة من الفتن .. بين التقوى والأناة