بينما أقترب من المسجد قبل أذان الجمعة بقليل وجدت أناسا كثيرين يفترشون الأرض خارج المسجد..

توهمت أن المسجد قد امتلأ عن آخره… لكنني أكملت سيري حتى دخلت المسجد…

دخلت فوجدت الأماكن الفارغة التي بداخله تكفي كل من هم خارجه ويزيد!!

تعجبت من أولئك الذين يبخلون على أنفسهم بخطوات قد ترفعهم درجات..

قلت في نفسي:

لماذا يوفر القوم على أنفسهم عناء البحث عن مكان متقدم، حيث رؤية الإمام، وعبق المسجد وظلاله كذلك؟!!

وما يضير القوم لو مدوا أعناقهم إلى النوافذ فأبصروا منها أماكن الخير الفارغة فأدركوها، وعمروها؟!!

أيقنت بعدها أن الأمر ليس متعلقا بالمسجد فحسب… إنما بهمة القوم، واكتفائهم بأي مكان وأي درجة من العبادة، المهم أنهم قد صلوها…

وأي مكان من مراتب الفضل ما داموا قد وصلوا أو كادوا..

ولعمري ما هكذا تُدْخَل الجنة وتُحْجَز الأماكن فيها..

ولا هكذا ينال شرف الآخرة!!

كم من العائدين من منتصفات الطرق ولو طالت أنفاسهم ساعة لبلغوا المقصد؟!

وكم منهم من قصرت هممهم عن أمور لو مدوا أيديهم إليها حتى وهم جلوس لنالوها، لكنهم استبعدوها فخسروها؟!

الثلاثة نفر الذين قدموا إلى حلقة النبي صلى الله عليه وسلم فنال أولهم شرف قوله:

أما الأول فأقبل فأقبل الله عليه…

واستحق الثاني مصيبة:

وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه1(1) (بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ إذ أقبلَ ثلاثةُ نفَرٍ ، فأمَّا أحدُهُما فوجدَ فُرجةً في الحلقةِ فدخلَ فيها ، وأمَّا الآخرُ فجلسَ وراءَ النَّاسِ ، وأدبر الثَّالث ذاهبا ، فقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا أنَبِّئكُم بخبرِ الثَّلاثةِ؟ أمَّا الأولُ فآوَى إلى اللهِ فآواهُ اللهُ ، وأمَّا الثَّاني فاستحيَا فاستحيَا اللهُ منه ، وأمَّا الثَّالثُ فأعرضَ فأعرضَ اللهُ عنه) رواه البخاري.!!

ولم يكن بين موضع الرجلين إلا خطوات لكن التأخر عنها استوجبت الغضبات والعذابات!!

كم من المنازل تضيع من أجل نافلة صغيرة، أو حركة للدين يسيرة، لو كشف الله الغيب لصاحبها عن خسارة فقدانها لبكى دما..

لكنها الهمم الخائرة والعزائم الفاترة!!

أبو مسلم الخولاني أسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم لانشغاله بمواجهة حركة الردة والمرتدين في اليمن، فاجتهد أن يكون مثل الصحابة حالا وإن فاته شرف الصحبة على الحقيقة فوصل به أمر الحال مع الله إلى أنه ألقي في النار فلم تحرقه، وكان يدعو الله أن يوقف الغزال للصبية ليصطادوها فيوقفها الله له ولهم..

ولو قال مقولة بعضهم: ومن لي بأصحاب الفضل والسبق لعاش على الفريضة بالكاد إن أداها!!

كان بين عكاشة بن محصن والانضمام إلى السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب جملة واحدة سبق بها أصحابه: “ادع الله أن أكون منهم”

قد تكون الجملة قد دارت بخلد ألف صحابي حينئذ، لكن الذي سبق بها نال بركتها..

وهذه كلمة فكيف بالأفعال…

تقدموا أحبتي ولا تتأخروا… فمن يدري أي خطوة أو عمل فيها نجاة أحدكم…

ولا تكونوا كمن وصل إلى الباب ولم يدخل سامحه الله…

ولو تزحزح نحوه خطوة كقاتل المائة نفس لتاب الله عليه… لكنه لما تأخر أخره الله… فلا تكونوا كذلك…

تقدموا… فما أطول يوم القيامة على المتأخرين، وما أيسره وأقصره على السبَّاقين المتقدمين.

الهوامش

(1) (بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ إذ أقبلَ ثلاثةُ نفَرٍ ، فأمَّا أحدُهُما فوجدَ فُرجةً في الحلقةِ فدخلَ فيها ، وأمَّا الآخرُ فجلسَ وراءَ النَّاسِ ، وأدبر الثَّالث ذاهبا ، فقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا أنَبِّئكُم بخبرِ الثَّلاثةِ؟ أمَّا الأولُ فآوَى إلى اللهِ فآواهُ اللهُ ، وأمَّا الثَّاني فاستحيَا فاستحيَا اللهُ منه ، وأمَّا الثَّالثُ فأعرضَ فأعرضَ اللهُ عنه) رواه البخاري.

المصدر

د/ خالد حمدي، صفحة الفيس الشخصية.

اقرأ أيضا

لكنّ العيْب في العزم

حاجتنا الى الاستقامة في زمن الفتنة

اشتر دينك طول عمرك، لا تبعه

التعليقات غير متاحة