أثار قرار وزارة التعليم العالي الأفغانية – تعليق التعليم الجامعي للنساء إلى إشعار آخر – ردود أفعال دولية مستنكرة للخطوة التي اعتبرتها دول الغرب والمنظمات الأممية الكافرة تضييقا على حرية النساء، ومنعا لحقهن الأساسي في التعليم..

والذي أعقبه قرار آخر بحظر عمل النساء في المنظمات العاملة في أفغانستان – والتي يختلط فيها الرجال والنساء-..

ونقول وبالله التوفيق:

بداية: إن الحكومة الأفغانية الحالية بقيادة طالبان قد أثبتت للإسلاميين وعموم العالم الإسلامي صدق توجهها برفض العلمانية بأشكالها المختلفة -بما في ذلك الديموقراطية الوجه السياسي للعلمانية- رغم تبني عامة حكومات العالم الإسلامي لهذا المبدأ المنافي للإسلام، بل والمعادي له، وتبعت تلك الحكومات سياسة “كرومر” و “دنلوب” التعليمية الاستعمارية، والتي تهدف إلى صبغ العالم الإسلامي بالصبغة الغربية اللادينية…

والحكومة الأفغانية الحالية -والتي يقوم عليها علماء طالبان- لم نسمع عنها حجرا مطلقا لتعليم النساء، وإنما أرادوا وضع الضوابط الشرعية لذلك، وهذا لا شك أنه واجب ولي الأمر..

فطالبان لم تمنع تعليم الفتيات في المراحل الأساسية، وكذلك لم تحظر تعليم الجامعيات مطلقا، بل كما جاء على ألسنة مسؤوليهم: تعليق الدراسة حتى إشعار آخر..

ولتفهم موقف طالبان فإنه يغلب على الطن أن ذلك التعليق إنما هو:

١- لترتيب الأولويات.

٢. ولتنقية المناهج.

٣- ولإزالة المنكرات.

– أما الأولى: ترتيب الأولويات

فنحن نرى أن عامة الجامعيات – ليس في أفغانستان فحسب بل في معظم العالم الإسلامي- لم يدرسن فروض ربهن أصلا؛ فلا يصح لمن لم يدرس فروض الأعيان كالتوحيد والطهارة والصلاة وتزكية النفس وترك الكبائر .. أن يدرس فروض الكفايات كعلوم الصناعات والطب ونحوها.

يقول الغزالي: … كل عبد هو في مجاري أحواله في يومه وليلته لا يخلو من وقائع في عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر، ويلزمه المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبا، فإذا تبين أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بالعلم المعرف بالألف واللام في قوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». علم العمل الذي هو مشهور الوجوب على المسلمين لا غير فقد اتصح وجه التدريج ووقت وجوبه1(1) [إحياء علوم الدين (1/33-٣٤)]..

وتأمل قوله: المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبا…

فإنه يعلم وجوب المبادرة إلى تعلم فرائض الله عز وجل قبل كل شيء. ولذلك قدم الغزالي بقوله: فإذا بلغ الرجل العاقل بالاحتلام أو السن ضحوة نهار مثلا فأول واجب عليه: تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وهو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله2(2) [الإحياء (۳۰/۱)].

– وأما الثانية: تنقية المناهج

فلا شك أن وقوع أفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي نحو عقدين من الزمان قد أورث فسادا عريضا في المناهج التي وضعت بإشراف هؤلاء الكفار وأذنابهم ومن يدور في فلكهم من العلمانيين والمتأثرين بقوة العدو وتسلطه..

ولذلك كان لزاما على أولياء أمور المسلمين العمل على تنقية المناهج واستبدال المشوب منها بعقائد وعادات وتقاليد غير إسلامية.. كما يجب عليهم وضع المناهج المناسبة والملائمة لكل من وظيفة الذكر والأنثى..

– وأما الثالثة: إزالة المنكرات

فمن موروث الاحتلال الأمريكي أيضا : اختلاط النساء بالرجال دون ضوابط شرعية، وفساد ملابس النساء خاصة بالتبرج وغياب معنى الحجاب الشرعي، وإذا أمكن ل90% من النساء أن يتعلمن عن بعد، وهن في بيوتن، بطريقة مأمونة، فلم يخرجن من بيوتن بلا ضرورة ولا حاجة….

ولذلك كان لزاما على أولياء أمور المسلمين العمل على إزالة هذه المنكرات، ووضع الضوابط التي يلزم النساء الالتزام بها لتحقيق العبودية لله عز وجل.

ولذا كان من حق طالبان علينا أن نحسن بهم الظن، ونحمل أفعالهم -التي قد تشتبه علينا- المحمل الحسن، وهذا مقتضى الأخوة الإيمانية التي تجمعنا بهم، كما قال تعالى: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا)

أما عن تعليم النساء؛ فهو – في ديننا – واجب، ومنه ما هو مباح.

فالنساء شقائق الرجال؛ يتعلمن ما ينفعهن وينفع المجتمع، وبضوابطه الشرعية، فيتعلمن القراءة والكتابة والدين وشؤون المنزل وتربية الأبناء.. وقلة منهن يتعلمن الطب والتمريض والتدريس؛ ليخدمن القطاع النسائي في هذا المجال.

وأما العمل؛ فالإسلام يريد من المرأة أن تكون أما متخصصة ومتفرغة لصناعة الإنسان وتربية الأجيال والحفاظ على الأسرة وتماسكها؛ لأن الأسرة هي نواة المجتمع وصلاحها صلاحه وفسادها فساده، وإخراجها من بيتها لتزاول عملًا في غير تخصصها هو إهدار لطاقتها وتخصصها والذي هو فطرتها وإمكانيتها وهو الذي يريده الإسلام منها، هذا العمل الذي لا يستطيع أحد غيرها أن يقوم به كما ينبغي، لا رجل ولا خادمة ولا حضانة.

علاوة على ما في خروجها للعمل من امتهان لها ونشر للفساد، قال صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان»3(3) [رواه الترمذي (۱۱۷۳) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الألباني]..

والأصل في الاستشراف: رفع البصر للنظر إلى الشيء، أي أنه ينظر إليها ويطمح ببصره نحوها، ليغويها أو يغوى بها4(4) [انظر: الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (٧٤٢/٣)]..

المعنى الواسع للحجاب

ولأن الحجاب المطلوب من المرأة شرعا يمنعها من الابتذال والامتهان ويمنعها من الخروج للعمل إلا عند الضرورة أو الحاجة، فمطلوب منها:

1 – ستر بدنها عن الأجانب، وهذا هو المعنى الشائع للحجاب، وهو الوارد في قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)، وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ).

۲- استتار المرأة عن الاختلاط بالرجال الأجانب في بيتها وفي خارجه، وهو الوارد في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).

٣- استتار المرأة في بيتها وعدم خروجها منه لغير حاجة أو ضرورة، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتها في بيتها خيرا من صلاتها في المساجد، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، فدلت الآية على أن قرار المرأة في بيتها من أسباب طهارة قلبها وعرضها وذهاب الرجس عنها.

فهذا هو المعنى الواسع للحجاب كما ينبغي فهمه وهذا كله لسد ذرائع الفتنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»5(5) [متفق عليه]..

وقد نسب حديث للنبي صلى الله عليه وسلم فيه النهي عن تعليم النساء الكتابة، وهو: «لا تنزلوهنَّ الْغُرْفَ، ولا تعلموهنَّ الكتابة، وعلموهنَّ المغزل، وسُورة النور»6(6) [رواه الطبراني في الأوسط (٥٧١٣)، والحاكم (٢/٣٩٦)، وابن عدي في الكامل (٣٩٥/٢)]..

وهو حديث موضوع7(7) انظر: [الموضوعات (٢٦٩/٢)، وتنزيه الشريعة (۲۰۸/۲)، واللآلئ المصنوعة (۹۲/۲)، والفوائد المجموعة (١٢٦)]..

إقرار النبي صلى الله عليه وسلّم تعليم النساء الكتابة

وقد ثبت إقرار النبي صلى الله عليه وسلّم تعليم النساء الكتابة كأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها؛ عن الشفاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأنا عِندَ حَفْصَةٌ فَقَالَ لِي: «أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رقية النملَةِ كَمَا عَلَّمْتيهَا الْكِتَابَة»8(8) [رواه أبو داود (۳۸۸۷) وغيره، وصححه الألباني]..

وهذه عائشة – أعلم نساء العالمين رضي الله عنها -، وقد كتبت لمعاوية رضي الله عنه ؛ عن عَبْدِ الوَهابِ بن الورد، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أهل المدينة قال: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين أن اكتبي إلى كِتَابًا توصيني فيه، ولا تكثري علي فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك… الحديث9(9) [رواه الترمذي (٢٤١٤) وغيره، وصححه الألباني].. والظاهر أنها كتبت ذلك بنفسها والله أعلم.

وللعلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي رسالة في هذه المسألة اسمها: “عقود الجمان في جواز الكتابة للنسوان” طبعة مؤسسة المجمع العلمي بباكستان، تحقيق: وصي الله محمد عباس.

قال المحقق المذكور في تقديمه لتلك الرسالة: وإن تاريخ الإسلام الأغر لمزدان بأعمال النبيلات من أعلام النساء؛ محدثات وفقيهات قرأن وكتبن وحدثن وروين وتصدرن للإقراء والتعليم. اهـ

وقد برعت جملة من النساء في تاريخ الإسلام في كتابة المصاحف التي تحتاج إلى الدقة المتناهية والصبر الطويل

قال شيخ القراء وإمام الإقراء أبو داود سليمان بن نجاح رحمه الله تعالى: وحتى نساء أهل الأندلس لم يعدمن هذه الصنعة: كتابة المصاحف ونقطها، فاحترفت مئات من نساء أهل الأندلس نسخ المصاحف وإعرابها بالنقط وغيرها من الكتب، وكن يبعنها إلى الوراقين بسبب ما تميزن به من الجودة والمهارة والإتقان في الكتابة.

أورد عبد الواحد المراكشي ت ٦٤٧ هـ نصا يبين أن من نساء أهل الأندلس من كن ينسخن المصاحف فقال: حكى ابن فياض في تاريخه في أخبار قرطبة، قال: كان بالربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا ما في ناحية من نواحيها فكيف بجميع جهاتها؟.

ومنهن: عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم، ذكرها أبو حيان في المقتبس، لم تكن في جزائر الأندلس في زمانها من تعدلها فهما وعلما وأدباً وشعرا، وفصاحة وعفة وجزالة وحصافة. وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب، وتعني بالعلم، ولها خزانة علم كبيرة حسنة، وماتت عذراء لم تنكح وتوفيت سنة ٤٠٠ هــ.

ومنهن: فاطمة بنت زكريا بن عبد الله الكاتب المعروف بالشبلاري مولى بني أمية كانت كاتبة جزلة، استكملت أربعا وتسعين تكتب على ذلك الكتب الطوال وتجيد الخط.

ومثلها في العناية بالمصاحف ونقطها السيدة: البهاء بنت الأمير عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية. كانت خيرة عابدة زاهدة شديدة الرغبة في الخير، وكانت تكتب المصاحف وتحبسها، وإليها ينسب المصحف الذي بربض الرصافة توفيت في سنة ٣٠٥ هـ10(10) [مختصر التبيين لهجاء التنزيل (٦٢/١)]..

وقال ابن مفلح:

فصل: حديث الحث على تعليم المرأة الكتابة، وحديث النهي عنه موضوع:

ظاهر كلام الأكثرين أن الكتابة لا تكره للمرأة كالرجل وذكره ابن عقيل في الفنون وهو ظاهر المنقول عن الإمام أحمد — قال في مسنده:…. وساق حديث الشفاء المتقدم، ثم قال: وقال الأثرم: قال إبراهيم بهذا حدث أو حدثت به أحمد بن حنبل فقال: هذا رخصة في تعليم النساء الكتابة ذكره الخلال في الأدب.

وقال الشيخ مجد الدين في المنتقى وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة11(11) [الأداب الشرعية (1/296)].

حفظ الله تعالى نساء المسلمين ورفع قدرهن بالعلم والإيمان.

الهوامش

(1) [إحياء علوم الدين (1/33-٣٤)].

(2) [الإحياء (۳۰/۱)].

(3) [رواه الترمذي (۱۱۷۳) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الألباني].

(4) [انظر: الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (٧٤٢/٣)].

(5) [متفق عليه].

(6) [رواه الطبراني في الأوسط (٥٧١٣)، والحاكم (٢/٣٩٦)، وابن عدي في الكامل (٣٩٥/٢)].

(7) انظر: [الموضوعات (٢٦٩/٢)، وتنزيه الشريعة (۲۰۸/۲)، واللآلئ المصنوعة (۹۲/۲)، والفوائد المجموعة (١٢٦)].

(8) [رواه أبو داود (۳۸۸۷) وغيره، وصححه الألباني].

(9) [رواه الترمذي (٢٤١٤) وغيره، وصححه الألباني].

(10) [مختصر التبيين لهجاء التنزيل (٦٢/١)].

(11) [الأداب الشرعية (1/296)].

اقرأ أيضا

المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية

أمريكا وخونة الأفغان

محورية الحركة الاسلامية والآمال المعلقة عليها وخطر تراجعها

أنواع الغزو الذي يتعرض له المسلمون اليوم

التعليقات غير متاحة