إن الحرب في السودان وقودها المسلمون من الطرفين، وهي ضد مصلحة الشعب السوداني المسلم، وتزيد من معاناته وضعفه وتبديد ثرواته، ولذا يجب أن تقف، وعلى الطرفين الجلوس للحوار والتوصل لحل يحقن دماء المسلمين ويحقق مصلحتهم.

ماذا يحدث في السودان؟!

في أواخر رمضان هذا ١٤٤٤هـ الموافق ١٥ إبريل ٢٠٢٣م يستيقط العالم على – خبر الاشتباكات التي اندلعت في السودان بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، والتي دخلت يومها التاسع عشر الآن، وأسفرت عن عدد من القتلى لا يقل عن ٥٠٠ قتيل، ونحو ٥٠٠٠ جريح، وعشرات الآلاف من النازحين، فما هو سبب هذه الاشتباكات؟ وما هي قوات الدعم السريع؟ وما سبب خلافها مع الجيش السوداني؟ وما أثر هذه الحرب على المسلمين والدعاة في السودان؟ وسنحاول بإذن الله أن نجيب على هذه الأسئلة…

طرفا الصراع في السودان

الصراع القائم اليوم في السودان هو صراع بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وبين أحد فروع الجيش السوداني الذي هو “قوات الدعم السريع” والذي يقوده محمد حمدان المعروف باسم “حميدتي”، ومن أجل أن تتضح الصورة لابد أن نعود بالتاريخ إلى الوراء قليلًا..

ثورة الإنقاذ الوطني ووصول عمر البشير لرئاسة السودان

في عام ۱۹۸۹م قاد حزب “الجبهة الإسلامية القومية” بقيادة حسن الترابي انقلابا عسكرياً على رئيس الوزراء السوداني الحاكم آنذاك الصادق المهدي، واستطاعت الجبهة الإسلامية أن تنفذ هذا الانقلاب عن طريق بعض الضباط التابعين لها داخل الجيش السوداني بقيادة العقيد عمر البشير، الذي استطاع أن يطيح بالصادق المهدي، وعرف هذا الانقلاب باسم “ثورة الإنقاذ الوطني”، وأصبح عمر البشير هو رئيس السودان، وأصبحت الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي تشارك في إدارة السودان مع البشير، ولكن مع مرور الوقت بدأت الخلافات تتزايد بين عمر البشير والجبهة الإسلامية، وسيطر عمر البشير على الحكم بمفرده، وأعلن حالة طوارئ، وألغى الأحزاب، وعطل البرلمان، وساءت الأحوال في السودان في عهد عمر البشير.

بداية الأزمات من الجنوب إلى الغرب في السودان

ومما زاد الطين بلة انفصال جنوب السودان عن السودان، خاصة أن جنوب السودان يحتوي على ٧٥% من النفط الموجود في السودان، ومن الناحية الأخرى في غرب السودان وبالتحديد في دارفور كانت هناك مشكلة كبيرة، وهي أن السودانيين المتواجدين في دارفور من أصول عربية ومن أصول أفريقية، فالأفارقة السودانيون اتهموا عمر البشير وحكومته بممارسة التمييز العنصري ضدهم، وبالتفريق في المعاملة بينهم وبين العرب، وبتهميشهم وإهمال إقليم دارفور، فأسس بعض الأفارقة السودانيين المتواجدين في دارفور حركة أسموها “حركة تحرير السودان” وفي عام ٢٠٠٠م أسسوا حركة أخرى أسموها “حركة العدل والمساواة”، وبدأ الصراع بين هاتين الحركتين من جهة وبين الحكومة السودانية من جهة أخرى، وتحول هذا الصراع إلى صراع مسلح.

تأسيس قوات الدعم السريع للقضاء على التمرد في دارفور

فأسس البشير ميليشيات عسكرية من العرب المتواجدين في دارفور، من عشيرة المحاميد وعشيرة الماهرية، الذين ينتمون لقبائل الرزيقات المتواجدة في شمال دارفور، وعرفت هذه الميليشيات باسم “الجنجويد” والتي تعني: الرجل الذي يركب جوادا ويحمل مدفعًا رشاشا، وكانت مهمة هذه الميليشيات السيطرة على إقليم دارفور والقضاء على التمرد المشتعل هناك من حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، وكانت ميليشيا جنجويد في البداية تحت قيادة موسى هلال، وبعده أصبح القائد حميدتي، وحميدتي من دارفور من قبيلة الرزيقات، وكان في بدايته تاجر إبل، وقالت الـ”بي بي سي” في تقرير لها: أنه عمل بعد ذلك في تجارة الذهب، وأنه سيطر على منجم الذهب المتواجد في جبل عامر، وكون ثروة ضخمة -وهو كذلك-.

قوات الدعم جيش موازي للجيش السوداني

ونستطيع القول أن قوات الجنجويد استطاعت القضاء على التمرد الذي كان في دارفور، وأصبح حميدتي مقرباً بشكل كبير من الرئيس عمر البشير، لدرجة أن البشير أصبح يلقبه بـ”حميتي” -فيما ذكر- يعني: الذي يحميني، وعام ٢٠١٣م ضم الرئيس البشير قوات الجنجويد بشكل رسمي للجيش السوداني، وصار اسمها “قوات الدعم السريع” وبقيت تحت قيادة حميدتي الذي قام بجرائم ضد المواطنين في دارفور من عمليات قتل واغتصاب ومع مرور الوقت ازدادت قوة الدعم السريع، لدرجة أن وصل عددهم لأكثر من أربعين ألف مقاتل، وفي مصادر أخرى مئة ألف مقاتل، وازدادت قوتها أكثر بعدما تم تعديل القانون وأصبحت قوات الدعم منفصلة بشكل كامل – بقيادة حميدتي- عن الجيش السوداني، فأصبحت كالجيش الموازي للجيش السوداني.

أسباب الصراع بين البرهان وحميدتي

فقد كانت أحوال السودان تسوء يوما بعد يوم، فارتفعت الأسعار، وزاد معدل الفقر، والبطالة، والفساد، مما تسبب في اشتعال الثورة السودانية ضد نظام عمر البشير في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م، وكان شعارها الموجه لعمر البشير “تسقط بس”، وبعد أكثر من سنة وبالتحديد في 11 إبريل ٢٠١٩م أعلن الجيش السوداني خلع الرئيس عمر البشير، وتشكيل المجلس العسكري الانتقالي، الذي أصبح رئيسه وزير الدفاع عبد الفتاح البرهان، وأصبح نائبه حميدتي -قائد قوات الدعم السريع-، وقال المجلس العسكري: أنه سيدير السودان لمدة عامين، وبعدها سيتم تسليم السلطة للمدنيين، لكن بدأت الخلافات بين المجلس العسكري والثوار، الذين طالبوا بمجلس مدني يدير السودان، وتحولت هذه الخلافات إلى اشتباكات بين الطرفين، والتي كان من أشهرها الأحداث التي عرفت باسم “مجزرة القيادة العامة” يوم 3 يونيو ۲۰۱۹م، والتي راح ضحيتها ٦٦ سودانيا، وفي مصدر آخر ١٥٠ سودانيا.

تشكيل المجلس السيادي وتوقيع “الاتفاق الإطاري”

وبعد كثير من الأحداث اتفق الطرفان اللذان هما المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير -الذين يمثلون فصيلا من الثوار- على تشكيل مجلس سيادي مكون من ۱۱ عضوا، ٦ مدنيين و5 عسكريين، وأصبح عبد الفتاح البرهان هو رئيس المجلس وحميدتي نائب رئيس المجلس، وكانت مهمة المجلس السيادي إدارة شؤون السودان بشكل مؤقت، وبعد خلافات وكثير من الأحداث اتفق الطرفان اللذان هما المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير على توقيع اتفاق عرف باسم “الاتفاق الإطاري” وكان هذا في ديسمبر ۲۰٢٢م، وكان من أهم بنود هذا الاتفاق:

انتقال السلطة للمدنيين خلال سنتين، وأن يتم دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السوداني، ويصبح الجيش السوداني موحدا تحت قيادة واحدة.

 دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السوداني

وعلى الرغم من أن عبد الفتاح البرهان وحميدي كانا على وفاق بعد عزل البشير فقد ظهرت خلافات بشكل كبير بسبب نقطة دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السوداني، التي كانت ضمن الاتفاق الإطاري، فعبد الفتاح البرهان كان يريد دمج قوات الدعم داخل الجيش خلال سنتين، لكن حميدتي أراد أن يكون الدمج خلال ١٠ سنوات -ليتمكن من تقوية نفسه-، وكان هناك خلافات على بعض النقاط مثل: من الذي سيتقاعد من قوات الدعم السريع ومن سينضم للجيش، وما هي الرتب التي ستنضم من قوات الدعم السريع للجيش، وغيرها من النقاط التي كانت عليها خلافات.

حميدتي والاستقواء بالخارج

حميدتي كان يرفض دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السوداني لأنه لا يريد أن يفقد سلطته وقيادته لقوات الدعم السريع التي تعتبر قوة ضاربة، وخاصة أنه بسببها زاد نفوذه بشكل كبير، فأصبح مطمعا لدى رؤساء دول وأصبح يجلس معهم، وبات واضحا أنه يريد السيطرة على الحكم في السودان، كما توجهت اتهامات للبرهان بأنه يريد التفرد بالسيطرة على السلطة في السودان، والمهم أن الخلافات بدأت بالاشتعال بين البرهان وحميدتي، وكل طرف من الطرفين يخون الطرف الآخر، وبدأ حميدي -والذي أصبحت له صلات بالإمارات وفاغنر وروسيا- بنقل معدات وقوات من دارفور للخرطوم، وقد كان البرهان خرج وقال أنه سيتصدى لأي محاولات لتفكيك الجيش السوداني، فبدأت الاشتباكات بين قوات الدعم والجيش السوداني، وكل طرف من الطرفين يتهم الطرف الآخر بأنه هو من بدأ الهجوم، والصواب أن حميدتي (قوات الدعم السريع) هو من بدأ الهجوم في محاولة انقلابية -لقرائن كثيرة-.

وما زالت الاشتباكات إلى الآن مشتعلة داخل الخرطوم، إلا أن الجيش مسيطر على معظم السودان.

السيناريوهات المتوقعة في ظل استمرار الحرب

وفي ظل استمرار الحرب، وفشل “الهدن”، وغياب الحل السياسي، ووجود توازن نسبي بين القوتين في الفرص والمعطيات، فالاحتمالات المتوقعة أربعة:

الأول: أن ينتصر الجيش السوداني، وهو ما نتمناه؛ لكونه أقرب للحق، ولكونه المعتدى عليه، وهو المعول عليه في حماية السودان، وسيترتب على ذلك:

1- نزوع البرهان نحو الاستئثار بالحكم.

2- إعطاء هامش أكبر للإسلاميين، ونفوذ أكبر لقادة النظام السابق -ولو مؤقتا-.

3- نسبة احتمال إجراء انتخابات ستكون أعلى مما لو انتصر حميدتي الذي ينزع إلى الدكتاتورية والاستبداد.

الثاني: انتصار قوات الدعم السريع، ويترتب عليه:

1- قيام تحالف بينه وبين القوى العلمانية اليسارية -ولو مؤقتا-.

2- الاستبداد بالحكم.

3- دفع فاتورة الانتصار للجهات الداعمة العربية وغير العربية.

4- تصفية الإسلاميين من الجيش، وربما تفكيك الجيش لو طلب حلفاؤه ذلك -كما حدث في العراق- .

5- اعتقال الدعاة ومناصري النظام السابق.

الثالث: أن تطول أمد الحرب، وألا يكون هناك منتصر، ويترتب على ذلك:

1- مزيد من التدخلات الإقليمية والدولية الطامعة في موقع السودان وثرواته.

2- تفكيك الجيش السوداني وانتعاش الميليشيات، وتقسيم السودان، وهذا مطلب يسعى له أعداء السودان والأمة الإسلامية.

3- رجوع القوات إلى معاقلها في كردفان ودارفور.. كما في الحالة الليبية.

الرابع: اللجوء إلى الحل السياسي الذي يُرضي الأطراف المتنازعة، ويأخذ كل طرف حجمه الحقيقي في الدولة.

الموقف الشرعي من أحداث السودان

قد دل الكتاب والسنة والإجماع على حرمة القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية، وإنما يجوز قتال أهل البدعة والبغي وأشباههم إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال؛ قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) [البقرة:84-86].

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»1(1) [رواه البخاري (۱۲۱)، ومسلم (۲۳۲)]..

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار»2(2) [رواه البخاري (۳۱) ومسلم (۲۸۸۸)]...

وأما إجماع علماء الإسلام فقد نقله شيخ الإسلام ابن تيمية3(3) [مجموع الفتاوى (٨٤/٣٥)]..

فهذه الحرب في السودان وقودها المسلمون من الطرفين، وهي ضد مصلحة الشعب السوداني المسلم، وتزيد من معاناته وضعفه وتبديد ثرواته، ولذا يجب أن تقف، وعلى الطرفين الجلوس للحوار والتوصل لحل يحقن دماء المسلمين ويحقق مصلحتهم، إن لم يكن ذلك بدافع الخوف من الله وحسابه، فعلى الأقل مراعاة للقيم الوطنية، وهذا يتطلب ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية ودمج قوة الدعم السريع في الجيش في أسرع وقت ممكن، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].

اللهم احقن دماء المسلمين في السودان -وفي كل مكان-، واجمع كلمتهم على الحق، ورد كيد الكائدين، إنك أنت العزيز الرحيم.

الهوامش

(1) [رواه البخاري (۱۲۱)، ومسلم (۲۳۲)].

(2) [رواه البخاري (۳۱) ومسلم (۲۸۸۸)].

(3) [مجموع الفتاوى (٨٤/٣٥)].

اقرأ أيضا

التعليقات غير متاحة