إن مما ذكره الله عز وجل لنا في كتابه الكريم؛ تلكم المشاهد يوم القيامة التي تخلع القلوب؛ حينما يتبرأ المتبوع من التابع، والتابع من المتبوع، وحين يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، وقد ذكر الله عز وجل هذه المشاهد للناس وهم أحياء في هذه الدنيا، رحمة بهم وتحذيرا لهم وإقامة للحجة عليهم.
البشارة والنذارة موجب رحمة الله عز وجل بعباده وتحذيرا لهم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن رحمة الله عز وجل وإحسانه ورأفته بخلقه أن بعث فيهم رسلا مبشرين ومنذرين، يبشرون من آمن بالله وعَبَدَهُ وحده لا شريك له واتبع رسله بالحياة الطيبة في الدنيا؛ وفي الآخرة بالنعيم المقيم في جنات النعيم، وينذرون من كفر بالله، وعصى رسله، واتبع الشيطان وأطاعه؛ بالمعيشة الضنك في الدنيا، والعذاب المقيم في جهنم وبئس المصير. وهذه البشارة والنذارة هي موجب رحمته سبحانه ورأفته بخلقه، حيث بين ذلك لهم في الدنيا ليأخذوا حذرهم قبل أن يفاجأوا بالعذاب يوم القيامة فيقولوا: (مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 19]، وقال تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 165].
ومما ذكره الله عز وجل لنا في كتابه الكريم؛ تلكم المشاهد يوم القيامة التي تخلع القلوب؛ حينما يتبرأ المتبوع من التابع، والتابع من المتبوع، وحين يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، وقد ذكر الله عز وجل هذه المشاهد للناس وهم أحياء في هذه الدنيا، رحمة بهم وتحذيرا لهم وإقامة للحجة عليهم.
وإن من أعظم الكوارث التي تحل بالمجتمعات، وأكبر جريمة ترتكب في حق النفوس، أن يلغي المرء عقله ويئد حريته فيصبح ويمسي دمية في يد غيره يصرفه لحسابه ومصالحه.
أنواع المتابعة في القرآن الكريم
إن حياة المجتمعات كلها على مدار التاريخ تقوم على وجود تابع ومتبوع، وقد جاء ذكر الاتباع والمتابعة في القرآن الكريم على قسمين:
القسم الأول: اتباع محمود يحبه الله عز وجل ويأمر به
كما في قوله عز وجل: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3] وقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف:157] وقوله سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:100] وقوله سبحانه: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:55] وقوله تعالى: (قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [يس:20] وقوله سبحانه: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38] وقوله سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31] وقوله سبحانه: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران:53]، والآيات في ذكر الاتباع المحمود الذي أمر الله به كثيرة، وهذا القسم من الاتباع تبقى المحبة بين أهله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
القسم الثاني: اتباع مذموم
حذر الله عز وجل منه، ومن عواقبه في الدنيا والآخرة، كما ذكر لنا في كتابه الكريم من مشاهد الحسرة يوم القيامة، ومشاهد الخصومة بين المتبوعين وأتباعهم، وذلك في أحد عشر سورة من القرآن الكريم. ذكر في كل سورة جانبا من تخاصمهم لم يذكر في السور الأخرى.
وهذا النوع من المتابعة هو أصل الشرك في القديم والحديث.
قال تعالى عن المتابعة المذمومة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) [لقمان:21] وقوله سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ) [محمد:3] وقوله سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:28] وقوله سبحانه: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) [البقرة:102] وقوله سبحانه: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:168]. وهذا القسم من المتابعة يتواد أهلها في الدنيا، ثم تنقلب عداوة ولعنة في الآخرة، قال تعالى: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [العنكبوت:25].
مشاهد الحوارات الجهنمية
ومما يلفت النظر في تدبر آيات الحوارات الجهنمية بين أهل النار، أن الله عز وجل ذكر الفريقين تارة بالأتباع والمتبوعين، كما في قوله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة:166] وتارة بالضعفاء والمستكبرين ،كما في قوله تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص) [إبراهيم:21] وتارة بالملأ والمستضعفين، وتارة بالعبيد والسادة والكبراء، كما في قوله تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب:67-68] وتارة بأخراهم وأولاهم، كما في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الأعراف:38-39] وقوله تعالى: (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ) [ص:59-60].
ومن هاتين الآيتين يفهم أن الطائفة المتقدمة في دخول النار هم المتبوعون المستكبرون، ويلحق بهم بعد ذلك التابعون الضعفاء، وكلهم كانوا ظالمين كما جاء ذلك في سورة سبأ: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ:31].
وإن أبرز ما تظهر فيه هذه المتابعة ويتضح خطرها في هذا العصر، حيث تتعدد صورها ما بين متابعة فردية وجماعية، وتبعية دول وأنظمة. والسور التي ورد فيها تخاصم أهل النار هي: (سور: البقرة_ الأعراف _إبراهيم _النحل _الشعراء _القصص _العنكبوت _سبأ _الصافات _ص _غافر)
ما ورد في سورة البقرة:
قوله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:166-167] يصف الله عز وجل لنا في هذه الآيات مشهد الحسرة العظيمة التي تشمل الأتباع والمتبوعين يوم القيامة، حيث براءة بعضهم من بعض، ودخولهم جميعا النار، حيث لا ينفع الندم ولا الحسرات.
ما ورد في سورة الأعراف:
قوله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الأعراف:38-39]، وصف الله عز وجل في هذا المشهد حال الأتباع والمتبوعين المضلين حيث الغيظ الشديد من الأتباع على متبوعيهم بسبب إضلالهم لهم، بلعن بعضهم لبعض وسؤالهم الله أن يضاعف لهم العذاب، فأخبرهم الله عز وجل أن مضاعفة العذاب ستكون على الجميع، حيث لا عذر لهم جميعا بعد أن جاءهم النذير، وفي هذا المشهد أيضا بيان أن المتبوعين يقدمون النار ويدخلونها قبل الأتباع.
ما ورد في سورة إبراهيم:
قال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم:21-22] لاإله إلا الله ما أعظمه! وأفزعه من مشهد! حيث يصف لنا حسرة الأتباع الضعفاء الذين ألغوا عقولهم وأعطوا قيادهم للمستكبرين المضلين، حيث العذاب والحسرة على الجميع، وسواء صبروا أم جزعوا فلن ينفعهم ذلك ولا محيص لهم من عذاب الله، ثم مشهد براءة الشيطان من أتباعه الذين أطاعوه وأشركوه مع الله شرك الطاعة والاتباع (بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) ومقته لهم، وأن اللوم في الحقيقة على الأتباع الذين أعطوا قيادهم للشيطان، فاتبعوه وأطاعوه وقد حذرهم الله عز وجل من عداوته.
ما ورد في سورة النحل:
قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [النحل:86-87] في هذا المشهد من الحسرة ما فيه حيث يتبرأ المتبوعون المعبودون من دون الله من الأتباع العابدين لهم، حيث أكذبوهم وأنهم لم يأمروهم بهذا الشرك، ولم يدعوا لهم أنهم آلهة من دون الله فما أعظمها من حسرة.
ما ورد في سورة الشعراء:
قوله تعالى: (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) [الشعراء:92-99] وفي هذا المشهد حسرة الأتباع من ضلالهم المبين، حيث أطاعوا المتبوعين وعبدوهم من دون الله، وسووهم برب العالمين محبة وتعظيما وخوفا ورجاء، ونسبوا ضلالهم إلى المجرمين المتبوعين ولكن حيث لا تنفع الحسرات ولا تغني عنهم شيئا.
ما ورد في سورة القصص:
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ) [القصص:62-64].
ما ورد في سورة العنكبوت:
وذلك في قوله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام في دعوته لقومه: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [العنكبوت:25]، فأخبر الله عز وجل في هذه الآية أن الأتباع والمتبوعين يتوادون في الدنيا على الأوثان ويعظمونها وينصرونها، ثم تنقلب هذه المودة إلى عداوة يوم القيامة، حين يرى الأتباع والمتبوعون عذاب النار، ويلعن بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض، فيالها من حسرة لكن حين لا تنفع الحسرات.
ما ورد في سورة سبأ:
وذلك في قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ:31-33].
وفي هذه المحاورة اليائسة البائسة يوم القيامة، بين الضعفاء المستعبدين الذين عطلوا حواسهم وعقولهم واغتروا بما عند السادة المستكبرين من كثرة المال والقوة المادية، وبين أسيادهم المستكبرين، أكبر حسرة وعبرة فلم يجد على الضعفاء إلقاء التبعة على أئمة الضلال ومكرهم الليل والنهار لإضلال الضعفاء بل عقدة الإجرام، واستعدادهم للغواية والاستعباد ممكنة من قلوبهم، واللافت في هذه الآيات أن الله عز وجل وصف الضعفاء التابعين والمستكبرين المتبوعين بأنهم جميعا ظالمون.
قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) فالضعفاء ظالمون لأنفسهم بإلغاء عقولهم وإسلامها للذين استكبروا يستعبدونهم ويذلونهم، والمستكبرون ظالمون لأنفسهم وللذين يضلونهم بغير علم.
ما ورد في سورة الصافات:
وذلك في قوله تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ) [الصافات:27-30].
ما ورد في سورة ص:
قوله تعالى: (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّار * وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارِ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص:59-64].
ما ورد في سورة غافر:
قوله تعالى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر:47-50].
أنواع المتابعة المذمومة
أولا: متابعة مكفرة
يصبح المتبع فيها كافرا ولها عدة صور:
- المتابعة في الشرك بالله، وذلك بأن يتبع التابع متبوعه من الآباء والطواغيت فيطيعه في الوقوع في الشرك بالله وعبادة غير الله تعالى، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) [لقمان:21]، وقوله سبحانه: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يس:60]، وعبادة الشيطان طاعته واتباعه في تزيين الشرك بالله.
- المتابعة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، قال الله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) [التوبة:31] وقبل ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام:121].
- المتابعة في أي نوع من أنواع الكفر ونواقض الإسلام، كمن يطيع ويتبع مخلوقا في سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو سب الدين، أو استهزاء بشيء من أحكامه، أو الإعانة في نصرة الكافرين على المسلمين، كل هذا من الاتباع المخرج من الملة، والذي يتبرأ فيه التابعون من المتبوعين، ويلعن بعضهم بعضا يوم القيامة.
- جعل مخلوقا من البشر رمزا يعظم ويحب كما يعظم الله عز وجل ويحب أو أشد، وينظر لأوامره وتشريعاته بالقداسة، ويقوم في القلب تعظيمها وكأنها وحي من الله أو أشد، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) [البقرة: 165] وقال تعالى: (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء:97-98] فهم لم يسوهم في الخلق والتدبير، بل ساووهم في الحب والتعظيم.
ثانيا: متابعة مُبَدِعة
وذلك إذا اتبع التابع متبوعا له في بدعة غير مكفرة، فيصير بذلك مبتدعا بعد إقامة الحجة عليه.
ثالثا: متابعة مفسقة
إذا اتبع وأطاع التابع متبوعا له في الوقوع في المعصية، على أن لا يكون المتبوع ولا التابع مستحلا لها، كمن يقع في معصية دون الكفر، بفعل إغراء الشيطان، أو جليس سوء، فيتبع قرينه من الإنس أو الجن، في ذلك شهوة وضعفا، مع إقراره بحرمة ما وقع فيه، وشعوره بالذنب.
من أسباب تبعية الأتباع للمتبوعين
- الجهل وغياب العقل والوعي وهوان الأتباع على أنفسهم.
- حمية الجاهلية، والتعصب للآباء والأجداد والأحزاب والرؤساء والغلو فيهم.
- الخوف على الأموال والأرزاق، والرغبة في الدنيا، وضعف تعظيم الله، والخوف منه.
- الخوف على الحياة الدنيا، وعيشة الترف، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف:23].
- الخوف من بطش المتبوع وأذاه.
- الاستعداد النفسي للاستعباد والهوان وانشراح القلب للكفر والعصيان.
- الكفر باليوم الآخر، أو نسيانه والغفلة عنه.
من أساليب المتبوعين في إغواء الأتباع
- تغييب الأتباع عن واقعهم، وتجهيلهم، وسد منافذ الوعي عنهم، والاستخفاف بهم.
- الإعلام بأنواعه الذي يقدس فيه المتبوعون، وتمارس فيه أنواع التدليس والتلبيس، وتشويه الحق وإيهام الناس بأن المتبوعين هم الأعز والأقوى، والأفهم.
- التفريق بين الأتباع وجعلهم شيعا وأحزابا، وإشغال بعضهم ببعض.
- إشاعة الفسق والمجون، ونشر الشهوات في الأتباع، وتسهيل الحصول عليها، وإشغالهم بها.
- استخدام أسلوب الترغيب والترهيب، لكل من يفكر في الاعتراض.
- تضييق أسباب الرزق والعيش على الأتباع، وفرض الرسوم والضرائب عليهم، مما يجعلهم يشتغلون في ليلهم ونهارهم بطلب الرزق وتراكم الديون، وتقليد كل ناعق.
- توظيف علماء السوء في خداع الناس، وتبرير أفعال المتبوعين؛ بشبهات شرعية مضللة.
من وسائل الخلاص من التبعية المذمومة
- الاعتصام بالكتاب والسنة، وجعلهما مصدر الهداية والفهم والفرقان بين الحق والباطل.
- تدبر كتاب الله عز وجل، ومعرفة مقاصده، وما فيه من أخبار وأحوال الأتباع والمتبوعين في الباطل، وشقاؤهم في الدنيا والآخرة.
- العناية بالفقه بالواقع، والوعي بأساليب المجرمين والطغاة في إضلال الناس، والتلبيس عليهم.
- سؤال الله عز وجل الهداية للحق، والثبات عليه، والإقبال على الله تعالى، وذكره وعبادته.
- البحث عن بيئة صالحة، وجلساء معتنين بالكتاب والسنة؛ وهدي سلف الأمة، وقراءة كتبهم، والعيش معهم، وفي المقابل البعد عن جلساء السوء والضلال، وهجر كتبهم ومواقعهم.
- العلم بالله عز وجل؛ وأسمائه الحسنى وآثارها؛ والتعبد لله عز وجل بها، وتوحيده.
- إنشاء هم الآخرة في القلب، والحذر من الدنيا، والركون إليها، وهجر حياة الترف؛ لأنها من أسباب هوان النفس، وإسلامها للغير.
- الدعوة إلى الله عز وجل، وتحصين الناس من أساليب الطغاة والمتبوعين؛ بداية من الأهل والأقارب، وما سواهم من الناس، ونشر الوعي بينهم.
- إبراز القدوات المتبوعين على الحق، وتعريف الناس بهم.
- الحرص على الجماعة، ونبذ الفرقة.
التحذير من صور معاصرة للأتباع والمتبوعين بالباطل
وهذه بعض الصور الخطيرة؛ التي يتبع فيها الأتباع اليوم متبوعيهم، بغير هدى من الله، أحذر نفسي وإخواني المسلمين من الوقوع فيها، قبل أن يأتي اليوم الذي يتبرأ فيه المتبوعون من أتباعهم، ويكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا.
التحذير الأول: إلى أختي المسلمة
احذري اتباع من يزين لك الباطل، ويصدك عن الحق؛ من دعاة التغريب والنسوية، وبيوت الأزياء، والملابس العارية، والتشبه بالنساء الكافرات والفاسقات في لباسهن وعاداتهن فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وسيتبرأون منك كما تبرأ الشيطان من أتباعه، حيث لا ينفع الندم ولا الحسرات، في يوم عظيم (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود:103].(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) [البقرة:166].
التحذير الثاني: إلى إخواني من العلماء والدعاة
احذروا من تلبيس الباطل وأهله، ولا يستخفنكم ويوظفكم أئمة الضلال؛ الذين لا يوقنون، فتتبعوهم على باطلهم، وتزينوه للناس، من أجل لعاعة من الدنيا ستفنى وتبقى الحسرات، يوم يتبرأ المتبوع من التابع، ويوم يلعن بعضهم بعضا، في مشهد يوم عظيم (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:2].
التحذير الثالث: إلى إخواني من القضاة
الذين يريد أئمة الظلم والطغيان أن يوظفوهم في تنفيذ ظلمهم وبطشهم، وتنكيلهم بأولياء الله احذروا من اتباعهم على ذلك، واذكروا يوم الحسرة والندامة؛ يوم تأتون إلى ربكم فرادى، ويوم يتبادل الأتباع والمتبوعون اللعائن، يوم القيامة حين لا ينفع الندم ولا الحسرات.
التحذير الرابع: إلى إخواني من الكتاب والإعلاميين
الذين يستخدمهم المتبوعون أتباعا وأبواقا في باطلهم، يزينونه للناس، احذروا من لبس الحق بالباطل، من أجل طاغوت يتفضل عليكم بلعاعة من الدنيا، تفنى وتبقى بعدها اللعنات والحسرات، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-36].
التحذير الخامس: إلى إخواني من المديرين والمسؤولين والمتنفذين في أنظمة الطغاة الظالمين
احذروا تنفيذ ما يصدر من الظلمة من أوامر وقرارات؛ من المعلوم من الدين بالضرورة ظلمها، ومخالفتها للشرع. احذروا أن تكونوا أتباعا لهم في ذلك، فتكونون ظالمين معهم، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، حين يتبرأ منكم المتبوعون ولن يغنوا عنكم شيئا، حين يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة، فيقتص للمظلومين من الظالمين.
التحذير السادس: إلى الجنود والشرط
الذين يتبعون الظلمة في تنفيذ ظلمهم، وإيذاء أولياء الله من الأبرياء، إنه لا عذر لكم أن تقولوا بأنكم تطيعون ولي الأمر، إنه لا طاعة إلا بالمعروف، ولا طاعة في معصية الله. احذروا أن تكونوا إمعات تابعين للظالمين، فإنهم لن يغنوا عنكم شيئا، بل سيتبرأون منكم، وستحشرون معهم، ويلعن بعضكم بعضا، ولن يغني عنكم حرص على وظيفة، أو منصب، أو ترغيب أو ترهيب، (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة:13].
إنه لمن الخزي أن نسمع أحدهم عندما يحذر من الظلم قوله: (أنا عبد مأمور). وكأنه بهذه الكلمة يتنصل من الظلم الذي يفعله، طاعة لمتبوعه، وما علم أنه شريك له في ظلمه، ومحاسب عليه معه. إن الله خلقك حرا عبدا لله لا للمخلوق، فيالها من كلمة قبيحة تدل على جهل ودناءة وذلة من قائلها.
التحذير السابع: إلى أبنائي من شباب الأمة
لقد أعزكم الله بالإسلام فاحذروا اتباع أعداء الله ودينه من الكفار والمنافقين، أو الساقطين من مغنين وراقصين ورياضيين وتجنبوا التشبه بهم في مظهرهم ولباسهم وشعورهم وجميع أحوالهم وكل ما من شأنه تعظيمهم واجعلوا قدوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتبعين لهم بإحسان (والمرأ مع من أحب).
التحذير الثامن: إلى إخواني من الدعاة المنتمين إلى جماعات أو أحزاب
احذروا اتباع مسؤوليكم فيما ترون أنه باطل، بحجة المحافظة على كيان الجماعة، فإنهم لن يغنوا عنكم شيئا، ولا سيما أنكم وضعتم أنفسكم دعاة تدعون الناس إلى الحق، فلا تناقضوا أهدافكم، إذ كيف تأمرون الناس بالبر، وتنسون أنفسكم. والرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.
التحذير التاسع: إلى إخواني من أتباع المذاهب الفقهية
احذروا التعصب المذموم لعلمائكم؛ وأئمة مذهبكم؛ إذا بان الحق بالدليل لأحدكم؛ فلا يجوز له تركه لقول فلان وفلان، فإن اتباعكم لمتبوعيكم مع علمكم بمخالفتهم للدليل ممقوت عند الله تعالى؛ وعند رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا وإن كان المتبوع المجتهد معذورا عند الله، فلا عذر للتابع إذا بان له الحق.
التحذير العاشر: إلى إخواني الدعاة وطلبة العلم عموما
لنحذر من رد الحق بعد بيانه، اتباعا وتعصبا لعالم، أو قريب، أو قبيلة أو وطن أو وجيه متنفذ، وإن الجرم والإثم ليشتد حين يتجاوز الأمر الإعراض عن الحق، وكتم بيانه، إلى تزيين الباطل، والدعوة إليه، اتباعا وإرضاء لمخلوق، أو رغبة، أو رهبة.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم ارزقنا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اقرأ أيضا
التبعية وقبول الاستذلال .. وإبطان الاستكبار