الحيُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الدائمُ فِي وجودِهِ الباقي حيًّا بذاته عَلَى الدوامِ أزلًا وأبدًا، لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ، لا يموتُ ولا يَبيدُ، كما يموتُ كلُّ مَنِ اتُّخِذَ مِنْ دونِهِ رَبًّا، ويَبيدُ كلُّ مَنِ ادُّعِيَ مِنْ دونه إلهًا.
من أسماء الله الحسنى: [الحيُّ]
ورد اسمه سبحانه (الحي) خمس مرات في كتاب الله – عز وجل – وذلك في قوله تبارك وتعالى: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255]، وقوله سبحانه: (الم * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران:1، 2]، وقوله عز وجل: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه: 111]، وقوله – عز وجل -: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان: 58]، وقوله سبحانه: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر:65].
وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)1(1) الترمذي (3773)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2796). ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللَّهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون)2(2) مسلم (2717)..
معنى «الحي» من الناحية اللغوية
قال في اللسان: «الحياة نقيض الموت.. والحي من كل شيء نقيض الميت، والحيوان اسم يقع على كل شيء حي»3(3) لسان العرب 2/1075..
وقال الزجاجي: «(الحي) في كلام العرب خلاف الميت، والحيوان خلاف الموات»4(4) اشتقاق الأسماء ص102..
المعنى في حق الله تعالى
«الله عز وجل هو الحي الباقي الذي لا يجوز عليه الموت ولا الفناء، عز وجل وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. ولا تعرف العرب عن الحيّ والحياة غير هذا»5(5) اشتقاق الأسماء ص 102..
وقال الطبري في تفسيره: «و(الحي): الذي لا يموت ولا يبيد كما يموت كل من اتخذ من دونه ربًا، ويبيد كل من ادَّعى من دونه إلهًا، واحتج على خلقه بأن: من كان يبيد فيزول، ويموت فيفنى، فلا يكون إلهًا يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت، ولأن الإله هو الدائم الذي لا يموت، ولا يبيد، ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو»6(6) جامع البيان للطبري 3/109..
كما أن حياته سبحانه تستلزم أن لا تأخذه سنة ولا نوم فالنوم أخو الموت. والنوم نقص في كمال الحياة قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)7(7) مسلم (179)..
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وحياته – سبحانه – أكمل الحياة وأتمها، وهي حياة تستلزم جميع صفات الكمال، وتنفي أضدادها من جميع الوجوه، ومن لوازم الحياة العقل الاختياري فإن كل حي فعال، وصدور العقل عن الحي بحسب كمال حياته ونقصها. وكل من كانت حياته أكمل من غيره كان فعله أقوى وأكمل، وكذلك قدرته. ولذلك كان (الرب) سبحانه على كل شيء قدير وهو فعال لما يريد. وقد ذكر البخاري في كتاب (خلق الأفعال) عن نعيم بن حماد أنه قال: الحي هو الفعال. وكل حي فعال؛ فلا فرق بين الحي والميت إلا بالفعل والشعور»8(8) شفاء العليل 1/187..
من آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم
أولاً: محبة الله – عز وجل – وإجلاله وتوحيده
إن علم العبد بربه سبحانه وبأن له الحياة الكاملة المطلقة والتي تتضمن جميع صفات الكمال توجب على العبد محبة ربه سبحانه وإجلاله وتوحيده، وهذا يثمر في القلب الابتهاج، واللذة، والسرور مما تندفع به الكروب، والهموم، والغموم. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «فعِلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيدَه، فيحصل له من الابتهاج، واللذة، والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب، والهم، والغم، وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليه ما يسرُّهُ ويُفرحه، ويقوي نفسه، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسِّي، فحصولُ هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى.
ثم إذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمَّنها دعاءُ الكرب، وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب منه إلى سعَةِ البهجة والسرور، وهذه الأمورُ إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها، وباشر قلبُه حقائقَها.
وفي تأثير قوله: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة متضمِّنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القيُّومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسمُ الله الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى: هو اسمُ (الحيّ القيوم) والحياة التامة تُضاد جميعَ الأسقام والآلام، ولهذا لما كَمُلَت حياة أهل الجنة لم يلحقهم همٌّ، ولا غمٌّ، ولا حَزَنٌ، ولا شيء من الآفات. ونقصانُ الحياة تضر بالأفعال، وتنافي القيومية، فكمال القيومية لكمال الحياة، فـ (الحي) المطلق التام الحياة لا تفوتُه صِفة الكمال البتة، و(القيوم) لا يتعذَّرُ عليه فعل ممكن البتة، فالتوسل بصفة الحياة والقيومية له تأثير في إزالة ما يُضادُّ الحياة، ويضُرُّ بالأفعال.
ونظير هذا: توسلُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل، وميكائيل، وإسرافيل أن يَهدِيَه لما اختُلفَ فيه من الحق بإذنه، فإن حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الأملاكَ الثلاثة بالحياةِ، فجِبريلُ: موكَّل بالوحي الذي هو حياةُ القلوب، وميكائيل: بالقطر الذي هو حياةُ الأبدان والحيوان، وإسرافيل: بالنفخ في الصُّور الذي هو سبب حياة العالم وعودة الأرواح إلى أجسادها، فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير في حصول المطلوب.
والمقصود: أن لاسم (الحي القيوم) تأثيرًا خاصًا في إجابة الدعوات، وكشفِ الكُربات»9(9) زاد المعاد 4/205..
ثانيًا: التوكل الصادق على الله عز وجل
يقول الله عز وجل: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) [الفرقان: 58]، فمن آمن بأن ربه سبحانه هو الحي الذي له الحياة الكاملة والحي الذي لا يموت أبدًا والذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا غفلة، يكون توكله في جميع أموره عليه وحده سبحانه ويكون ربه هو ذخره وملجأه في كل حين، ويقطع تعلقه ورجاءه في المخاليق الضعاف الذين يموتون وينامون ويغفلون وينسون، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم. ومن العجب أن يتعلق مخلوق بمخلوق مثله يموت، ويفنى، وينام، وينسى فمن ذا يعينه إذا نام أو نسي أو مات وتركه.
ومن أعظم ما يتوكل على الله – عز وجل – فيه طلب الهداية والثبات على الإيمان، وعدم الزيغ عنه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل بحاله وفقره واستسلامه لربه – عز وجل – ويتوسل بعزته سبحانه وباسمه (الحي) الذي لا يموت في حفظ إيمانه، والاستعاذة بهذا الاسم العظيم من الضلال والغواية. وذلك كما ورد في دعائه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللَّهم لكَ أسلمتُ وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبت، وبك خَاصمت، اللَّهم إني أعوذُ بعزتك لا إله إلا أنت أن تُضِلِّني أنتَ الحيُّ الذي لا يموتُ، والجن والإنس يموتون)10(10) مسلم (2717)..
ثالثًا: الزهد في هذه الحياة الدنيا الفانية وعدم الاغترار بها
لأنه مهما أعطي العبد من العمر فلا بد من الموت، أما الحياة الدائمة التي يهبها (الحي القيوم) لعباده المؤمنين فهي في الدار الآخرة في جنات النعيم، وهذا الشعور يدفع المسلم إلى الاستعداد للآخرة والسعي لنيل مرضات الله – عز وجـل – في الحياة السرمدية في جنات النعيم والله – جل شأنه – هو الذي يهب أهـل الجنة الحياة الدائمة الباقية التي لا تفنى ولا تبيد، قال سبحانه: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64]، فحياة أهل الجنة دائمة بإدامة الله (الحي القيوم) لها.
رابعًا: اسمه سبحانه (الحي) يقتضي صفات كماله – عز وجل – كلها
فمن أنكر صفة كمال لله تعالى وعطلها، لم يؤمن بأنه (الحي)؛ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «… وكذلك إذا اعتبرت اسمه (الحي) وجدته مقتضيًا لصفات كماله من علمه، وسمعه، وبصره، وقدرته، وإرادته، ورحمته، وفعله ما يشاء»11(11) التبيان: ص 102..
والإيمان بصفات كماله سبحانه يقتضي آثار صفات كماله كلها، فتحصل من ذلك أن التعبد لله – عز وجل – باسمه (الحي) يوجب التعبد لله سبحانه بجميع صفاته وأسمائه الحسنى كلها وأن آثارها إنما هي آثار لاسمه سبحانه (الحي).
الهوامش
(1) الترمذي (3773)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2796).
(2) مسلم (2717).
(3) لسان العرب 2/1075.
(4) اشتقاق الأسماء ص102.
(5) اشتقاق الأسماء ص 102.
(6) جامع البيان للطبري 3/109.
(7) مسلم (179).
(8) شفاء العليل 1/187.
(9) زاد المعاد 4/205.
(10) مسلم (2717).
(11) التبيان: ص 102.
اقرأ أيضا
العلم بأسماء الله الحسنی وصفاته العلا
شرح أسماء الله الحسنى (1) [الله جل جلاله]
أسماء الله الحسنى: (6،5) [الرحمن، الرحيم]