الهندوسية ديانة لها اعتقادات وعبادات يقوم بها أفرادها، وتتمثل في صور متعددة منها حرق أجساد الموتى وتناسخ الأرواح وغير ذلك.

قضية الألوهية عند الهندوس

ممكن أن ندرس تحت قضية الألوهية جملةً من القضايا.

أول نقطة: مسألة الوثنية عند هؤلاء، ما هو موقفهم من توحيد الألوهية؟

أولاً: الهندوس قوم مشركون شركاً أكبر.

ثانياً: أن آلهة الهندوس تنقسم إلى قسمين: محسوس وغير محسوس.

أما غير المحسوس: فهو القوى الطبيعية أياً كانت هذه القوى الطبيعية: الشمس، القمر، الأفلاك، الرعد، البرق، المطر، الشياطين والقوى الخفية إلى آخر ذلك، فأي قوة مهما كانت هذه تعتبر آلهة من آلهة الهندوس.

ثم أشياء ملموسة تمثل هذه الأشياء غير المحسوسة، فعندما يريدون أن يمثلوا للمطر الذي لا يأتي إلا في أحيان معينة فإنه لابد من وجود صنم ممثل له، ولعل الغريب جداً أن عقائد كل الفرق في جميع أنحاء العالم على مر العصور فيها تطابق كامل من هذه النواحي، فالهندوس يمثلون القوى الطبيعية بأصنام وتعبد هذه الأصنام، والصابئة كذلك، واليونان والفراعنة كذلك والسومريون، كلهم يسلكون نفس الطريق، والذين يعبدون الأصنام في وسط إفريقيا أو في الأمازون نفس الطريقة، فما الذي جعلهم يتوحدون بهذه الكيفية، نقول: إن الموحد لهم في هذه الكيفية في العبادة هو إبليس.

إذاً: هنا نوع من التوافق؛ لأن قضية التوافق هنا في هذه الكثرة الكاثرة لا يمكن أن تتم إلا بصورة فيها تفاوت واختلاف، أما أن يكون هناك تطابق كلي فإن في هذا دلالة على وجود منسق واحد أساسي هو الشيطان.

فهؤلاء الهندوس لهم أصنام كثيرة جداً، وقد ذكر البعض أنها تتجاوز عدد السكان الهندوس، فكلما ازداد العدد ازدادت الأصنام، فبعضهم يحصرها في ثلاثمائة وثلاثين مليوناً، والبعض يقول: إنها لا حصر لها، بل وذكر أحدهم أمثلة فقال: إن بعض البيوت تجد في كل غرفة منها صنماً أو تمثالاً، ولذلك صناعة التماثيل هناك من أقوى الصناعات وأشهرها، وأكثر المصانع وجوداً في الهند الآن هي مصانع التماثيل؛ لأنه إذا أراد الإنسان أن يسافر أو يذهب لأي مكان أو يسكن بيتاً جديداً تجده لابد أن يجعل هناك بنداً خاصاً للتماثيل في مسألة شرائها، وكلما كان الإنسان غنياً تفنن في هذه الآلهة، وكفى بهذه القضية رداً عليه، يعني: إلهه من خشب صنعه رجل آخر يأتي به ثم يعبده، وقد يكون أيضاً من بلاستيك ومن حديد ومن غير ذلك، وللأسف الشديد بعض هذه التماثيل تدخل إلينا في بلادنا، إما أن تجدوها على شكل خشب منحوت، أو على شكل آخر؛ وتجدونها في بعض الأسواق وفي بعض المحلات.

ومن أصنامهم المشهورة المعروفة الآن: إله أندرا، إله أغنى، إله سوريا، إله كارونا، إله مترا، إله سوما، كل هذه آلهة عندهم، وأندرا هو إله المطر، وهو أقدس الآلهة عندهم قديماً وتغير الأمر حالياً، وسبب كونه أقدس الآلهة عندهم قديماً أنهم يقولون: إن الآريين جاءوا إلى الهند هرباً من الجفاف، وعندما رأوا المطر مستمراً في الهند فرحوا بذلك، فاتخذوا المطر عبادة، لكن المطر ينقطع فجعلوا له إلهاً مستقلاً هو أندرا، ومن محبتهم للمطر قدسوا أندرا هذا، وصار هو الإله الأول بالنسبة لهم، وأغنى هو إله النار، يقولون: نتيجة لكثرة المطر كثرت عندهم الأشجار والفواكه والخضروات واللحوم وغير ذلك، فصارت حاجتهم إلى النار مستمرة، والنار طبعاً من كثرة استعمالها تؤثر أحياناً تأثيراً سيئاً باحتراق الغابات والأكواخ الخشبية، فصاروا يخافونها، فاتخذوا لها إلهاً هو الإله أغنى.

كذلك الشمس، فقد كانت الفيضانات أحياناً تغطيهم فكانوا يفرحون بالشمس، فاتخذوا لها إلهاً يسمى سوريا وهكذا.

فالمقصود: أنهم يعبدون قوىً مؤثرة ويتخذون لها أصناماً تجسد.

فما هو السبب الذي جعلهم يتخذون هذه العبادات؟ السبب هو: الرهبة والرغبة، رهبة من تأثيرها ورغبة فيما عندها، فهم يوكلون كل هذه الأعمال لها، فالشيطان هدف إلى هذا الهدف وأوصلهم إلى هذه الدرجة وجعلهم يتوقفون، فلم يفكروا في هذا المطر من الذي خلقه، وهذه الشمس من الذي خلقها، والسماء من الذي خلقها وهكذا، بل وقفوا عند هذا الحد، وهذا هو ما ابتغى الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريد منهم إلا أن يموتوا على الكفر ليكونوا معه في النار.

في القرن الثامن قبل الميلاد -يعني: (800) قبل الميلاد -اجتمع مجموعة كبيرة من الكهنة، فرأوا أن هناك نقداً موجهاً إلى الديانة الهندوسية نتيجةً لكثرة آلهتها، فاتفقوا على توحيد الآلهة، فبدلاً من أن كانت ثلاثين مليوناً أو أقل أو أكثر، وحدوها إلى ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين إلهاً، أي: ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين صنماً، ثم بعد ذلك نقدوا من قبل بعض الملاحدة فيما يسمى بعصر الإلحاد، فوحدوها إلى أن أوصلوها إلى ثلاثة آلهة فقط، فقالوا: أما الإله الأول فهو براهما، وأما الإله الثاني فهو فيشنو، وأما الإله الثالث فهو سيفا، هذه أصنام ثلاث هي التي أبرزوها وأشهروها.

أما براهما فقالوا: هو الذي خلق العالم وأوجده وهو سيد الآلهة، أما فيشنو فهو الذي يحفظ العالم من الشرور، أما سيفا فهو الذي يهلك ويدمر من خلال العالم، فالآريون جعلوا هناك موجداً وحافظاً ومهلكاً، ثم اتخذوا الأصنام الضخمة لهؤلاء الآلهة الثلاثة، ولذلك أي معبد تراه في الهند تجد أن فيه أصناماً لهؤلاء، فهذا صنم وهذا صنم، وهذا صنم، لكن بالتدرج؛ فبراهما الأول وفيشنو الثاني وسيفا الثالث، وكل منهم أهم من الآخر، فبراهما هو المقدم، ثم هذا ثم هذا فإذا عرفت هذا وكان هناك نقاش مع هؤلاء فإنك ستعرف ما هي تصورات هؤلاء الهندوس، وكيف نشأت الآلهة أو كيف تطورت عبادة الأصنام بالنسبة لهم.

وبعد ذلك أصدروا قراراً بأن هذه الآلهة الثلاث لا تصنع إلا بطرق ومزايا خاصة، يعني: من الممكن للشخص أن يصنع له آلهة بشكل بسيط ويجعلها في بيته، لكن هذه الآلهة الثلاث بالذات لا تصنع إلا بكيفيات معينة وبطرق معينة، بل وصل الأمر إلى أنهم كانوا في زمان من الأزمنة يحرمون صناعتها على المنبوذين، بل وأشد من ذلك يحرمون عبادتها، فلا يعبدها المنبوذون، وإنما يعبد المنبوذون الآلهة القديمة؛ أندرا وأغنى، أما براهما وفيشنو وسيفا فهي خاصة بالبراهمة وبالكشتر الذين هم طبقة المحاربين.

إذاً: حتى في الأصنام هناك طبقية بالنسبة لهؤلاء الهندوس.

عبادة الهندوس للبقر وتقديسهم لها

لو ذهبت إلى الهند الآن ودخلت بعض المدن فيها فستجد أن البقرة مقدسة لديهم تقديساً عجيباً جداً، ويحترمونها احتراماً ليس باليسير، وهذا الاحترام نابع من أنهم يعبدونها ويتخذونها إلهاً.

وهذه نصوص من كتابهم المقدس تؤكد اهتمامهم بالبقر.

يقول: إن العلم والنار والطعام والتراب والقلب والماء والطلي بخثي البقر والهواء والطقوس الدينية والشمس والزمن كل أولئك تطهر جسم الإنسان -وكأنه صابون- فهذا النص الآن أعطاك دلالة على أن العلم والماء والخثي وغير ذلك كله متساو بالنسبة لهم في تطهير جسد الإنسان.

وهذا نص آخر يقول: تطهر الأرض بواحدة من الأسباب الخمسة الآتية: وهي الكنس، طليها بخثي البقر، رشها ببول البقر أو بلبنها، قشر ظاهرها، يعني: كشط ظاهرها، ربط بقرة فيها نهاراً وليلاً، من أجل أن تخثي وتبول فيها.

نص جديد: وعليه ألا يتكلم إذا ما أكلت البقرة شيئاً، سواء أكان المأكول من داره أو من دار غيره، أو من الحقل أو المزرعة وعليه ألا يتكلم إذا كان العجل يرضع.

سبب عبادة الهندوس للبقر وكيفيتها

قضية عبادة البقرة عند الهندوس نابعة من أن هناك توجهات في القضية، وهي غير معروفة، لكن يقولون: السبب في ذلك أن الهنود القدماء حصروا معبوداتهم الطوطمية المتفرقة في ثلاثة أشياء: مصدر الرعب، ومصدر القوة -هذا في الحيوانات فقط- ومصدر النفع، فمصدر الرعب يمثله الأفعى، ومصدر القوة الأسد، ومصدر النفع البقرة هذا القول الأول.

القول الثاني: أنها مأخوذة من عقائد الفراعنة التي أخذها عنهم اليهود، ثم انتقلت من اليهود الذين في فلسطين إلى أسرى اليهود الذين أسرهم بختنصر، فمر بهم الآريون في هجرتهم، فأخذوا منهم هذه العقيدة وذهبوا بها إلى الهند.

القول الثالث: أن الهند مرت بها فترة من الفترات كان فيها جفاف ومجاعة، فأردوا أن ينموا نوعاً من أنواع الحيوانات، فاختاروا البقرة باعتبارها أفضل أنواع الحيوانات فائدة، ولكي يجعلوا الناس يحافظون عليها أضفوا عليها طابع القدسية، فصارت مقدسة حتى تبقى، لا تقتل ولا تذبح ولا تهان ويستفاد منها؛ نتيجةً لذلك.

عقيدة الحلول والاتحاد عند الهندوس

من عقائدهم عقيدة الحلول وعقيدة وحدة الوجود.

أما عقيدة الحلول فتعني أن الإله يحل في أجساد بشرية، أي: اتحاد اللاهوت بالناسوت، اللاهوت نسبة إلى الإله، والناسوت نسبة إلى الناس، فاتحاد اللاهوت بالناسوت من عقيدة الهندوس، ويقولون: إن الإله يحل في الناس؛ لذلك يقولون في فلان من الناس: إنه فيه جزء إلهي، وقد تأثر بهم النصارى في هذا.

ومن الأمثلة على ذلك: أحد المشهورين عندهم يدعى كرشنو كان ملكاً حكم فترة من الزمن ثم مات، فهم يعبدونه ويقدسونه ويقولون: إن الإله فيشنو حل فيه.

أما وحدة الوجود فهي كذلك نوع من أنواع العبادة بالنسبة لهم، يقولون: إنه ليس في الوجود شيء إلا الإله، يعني: أي شيء في الوجود يمثل الإله، الحجر يمثل الإله، والصنم يمثل الإله، والحيوان يمثل الإله، فإذا وجهت الطاعة أو العبادة إلى أي شيء فكأنك وجهتها إلى الإله؛ وقد ثبت عن ابن عربي الحاتمي الطائي زعيم وحدة الوجود عند الصوفية المسلمين أنه قال: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت: عبد فذاك رب وإن قلت رب أنى يكلف.

موقف الهندوس من النبوات

الهندوس لا يؤمنون بأن هناك أنبياء على وجه الأرض أبداً؛ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، بل يؤمنون بأصنام أمامهم.

إذاً: آلهتهم أمامهم، فلا حاجة إلى وجود أنبياء؛ لأن النبي يبلغ عن الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإله بحد ذاته موجود عنده في بيته وفي غرفته، فليس هناك داع لوجود نبي.

أما التعليمات والتقريرات التي يحتاجونها في حياتهم فيقوم بها الحكماء ويقوم بها الفلاسفة.

عقيدة تناسخ الأرواح عند الهندوس

هم يقولون: إن الإنسان لابد في حياته أن يعمل إما شراً أو خيراً، فإذا عمل الشر أو الخير فما هو الجزاء الذي يناله نتيجة لعمله هذا؟ نحن المسلمين ثبت وصح عندنا أن من العقائد التي لا يتم الإيمان إلا بها: أن الإنسان سيموت وسينال جزاءه، وسينال أيضاً بعضاً من جزائه في الدنيا فيما يرتبط بالراحة النفسية، وفيما يرتبط بالراحة القلبية، والكافر سينال القلق والتعب والعناء، قال تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام:125].

أما هؤلاء الهندوس فيقولون بتناسخ الأرواح، ويقولون: أن الإنسان طوال حياته سيجازى، وهذا الجزاء سيحدث بعد أن يموت وبعد أن تتخلص الروح من الجسد، هذه الروح عندما تخرج من جسد الإنسان ستبقى فترة من الزمن حرة طليقة، ثم تحل بعد ذلك في مكان آخر، وذلك المكان الآخر يكون بحسب عمل هذا الرجل، فإن كان عمله صالحاً حلت هذه الروح في جسد صالح، وإن كان فاسداً حلت في شيء فاسد، وكلما كان العمل أكثر صلاحاً كان هذا التناسخ أوضح فيما يرتبط بنفع هذا الإنسان، وكلما كان العمل أكثر فساداً كان هذا التناسخ أوضح فيما يرتبط بضرر هذا الإنسان.

كذلك إذا فسد الأسد فإنه سيموت وتحل روحه في كلب، وإذا فسد الكلب فإن روحه تحل في حصاة أو في حديدة أو غير ذلك، والعكس صحيح فإن الكلب إذا صار صالحاً ترجع روحه إلى الأسد مرة أخرى بعد أن يموت، وإذا كان الأسد صالحاً ترجع روحه إلى إنسان، وإذا عاد الإنسان مرة أخرى ترجع روحه إلى إنسان أفضل ثم أفضل، حتى يصل إلى أن يكون كوكباً في السماء، ولذلك فإن كل الكواكب التي في السماء هي هندوس على أقوالهم.

يقولون: إن الإنسان تمر به واحد وعشرون ألفاً وفي رواية: واحد وعشرون ألف مليون مرة من التجسدات، يعني: أنت أيها الإنسان ستموت وتحيا واحداً وعشرين ألف مرة قبل أن تصل إلى درجة عليا أو درجة دنيا، والدرجة العليا: أن تكون كوكباً في السماء، والدرجة الدنيا: أن تكون قطعة حديد موجودة.

هذه هي عقيدة التناسخ، وقد أخذها مجموعة من الفرق عندنا وللأسف الشديد، ومن أبرزهم الدروز الموجودون في لبنان، ونصيرية حافظ الأسد يعتقدون هذه العقيدة بحذافيرها.

تأثر الفرق والديانات الأخرى بالهندوسية وتأثيرها فيها

أما قضية التأثر والتأثير فهنا وقفات مع اليهود والنصارى والشيعة والصوفية، أما اليهود فلهم تأثر وتأثير في الديانة الهندوسية، أول تأثير هو ما يرتبط بالبقرة، فهناك رأي قوي جداً على أن عبادة اليهود للبقرة انتقلت إلى الهندوس فعبد الهندوس البقرة، وجعلوا لها قدسيةً عجيبةً جداً وأعياداً خاصة بها إلى آخر ذلك.

كذلك التلمود الكتاب المقدس عند اليهود الذي يفوق التوراة عندهم بأضعاف مضاعفة.

ففي التلمود نصوص كثيرة جداً مطابقة تماماً لما في “مانوسمرتي” ولما في “الويدا”، مطابقة تماماً بحرفيتها وبنصها، مما يدل على أن أحدهما أخذ من الآخر، فهؤلاء أخذوا من هؤلاء أو هؤلاء أخذوا من هؤلاء.

أما بالنسبة للنصارى فنقف معهم وقفتين اثنتين، أحدهما في قضية التثليث، فالنصارى عندهم الأب والابن وروح القدس، وهؤلاء هم الآلهة المعروفة بالنسبة لهم، قال الله سبحانه وتعالى عنهم: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة:73]، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة:17].

فإن قيل: أيهما أقدم الهندوسية أو التوراة؟

الجواب

الهندوسية أقدم بقليل على رأي كثير من العلماء، يقول بعضهم: إن المدة بين عيسى وبين موسى (1200 سنة)، وقد ذكرنا أن الهندوسية بدأت في عام (1500) قبل الميلاد، يعني: بين الهندوسية والتوراة فترة (300 سنة)، لكن الرأي الراجح هنا: أنها متقاربة، وهذا يدل على أن هناك تأثراً قوياً فعلاً بين هذه الديانة وهذه الديانة.

إذاً: النصارى يقولون بوجود آلهة ثلاث، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس، فهم يرسمون الصليب باسم الأب، ويجعلون الابن على أكتافهم ثم روح القدس على صدورهم، فكأنهم يرسمون الصليب، هذا الثالوث أو التثليث أدخله رجل يهودي أراد إفساد الديانة النصرانية وهو شاءول الذي تسمى باسم بولس، أما الهندوس فكذلك لديهم التثليث البراهما وفيشنو وسيفا.

أما من الذي تأثر بالآخر؟ فمن المعروف أن التثليث عند الهندوس وجد قبل الميلاد بثمانية قرون، ومعنى هذا أن النصارى هم الذين تأثروا بالهندوس، وبالتالي قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب له فيه محاضرات عن النصرانية: فعلى النصارى أن يبحثوا عن أصول دينهم، ثم وضع مجموعة علامات استفهام؛ لأنه عقد مقارنة بين النصرانية وبين الهندوسية، فأكد أن النصرانية في كثير من عقائدها قد أخذت من الهندوسية عن طريق شاءول هذا، وهو الذي أدخل على النصرانية عقيدة الصلب والفداء، وأن هناك رجلاً مات في سبيل فداء البشرية، ونفس القضية موجودة عند الهندوس في كرشنا الذي ذكرنا قبل قليل أنه رجل مشهور ومعروف، وقد قدم نفسه قتيلاً ليفتدي مجموعة كبيرة من الناس من الذنوب.

فهنا نوع من التقارب والتشابه، وهذا فيه دلالة على أن النصرانية أخذت أشياء كثيرة من عقائدها من الهندوسية.

أما فيما يرتبط بالشيعة فالشيعة ينقسمون إلى أقسام: فهناك الرافضة والباطنية، فالرافضة يمثلون الإمامية في إيران، والزيدية وغيرهم، والزيدية يخرجون من الرافضة في بعض الأحيان، والباطنية ويمثلون النصيرية والدروز والإسماعيلية، هؤلاء في الجملة قد أخذوا من الهندوس مجموعة من العقائد من أبرزها عقيدة التناسخ، وهناك كتاب اسمه (المصحف المنفرد بذاته) من تأليف كمال جنبلاط الزعيم اللبناني المعروف، وهو والد وليد جنبلاط أحد وزراء الحكومة اللبنانية، فلو قرأت هذا المصحف أو نصوصاً منه لوجدت فيه عقيدة إثبات التناسخ بشكل ثابت مركز، وهو مشابه لما هو موجود عند الهنود.

هناك بعض التغيرات في نواح معينة، فهناك عقيدة: كيف يموت الدرزي وعلاقته بالنصيري، وهل علاقة الدرزي بالنصيري كعلاقة الدرزي بغير النصيري؛ لأنهم متقاربون في العقيدة؟ كذلك نصيرية حافظ الأسد هؤلاء المجرمون الكفرة عقيدتهم فيما يتصل بالتناسخ موجودة عند الهندوس فقد أخذوها منهم.

وهناك قضية غير قضية التناسخ وهي قضية الشرك.

الهندوس يعبدون أشخاصاً مثلوهم بأصنام، نفس العملية بالنسبة للدروز وبالنسبة للنصيرية يعبدون أشخاصاً، فالنصيرية يعبدون علي بن أبي طالب، والدروز يعبدون الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي قتل عام (411هـ)، في مصر فهؤلاء وهؤلاء متقاربون في مسألة الشركية، كذلك فيما يرتبط بالحلول.

يقولون: إن الإله حل في الحاكم بأمر الله، فـ الحاكم بأمر الله يعتبر إلهاً بالنسبة للدروز، وعلي بن أبي طالب عند النصيرية إله كذلك؛ لأنه حل فيه الإله، ونفس العملية بالنسبة للهندوس، فكأن هناك تداخلاً في العقائد بين هؤلاء وهؤلاء.

الصوفية كذلك تأثروا تأثراً قوياً بهؤلاء الهندوس، فمثلاً ابن عربي فيقول: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب وإن قلت رب أنى يكلف بمعنى: أن القضية واحدة، ليس هناك عبد وليس هناك رب، فالجميع كلهم آلهة، ولذلك تجد أن الصوفي إذا سمع الكلب قال: لبيك ربي، وإذا رأى شيئاً قال: يا رب، وتتفاوت الأشياء عند هذا الملحد، فالصنم والملك والإنسان والحجر والقذارة كل هذه ممثلة في ربه.

والهدف من ذلك ليس هو التأثر بالفرق الأخرى، بل هناك أهداف أخرى، وهي أنه يريد أن يسقط التكاليف، لكن لا يريد أن يسقطها بطريقة مكشوفة، بل بطريقة منظمة وصل إليها بهذه الكيفية.

والصوفية الآن الموجودون في جميع أنحاء العالم لهم تأثر في العبادة بما يرتبط بالهندوس، فالهندوس يقولون قولاً مشهوراً وهو: أن الإنسان ملزم بعبادات معينة، لكن فيما بعد مع مرور الزمن هذه العبادات تقل، فيقتصر من هذه العبادات على ذكر كلمة أو كلمتين أو ثلاث كلمات: براهما، براهما، براهما، أو فيشنو فيشنو فيشنو، دائماً باستمرار والصوفية عندهم نفس هذا المنهج، فإن الصوفي إذا ترقى إلى درجة معينة سقطت عنه التكاليف كما يقولون، فلا يصلي ولا يصوم ولا يحرم حراماً ولا يحل حلالاً، يعني: فيزني ويرتكب الحرام وكل هذا حلال له.

المصدر

المكتبة الشاملة: محاضرة مفرغة بعنوان: “الهندوسية” للدكتور إبراهيم بن عثمان الفارس بتصرف يسير.

اقرأ أيضا

وظائف الرّسّل ومهمّاتهم

تعددت الأصنام والشرك واحد

التوحيد مفتاح دعوة الرسل

الكفار والمشركون في ميزان الشرع المعصوم

التعليقات غير متاحة