(وَإِن تَكۡفُرُوا۟ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِیًّا حَمِیدࣰا)      

الحمدلله رب العالمين وصلَّ الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :

فما أكثر وأعظم الفتن التي تموج اليوم كموج البحر، وعلى كلِّ رأس فتنة شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً .

وإن من أعظم هذه الفتن الكفر بالله تعالى والاعتراض على شرعه أو قدره والإلحاد في آياته، وهذا من الابتلاء التي اقتضته حكمة الله عز وجل ليميز به الخبيث من الطيب .

وليس الغرض من هذه الكتابة الرد على شبهات الملحدين وزبالات أذهانهم، حيث قد قام بذلك رجال أفاضل من طلاب العلم ولا زالوا يقذفون شهب الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق فجزاهم الله خيراً .

مقدمات ضرورية

وإنما أردت في هذا المقام تحديد الموقف الشرعي من بعض ملاحدة زماننا والحكم عليهم بحكم الكتاب والسنة ويقاس عليهم بقية الملاحدة ، ولكن يحسن قبل ذلك التقديم بمقدمتين :

المقدمة الأولى: إنهم لن يضروا الله شيئا

ليَعلم المبطلون من دعاة الإلحاد والمعترضين على فاطر السماوات والأرض أنهم بذلك إنما هم نشاز وشرذمة قليلون لا يساوون شيئا في العوالم التي خلقها الله عز وجل ، فإنها مستسلمة لربها خاضعة له منقادة لأمره ، فماذا يساوي دعاة الباطل والإلحاد عند عوالم السماوات وما فيها من الملائكة وعوالم الأرض والجبال والشجر والدواب ، وعوالم النجوم والكواكب ، فكل هذه العوالم عابدة لربها ، فماذا يساوي هذا الإنسان الحقير الصغير الذي يعيش على كوكب الارض !

إنه هو الشاذ الخارج عن الطريق الواسع الطويل الذي يعمره الملائكة والنبيون والصالحون ، وجميع عوالم السماوات والارض ، وصدق الله العظيم: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) [غافر:4].

وما عدا شياطين الإنس والجن لا يجادلون في آيات الله ؛ بل هم مستسلمون خاضعون .

فرويدكم أيها الملاحدة فإنكم لا تشكلون إلا هباءة بجانب هذه العوالم المستسلمة لربها ، وإنكم لن تضروا الله شيئاً والله غني عنكم وعن عبادتكم وما تضرون إلا أنفسكم ، قال الله عز وجل: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7].

وقال عز وجل: (وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].

وقال تعالى: (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا) [آل عمران:176].

وقال سبحانه في الحديث القدسي: يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبغلوا نفعي فتنفعوني1(1) رواه مسلم ..

فيا أيها الظالمون لأنفسهم بفرارهم من ربهم ورحمته وعدله وشرعه ، إنكم لن تضروا إلا أنفسكم ولن تضروا الله شيئاً ، وانظروا في تاريخ البشرية أين هم الذين كفروا بالله من الملاحدة والذين عادوا أولياءه من المؤمنين الموحدين !

إنهم أصبحوا في عالم النسيان لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزاً ، ولم يبق لهم إلا اللعنات المتتابعة عليهم من الله عز وجل والملائكة والناس أجمعين .

وبقي الموحدون أولياء الله لهم الذكر الطيب والبشرى في الحياة الدنيا والآخرة.

المقدمة الثانية: أغلب الملحدين ليسوا سوى مرضى نفسيين

إنه وبالبحث عن الدوافع التي دفعت هؤلاء المحادين لله ورسوله وشرعه وذلك باستعراض سيرتهم الذاتية وتاريخهم الماضي ؛ نجد أن جلَّهم قد عاشوا أمراضاً نفسية وضغوطات حياتية ؛ ضعف صبرهم أمام تلك الظروف ، وبدلاً من أن يردهم ذلك إلى ربهم والاستعانة به في تفريج كروبهم ؛ لجأوا إلى إطلاق العنان لشهواتهم الحيوانية والتمرد على كل ما يحول بينهم وبين هذه الشهوات المحرمة ، وفي مقدمة ذلك الدين وحدوده الشرعية فظهر ذلك في كفرهم بالله عز وجل وشرعه وقدره والإلحاد في آياته.

وبمعرفة هذه الملابسات التي مر بها هؤلاء الظالمون لأنفسهم والتي أفرزت لديهم الإلحاد نصل إلى حقيقةٍ ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام:33].

وقوله سبحانه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل:14].

إذاً ليس الأمر قناعات عقلية قادتهم إلى هذه الهاوية ، وإنما هم معترفون في بواطنهم وفطرهم بالله عز وجل ووجوده ووحدانيته، لكنهم أخطأوا البوصلة ففروا من ربهم وآياته الدالة عليه بدل أن يفروا إليه .

الموقف الشرعي من بعض ملاحدة زماننا

وبعد تلك المقدمتين ندخل في تقرير الحكم الشرعي على أعيان هؤلاء الزنادقة المخذلوين المغرورين بأنفسهم في ضوء الكتاب والسنة وذلك بذكر ثلاثة من أعيانهم وما ينبغي أن يكون في حقهم ، ويقاس عليهم بقية الزنادقة الملحدين في هذه الأمة .

إن أدلة الكتاب والسنة متوافرة على أن كل من ارتكب ناقض من نواقض الإيمان قاصداً مختاراً فهو مرتد بعينه تجري عليه أحكام المرتد في الدنيا ويستتاب فإن تاب وإلا قتل حداً ومثواه جهنم خالداً فيها وبئس المصير.

ومن هؤلاء الزنادقة الملحدين:

١ – تركي الحمد

اسمه الكامل: تركي بن حمد الحمد البريدي وهو من مواليد بريدة (خب القصيعة) في القصيم ولد سنة ١٩٥٣م ، وانتقل هو وعائلته وسكنوا في المنطقة الشرقية (الدمام) وسُجن أثناء دراسته في الجامعة لانتمائه لحزب البعث الاشتراكي .

وهذه أمثلة من كفرياته وردته عن الإسلام:

  • قوله: جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل وجاء زمن يحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبدالله.
  • قوله: على المسلمين اختيار إما محمد السنة أو محمد القرآن .
  • قوله: في رواية الكراديب: الانتحار انتصار على الله ففي الانتحار تفويت الفرصة على الله بأن تختار مصيرك (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).
  • وقوله: في نفس الرواية: أنت مسكين يا الله .
  • وقوله: الله والشيطان كلاهما وجهان لعملة واحدة .
  • وقوله: نوح يسكر وبنات لوط تزني .
  • وقوله: الدين والدولة مثل الماء والزيت لا يمتزجان .

فهل بعد هذه الكفريات والنواقض الجلية من يشك في كفر هذا الزنديق وردته ووجوب إقامة حكم الله تعالى وقتله ردة لترتاح الأرض والمسلمون من شره ، وأن يُسعى إلى ذلك إذا انتفت المفاسد التي تترتب على قتله وأن يصدر العلماء فتوى في ذلك.

٢ – عدنان إبراهيم

وهو فلسطيني من مواليد غزة وقد اشتهرت له شطحات وزندقات كثيرة ، ومن ورائه جهات عالمية استغلت شهرته فوظفته تلك الجهات في محاربة الإسلام النقي وبث الشبهات على المسلمين والتي تأثر بها بعض أبناء المسلمين.

ومن الأمثلة على زندقته وهرطقته

  • مدحه للملاحدة وتفضيلهم على بعض أهل الإيمان ، وقوله: إن التفكير العقلي يقود إلى الإلحاد . والإيمان هو حيلة المغلوبين البدائيين .
  • قوله: الشعب هو مصدر السلطات وليس الله عز وجل، الله مصدر السلطات في الأمور الدينية فقط .
  • قوله: اليهود والنصارى ليسوا ملزمين باتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
  • قوله: جنكيز خان التتري أفضل من معاوية ألف مرة .
  • قوله: إن الله لا يستطيع أن يقلب الكوب حصاناً .

٣ – ناصر القصبي

المولود في الرياض والذي درس في كلية الزراعة في جامعة الملك سعود ، وقد انبرى هذا المخذول الذي لا يضر بزندقته إلا نفسه لمحاربة الشريعة والاستهزاء بالدين وأهله منذ سنين في برنامجه المشؤوم (طاش ما طاش) فاستهزأ بتمسكهم بالدين ولحاهم وقصر ثيابهم وتعففهم عن الحرام ، وتوبتهم من المعاصي ، ولم يقتصر على ذلك حتى وصل به الأمر إلى:

  • الاستهزاء بكتاب الله عز وجل كاستهزائه بقوله تعالى: (أزفت الآزفة) بمعنى: قربت الساعة. فقرأها باستهزاء .
  • وكذلك استهزاؤه بقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) فقرأها المحصنات الناعسات.

فهل بعد هذا من كفر وزندقة !

يقول الله عز وجل: (وَلَئن سَأَلۡتَهُمۡ لَیَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ * لَا تَعۡتَذِرُوا۟ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِیمَـٰنِكُمۡۚ .. ) [التوبة:65-66].

وبعد:

فهذه أمثلة مظلمة من ضمن مئات الزنادقة من هذه الأمة الذين ظلموا أنفسهم ، وأمثالهم كثير .

الواجب تجاه هؤلاء الزنادقة

  • يجب أن تنفر طائفة من المؤمنين لفضحهم والتشهير بكفرياتهم للأمة حتى تحذرهم وتتبرأ منهم .
  • وجوب مقاطعة برامجهم وحواراتهم ومسلسلاتهم لأن الاستماع لهم وهم يطرحون هذه الكفريات خطر على المشاهد السامع أن يكون مثلهم ومعهم ، كما في قوله تعالى: (وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ یُكۡفَرُ بِهَا وَیُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُوا۟ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۤ إِنَّكُمۡ إِذࣰا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡكَـٰفِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعًا) [النساء:140] .
  • الرفع إلى المحاكم لمقاضاتهم على كفرياتهم وإقامة حكم الله الذي يُقام على أمثالهم من المرتدين إن لم يتوبوا .
  • إن لم يُقم حكم الله تعالى فيهم وتمادوا في زندقتهم ؛ فينبغي أن يتشاور أهل العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طريقة شرعية يُستأصل بها شرهم ولا يُتركون هكذا يضللون الأمة ! مراعين في ذلك فقه الموازنات.
  • فضح الحكام الذين يجعلون أمثالَ هؤلاء الزنادقة بطانة لهم يقرونهم على ما يقولون ، ويسهلون لهم السبل لنشر أوساخهم وزندقتهم للناس ، ويعطونهم الضوء الأخضر والإمكانات الإعلامية ويرفع من شأنهم . وأن يبيَّن للناس أن من يدعم الزنادقة في نشر كفرهم هو مثلهم أو أشد كفراً .
  • النظر إليهم بعين الرحمة والطمع في هدايتهم إن أمكن مقابلتهم او مراسلتهم ، ومناصحتهم برفقٍ وتذكيرِهم بالوقوف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة (إن كانوا يؤمنون بها) ، وتذكيرهم بأنهم لا يضرون إلا أنفسهم ولن يضروا الله عز وجل ولا دينَه شيئاً ، وتذكيرهم بعظمة الله فاطر السماوات والأرض الذي خلقهم وخلق الكون كلَّه ، ودعوتهم للتوبة قبل حلول الأجل وحينها لا ينفع يا ليت ولعل .

وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والحمد لله رب العالمين

الهوامش

(1) رواه مسلم .

اقرأ أيضا

تقريرات واجبة لمواجهة ظاهرة الإلحاد

الاستهزاء بالدين من نواقض الإسلام .. الشيخ عبد العزيز الطريفي

قاعدة الإسلام عبر الرسالات

التعليقات غير متاحة